2015/02/03

الفارسية.. أكثر اللغات تلاقحا مع اللغة العربية

لقاهرة - مدحت عبد الدايم
الفارسية الإسلامية أو الحديثة هي المرحلة الـ4 أو الأخيرة حتى الآن من مراحل تطور هذه اللغة، أما المراحل الـ3 السابقة، فهي مرحلة ظهور الإمبراطورية الفارسية الأولى التي أسسها "كوروش" موحد قبائل الهضبة الإيرانية، الذي أدرك أن اللغة والعقيدة منوط بهما توحيد القبائل، فأخذ لغة إقليم "بارس" أنقى اللهجات وجعلها لغة رسمية للدولة، وأطلق الباحثون على اللغة التي سادت آنذاك اسم الفارسية القديمة "بارسي باستان"، كما سادت قبل ذلك لغة "الأوستا" كتاب زرادشت المقدس، والتي عرفت باللغة الأوستائية "أفستائية" وكُتبت الفارسية القديمة بالخط المسماري، كما كتبت من الشمال إلى اليمين.

وفي كتابه الصادر عن مكتبة "الآداب" عن "اللغة الفارسية" يعرض الدكتور السباعي محمد السباعي لنحو هذه اللغة وصرفها وتعبيرها، لافتا إلى مراحل تطورها، وأن الإسكندر الأكبر حين غزا إيران أدرك أن الجيوش تَغلب وتُغلب، وأن القضاء على العقيدة يقضي على ركن أساسي في الأمة ويتمثل ذلك القضاء على اللغة، فجعل اليونانية بعد انتصاره لغة رسمية للدولة، فتوارت الفارسية القديمة التي ظلت سائدة منذ منتصف القرن الـ6 قبل الميلاد حتى الربع الأخير من القرن الـ4 قبل الميلاد.
واستمر الحال على هذا النحو بعد وفاة الإسكندر وفي عهد خلفائه، إلى أن قامت الدولة الأشكانية لتبدأ الدورة الثانية من مراحل تطور اللغة الفارسية، فظهر ما أسماها الباحثون باسم "البهلوية الأشكانية" في المنطقة التي سيطرت عليها تلك الدولة، أي المناطق الشمالية من الهضبة، وكتبت تلك اللغة من اليمين إلى الشمال.
وبقيام الإمبراطورية الساسانية في الربع الأول من القرن الـ3 الميلادي، وخروج مؤسسها أردشير من إقليم بارس أو فارس، اتخذ لغة قبيلته لغة رسمية للإمبراطورية هي " البهلوية الساسانية" وانتشرت في جنوب الهضبة الإيرانية لتشمل إيران كلها فيما بعد، وكتبت من اليمين إلى الشمال، وأطلق على هاتين اللغتين اسم الفارسية الوسطى "بارسي ميانة" وظلت هذه اللغة حتى ظهور الإسلام، وبدخول الفرس في الإسلام تنتشر العربية لغة الدين، ويقبل الإيرانيون على تعلمها، ويظهر من بين إيران علماء أجلاء، في مختلف فنون العربية، وتصبح اللغة العربية لغة رسمية لإيران بعد سقوط الإمبراطورية الساسانية وهروب يزدكرد الثالث وموته، وظلت الفارسية حبيسة بين الطبقات الدنيا والمتوسطة، ولم يكتب شيء بها طوال 300 عام تقريبا، حتى نشأت الدويلات الفارسية في القرن الـ3 الهجري متمتعة بنوع من الاستقلال، بعد أن ساهم الطاهريون في النزاع بين الأمين والمأمون، الذي انتهى بانتصار المأمون فكافأهم بإعطائهم قدرا من الاستقلال عن الخلافة العباسية، وبدأ الإيرانيون في إحياء لغتهم القومية، ولكن لم تنشأ فارسية الجاهلية التي اندثرت، بل نشأت فارسية إسلامية استعارت الأبجدية العربية، وهجرت الخط البهلوي، ودخلت فيها ألفاظ واصطلاحات عربية كثيرة احتاجت إليها للتعبير عن الأفكار الجديدة، فبلغت نسبة الألفاظ العربية فيها أكثر من 50%، ولم يأخذوا الألفاظ والاصطلاحات العربية وحدها، بل أخذوا النحو والأوزان والقوافي، وهو ما يركز عليه الكتاب في إطار عنايته بدرس قواعد الفارسية وتعبيراتها، حيث تعد الفارسية ثانية لغات العالم الآسيوي من حيث سعة آدابها وتنوع فنونها، حتى أطلقوا عليها فرنسية الشرق.
وتعد دراسة الفارسية من الأهمية بمكان للوقوف على ما ساهم به الفرس من أفكار وآداب في التراث الإسلامي، فضلا عن أهمية دراستها لذاتها.

ليست هناك تعليقات: