2015/01/01

اللغــــة الـمنـدائيــّة



تاريخها وحاضرها

 د. قيس مغشغش السعدي
  
اللغة المندائية هي اللغة الخاصة بالصابئة المندائيين، يصنفها اللغويون بأنها واحدة من عائلة اللغات السامية ويعدّونها الفرع النقي للغة الآرامية الشرقية (العراقية). علماً بأن الآرامية الشرقية هي لغة بلاد النهرين التي تشتمل على اللهجتين (الشمالية الآشورية) و(الجنوبية البابلية). بهذه الآرامية تمت كتابة العديد من الكتب المقدسة، مثل التوراة والتلمود البابلي وكتاب المندائيين المقدس (كنزا ربا) و(أنجيل ماني البابلي). ويبدأ تاريخ هذه اللغة الى القرون الاخيرة السابقة للميلاد. ان الاصل الآرامي العراقي للغة المندائية يؤكدالأصل النهريني للمندائيين، حيث تحتوي على كم كبير من المفردات الأكدية التي مازالت باللفظ نفسه أو الأقرب له من سائر اللهجات الأخرى، بل وحتى في بعض الكلمات والألفاظ السومرية أيضاً
.
أن معرفة الآرامية البابلية يتم من خلال وثائق الكتابات اليهودية والمندائية. بالنسبة للتوراة والتلمود البابلي، فقد اختلطت مع الكثير من المفردات العبرية. وأما اللهجة الآرامية الاكثر فائدة فهي المندائية، لأنها تقدم لنا لهجة آرامية خالصة، لم تتصل كلماتها وتراكيب جملها بسبب لا بالعبرية كما في اللهجات اليهودية، ولا بالإغريقية كما في اللهجات المسيحية. وان طريقة المندائيين في الكتابة تمثل الأصوات الحقيقية للّغة تمثيلاً صادقاً، ومن خصائصها اختفاء الحروف الحلقية منها كذلك. كما أنها تقدم تفرداً في التعبير عن الحركات بالحروف الأصلية في الوقت الذي لجأت أخواتها الساميات الى التعبير عنها بالرموز (الحركات) التي توضع فوق الحرف أو تحته.
ولا شك أن الأسباب التي أبقت اللغة المندائية بعيدة عن أي تأثير وبالتالي بقت محافظة على أصولها هو أن المندائيين قد وثّقوا كتبهم الدينية ونسخوها بهذه اللغة وهم ينظرون إليها بقدسية تامة بحيث أن أي تحريف أو تغيير أو عدم إلتزام إنما يُخرج الناسخ عن المجموعة ويجعله بدرجة أدنى . وعلى هذا ترى اللعنات تصب تحذيراً على كل من يخطئ أو يزل أو يحرّف أو ما شابه ذلك في أصل النصوص الدينية وفي اللغة التي كتبت بها هذه النصوص حيث يثبت ذلك في نسخ الكتب الدينية ذاتها. وقد عُدَّ الاعتداء على أي نص من المحرمات. ومن خلال هذا التقديس للنصوص الدينية قـُدست اللغة التي تكتب بها والكتب التي تحتويها حتى أن أي نص أو قطعة تحمل كتابة مندائية يجب أن لا ترمى على الأرض، وإن إقتضى الإتلاف فيجب أن ترمى في الماء. وقد أفاد التزمت المندائي من هذه الناحية في أن تبقى لغة المندائيين محافظة على النسق الأول الذي ظهرت به. وبما أن هذا النسق هو الأقرب الى الآرامية الشرقية وظل محفوظاً دون تأثر، فقد تمت المحافظة على سمة الآرامية الشرقية بمحافظة المندائية عليها.
وحيث يرجع المندائيون أنفسهم الى (آدم) وأن نصوصاً عديدة في كتبهم الدينية تتحدث عن كيفية الخلق العلوي والخلق السفلي لآدم وذريته وهم يؤسسون على النص الثابت : (واِفرش مادا لآدم و لهوا زوا وشرباتا) وترجمته : وكشفت المعرفة لآدم ولحواء زوجه وذريتهما، فإنهم يجادلون في أن آدم قد عـُلم المعرفة وأن اللغة التي تعلم بها هي اللغة المندائية، بحسب ما يتناقل بينهم في إشارة الى أقدميتهم.
انتشرت اللغة المندائية في أماكن إنتشار الطائفة المندائية في بابل والمناطق الممتدة جنوباً الى مملكة ميسان وبلاد عيلام (الاحواز) في القرن الأول الميلادي. ويرجح تبني العيلاميين والميشانيين الأبجدية المندائية في القرن الثاني الميلادي لمرونتها وقوة تعابيرها فصارت اللغة التي دونت بها الكثير من الوثائق ونقشت الكتابات بحروفها على العملات والمسكوكات المعدنية وكذلك في أواني الأحراز التي عثر عليها أثناء الحفريات في مناطق عديدة من العراق وبخاصة في مدينة (الطيب وبسماية ونفر). وهذه المكتشفات تعود الى القرون الاخيرة السابقة للميلاد.
المندائيون في العراق والاحواز
إن امتداد الجنوب العراقي الى (الاحواز) التابعة حالياً لأيران وتداخل المدن ضمن رقعة جغرافية واحدة جعل عيش وتواجد المندائيين موصولاً في هذه الرقعة على سعتها وانفتاحها يحكم أنهم قطنوا ومنذ أزمنة سحيقة مدناً مثل (المحمرة والأهواز وشوشتر وديزفول وسربيل زهاب وكلالمنطقة التي يطلق عليها الاحواز). وهم بذلك يشَّكلون إمتداداً للمندائيين الذين يقطنون منطقة ميسان ومنطقة المنتفك (الناصرية). ولا شك أن مثل ذلك الامتداد يشمل مدن البصرة والقرنة وأبو الخصيب كما يشمل واسط والمسيب وبسماية. ولم يكن الأمر عصر ذاك يتحدد بأن هذه إيران وتلك هي العراق حتى في تعاقب حكم رؤوساء العشائر التي كانت ممتدة ضمن هذه الرقعة الجغرافية يوم لم تكن هنالك حدود. وكان امتداد العشيرة ضمن رقعة جغرافية معينة يمكن أن يشكل حدوداً لتلك العشيرة بحسب نفوذها السلطوي وقد تمتد بعض العشائر بين البلدين ولا ضير. وعلى هذا فحينما يُضام شخص أو أسرة أو مجموعة يمكن أن تطلب حمايتها ضمن عشيرة أخرى. وحين تعرض المندائيون الى حالات موثقة من اضطهاد بعض رؤوساء العشائر في الأحواز والمحمرة لجأوا الى إخوانهم في سوق الشيوخ والعمارة. وبعد تثبيت الحدود وترسيمها على مستوى العراق وإيران كدولتين سياديتين أصبح هنالك تقسيم جغرافي ملزم، وبه أصبح المندائيون الذين يقطنون في الاحواز إيرانيي الجنسية والآخرون في العراق عراقيي الجنسية. ويشير التاريخ المعاصر المدون في تذييلات الكتب الدينية المنسوخة من قبل المندائيين أوالروايات المحكية والمتناقلة جيلاً بعد جيل بين المندائيين أنفسهم الى أن حال المندائيين في كلتا البقعتين الجغرافيتين لم يكن بأحسن من بعض، بحكم الامتداد الواحد والتأثر القيمي السائد دينياً وسلطوياً .
النهضة التعليمية
حينما بدأت بوادر الحكم الوطني في العراق وما نجم عن ذلك من سعي لنشر التعليم وإشاعته قد فسح المجال أمام الجميع بمن فيهم المندائيين من أجل الانتظام دونما تمييز عرقي أو ديني. وقد يعود ذلك الى التنوع العرقي والديني الكبير في العراق والوجود المؤصل للمندائيين واليهود والمسيحيين فيه. ولقد شجع ذلك المندائيين على الانخراط في التعليم لأنهم وجدوا فيه مجالاً مناسباً لتخليصهم من واقع صعب ومعاناة مستمرة من الاضطهاد الذي كانوا يتعرضون له بسبب إعتمادهم المهن الحرفية وهي خدمية في الغالب. وربما أن خلفيتهم كديانة عرفانية مؤسسةعلى المعرفة، كانت من الدوافع التي ساهمت في ذلك الإقدام الواسع والجريء على الانتظام في المدارس والتفوق فيها. وقد شجعت قيمة التعليم في التمايز وضمان الحصول على وظيفة محترمة ومقدّرة من قبل المجتمع لارتباطها بالشكل الرسمي من جهة ولأن مرتبها الشهري كان يوفر مستوى معاشي يفوق في رفاهيته ما كانت تعود به المهن الحرفية التي يمتهنوها عامة. وكانت معاناة المندائيين الآباء السابقة والموروثة وراء دفع الأبناء الى النجاح والتفوق، وكان هذا وراء أن سجل الأبناء إقبالاً وأقداماً وتفوقاً كفل للعديد منهم التنافس على احتلال مواقعفي التعليم والطب والهندسة والوظائف في دوائر الدولة الأخرى. وقد شهد سلك التعليم إقبالاً أكثر تميزاً في المراحل الأولى ذلك أن توجه الدولة كان واضحاً نحو هذا الميدان الذي يساهم في القضاء على الأمية وتطوير القدرات البشرية. ولأن ذلك يتطلب فتح مدارس عديدة وأن هذه المدارس ستحتاج الى ملاكات تعليمية كثيرة فقد وجد المندائيون أن التخرج في سلك التعليم يعني الحصول على فرصة عمل قائمة ومضمونة. ثم أن مثل هذا العمل الشريف والراقي سيضع الفرد المندائي بالمنزلة التي توفر الإحترام من خلال قيامهم بتعليم أبناء المجتمع عامة وما سيحفظه المتعلمون لمعلميهم من باب العرفان ورد الإحسان. وهذا ما حصل فعلاً، حيث غدا حرص المندائيين في عملهم وراء أن يُذكروا كمعلمين والى الآن بكل الخير والتقدير والإحترام. وانسحب هذا التقدير بشكل عام على احترام المندائيين عامة فوق ما كان لهم من سمعة طيبة في أداء أعمالهم في مجال الصناعات التي كانوا يقومون بها والخدمات التي يؤدونها للمجتمع.
 وضع اللغـة المندائية في العراق
وبمقدار ما تحقق للمندائيين من تحسن في المستوى التعليمي وما يرتبط به من تحسين للمستوى المعاشي والاجتماعي والقيمي، فإن هذا الأمر قد أدى الى مردودات سلبية مباشرة على صعيد تعلم اللغة المندائية واستمرار التحدث بها. كما أنه أوقف الدرس الديني للعقيدة الدينية والحصول على المعلومات والمعارف التي تبصّر بالدين وتكون كفيلة بنقله للآخرين. وقد خسر المندائيون خسارة كبيرة يوم أوقفوا تعليم أبنائهم اللغة المندائية والمعرفة الدينية. فلو قيض لهم أن يواكبوا مع تعليم الأبناء في المدارس النظامية تعليم لغتهم المندائية أيضاً لأصبح لدينا اليوم جيلاً مهماً من المعلمين للّغة المندائية، ولبرعوا فيها كما عُهدت منهم البراعة في التخصصات التي قاموا بتعليمها وكانوا فيها معلمين أكفاء. ولكن ضرورات التفوق في ميدان التعليم النظامي بغية الحصول على فرص العمل قد أوقفت أي اهتمام آخر، بل حتى أن أبناءعلماء الدين، وهم الذين ورثوا الانتساب للسلك الديني، رغم أن هذا الأمر ليس وراثياً، حين انتسبوا الى التعليم النظامي قد توقف أغلبهم عن الانتساب للسلك الديني مما حدّدَ عدد المنتسبين لهذا السلك في فترات ما بين عشرينيات القرن الماضي وحتى الثمانينات منه. وحتى أولئك الذين انتسبوا للسلك الديني جاءوا بعد أن أنهوا مراحل دراسية نظامية ولم ينشغلوا تماماً في اكتساب اللغة المندائية منذ وقت مبكر وربما تركزت معرفتهم على حفظ نصوص مندائية. كما أن عدم توفر مدرسة إعداد لغوي وكهنوتي للمنتسب للسلك الديني قد جعل مستوى التعلم للَّغة وللفقه الديني بحدود ضيقة لاترقى الى أكثر من الحفظ والالتزامات العامة. وحين تمكـّن المندائيون في مجالات التعليم والتخصص والعمل وصحوا على لغتهم كان قد مر أكثر من جيل على ذلك. وبتوقف الدرس فيها لم يعد بالإمكان التعلم عن كبر. ثم أن توزع المندائيين بين المدنفي العراق قلل من فرص التجمع والالتقاء والاحتكاك من أجل التخاطب. إضافة الى تباهي الأبناء بالتحدث الفصيح باللغة العربية والتميز في كتابتها وإجادتها مقارنة بالآباء الذين غدوا ينظرون الى أبنائهم نظرة احترام من هذا المنظار، ناهيك عن اللغة الإنكليزية التي تمكنوا منها أيضاً وشكلت أنشغالاً لهم. لقد أتى ذلك على أية فرصة ممكنة لتعلم اللغة المندائية والتي توقف التحدث والتخاطب بها داخل الأسرة الواحدة بأسباب سبق وأشرنا إليها.
 وضع اللغة المندائية في الاحواز
أما على مستوى المندائيين الذين ظلوا في الاحواز التي غدت ضمن حدود إيران، فإن عدم إتاحة الفرص التعليمية لهم كما حصل مع إخوانهم في العراق أبقاهم كما عاش أجدادهم أكثر تجمعاً في مناطق السكن وقد ساعد ذلك على توجههم نحو الدراسة الدينية وتعلم اللغة المندائية من هذه الناحية، بل أن شدة الإضطهادات التي عانوا منها كانت سبباً في تقوقعهم على أنفسهم وفي نضالهم بعدم التسليم للآخر. وكان من ذاك أن ظل الدرس الديني شائعاً بين المندائيين ولو بشكل محدود. وظلوا ملتزمين بدرجة أشد بممارسة طقوسهم الدينية بحسب أصولها بل وربما تزمتوا بتلك الأصول خشية وتحسباً وبدرجة أكبر مما لدى المندائيين في العراق.
ومن الأمور التي ظل المندائيون في الاحواز محافظين عليها الى حد ما هو موضوع اللغة المندائية والتخاطب بها تواصلاً مع الموروث، وربما لجعل الآخرين من المحيطين غير عارفين بما يدور بين المندائيين أنفسهم بحكم المعاناة والاضطهاد. ولكن هذه اللغة لم تعد اللغة القديمةالتي دونتها الكتب الدينية والتي أصبح يطلق عليها اللغة الكلاسيكية سواء من حيث مفرداتها أو طريقة التحدث بها، بل وحتى تبادل لفظ بعض الحروف تأثراً باللغة الفارسية خاصة وأن الجميع لم يرث بشكل منطوق تلك اللغة القديمة رغم أنهم ورثوا مفرداتها ونصوصها في كتبهم الدينية ورغم أنهم ظلوا يقرأون نصوص الطقوس الدينية التي يؤدونها كما وردت في كتبهم الدينية وهي مكتوبة بلغة قديمة. ومع ذلك فإن القراءة في الكتب الدينية لاتعني بالضرورة التحدث بها لغة مخاطبة. وباستسهال إدخال المصطلحات العربية والفارسية المستحدثة للتعبير عن متطلبات الحياة الجديدة والتطورات والمسميات التي ترتبط بها فقد دخل العديد من الكلمات والمفردات وشيئا فشيئا اختلطت باللغة المندائية الأساس مشكـّلة ما أطلق عليه باللغة الحديثة أو (الرطنة).
وأول من نبَّهَ الى هذه اللهجة على مستوى دراسة اللغة المندائية بشكل أكاديمي من قبل الباحثين هو البروفسور (ماتسوخ) الذي تفاجأ حينما قام بزيارة الى الأهواز عام 1953 بإطلاعه على لهجة غير معروفة في المندائية وهي اللهجة التي يتخاطب بها المندائيون فيما بينهم والتي يمكن من خلالها اعتبار أن اللغة المندائية مازالت لغة حية ولم تمت وذلك لتأسس اللهجة المحكية على اللغة الكلاسيكية وبالتالي فقد عدت اللهجة المحكية بمثابة اللغة المندائية الحديثة وإطلق عليها Neo Mandaic .
مستقبل اللغة المندائية
إن هذه اللغة التي تعتبر من مقومات كيان الصابئة المندائيين، والتي توثق جانباً أساسياً من تراثهم وأدبهم وطقوسهم، بل ومن تراث العراق بحكم الإشتراك الذي أشرنا إليه، هذه اللغة اليوم تعد بكل المقاييس لغة مهددة بالإنقراض. وإنه من المؤسف حقا أن تكون هذه النتيجة بأسباب الإهمال التام الذي أصابها في وطنها الأم العراق. لا يتحدث اللغة المندائية من المندائيين البالغ عددهم في جميع أنحاء العالم حوالي 60000 نسمة أكثر من 100 شخص. يشكل رجال الدين نسبة 40% تقريباً منهم بحكم أن الطقوس الدينية المندائية التي يجريها رجال الدين تتم باللغة المندائية. لكن هؤلاء أنفسهم لا يتحدثون اللغة المندائية في بيوتهم ولا حتى فيما بينهم أثناء تلاقيهم. ومن عامة المندائيين في العراق لا يتحدثها أكثر من 10 أشخاص. والعدد الآخر هو من المندائيين المتواجدين في جنوب إيران الذين يتحدثون المندائية الشعبية (الرطنة).
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الكتابة المندائية ونصوصها

من الأمور التي تميزت بها اللغة المندائية هي وضع أشكال رمزية خاصة بالأبجدية، ويعد هذا من المؤشرات المهمة لقدرة المندائيين من جهة وحرصهم على تميزهم بهذه الأبجدية التي تقدم خصوصية في اللغة ودليلا على قدرة الإبتكار والحاجة الى التدوين والكتابة الخاصة.
الأبجدية المندائية
تتكون الأبجدية المندائية، شأن جميع أبجديات لهجات اللغة الآرامية، من أثنين وعشرين حرفاً. وهي تحتفظ بالتسلسل الأساس لصيغة أبجد هوز، ولذلك فإن حروفها تتسلسل : (أبجد، هوز، حطي، كلمن، سعفص، قرشت). وربما من أجل أن يستكمل عدد الحروف ليكون العدد الفلكي (24) كونه من مضاعفات العدد (12)، فقد عمد المندائيون الى حساب أداة التعريف (إد) حرفا. كما كرروا حرف الألف في آخر الأبجدية إنطلاقاً من نظرة تكاملية بحسب فلسفة العقيدة المندائية من أن جميع الأشياء تعود في منتهاها الى مبتداها. هكذا صار عدد حروف الأبجدية المندائية أربعاً وعشرين حرفاً، الحروف العاملة فيها إثنان وعشرون حرفاً.
أما أصوات الحروف فإن لفظها يكون في لفظ ما يقابلها من حروف مناظرة في اللغة العربية تقريباً عدا أن صوت حرف الجيم لا يلفظ جيماً بل (گ) أي كافاً ثقيلاً كما في اللغة الفارسية واللهجة المصرية. ويظهر أن حرف الحاء قد ضمر استخدامه وتحول تدريجياً ليصير إشارة الى ضمير الشخص الثالث المفرد الغائب ويلفظ في الغالب كما يلفظ حرف الياء. وقد تحول صوت حرف الحاء الذي يرد في الكلمات الى صوت حرف الهاء كما فقد العين صوته وتحول الى صوت نطق الهمزة.
ولا تحتوي اللغة المندائية أصوات أحرف ما يطلق عليه (الروادف) وهي (ثخذ ، ضظغ). وبحسب قواعد التليين في لفظ بعض الحروف فإن حرف الكاف يمكن أن يلفظ خاءً كما في الضمير إلك : لكَ حيث يلفظ مندائيا : إلخ. كما أن حرف الجيم أو الكاف الثقيلة يمكن أن يلفظ غينا ً بحسب وروده في الكلمة كما في كلمة (تاجا) : التاج حيث تلفظ مندائيا (تاغا). ويلفظ حرف الدال ذالا بحسب وروده في بعض المواقع من الكلمة كما في كلمة (ترميدا) التي تلفظ (ترميذا) وتعني: التلميذ. وهكذا في حرف التاء الذي يمكن أن يلفظ ثاء كما في كلمة (بت) التي تلفظ (بث) والتي تعني : بنت.
ويظهر لنا بأن أساس اللفظ في اللغة المندائية إنما كان متحدداً بأصوات (الأبجد هوز)، ولتوسع إستيعابات اللغات وبخاصة في مراحل تطورها المتقدمة وبظهور الاستخدامات الواسعة التي اعتمدتها اللغة العربية وألفاظ اللغات الأخرى برزت الحاجة الى مجاراة أصوات الحروف غير الموجودة في عائلة اللغة الآرامية والتي أطلق عليها ابن النديم تسمية حروف (الروادف). فقد عمدت الى استخدام هذه الحروف ولكنها لم تضع أشكالاً جديدة لها بل اكتفت بأشكال الحروف الأقرب لها. كما ذهب البعض الآخر الى وضع نقطة أو أكثر فوق أو تحت بعض الحروف كما في الأبجدية العربية والسريانية ليميز هذه الحروف من حيث اللفظ ودونما حاجة لوضع أشكال جديدة لها.
تهجئة حروف الأبجدية المندائية
أما طريقة تهجئة الحروف في اللغة المندائية فيكون مطابقاً تماماً للطريقة المعروفة في اللهجة العراقية، أي بإعتماد الهمزة المكسورة قبل صوت الحرف وتسكين آخره. فحرف الباء مثلاً لايلفظ باءٌ بل (إبْ).... وهكذا. ويعد هذا التطابق أول وأبرز تطابق بين الإثنين.
  
ــــــــــــــــــــــــــــــ
نـَــصٌ منـــدائي
  
قراءة النص وترجمته
ــــ

ألاها ربا إد مِن نـَفشي إفرشْ
الله العظيم الذي إنبعث من ذاته
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تماما كما في الكتابة العربية، فإن قابلية مد الحروف في الكتابة المندائية يمكن أن تتيح فرصاً للتشكيل في الكتابة. وتأسيساً على ذلك نجد أن الناسخين المندائيين قد اعتمدوا إنهاء كل نص آية (بوتا) بوضع مقطع (صــــــــه) وهو مختصر كلمة (ساكا) أي نهاية. وقد أصبح مدلول هذا المقطع كمدلول كلمة آمين.
ـــــــــــــ
المراجع
هذه بعض المراجع الاساسية التي تم اعتمادها عن اللغة المندائية :
ـ كارل بروكلمان / فقه اللغات السامية / ترجمة الدكتور رمضان عبد التواب / الرياض 1997
ـ الدكتور قيس مغشغش السعدي/ معجم المفردات المندائية في العامية العراقية / درابشا للنشر/ ألمانيا 2008

ليست هناك تعليقات: