2015/01/28

التخلص من آثار العامية

لتخلص من آثار العامية - أ.د. حسين جمعة
التخلص من آثار العامية - أ.د. حسين جمعة
ملأ ضجيج الحديث على العامية والفصحى أسماع الناس قديماً وحديثاً، ونشبت معارك نقدية مؤيدة ومعارضة؛ وظهر العديد من البحوث والدراسات فيها. واتخذت الدعوة إلى العامية والانتصار لها طابعاً سلبياً منذ أول كتاب صدر في هذا الشأن سنة 1880م للمستشرق (ولهلم سبيتا) بعنوان "قواعد العربية العامية في مصر". ففي هذا الكتاب إغراء صريح باستعمال العامية وكتابتها باللاتينية؛ ولم يترك فكرة يتفتق عنها ذهنه بالنيل من الفصحى إلا جاء بها، ثم شن هو وأتباعه حرباً شعواء على كل ما يتصل بها من تراث ودين...
ولسنا في صدد التأريخ للمؤلفات الداعية للعامية فقد قامت الدكتورة نفوسة زكريا سعيد برصد ذلك في كتابها (تاريخ الدعوة إلى العامية وآثارها في مصر) الذي نشرته دار المعارف بمصر سنة 1964م... ولكننا نثبت أن الدعوة إلى العامية كانت دعوة زائفة ضالة ولم يكن لها محتوى فَعَّال؛ على جهد أنصارها في ربطها بالدعوة إلى تيسير النحو والبحث عن قرائن لها في الماضي فيما عرف باسم اللهجات العربية.

أما أنصار الفصحى فوجدوا في اللهجات القديمة انتصاراً لرأيهم؛ وانتهوا إلى أن اللهجات قبل الإسلام وبعده لم تستطع أن تتغلب على الفصحى على نموها؛ واستمرارها في البيئات المحلية والقبلية. فقد ظلت الفصحى تنمو وتتدرج إلى الكمال، وطفقت تستوعب أشكال الحضارات، وثقافتها المختلفة التي برزت في العصر العباسي، وأصبحت اللغة العربية لغة الحياة والعلم على كثرة الاختلاط بالأمم الأخرى؛ ثم ظهرت قوتها الحضارية حين جعلها أهل البلاد المفتوحة لسان معارفهم وعلومهم اعترافاً منهم بقدراتها الهائلة فألّفوا فيها وأبدعوا.
ولكن هذا الازدهار أخذ يضمحل عندما انكفأت الحضارة العربية، وعانى أبناؤها تراجعاً علمياً ومعرفياً وتقنياً... ابتداءً بسيطرة العثمانيين على العرب نحو أربع مئة سنة وانتهاء بالاستعمار الأوربي الذي جزأ الأمة الواحدة ووفَّر كل ما يدعو إلى إشاعة اللحن، وشجع على استعمال العاميات إمعاناً منه في القضاء على اللغة الفصحى التي تمثل المعقل الأخير بعد القرآن الكريم لوحدة الأمة وهويتها.
ولم تتوقف سياسة التجهيل على اللغة وحدها؛ فقد استطاعت دوائر الاستعمار أن تسلب عقول بعض أبناء الأمة؛ وراحت توهمهم - ومعها أنصارها من العرب والمسلمين- بصعوبة الفصحى وتعقيدها؛ وتقنعهم بعجزها عن مواكبتها لمتطلبات الحضارة ومستلزمات التفجر العلمي والتقني والمعرفي... وتشجعهم على استبدال اللغات الأوربية بالعربية في تعليم العلوم في الجامعات؛ حتى صار عدد غير قليل من العرب والمسلمين أسيراً لتلك النظرة... وبرز المثال الصارخ في تركيا بعد أن اجتمع لها تلك الأسباب الخادعة فضلاً عن عصبية التتريك فتخلت كلياً عن اللغة الفصحى، وقطعت صلتها بالتراث العربي الإسلامي وبلغته... وإذا كنا نتفهم أن ما جرى في تركيا كان بفعل التعصب التركي فإننا نتساءل: ما الحجة التي تكمن وراء دعاة العامية في الوطن العربي هنا وهناك وبخاصة حين ظهرت دراسات شتى حاولت إيهام الناس بحسنات العامية - وإبراز سيئات الفصحى ومثالبها؟!! ومما يؤسف له أن فئة أخرى انخرطت تحت لواء هذه الدعوات المشبوهة - وإن كانت أحسن حالاً من دعاة العامية؛ وطفقت تدعو إلى إلغاء الإعراب وتيسير النحو وتقديم ذلك إلى بعض المجامع اللغوية على أنه إحياء للعربية وتجديد لها.
وهذه دعوة قديمة تتصف بهيئات من الجاذبية الخادعة لدى عدد من الفئات العمرية والشرائح الاجتماعية؛ لأنها تدغدغ عواطفهم وميولهم ورغباتهم؛...وربما سوغوا لأنفسهم هذا كله بانخراط عدد من المتميزين في تبنيها منذ وقت مبكر كما نجده عند إبراهيم مصطفى عام (1937م) الذي ألف كتاباً سماه "إحياء النحو"....
ولهذا وجدنا من ينهض مدافعاً عن الفصحى وأصولها، وكان دفاعه في بداية الأمر انفعالياً؛ ومن ثم تأطر بأشكال إيجابية ومؤثرة يوماً بعد يوم حتى آتت أكلها.. وقد ساعده على هذه الفعَّالية وجود القرآن الكريم الذي ما يزال حارساً للعربية وحافظاً لها، وتنامي الوعي بالانتماء القومي؛ وتأثير وسائل الإعلام، وانتشار التعليم...
وأياً ما يكن الأمر فهناك مشكلة قائمة على صعد شتى؛ وأهمها مشكلة استمرار العامية من دون أن ننسى مشكلة اللحن في اللسان العربي، ومشكلة تعليم الفصحى للعرب والأجانب؛ ومشكلة الترجمة والكتابة بالفصحى... وهذا كله يقوي بقاء العامية مستفحلة على الساحة العربية.
وفي هذا المقام لا ينبغي للعربي - وهو يواجه العامية - أن يلغي عقله في مواجهة التفجر المعرفي والتقني ما جعل الناس يقبلون على المثاقفة؛ واستعمال الألفاظ والمصطلحات والصور المستمدة من اللغات العالمية الحية، بوصفها حاجة وضرورة لحياتهم وثقافتهم، فكثر الدخيل والمعرب... ويبدو لي أن العوام أكثر سرعة وانفتاحاً على ما ينتجه العصر الحديث، ولاسيما أننا في زمن انتشار أدوات التقانة والفضائيات والإعلام والترجمة... فكان العامة يأخذون ما يحتاجون إليه في حينه دون انتظار اجتماع المجامع اللغوية، أو مراكز البحث والتعليم هنا وهناك... وهذا أيضاً زاد مشكلة الفصحى تفاقماً، ووقف سبباً آخر إلى جانب العامية لأنها لم تراع قانون الدخيل والمعرب... فالعامة تأخذ ما يوافق حاجاتها، وربما حولت اللفظ تبعاً لما تكون قادرة على لفظه...
ومهما قيل في هذا الأمر أو ذاك فإننا نؤمن بأن اللغة الفصحى تملك خصائص الحفاظ على الذات مثل الاتساع في البنى والمفردات؛ والأساليب الجمالية السامية؛ والقدرة في القوانين على تطوير نفسها. لهذا كله فهي قادرة على مواجهة تحديات العصر أياً كانت العلوم والتقنيات المستحدثة... فهي تملك أكثر مما تملكه أي لغة أخرى؛ في الوقت الذي تمثل هوية الأمة والرابط الحضاري والثقافي بين الحاضر والماضي....
ومن هنا أومن بأن العامية التي نراها - وعلى شدة انحرافها في النطق في بعض بيئات الوطن العربي - ظلت على صلة بالفصحى، ولم تستطع أن تتغلب عليها في كثير من المواقع والساحات، وليس هذا نتيجة للأسباب السابقة وحدها وإنما نتيجة أسباب أخرى مثل وجود بعض التجارب الناجحة كتجربة سورية في معهدي الطب والحقوق منذ (1919م)، وتنامي الوعي بأهمية الفصحى؛ وشدة الشبه بين نظام الكلام بين العامية والفصحى.
وكل مَن كان على دراية باللغات الأجنبية يدرك بدقة أن الفارق كبير بين اللغة الإسبانية وبين الفرنسية على الرغم من أنهما تحولتا عن اللاتينية ثم تنكرتا لها؛ ثم أن لغة الإنكليز اليوم لا تشبه لغة شكسبير ولغة القرن الثامن عشر؛ إن لم نقل لغة القرن التاسع عشر. أما اللهجة العامية عند العرب على وجود المسند إليه مقدماً - على الأغلب - في التركيب على المسند وعلى تغيير واضح في أدوات الربط ونطق جملة من الحروف فإنها لم توفّق بفصل نظامها عن نظام الفصحى؛ وبنيتها، علماً أن كليهما يقوم على نوعين متماثلين من الكلام؛ نوع عاطفي، ونوع منطقي موضوعي.
وإذا كنا - حتى الآن - لسنا قادرين على القضاء على العامية في الوطن العربي؛ فعلينا أن نسعى جاهدين إلى كبح جماح انتشارها، بعد أن قضينا على الدعوات الزائفة لترويجها وإقامتها مقام الفصحى... وإذا أرادت الأمة أن تتخلص من آثار العامية فعليها أن تتخذ الإجراءات الفعالة لجعل الفصحى لغة المحادثة والكتابة، وتتحرر إلى الأبد من حالة الازدواجية والانفصام في حياتها... فاللغة الفصحى ليست مجرد وعاءٍ للفكر وعاملِ رَبْطٍ تاريخي وثقافي وإنما ينبغي أن يستشعر الناس بأنها حاجة ضرورية ملحة للناس؛ وحاجة فطرية طبيعية كما كانت عليه من قبل... إذ كانت طَبْعاً رُكِّبَ في العرب صغيراً وكبيراً....
ولهذا كله يمكن القيام بما يأتي:
1 - إغلاق الباب نهائياً أمام الدعوة إلى تيسير الفصحى بحجة العامية أو مواكبة العصر... ولا شك أن الدعوة إلى العامية قد انكفأت إلى أماكن قصيَّة بعد رحيل الاستعمار الأوربي إن لم نقل إنها ماتت... وإن ظهرت دعوات إلى لغة وسطى أو نحوها بعد ذلك.
2 - السعي الدؤوب إلى خدمة الفُصحى:
إن التفجر المعرفي وما ينتجه العصر من تقنيات عديدة في مجالات شتى تفرض على المجامع اللغوية ومؤسسات التعليم والثقافة مواكبة ذلك وامتلاك زمام المبادرة؛ بإحداث لجان متابعة لكل ما يستجد في عالم اليوم؛ وإيجاد البديل اللغوي له، وعدم ترك المبادرة للعامة والمترجمين؛ وإن كان على تلك اللجان أن تستفيد من حس العامة.
وأرى في هذا المقام أن المعنيين بالأمر مقصرون؛ لأنهم يفكرون في الحل بعد أن تتفاقم المشكلة، وتنتشر المصطلحات بين العامة من دون أن ننكر الجهود المبذولة في مناقشة كثير من الألفاظ والأساليب المعاصرة في الأوساط المجمعية وتبنيها.
3 ـ تربية الناشئة على الفصحى في المدارس والجامعات:
قيل: مَثَل مَنْ يتعلم في الصغر كالنقش على الحجر؛ ومَثَل مَنْ يتعلم في الكبر كالنقش على الماء. فالعامية إذا تركت من دون إصلاح ومراقبة فإنها تؤثر في الناشئة تأثيراً سلبياً في اكتساب الفصحى. وإذا كانت الحياة من الأسباب المعززة للعامية في نفوس الأطفال والناشئة فإن التربية تصبح أخطر شأناً إن لم نُوْلِها العناية اللازمة. فقد وجدنا معلم العربية يقف وحيداً في مؤسسات التعليم يدافع عن العربية؛ بينما أكثر الأساتذة يشرحون المواد كلها بالعامية؛ وبطرائق هزيلة... ولهذا؛ لا بد من إعداد مدرس العربية أولاً ومن ثم إعداد الأساتذة في المواد الأخرى لخلْق فريق متكامل في العمل اللغوي، ثانياً؛ وبناء المناهج التربوية على أسس علمية موضوعية ثالثاً؛ وضبط الكتب بالشكل منذ المرحلة الأولى رابعاً؛ وتنمية الحس اللغوي والقومي في نفوس الطلبة وذويهم خامساً... علماً أن المتعلم يتأثر بالقدوة الحسنة وبالوسط المحيط شاء أم أبى.
4 ـ تقنين الألفاظ العامية:
إن العامة قد تستحدث كثيراً من الألفاظ التي نحتاج إليها في حياتنا الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والتقنية، وعلينا ألا نهمل هذه الثروة اللفظية وإنما ينبغي أن نرتقي بها إلى التطابق بينها وبين الفصحى. وليس هذا بالصعب على العامة لأنهم يستمعون إلى القرآن الكريم فيفهمون ما كان منه ظاهراً، ويتأثرون لسماعه، وليس هذا بمستحيل بين العامية والفصحى؛ لأن عوامل الالتقاء أعظم من عوامل التناقض... فلغة التخاطب عند العامة عربية وإن ابتليت بعلل وانحرافات... وإذا كنا لا نهمل ما انتهت إليه العامية فإن علينا استيعابها، وتقنين ما تنتجه في أنظمة الفصحى وأشكالها؛ فضلاً عمّا أومن به من أن نظامهما شديد التقارب؛ وليس مغايرة النطق رجساً فيها.
5 ـ ارتقاء الفصحى مع الحضارة والتقنية والعلم
من يزعم أن الفصحى غير قادرة على مواكبة التطورات العلمية تجاهل تاريخ هذه اللغة حين حوّلت مفاهيم كثير من الألفاظ من اتجاه إلى آخر بنزول القرآن الكريم، وأنتجت معاني لم تعرفها الجاهلية كالصوم والصلاة والزكاة والمنافق... كما نقلت العديد من الاصطلاحات الأعجمية كالإسطرلاب من اليونانية والبنج والأسطوانة من الفارسية، واستوعبت أحدث ما توصل إليه الفكر من جدل منطقي وعلمي، واخترعت اللغة المناسبة لأفكار أهل المنطق والاعتزال وأهل الفلسفة والرياضيات والكيمياء واصطلاحات الأدب والفنون. وقد ألف في هذا الشأن بعض معجمات؛ مثل (التعريفات) للجرجاني، و(الكليات) لأبي البقاء؛ و(كشاف اصطلاحات الفنون) للتهانوي.
فالفصحى تتسع لكل ما ينتجه أي عصر من معارف وعلوم وتقنيات. وإذا كانت شهادة التاريخ تؤكد تطورها واتساعها لتستوعب كل دخيل فإن تجربة سورية في العصر الحديث تعزز ذلك، فضلاً عن أن حركة التعريب أثبتت بما لا يدع مجالاً للشك قدرة العربية على مواكبة الحضارة. وكانت سورية قد طبعت تعليم الطب وبقية العلوم بالفصحى منذ عام (1919م) في أيام حكومة الأمير فيصل في "المعهد الطبي العربي"؛ الذي صار جزءاً من الجامعة السورية سنة (1923م) ولم يختلف مستوى التدريس، واستمرت الفصحى بالنمو والتطور في الجامعات السورية ولم تعجز عن أداء دورها؛ ولم يكن مستوى الخريجين من كليات الطب والعلوم والزراعة والهندسة وغيرها أقل مستوى من نظائرهم في الجامعات العربية التي درست باللغات الأوربية؛ بل أثبتت الإحصاءات تفوق خريجي كليات الطب في سورية... ثم تفاقمت المشكلة في الجامعات العربية حين أرادت اختيار أساتذة لكلياتها العلمية فلم تجد من يتقن العربية، وظهر فيهم ضَعف علمي؛ وإن كانوا قد درسوا بلغة أجنبية. وهذا ما أبرزته دراسة الدكتور صادق الهلالي بعنوان "تعليم الطب بالعربية في الجامعات العربية" والمنشورة في مجلة شؤون عربية (العدد 47 - أيلول 1986م). وهناك دراسات أخرى كثيرة تثبت قدرة العربية الفصحى على استيعاب أحدث ما تنتجه آلة المعرفة والتقنيات والعلوم على صعيد المضمون والمصطلح والألفاظ. ويشهد للفصحى في هذا المجال تنوع المعجمات تبعاً لاختصاصات العلم، وقد ظهرت بكثرة مثل (معجم الفيزياء للدكتور جميل الخاني، ومعجم الألفاظ والمصطلحات الفنية في فن الجراثيم للدكتور أحمد حمدي الخياط، ومعجم في الأمراض الإنتانية والطفيلية، ومعجم في أمراض جهاز التنفس وكلاهما للدكتور حسني سبح والمعجم الطبي العربي الموحد، والمعجم العربي الموحد لمصطلحات طب الأسنان) وغير ذلك.
6 ـ أهمية وسائل الإعلام
إن ما يشجعنا على التفاؤل في تقارب العامية والفصحى وتضاؤل الفوارق بينهما ما تقوم به وسائل الإعلام من صحافة وإذاعة وتلفزة من الحديث باللغة الفصحى والكتابة بها...
ومن هنا تكمن أهمية إعداد كل من يشتغل في هذه الوسائل إعداداً لغوياً سليماً؛ فقد ثبت في ضوء التجربة المعاصرة أن تأثيرها لا يقل عن التعليم؛ إن لم نقل أهم منه...
7 - صعوبة كتابة العامية
قد تكون المحادثة بالعامية شائعة على الألسن فسهل تداولها بحكم ألفتها ولكن كتابة العامية أصعب بكثير من كتابة اللغة الفصحى؛ فالفصحى أقدر على التعبير الأدبي الثقافي الرفيع، وتملك من الأساليب البلاغية، واللغة الشعرية ما لا تملكه العامية؛ ولا يقل الأداء السماعي للفصحى عن ذلك.
ولعل صعوبة الكتابة بالعامية جعل من يؤمن بها يدعو إلى الكتابة بلغة أجنبية أخرى عالمية وعلمية؛ كما زعم. ولم يمنع هذا وجود بعض الأعمال المكتوبة بالعامية بحجة مناسبتها لمستوى العامة وطبيعة ثقافتهم وحياتهم؛ ونرى أنها ستموت بموت عصرها.
8 - الفصحى صورة لوحدة العرب في التفكير والتراث واللغة:
تلحّ على الشعوب العربية في العصر الحديث صورة التجمع والتضامن في مجالات كثيرة؛ إن لم نقل صورة الوحدة. ونرى أن أكثر ما تتحقق هذه الصورة في الفصحى لا العامية؛ في الوقت الذي تمثل الفصحى آخر معقل لهم في الانتماء؛ بينما تجسد العامية صورة الفرقة والتمزق واقتلاع الجذر الأصيل للهوية القومية...
فالوعي القومي باللغة - وإن نما عشوائياً في كثير من الأحيان - كان يسهم بإظهار ما تتصف به الفصحى من ممارسة توحيد الأمة من المحيط إلى الخليج؛ وهي ركن من أركان القومية في وحدة الاجتماع والتفكير والتراث. وما زالت الآمال معقودة على توحيد الجهود المشتركة لخدمة اللغة الفصحى سواء بإصدار معجم موحد في ميادين متعددة؛ أم بتضافر الجهود بين مجامع اللغة ومؤسسات التعليم والثقافة.
تلك هي رؤيتنا للتخلص من آثار العامية والدعوة إلى اللغة الوسطى؛ وأرجو لها أن تسهم في جعل اللغة الفُصحى لغة المحادثة والكتابة؛ وأن تكون سلوكاً فعَّالاً إلى تعزيز الروابط القومية بين العرب، وتشكيل التفكير المنطقي لديهم؛ وإزالة آثار العُجْمة من ألسنتهم..



المصدر : الباحثون العدد 62 آب 2012

ليست هناك تعليقات: