2015/02/25

مشاهدات الرحالة الأجانب في مدينة عنيزة خلال قرنين

مشاهدات الرحالة الأجانب في مدينة عنيزة خلال قرنين
خالد بن سليمان بن علي الخويطر * - 5 / 3 / 2011م - 6:30 ص - العدد (25)
المقدمة
كلما درس الباحث أو قرأ القارئ عن سيرة ومسيرة الرحالة الغربيين يقفز إلى الذهن السؤال التالي مباشرة: ما الذي يدفع هؤلاء الرحالة ليقتحموا بلادنا دون أن يعرفوا شعوبها أو يجربوا دروب صحرائها هل هي المغامرة وحسب أم الفضول وحب الاستطلاع أم السعي وراء بناء مجد شخصي أم العمل لحساب دوائر الاستخبارات الأجنبية أو الجمعيات التنصيرية؟ أم ماذا؟ وسواء كان الدافع هذا أو ذاك فإن الحقيقة التي لا مراء فيها أن أولئك الرحالة دخلوا إلى بلادنا وتوغلوا في حياتنا وربما حققوا أهدافهم جلها أو بعضاً منها في أوساط اجتماعية تقبلتهم على وجل وتعاملت معهم بحذر مغلف بالشك وإن كانت مغيبة بكامل وعيها -أو تكاد- عن خططهم ومخططاتهم. ومع ذلك فإن ما تركوه من مؤلفات دونوا فيها مشاهداتهم ويوميات رحلاتهم لا يخلوا من فائدة يحفل بها الباحث وتهم الدارس للتاريخ الاجتماعي والسياسي لمجتمع
ما قبل النفط، في وقت قل فيه اهتمام مؤرخي الجزيرة العربية المعاصرين لتلك الفترة برصد مظاهر الحياة العامة الأمر الذي يظهر بوضوح في تراث تلك الرحلات الغربية حيث نجد لدى الرحالة الغربيين اكتراث خاص بمعرفة وتدوين دقائق الحياة العامة لتلك المجتمعات المختلفة الاقتصادية والثقافية والاجتماعية والسياسية وتقدير الإحصائيات للسكان والأوبئة والسلع والثروات الحيوانية والزراعية والإنفاق الاستهلاكي للأفراد، وغير ذلك، ولذا جاءت مدوناتهم على غاية من الأهمية لندرة مثيلاتها في مصادرنا المحلية، ولعل من أسباب غنى المادة الغربية بهذه المجالات وغيرها هو مغايرة أساليب الرحالة الغربيين لأساليب مؤرخينا -بصورة عامة- في تناول ما يدور حولهم، إضافة إلى ما يحركهم من دوافع خاصة، ولكن هذه الدوافع خبثت أو حسنت فقد خلف لنا أصحابها معلومات تاريخية عالية القيمة بصرف النظر عن مدى التسليم بكل ما جاء فيها.
وهذا البحث الذي بين يديك يختص بتناول ما دونه عن مدينة عنيزة كل الرحالة الغربيين الذين زاروها خلال القرنين الماضيين، ذاكراً نصوصهم حولها ومعقباً عليها بما يلزم من تحقيق وتعليق وتحليل، مع إعطاء مقدمة مناسبة عن سيرة كل رحالة على حدة والمسار العام لرحلته ومناقشة أهدافها المعلنة والمستترة، مع تضمين البحث ما أمكن من الخرائط وصور الرحالة وغيرها.
أولاً: رحلة سادلير (عام 1234هـ/ 1819م)
صاحب الرحلة:
هو القبطان جورج فوستر سادلير، سياسي بريطاني، ولد عام (1203هـ/ يناير 1789م)، وعمل ضابطاً لحساب حكومة الهند البريطانية والتي أرسلته كمبعوث سياسي دبلوماسي من بومباي على بارجة حربية إلى الخليج العربي في صيف عام (1234هـ/ 1819م)[1] ، واعتزل الخدمة العسكرية عام (1253هـ/ 1837م) واصبح عمدة لبلدته (كورك) حتى عام (1272هـ/ 1855م) حيث هاجر إلى نيوزلندا ومات هناك عام (1276هـ/ 2 ديسمبر 1859م).
أهمية رحلة سادلير:
تأتي أهمية رحلة سادلير وبعثته الرسمية (فيما يخص عنيزة) لأنه أول أوربي يزور هذه المدينة مما كان يسميه الأوربيون (العربية الوسطى) ويقصدون بها منطقة نجد هذا من جهة،ومن جهة أخرى أن هذه الزيارة جاءت مباشرة بعد تدمير إبراهيم باشا لتحصينات عنيزة عندما استولى عليها مع بقية بلدان نجد في حملته الظالمة على الدولة السعودية الأولى بين عامي (1231 - 1233هـ).
هدفه الرحلة:
لقد كان أمام سادلير مهمة محددة حين بعثته حكومة الهند البريطانية للالتقاء بإبراهيم باشا بعد تدميره للدرعية لتعبر له عن فرحها بهذا النصر!! على الدولة الإسلامية (السعودية) في الجزيرة العربية، ولهذا سعى سادلير طالباً لقاء إبراهيم باشا من الأحساء إلى الدرعية إلى الرس، ولم يلحق به إلا في (آبار علي) قرب المدينة النبوية، حاملاً معه كتاباً من حاكم الهند العام، وسيفاً كهدية، وإضافة لهذا الهدف المعلن انطوت محادثات سادلير على هدف آخر وهو وضع خطة بريطانية مصرية مشتركة لضرب حركة الجهاد البحري الذي يشنه القواسم في رأس الخيمة على الاحتلال الصليبي البريطاني للخليج العربي[2]  مستفيدين من انحلال الدولة السعودية التي كانت تقف سنداً لجهاد القواسم ضدهم.
ويقول سادلير عن الهدف الأول لرحلته ما نصه: "دمر سعادته (يعني إبراهيم باشا) الدرعية تدميراً كاملاً حتى أنه لم يبق من ذلك المكان إلا قسماً ضئيلاً ظل من بعدها مصدر رعب للجزيرة العربية". ويقول أيضاً: "أجبت سعادته بأني كنت حريصاً بشكل خاص على أن أصل إلى معسكره الذي في الدرعية، لأن ذلك سيفسح لي فرصة تقديمي لسعادته تهاني النبيل الأعظم الحاكم العام في البقعة نفسها التي حصلت فيها القوات المسلحة للإمبراطورية العثمانية تحت إمرة وقيادة سعادته على نصر يشار إليه بالبنان"[3] .
خطة سير الرحلة:
قدم سادلير من الهند (بحراً) إلى الخليج وتوقف في مسقط ثم توجه إلى القطيف ومنها إلى الأحساء على ظهر جمل يسير بسرعة (3 أميال في الساعة) ثم توجه إلى نجد حيث مر بمنفوحة، فالدرعية، فثرمداء، فشقراء، فالمذنب، ثم عنيزة، فالرس، ومنها إلى المدينة حيث التقى إبراهيم باشا خارجها، ثم إلى جدة وفيها التقى بإبراهيم باشا مرة أخرى[4] .
وفي جميع المدن النجدية التي زارها تحدث عن الأثر التدميري الذي أحدثته مدفعية إبراهيم باشا في تلك المدن المنكوبة، وقد وضع خارطة لرحلته تلك، حيث كان يحمل معه بركاراً وبوصلة وخريطة[5] .
واهتم أثناء سيره بتدوين أنصاب الطريق وأسماء القرى ومدة السير بين مختلف النقاط[6] ، وسجل مشاهداته كيوميات. وكان يرافقه أدلاء وحاشية من الفرس، والأرمن، وبرتغاليين، وهنود[7] .
وقد ورد ذكر عنيزة في رحلة سادلير في ثلاث مواطن وهي في مجموعها تعطي وصفاً هاماً لوضع المدينة آنذاك، حيث كانت قد خضعت كغيرها من مدن نجد الباسلة لسلطة الغزاة.
وسأورد هنا النصوص كما وردت ثم أسجل ملاحظاتي عليها:
النص الأول: "ومن منطقة الدرعية تابعنا باتجاه عنيزة، وهي إحدى المدن الرئيسية في الجزيرة العربية، ولقد كنت خلال الطريق أسأل الأدلاء والبدو الذين رافقونا عن المسافات، وعن البلدان التي صادفتنا، وكم كانت دهشتي كبيرة عندما توافق رأيهم جميعاً على أنه لابد لنا من المرور في شقراء قبل أن نصل إلى عنيزة، لأن مكان هاتين البلدتين بالنسبة للدرعية مقلوبين على الخريطة المطبوعة. بعد مغادرتنا لشقراء وصلنا أخيراً إلى عنيزة، والرس"[8] .
النص الثاني: "24/ آب (أغسطس) سرنا في الرابعة والنصف من هذا الصباح ومررنا بتلال جرداء تماماً ومغطاة بحصى متفككة بطريق اتجه شمالاً ثم غرباً فوصلنا (عنيزة) في الثانية عشر والنصف ظهراً. لقد تعرض هذا المكان إلى دمار كامل، وقد أصاب هذا الحصن المصير نفسه الذي أصاب الحصون الأخرى التي سقطت نتيجة لغضب الباشا، واستبقيت بعض أشجار النخيل لأنها في وادٍ، وتأتيها كميات كبيرة من مياه الآبار التي تروي البلد، وهو يعتبر مركزاً تجارياً إذا ما أخذ موقعه الجغرافي بعين الاعتبار، وإن مرور القوافل الآتية من البصرة والكويت والقطيف، والأحساء، والدرعية عبر عنيزة كل عام أعطى هذا المكان درجة كبيرة من الأهمية، وهو واقع أيضاً في مركز حساس بالنسبة للمدينة المنورة والبحر الأحمر… وفي عنيزة حامية عسكرية لإرهاب هذه المدينة التي تحتل الصحراء من جهة الشمال الشرقي حتى الحدود التي تحتلها قبيلة مطير الممتدة إلى شرق شقراء باتجاه الكويت، … وإلى الغرب من عنيزة قبيلة حرب التي تحتل ذلك الجزء من منطقة الحجاج بين الرس والمدينة المنورة، من أجل هذا كله تبدو عنيزة مركز الجزيرة العربية من وجهة النظر الجغرافية والسياسية والتجارية، وقد التقيت في شقراء، وعنيزة بالعديد من تجار الكويت والزبير الذين ينتمون إلى قبيلة العتوب، ووجدنا كميات من الرز الهندي ومواد أخرى في أسواقهم الشرقية.
25/ آب (أغسطس) انطلقنا في السادسة صباحاً ودخلنا سلسلة من التلال الرملية الحمراء، فسرنا فيها مجهدين ومثقلين حتى الثانية عشر والنصف، رأينا بقايا آبار وآثار لفلاحة سابقة في الوديان التي شكلتها هذه التلال، الأمر الذي يدل على أن الفلاحين يحاولون أن ينفصلوا عن البلد. كان طريقنا متجهاً غرباً، وقد وجدنا في هذا المكان كمية من ماء المطر"[9] .
النص الثالث: (سقوط عنيزة في يد إبراهيم باشا):
"ومن الخبرا سار إبراهيم باشا من هناك باتجاه عنيزة التي ترك فيها عبدالله موقعاً عسكرياً، ونظراً لأنه ولّى إلى الدرعية فإن مشايخ بلدة عنيزة دخلوا في مفاوضات، لكن حصنهم كان قد نسف بالمدفعية فاندلعت النيران في مستودع للذخيرة كان مصمماً فوق أحد الأبراج مما أفسح لهم الدخول بسهولة إذ استسلم الموقع العسكري، وسُمح لمن فيه بالمغادرة مع السلاح والمتاع، وقد استغرق هذا الأمر خمسة أيام"[10] .
ملاحظات على النصوص السابقة:
* كان وصول الضابط سادلير لعنيزة يوم (24/ آب (أغسطس) 1819م9 ولمدة يومين، وبذلك يكون أول أوربي يدخلها في مهمة رسمية.
* وصف لنا (سادلير) مدى الدمار الذي أحدثته مدفعية الباشا بحصن المدينة، والذي يقصد به قلعتها الطينية، وسورها المحيط بها.
* وصف النص الأول عنيزة بأنها إحدى المدن الرئيسية في الجزيرة العربية، مما يدل على ما كانت تتمتع به من أهمية وسمعة ذائعة الصيت في أوائل القرن (13هـ/ 19م)، كما تحدث (سادلير) عن الانطباع الذي تركه موقع المدينة في نفسه، وتحدث بشيء من الإسهاب عن عوامل استراتيجية موقعها الجغرافي وأهميتها التجارية كحلقة وصل في المنطقة الواقعة فيها بين باديتها وحاضرتها.
* وذكر أنه التقى في عنيزة بتجار من الكويت والزبير وتحدث عن بعض البضائع المعروضة، وخص منها الرز الهندي.
* كما تحدث عن الوجود العسكري للأتراك ممثلاً بالحامية التي تركها إبراهيم باشا عند رحيله من عنيزة.
* وفي النص الثالث يتحدث المبعوث البريطاني عن قصة سقوط المدينة في قبضة إبراهيم باشا، والذي يفهم من كلامه أن الأعيان من أهل عنيزة دخلوا في مفاوضات مع إبراهيم باشا، بعد تخلي الإمام عبدالله بن سعود عن المدينة وانسحابه منها إلى الدرعية، وأن الحامية السعودية في حصن المدينة (قلعتها الطينية)[11]  قد قاومت لمدة خمسة أيام ثم رحلت بأسلحتها ومتاعها بعد أن استسلمت للغزاة.
ثانياً: رحلة بلجريف (عام: 1279هـ/ 1862م)
صاحب الرحلة:
هو: 0وليم جيفورد بلجريف) إنجليزي من عائلة يهودية متنصرة[12] ، ولد في عام (1242هـ/ 1826م9، التحق بالسلك العسكري البريطاني في الهند، ثم ترك الخدمة العسكرية للالتحاق بجمعية تنصيرية في بيروت، وفي عام (1279هـ/ 1862م9 قام برحلته إلى الجزيرة العربية، وكانت وفاته عام (1306هـ/ 1888م) خارج بريطانيا ولكنه دفن في لندن[13] ، خلد رحلته في كتاب أسماه (قصة رحلة إلى العربية الوسطى والشرقية) ونشره عام (1282هـ/ 1865م) ونال عليه وساماً من الجمعية الجغرافية الفرنسية[14] .
هدف الرحلة:
نال هدف رحلة بلجريف ومشاهداته الكثير من التشكيك ممن جاؤوا بعده من الرحالة والكتّاب الغربيون والعرب، ولم يكن الجدل حول هدف رحلته تلك بأقل من الجدل حول حقيقة نصفها الأخير (أي بعد مغادرته حائل).
ويمكن تحديد أهداف رحلته بهدفين رئيسيين: (الأول منهما) قيامه بمهام المبعوث الرسمي لحساب الإمبراطور الفرنسي نابليون الثالث إلى الجزيرة العربية، حيث كان يطمح ذلك الإمبراطور الفرنسي إلى توحيد مصر والشام كبلد عربي واحد تحت الحماية الفرنسية، وكان فحوى التقرير الذي رفعه بلجريف إلى الإمبراطور الفرنسي (نابليون الثالث) يدور حول مدى واقعية تحقيق ذلك الهدف[15] .
والهدف الثاني الذي أراد بلجريف إتمامه سراً هو خدمة المساعي الدينية في الجزيرة العربية لصالح الجمعية التنصيرية التي التحق بها في الشام، والتي قامت بتدريبه وتعليمه اللغة العربية في بيروت لهذا الغرض.
ويكفي لتشخيص هدف رحلته مقولته هو نفسه عنها حين يقول: "إنها لتوصيل مياه الحياة الشرقية الراكدة بمياه أوروبا الجارية"[16] .
رحلة بلجريف بين الشك واليقين:
إن الشكوك حول رحلة بلجريف (حديثاً) تذكرنا بتلك الشكوك حول رحلة الإيطالي ماركوبولو (قديماً) فكلاهما خاضا تجربة الموضوعية الأوربية الفريدة!! التي تنم عن القدرة العجيبة في اختراع نصف الحقيقة.
وفي أحسن الأحوال يمكن لنا القبول بمدونات زيارة بلجريف لحائل والرياض، أما غيرها من المناطق التي قال إنه زارها فهو يكذب فيما دونه عنها ومن الدلائل الظاهرة على انتحالاته في هذه الرحلة:
* إيراده لأسماء جبال زعم أنه رآها في طريقة، مع أن أحداً لم يشر إليها مما سبقه من الرحالة، بل لا وجود لها أصلاً.
* تقديراته المبالغ فيها (قلة أو كثرة)، لأعداد السكان، أو المسافات، أو الأزمنة اللازمة لقطع تلك المسافات.
* خريطته التي وضعها لمدينة الهفوف غير صحيحة.
* سعى فلبي[17]  للتحقق ميدانياً من ادعاءات بلجريف فخلص إلى شكه في زيارته لحائل أما بعد حائل فهي من أحلام يقظة بلجريف[18] .
* تفتقر رحلته إلى ذكر شخصيات معاصرة له وذات دور هام آنذاك، ويفترض أن بلجريف التقاها في حال أنه زار مدن هامة كعنيزة، أو الهفوف… أو غيرها!!!
* يوحي أسلوبه للقارئ عند عرض مشاهداته بأنه يصف ما سمع لا ما رأى. وقديماً قيل: (ليس من رأى كمن سمع).
ومع ذلك فلا بأس أن نسوق ما ورد عن عنيزة في رحلة بلجريف عن (عنيزة) على اعتباره مؤرخ ناقل لا رحالة مشاهد.
شخصية بلجريف في رحلته:
فيما يبدو يعد بلجريف هو الأول من بين الرحالة حين سجل سابقة ابتدع فيها وسائل التخفي في الزيّ والتنكر في الشخصية واعتبر رائداً في ذلك لكل من جاء من بعده من الأوربيين الذي اخترقوا الجزيرة العربية بحجة الترحل والاستكشاف. وقد أتقن اللغة العربية بلهجة محلية سورية، وتسمى مرة (بسليم)، ومرة (بأبي محمود عيسى)، وتنكر مرة بزي طبيب، ومرة أخرى على هيئة تاجر[19] .
خط سير الرحلة:
انطلق بلجريف مع مساعده (بركات) من مدينة معان الأردنية في (1279هـ/ 16 يونية 1862م) وبرفقته ثلاثة من البدو، وصل إلى دومة الجندل، ومنها إلى حائل في (أواخر تموز - يولية) حيث نزل ضيفاً على آل رشيد[20] ، ثم إلى القصيم[21] ، ثم الرياض، فالهفوف، فإمارات الخليج العربي.
وكان بركات (رفيق بلجريف) شاب يوناني نصراني يتقن العربية، واسمه الحقيقي (جريجوري) وقد اصطحبا معهما في رحلتهما أدوية كثيرة، وكتب طب عربية وإنجليزية، وللتظاهر بامتهان التجارة أخذا معهما كميات من القهوة والقماش والحلي الزجاجية والغلايين، وتزييا بثياب سورية أو مصرية، وانتعلا حذاءً جلدياً عالي الساق، وربما شاركا في أداء الصلوات[22] .
ما دونه بلجريف في وصف عنيزة:
أسلفنا أننا نأخذ ما خطه بلجريف عن (عنيزة) لا باعتباره رحالة زائر بل على أنه مؤرخ معاصر لا غير، وعلى أنه ينقل ما سمع ولا يصف ما رأى.
وفي هذا الصدد يقول بلجريف واصفاً عنيزة بين خضرائها ورمالها من مكان القادم من بريدة، في الجهة الجنوبية الغربية: ترى المنطقة كلها مكسوة بجزر صغيرة من المزروعات الواقعة بين الرمال وبخطوط طويلة من الظل الكثيف، تزداد كثافة كلما بعدت، دالة على مكان عنيزة، في حين أنك تشاهد من تلك المنطقة وإلى أبعد مدى مرتفعات رملية لا نهاية لها، تختفي بعيداً، وتحول كلياً دون رؤية عنيزة وحتى مزارع النخيل في الوادي[23] .
الملاحظات على ما ذكره بلجريف:
* يتضح من النص السابق أن بلجريف يصف عنيزة وصف من لم يدخل المدينة فهو يصف موقعها ومنظرها من بعيد، ولا يذكر شيئاً البتة عن أسوارها ومبانيها وسوقها وناسها، ولذا لا نستبعد أن بلجريف وهو متجه إلى الرياض من حائل قد مر بطريق يحاذي عنيزة فلم يدخلها، وهو ما يتبادر إلى الذهن من قراءة النص السابق.
* يلفت النص النظر إلى جمال المدينة من احتضان خضرتها ورمالها لها، وهو الشيء ذاته الذي تحدث عنه من جاء بعد بلجريف، كالريحاني، بعد أكثر من ستين سنة.
ثالثاً: رحلة غورماني (عام: 1281هـ/ 1864م)
صاحب الرحلة:
هو: كارلو كلوديو غورماني، إيطالي، ولد عام (1244هـ- 11/ 12/ 1828م)، ومات في جنوه عام (1302هـ/ أكتوبر 1884م)، أقام في القدس، وكان فيها وكيلاً لشركات النقل البحري الفرنسية[24]  منذ عام (1267هـ/ 1850م)[25] ، ومن خلال هذه الوظيفة انطلق في بادية الشام للاتجار بالخيول العربية وكوّن خلال ذلك علاقات لا بأس بها مع قبائل الشام وشمال الجزيرة العربية، وقد مكنه ذلك من التحدث بالعربية، والتزيي بالملابس البدوية، وإجادة ركوب الخيلن والتعود على حياة الصحراء.
هدف الرحلة:
قدم غورماني إلى الجزيرة العربية بهدف شراء خيول عربية أصيلة للبلاطين الملكيين في فرنسا وإيطاليا[26] ، ولذا كانت وجهته الأساسية إلى جبل شمر لتحقيق هذا الهدف[27] .
خط سير الرحلة:
بدأ غورماني رحلته من القدس عام (1285هـ - 16/ 1/ 1864م9 مرتدياً زياً بدوياً، ويرافقه خادم عربي، بعد أن اشترى جملاً (بثلاث ليرات) ليركبه، وحمل معه رسائل توصية لتسهيل مروره بين القبائل والمدن، وبعد القدس وصل تيماء، ثم خيبر، ثم منها إلى حائل حيث وصلها في (5 مارس) وبعد أن خرج منها تاه في الصحراء جنوباً فذهب إلى عنيزة مضطراً وكان دخوله إياها في (22 مارس) ثم اتجه إلى بريدة، ومنها شمالاً إلى حائل مرة أخرى في (إبريل)، ثم الجوف، فالقدس مرة أخرى[28] . وقد سجل رحلته هذه في كتاب بعنوان: (Northern Nard: A journey From Jerusalem to Anaiza in Qasim) (شمال نجد: رحلة من القدس إلى عنيزة في القصيم) والذي طبع في القدس عام (1283هـ/ 1866م)[29]  وضمنه خريطتين للجزيرة وبعض الصور والرسومات[30] .
وفي رحلته انتحل (غورماني) شخصية مسلم تركي وتسمى باسم (خليل أغا) ويقول عن تظاهره بالإسلام (أصلي لله بقلبي ولمحمد بلساني)[31] .
حديث غورماني عن عنيزة:
وصل غورماني إلى عنيزة في (11 شوال 1280هـ/ 22 مارس 1864م) وكان دخوله إليها على غير قصد أوترتيب منه حيث صادف وهو في طريقه (جنوب حائل) معركة ناشبة بين قبيلة عتيبة والأمير (عبدالله الفيصل)، حينما ألقى فرسان الأمير القبض عليه فطلب مقابلته على أنه مبعوث رسمي من تركيا، فرفض الأمير مقابلته وأشار بإيصاله إلى عنيزة، وقد سر غورماني بذلك فيما يبدو (لأن عنيزة كانت آنذاك أكبر مدينة في نجد)[32]  ومبعث هذه السعادة هو اعتقاده أن عنيزة ستحقق بعض هدفه لشراء الخيول منها، وعن تجارة الخيول في عنيزة قال عنها إنها مدينة مختصة بتربية المهور التي تشتريها من البدو ثم تربيها ثم تشحنها إلى بلاد العجم والهند[33] ، ومما قاله في هذا الصدد أن بني قحطان يجلبون المهور لعنيزة، في حين أن عشيرة مطير تغذي أسواق بريدة بأعداد أوفر، ولكن ما يجلب لعنيزة أكثر أصالة[34] .
استقبل غورماني في عنيزة من قبل أميرها على أنه مبعوث رسمي من قبل السلطات التركية، ومما ساعده لإقناع الأمير ومن حوله بأنه تركي تنكره بهيئة ولباس الترك وتحدثه العربية بلكنة أعجمية.
وقد تحدث غورماني في عبارات موجزة في كتاب رحلته عن الظرف السياسي الذي كانت تمر به المنطقة آنذاك مع أفول نجم الدولة السعودية الثانية، كما حدد الموقف السياسي لعنيزة وأميرها وسط تلك المعطيات السياسية الحرجة، حيث لاحظ تراجع نفوذ آل سعود المركزي في القصيم وتقدم نفوذ آل رشيد وتعاظمه، وشَخَصَ موقف الأمير زامل السليم[35]  بقوله: إن الأمير زامل في عنيزة يعارض فيصل بن تركي آل سعود علناً ويستعد للانتقاض عليه، وأن نجم آل سعود جانح إلى الأفول[36] .
ملاحظات على ما جاء عن عنيزة في رحلة غورماني:
* توقع غورماني على الصعيد السياسي أن نجم آل سعود إلى أفول، ولعل ما دفعه إلى هذا التوقع الإرهاصات السياسية آنذاك والمتمثلة في تراخي قبضتهم السياسية حيث أصبح أمراء حائل يتمتعون باستقلال شبه تام عن الرياض رغم خضوعهم الاسمي لها، كما لاحظ كذلك أن أمراء القصيم وخاصة عنيزة يسيرون بخطوات حثيثة نحو الاستقلال -أيضاَ- عن الرياض وأن خروجهم عن نفوذ الرياض يمهد حتماً لخضوعهم لكيان آل رشيد شمالاً.
* قدر غروماني سكان عنيزة بـ(15000) إنسان، وهذا في رأيي تقدير مبالغ فيه، ولكنه مع ذلك يعكس أهمية المدينة في حس من زارها من الرحالة نظراً لما كانوا يرونه فيها من نشاط تجاري وزراعي تضارع به المدن الكبرى في الجزيرة العربية، على أن غورماني قاس عدد السكان بما رآه من كثرة الناس في شوارع المدينة وأسواقها التجارية، مع ملاحظة أن هؤلاء الناس ليسوا بالضرورة من السكان المقيمين بل منهم التجار الوافدين من الحاضرة والبادية، والحجاج، والمسافرين العابرين.
رابعاً: تشارلز داوتي (1295هـ/ 1878م)
صاحب الرحلة:
هو: تشارلز مونتجيو داوتي، ولد في مقاطعة (سفولك) بإنجلترا، من عائلة إقطاعية عام (1259هـ/ أغسطس 1843م)، وتوفي في إنجلترا عام (1345هـ/ يناير 1926م).
درس الجيولوجيا في جامعة (كمبردج)[37] ، ثم انصرف لدراسة اللغات والأدب في جامعة (اكسفورد).
بدأ رحلاته في أوربا حيث زار أسبانيا، ثم إيطاليا، ثم إلى اليونان، ثم توجه إلى العالم الإسلامي حيث وصل القاهرة في بداية عام (1293هـ - بداية 1875م) ثم عبر صحراء سيناء إلى مدينة البتراء الأثرية (في الأردن) ثم توجه إلى مدائن صالح[38]  في شمال غرب الجزيرة العربية.
خط سير رحلته في الجزيرة العربية:
وصل دواتي إلى مدائن صالح عام (1293هـ/ نوفمبر 1876م) ومنها رافق قافلة حجاج[39]  ليتوغل في الجزيرة العربية وتسمى باسم (خليل) واصطحب معه (13 جنيهاً) ودفترين للتدوين، وبندقية، ومسدساً صغيراً، وسدساً، وباروميتر، وترمومتر، وساعةً، ومنظاراً، وتظاهر بامتهان الطب، حيث حمل معه صندوق أدوية، ورسالتين في الطب العربي[40] .
مر في رحلته بتيماء، ووصل حرة المدينة في شهر (مايو 1877م)، وفي (أكتوبر 1877م) دخل حائل وتعرض فيها للمضايقة لتبجحه بنصرانيته فنصحه الأمير محمد بن عبدالله بن رشيد بمغادرة المدينة، فتركها إلى خيبر ثم عاد إليها[41] ، ومن حائل توجه إلى بريدة حيث تعرض للسرقة والاضطهاد ثم طرد منها[42]  إلى عنيزة التي مكث فيها قرابة 6 أسابيع وكانت مغادرته لها في (5 يوليو 1878م)، حيث رتب له أحد أصدقائه فيها الانضمام لحملة حجاج متوجه إلى الحجاز وزوده بجمل فقدم الطائف ونزل في ضيافة الشريف، ثم لجا إلى القنصلية البريطانية في جدة في (3 أغسطس 1878م/ 1295هـ)[43] . وبعد عشر سنوات من رحلته هذه ترك داوتي كتاباً عنها تحت عنوان (Arabia Deserta) الصحراء العربية.
هدف رحلة داوتي:
من سياق رحلة داوتي ومن خلال أسلوب عرضه لمشاهداته اليومية يمكن اعتباره من صنف أولئك الرحالة الذين أرادوا بناء مجد شخصي لأنفسهم دون أن تكون رحلته محسوبة لصالح أي جهة أجنبية. على أننا نلمح في يومياته بعض سمات شخصيته واعتزازه بنصرانيته، مما يدفعنا إلى تلمس هدف آخر لرحلته وهو الرغبة في المساهمة في جهود التنصير بدافع ذاتي من غير ارتباط -فيما يبدو- بأي منظمة تنصيرية خصوصاً وأنه امتهن الطب وهي الوسيلة الأشهر بين المنصرين آنذاك ولا تزال ويهدفون منها إلى إلجاء الناس للحاجة إليهم ليمكنهم التأثير عليهم بما يقدمونه لهم من خدمات طبية مجانية وليتمكنوا كما فعل دواتي في عنيزة من دخول البيوت ضيفاً أو معالجاً وتمكنه من الكشف الطبي حتى على النساء.
دواتي في عنيزة:
كانت إقامته فيها لمدة ستة أسابيع من الأسبوع الأخير من (مايو 1878م) وحتى الأسبوع الأول من (يوليو) من نفس العام، وهذا يوافق -تقريباً- النصف الثاني من عام 1295هـ[44]  (23 مايو - 5 يوليو 1878م الموافق: 21 جمادى الأولى - 5 رجب عام 1295هـ).
دخل دواتي عنيزة -ربما- على غير قصدٍ منه، فهو لم يكن قد رتب لهذه الزيارة من قبل وهذا من العوامل التي سببت له الكثير من المتاعب إلى جانب ما تطفح به شخصيته النصرانية من تعصب، فقد جاء بتعصب اسكتلندي يثير في العرب التعصب الإسلامي كما قال الريحاني[45] .
قدم دواتي الجزيرة وهي تمر بظروف سياسية استثنائية ألقت بظلالها الثقيلة على منطقة نجد بوجه عام ووسط ظروف أخص لعنيزة والقصيم من حولها فقد انفرط عقد آل سعود، وطمحت كل مدينة وما حولها في نجد إلى التمتع بالاستقلال الذاتي، وأما آل رشيد في حائل فكانوا يتربصون الدوائر بالأطراف المتصارعة فيسارعون لاقتناص كل غنمة قاصية، واهتبال كل فرصة سانحة، ليحكموا قبضتهم على وسط الجزيرة العربية.
وفيما يخص عنيزة فقد كان الأمير زامل بن عبدالله السليم سيدها المطلق عندما جاء دواتي إليها، استطاع أن ينأى بها عن التبعية لحكام حائل شمالاً، وكان يعد إلى جانب أمير بريدة حسن بن مهنا أحد أهم اثنين من زعماء القصيم،ولقد وجد دواتي في عنيزة من أميرها (زامل) كل ترحيب ومساندة، ويأتي ما سجله دواتي من مشاهدات في عنيزة في غاية الأهمية لعدة أسباب:
1- أن زيارته تلك جاءت في فترة زمنية مبكرة بالنسبة لغيره من الرحالة الغربيين.
2- أن دواتي لم تكن زيارته عابرة بل مكث فترة لا بأس بها في عنيزة مما مكنه من أخذ فرصة كافية لرصد مظاهر الحياة المختلفة فيها.
3- نجح داوتي في إقامة علاقات وطيدة مع علية القوم الذين يمثلون طبقة التجار والأثرياء والوجهاء في عنيزة وعلى رأسهم أمير المدينة، بالإضافة إلى دخوله لكثير من البيوتات لغرض مداواة المرضى، أو تلبية لدعوة ضيافة.
4- الأسلوب الوصفي الاستقصائي الذي اتسمت به يوميات رحلة داوتي والتي شحنها صاحبها بدقائق الحياة اليومية لمدينة نجدية زراعية كعنيزة بل إنها احتفت برصد بظواهر فريدة[46]  في ذلك المجتمع الصغير، والتي لم يكن لنا أن نلم بها لولا اهتمام داوتي بتسجيل كل ما تقع عليه عينه.
وفي يلي نوجز أحداث هذه الزيارة قبل أن نقتبس نصوصاً من يوميات الرحلة كما دونها داوتي بنفسه.
قدم دواتي من بريدة إلى عنيزة شبه مطرود وعندما وصل هو والدليل المرافق له إلى وادي الرمة حيث تركه الدليل هناك وحيداً بدون راحلة، فلجأ إلى أحد المزارعين في الوادي الذي أوصله إلى أحد رجال الأمير زامل (علي) حيث صحبه إلى الأمير (زامل) في الصباح فرحب به الأمير ونصحه بأن لا يعلن للناس أن نصراني، ووفر له سكناً وعيادةً في السوق، ومن تلك العيادة بدأ دواتي يتصل بالناس من العوام والخواص، ومن الذين ارتبط داوتي معهم بعلاقة صداقة هما عبدالله الخنيني، وعبدالله البسام وكانا من تجار ومثقفي المدينة البارزين.
بعد ذلك الارتياح الذي بدأ يحس به داوتي في عنيزة وعندما ظن أنه تم قبوله اجتماعياً، انعكست الرياح لغير صالحه حيث بدأت ضغوط المشايخ في عنيزة، وبريدة -أيضاً- على الأمير زامل، لطرد هذا (النصراني الكافر) فاضطر الأمير إلى إرساله إلى إحدى أملاكه الزراعية خارج عنيزة في (بلد الخبراء) وعند إخراجه تعرض للضرب كما سرقت ساعته ونقوده.
ومكث هناك أسابيع، ضعفت صلته فيها بأصدقائه إلى حدٍ كبير وإن كانت لم تنقطع، وفي جميع تلك الفترة التي قضاها في عنيزة وخارجها مارس الطب، وتجول في الأزقة والمزارع واختلط بالناس في الأسواق، واستضيف على الغداء والعشاء والفطور في بيوت العوام والخواص ومن خلال ذلك سنحت له الفرصة ليصف كل ما رآه من مختلف مظاهر الحياة الاجتماعية وتقاليد الولائم والمأكولات والملبوسات والأثاث، والطرز المعمارية، والأساليب الزراعية،ورصد حركة التعليم والثقافة، وممارسة الشعائر الدينية، والأمراض والأوبئة… إلخ.
نصوص من مشاهدات داوتي في عنيزة:
1- "كان الأمير جالساً في مكانه المعتاد في السوق على رأس شارع يؤدي إلى منزله وأمام سوق الملابس يوجد دكتين من الطين، إحداهما عليها سجاد عجمي يجلس عليها الأمير وسيفه بجانبه، وكان (الأمير) زامل شاب ملامحه حسنة وعيناه تنضحان ذكاءً… وفور وقوفي أمامه نهض من مقعده ليسلم عليَّ قائلاً بوقار وحكمة: اجلس بجانبي…".
2- "… وبعد صلاة الظهر مشيناً إلى منزل الأمير زامل ودخلنا حجرة القهوة فإذا هي مفروشة بالحصير الأخضر ومع الأمير أشخاص قليلون، وكان ابنه عبدالله يدخن ويجهز القهوة، وكان الأمير يتحدث ولكنه لا يصدر أوامر على عادة أمراء العرب…، وبعد أن ذهب الجميع أراني زامل أسلحته التي حارب بها العشرون سنة الماضية قائلاً: لقد كانت حياتي كلها في عنيزة، وكان فيه جرح فقال لي هل تستطيع يا خليل أن تضمد جراحي وسأعطيك أجراً".
3- "اقترب مني أحدهم وقال: هل تحمل شهادة في الطب… وقد كان شاباً لطيفاً أمسك بيدي كعادة العرب هنا وقال: هل يمكنك أن تزور أمي المريضة، وذهب بي إلى منزله… وأدخلني صالة القهوة وكانت مفروشة بحصير جيد من الأحساء والجدران مزينة… ومفروشة بسجاد عجمي للضيوف في مكان الجلوس، وجلس الشاب يصنع لي القهوة، إنه (عبدالله الخنيني) شاب محظوظ فقد كان من بيت فقير فاصبح أحد التجار البارزين في عنيزة… نظر إليَّ وهو يقول: هل أنت إنجليزي؟ لماذا تخبر الناس بحقيقتك؟
كان (عبدالله الخنيني) وقتها يتاجر بالخيول، ولديه أفضل الخيول في عنيزة، حيث معظم تجار المدينة كانوا يتاجرون في الخيل"، وفي موضع آخر قال: "وكان ناصراً التركي" شريكاً للخنيني، يبيعان كل عام ما اشتروه من المهور الأصيلة في بومباي".
4- "… وفي الحجرة الطينية التي يتخللها الهواء العليل، وتفوح منها رائحة الكرم، أشار الخنيني إلى كتبه في ركن الحجرة… فعرض كتبه كتاباً كتاباً ومنها كتاب (دائرة المعارف) للبستاني…".
5- "… كل الزيجات في هذه البلدة (عنيزة) يمكن حمل أثاثها على ثلاث جمال وليس معروف هنا مقاعد مفروشة للجلوس وينامون على فراش محشو بالقطن، وبيوتهم دائماً مشمسة دافئة بفعل وجود فتحات مرتفعة في جدران البيت تسمح بدخول الشمس والهواء…".
6- "… وعند شروق الشمس أتى (علي) من عند الأمير (زامل) بالفطور، والفطور في عنيزة يتكون عادة من: خبز (التنور) وهو ساخن إلى حدٍ ما وفيه مرارة قليلة ولكنها مقبولة عند الناس، ومن البلح، ووعاء فيه حلوى، وزبدة…).
7- "… إن من الأمراض الشائعة هنا هي أمراض العيون فلقد رأيت مئات من مرضى العيون في عنيزة… وهناك نوع من العمى يأتي بعد ألم شديد يستمر لسنوات في جانب الجبهة، وهنا في عنيزة علاج (شعبي للعين) وهو عبارة عن مرهم مع إبرة من شجيرة (التبن توضع على الجفن)…والأطفال هنا مصابون بالجدري الذي كان منتشراً قبل سبع سنوات وقد ظهر مؤخراً بسبب الأطفال (العبيد) الذين يجلبون مع قوافل الحجاج الذين يشترونهم من مكة أو جدة ثم يباعون في عنيزة بربح وفير…، وخلال مقامي قمت بتطعيم (500 طفل) من الأحرار…".
8- "وبعد يوم أو يومين من وجودي في عنيزة جاءني رجل من النبلاء، لكي أتناول معه العشاء، وكانت الدعوة من والده، وكان رجلاً طيباً اسمه (عبدالله بن محمد البسام) وهو من تجار جدة ووالده كبير أسرة البسام في عنيزة، وكان صديقاً حميماً (لعبدالله الخنيني).
9- "… وقال أحدهم: يا له من أمر غريب، الإنجليز تحكمهم امرأة ولا يحكمهم رجل. فوجه أحدهم لي سؤالاً: ما اسم هذه المرأة يا خليل، قلت: اسمها (فكتوريا: أي المنصورة) وهي سيدة منتصرة رجالية في تصرفاتها".
10- "كنت في زيارة للأمير (زامل) فوجدت عنده جمهرة من الناس في مجلسه، حيث تقدم لهم القهوة، وهم قريب من (40 رجلاً) من أهل المدينة، جالسون تحت جدار مجلس القهوة، حول شيخ عنيزة وكان مسناً، وهمس من كان بجواري في أذني قائلاً: إنه درس شرعي يلقى عادة بعد صلاة ظهر كل يوم جمعة…، كان الشيخ يقرأ آيات من القرآن كنت أسمعه يدرسها في مدرسته لطلابه، قال لهم وهو ينظر إليَّ: إن عيسى بن مريم هو رسول الله ولكن النصارى حرفوا دينهم وأصبحوا وثنيين…".
11- وعن طرده من عنيزة قال دواتي: "… وفي هذه اللحظة وقف معاونيّ الأمير، وقلت لهم إنهم سرقوا أشيائي، فصاح (عليّ) فيهم قائلاً: فعلاً إنها سرقة، فقالوا: إنه نصراني ولابد أن يمشي حافيّ القدمين… ولم يكن معي في تلك الأثناء إلا (3 ريالات) وبعد أن حملوا أمتعتي قالوا: إن الجمالين جاهزين، فقلت لهم: قولوا لي إلى من سأذهب في (الخبراء)؟!… قال (علي): إن الأمير (زامل) أعطى أوامره بأن تذهب وسيكون رحيلك آمناً… واستطرد (علي) لقد جاء خطاب من واعظ المسلمين في بريدة، إلى الأمير وشيخ عنيزة يحثهما باسم الإسلام أن يطردوا النصراني بعيداً".
ملاحظات على مشاهدات داوتي:
1- على الصعيد السياسي دخل داوتي عنيزة ومنطقة نجد تعيش فرقةً وحرباً أهلية بين أبناء الإمام فيصل بن تركي، وطموح آل رشيد للانقضاض عليها قد أصبح وشيكاً.
2- أقام داوتي في عنيزة -كما في غيرها- وهو يعلن بكل وضوح هويته الإنجليزية وعقيدته المسيحية دون خداع أو تخفي مما سبب له الكثير من المتاعب والطرد.
3- رصد داوتي الكثير جداً من مظاهر الحياة اليومية في عنيزة بصورة وصفية عميقة تعطي انطباعاً عاماً عن الحياة وقتذاك على الصعيد الاجتماعي، والتجاري، والثقافي، والإداري.
4- لاحظ داوتي أن الأمير (زامل) أمير عنيزة، يتمتع بسلطة مستقلة عن أي نفوذ خارجي، وأنه يدير المدينة بعقلية متفتحة يسانده العلماء والأعيان ولا يقطع أمراً دونهم.
5- قدم لنا داوتي وصفاً عن حالة انتشار جدري الأطفال الذي قال عنه إنه كان يحصد (5 - 6) أطفال يومياً، وعالج الأهالي للوقاية منه بالتطعيم، وعن تاريخ هذا الوباء عرفنا من داوتي أنه ضرب المدينة مرتين، الأولى كانت عام (1287هـ)، والثانية هي التي عاصرها داوتي عام (1295هـ).
6- أشار داوتي إلى مشاهير التجار الأعيان الذين أقام علاقة وطيدة معهم مثل: عبدالله البسام، ووالده، وعبدالله الخنيني، وحمد العساف، وناصر التركي، بالإضافة إلى الأمير (زامل السليم).
7- سجل داوتي بعض الأرقام والإحصائيات، ومن أمثلة ما أورده:
* أن عدد سكان عنيزة: (15000) نسمة[47] ، كما رجح أن سكان عنيزة كانوا عام (1278هـ) (7.500) نسمة، أي قبل زيارته لها بسبعة عشر عاماً.
*- أن حفر البئر يكلف (600) ريالاً فرنسياً.
* وقيمة جمل السواني تبلغ (150) ريالاً فرنسياً[48] .
* وإيجار المنزل سنوياً يبلغ (15) ريالاً فرنسياً[49] .
* وأن أكثر ثروة لتاجر في عنيزة تبلغ (24.000) جنيه إسترليني[50] .
* وأن سعر (30 كغم) من التمر يبلغ ريالاً واحداً[51] .
* وأن بعض الناس يشرب ما يصل إلى (60 فنجاناً) من القهوة يومياً[52] .
خامساً: رحلة إدوارد نولده (عام: 1310هـ/ 1893م)
صاحب الرحلة:
هو: ألماني من ساحل البلطيق[53] ، ولد عام (1266هـ/ 1849م) في مقاطعة (لاتفيا) وكانت وقتها تحت النفوذ القيصري الروسي، خدم في السلك العسكري (نظامياً ثم مرتزقاً) ودخل عالم الرحلات عام (1306هـ/ 1888م)، ويعد نولده من أوائل الرحالة الدبلوماسيين بعد انقراض عهد الرحالة التقلديين[54]  (الجغرافيين)، وقد توفي في لندن منتحراً عام (1313هـ/ 1895م)[55] .
هدف الرحلة:
رغم أن نولده لم يلجأ إلى تغيير اسمه أو انتحال هوية غير هويته إلا أنه لم يفصح في كتاب رحلته[56]  عن مهمته التي جاء من أجلها، ولكن البعض يرى أنه قدم إلى المنطقة كمبعوث سريّ باسم قيصر روسيا إلى الأمير (محمد بن عبدالله آل رشيد) أمير حائل عام (1310هـ/ 1893م)[57]  وذلك لحساب الاستخبارات الروسية من أجل التفاوض مع ابن رشيد، لتأمين مرفأ للبواخر الروسية على الخليج العربي[58] .
خط سير رحلته:
وصل نولده إلى حائل في (22 رجب 1310هـ/ 9 فبراير 1893م) واستقبله (حمود بن رشيد) حيث كان الأمير غائباً في مخيم قريب من شقراء، وفي طريق نولده لمقابلته -جنوباً- دخل عنيزة في (1 شعبان/ 17 فبراير) وتجول فيها، ثم اتجه إلى شقراء، ومنها إلى مخيم ابن رشيد في (برود السر) حيث وافاه هناك في (7 شعبان/ 23 فبراير) وأقام في حتى (18 رمضان/ 5 مارس) حيث غادر إلى العراق تحت حماية الأمير ابن رشيد وبحراسة مشددة من رجاله.
وفي رحلته تلك تميزت المعلومات التي قدمها نولده للمناطق التي زارها عن أوضاعها السياسية بالدقة والوضوح[59] ، وقد طبعت رحلته تلك في كتاب بعنوان: (Reise Nach Innerarbien, Kurdistan Und Aremenien 1892) (رحلة في وسط الجزيرة العربية وكردستان وأرمينيا عام 1892)[60] .
نص وصف نولده لعنيزة:
"أربع مسيرات متتالية أوصلتني إلى مشارف مدينة عنيزة، أكثر المدن سكاناً في الجزيرة العربية، التي رغم أنني كنت منهكاً فقد أردت زيارتها.
حسب تقديرات العرب فإن الجوف، وسكاكا، والرس، وحائل، والرياض، وبريدة، وشقراء، والهفوف يقطن كلاً منها ما بين (8000 - 12000) نسمة، أما عنيزة، والحوطة من ناحية أخرى، فلابد أن بها ثلاثة أضعاف هذا العدد من السكان إذ بكل منهما حوالي (35000) نسمة.
يحيط بعنيزة سوران؛ سور داخلي يحيط بالمدينة نفسها، وسور خارجي، وبينهما يوجد حزام من المزارع والبساتين بعرض اثنين إلى ثلاثة كيلومترات، كلا الجدارين بهما أبراج، والسور نفسه مكون من بناء لجدار مزدوج من الطين بين كل جانب من جوانبه والآخر فراغ باتساع (10 - 12 متراً) وهو حاجز معقول ضد أي قصف للمدفعية.
بعد جولة حول المسجدين الرئيسين فيها حضرت الاستقبال في مبنى الحكومة لقد قام الشيخ (فيصل) وهو من عائلة البسام ويعمل رئيساً للمدينة وممثلاً لابن رشيد بتولي كافة الإجراءات، وأخذني في زيارة لبعض الأجزاء الهامة في المدينة بما في ذلك السوق المكتظ بالبضائع".
ويقول في موطن آخر: "تدخل ابن رشيد ثلاث مرات في شؤون الرياض، وكانت له حملات لا تحصى عدداً ضد قوى نجد الأخرى، وقد كان الحظ معه دائماً في عملياتهم ضدهم إلا في حالة مدينة عنيزة التي رغم عمليات محاصرتها ومقاطعتها كانت هي سوء الطالع الوحيد في كل عملياته"[61] .
ملاحظات على زيارة نولدة لعنيزة:
* كانت زيارة نولده للمدينة قصيرة جداً ولعدة ساعات فقط وكان دخوله لها في (1 شعبان 1310هـ الموافق 17 فبراير 1893م) واتخذت طابعاً رسمياً حيث لقي فيها الترحيب والاستقبال الحار من قبل الأمير والأعيان، وكان الأمير وقتها من آل يحيى الذين نصبهم ابن رشيد في عنيزة بعد معركة المليداء (جمادى الآخرة 1308هـ).
* تمكن نولده من زيارة المسجدين الرئيسيين في عنيزة، ورغم أنه لم يعينهما إلا أن الجامع الكبير بالتأكيد كان أحدهما، وربما يكون الآخر مسجد أم حمار أو غيره.
* عدّ نولدة عنيزة من أكبر المدن في الجزيرة العربية سكناً وسكاناً وحدد عدد سكانها بـ(35000) إنسان، وهذا رقم مبالغ فيه إذ من المتوقع أن عدد السكان آنذاك ربما لا يتجاوز ثلث هذا الرقم.
* قدم نولدة وصفاً وافياً لأسوار عنيزة فذكر أن لها سورين (وهما اثنان من ثلاثة أسوار لفت المدينة عبر تاريخها الطويل)، وهو هنا يتحدث عن الثاني الذي بني قبل عام (1182هـ) والثالث الذي بني بعد عام (1285هـ) واتسعت دائرته نظراً لتوسع المدينة في عهد الأمير (زامل بن عبالله السليم) (ت: 1308هـ/ 1890م)، وأشار نولده إلى مقدر المسافة الفاصلة بني السورين وهي (من 2 إلى 3 كيلومتر) مغطاة بالمزارع، أما عن تقديره لعرض السور فهو تقدير مبالغ فيه ربما أن الأمر ربما يتعلق بخطأ في الترجمة، أو خطأ في المعلومة الأصلية، أو خطأ طباعي إذ لا يعقل أن يصل عرض السور (من 10 إلى 12 متراً)، ولكنا إذا حوّلنا كلمة (متر) إلى (شبر) يكون الأمر منطقياً ومقبولاً، أو ربما يكون التقدير هنا لارتفاع السور وليس لعرضه، وقد يكون المقصود بهذا التقدير هو عرض مقصورة البوابة الرئيسية.
* كما أشاد نولدة بالقوة العسكرية لعنيزة الأمر الذي لاحظه من استعصاء المدينة المتكررة أمام غزوات ابن رشيد في الأحداث التي سبقت مجيء هذا الرحّالة إلى الجزيرة العربية.
* زار نولدة عنيزة عام (1310هـ/ 1892م) أي بعد هزيمة أهلها في المليداء بعامين وكان النفوذ وقتها لابن رشيد على نجد كلها كنتيجة مباشرة لتلك المعركة الحاسمة، ونلمح من كلامه عن أعيان المدينة أن هناك قطبين رئيسيين فيها الأول يمثله الأمير (من آل يحيى) والقطب الثاني يمثله (عائلة البسام) ذات النفوذ المالي والاجتماعي والسياسي في المدينة والذين كانوا حلفاء أساسيين في المنطقة لابن رشيد وكان هذا المركز والنفوذ الذي وصل إليه آل البسام قد دفع نولدة -خطأ- إلى الظن بأنهم هم أمراء عنيزة من قبل ابن رشيد، بينما هم في الحقيقة لم يكونوا سوى ممثلين تجاريين (فوق العادة) لمصالح ابن رشيد في القصيم.
بقي ملاحظة أخيرة على شخصية (فيصل البسام) الذي ذكره نولدة ووصفه بأنه رئيس المدينة وممثلاً لابن رشيد، والذي كان مرافقاً رسمياً له -فيما يبدو- أثناء تجوله بالمدينة، والمتتبع للمصادر الأصلية التي تناولت تلك الفترة لا يجد أثراً لهذه الشخصية التي يفترض لها أن تكون هامة، ولعل الخطأ جاء من الترجمة عن الأصل، أو أن نولدة نفسه أخطأ في ذكر الاسم الحقيقي لمن كان مرافقاً له.
سادساً: رحلة الكابتن شكسبير (عام: 1332هـ/ 1914م)
صاحب الرحلة:
من هو شكسبير؟
هو وليم هنري سكسبير، عسكري ودبلوماسي بريطاني، ينحدر من سلالة الأديب الإنجليزي الشهير (وليم سكسبير)، ولد الكابتن شكسبير في الهند عام (1295هـ/ 1878م) وانخرط في السلك العسكري هناك ثم انضم للعمل بالدائرة السياسية البريطانية بالهند[62] ، وفي عام (1326هـ/ 1908م) عين قنصلاً مساعداً للمقيم السياسي البريطاني في الخليج العربي، وفي عام (1327هـ/ 1909م) عين وكيلاً سياسياً في الكويت حتى عام (1333هـ/ 1914م) وبصفته تلك اتصل بالملك عبدالعزيز آل سعود لأول مرة عام (1328هـ/ 1910م)[63] ، وعندما نشبت الحرب العالمية الأولى كان خارج الخدمة فاستدعى لمهمة خاصة للاتصال بالملك عبدالعزيز للمرة الثانية، وفي عام (1333هـ/ يناير 1915م9 كان حتفه برصاص معركة جراب التي حضرها وهو يلتقط لها صوراً بكاميرته من ربوة تشرف على ميدان القتال.
هدف رحلات شكسبير:
يعد الكابتن شكسبير أول سياسي إنجليزي يتصل بالملك عبدالعزيز بصفة رسمية (قبل وأثناء) الحرب العالمية الأولى ومن خلال تلك الاتصالات نشأت علاقة خاصة بين الرجلين على هامش الاتصالات الرسمية، ومن هنا جاءت رحلات شكسبير ذات الطابع الدبلوماسي الجاد حيث كانت رحلته الأولى عام (1332هـ/ 1914م) قبيل الحرب العالمية الأولى وهي التي زار فيها (عنيزة) وجاءت كتلبية لدعوة من الملك عبدالعزيز، والثانية في عام (1333هـ/ 1915م) في ظروف الحرب العالمية الأولى وهدفها ضمان تحالف الملك عبدالعزيز مع بريطانيا أو على الأقل تحييد موقفه ولهذا الهدف حضر شكسبير (معركة جراب) بينه وبين ابن رشيد التي لقي فيها حتفه كما أسلفنا (1333هـ/ يناير 1915م).
يقول لويل توماس نقلاً عن قلبي: "إن مهمة شكسبير كانت استمالة عبدالعزيز، وابن رشيد معاً، إلى الوقوف في وجه الترك"[64] .
خط سير رحلة شكسبير (الأولى):
انطلق من الكويت في (يناير 1914م) على رأس قافلة جمال وعدة رجال بلغ عددهم سبعة رجال وخادمين ويرافقه الدليل (عبدالعزيز بن حسن)، وكانوا مجهزين ببنادق،وكان شكسبير يحمل كاميرا ونسخة من كتاب الرحالة (بلجريف)، وكان خط سير الرحلة كالآتي:
الكويت، ثم حفر الباطن، ثم صحراء الدهناء، ثم الزلفي، ثم الرياض ومنها خرج برفقة الجيش السعودي بقيادة الملك عبدالعزيز المتجه لحرب ابن رشيد في جراب، وبعد يومين من مسيرة الجيش السعودي انفصل عنه شكسبير وتوجه إلى بريدة وعندما قطع عليه الطريق غير اتجاه إلى عنيزة، ثم ذهب إلى بريدة، ثم الجوف متجنباً دخول حائل[65] .
شكسبير في عنيزة:
دخل شكسبير عنيزة في (26 مارس 1914م) وأقام فيها يومين متتالين، وكان سبب توجهه إليها عن غير قصد منه حيث كان متوجهاً إلى بريدة وعندما قطع عليه الطريق (كما أسلفنا) احتمى بدخوله عنيزة مضطراً. وقد أعجب بنشاطها التجاري وقضى معظم أوقاته بصحبة (صالح الزامل)[66] ، وتجول في الأسواق وتحدث مع تجار المدينة[67] ، وقد ترك هذا انطباعاً حسناً في نفسه حيث قال عنها: "إنها أعادت إليَّ جو الحواضر الضخمة بكثرة رجال الأعمال فيها وتقدم مستوى المعيشة"[68] .
سابعاً: رحلة عبدالله فلبي (1336هـ/ 1918م)
هو (سانت جون فلبي) ولد في سيلان عام (1302هـ/ 1885م) وانتقل مع والدته إلى لندن عام (1308هـ/ 1891م) وفيها أتم دراسته الثانوية بتفوق، وتابع دراسته الجامعية في (جامعة كمبردج) وتخرج منها عام (1907م) حيث التحق بخدمة حكومة الهند البريطانية وهناك وسع ثقافته ولغاته وتزوج وتعلم العربية في الهند، ومن هناك دخل في سلك العمل الاستعماري في البلاد العربية في البصرة عام (1915م) إبان الحرب العالمية الأولى، واتصل بالملك عبدالعزيز منذ رحلته الأولى للجزيرة العربيةعام (1336هـ/ 1917م) حيث زار عنيزة في تلك الرحلة[69] ، وفي عام (1925م) استقال من العمل الحكومي البريطاني والتحق بخدمة الملك عبدالعزيز (بصفة شخصية)، وفي عام (1930م) أعلن إسلامه[70]  وسماه الملك عبدالعزيز باسم (عبدالله) ونال الجنسية السعودية واستوطن جدة حيث أسس فيها شركة سيارات، وفي عام (1955م) توترت العلاقة بينه وبين الملك سعود[71]  بسبب انتقاداته اللاذعة لسياسة الحكومة السعودية بعد وفاة المؤسس (الملك عبدالعزيز) في كتاب أصدره في لندن ونشره باللغة الإنجليزية، وكانت وفاته في بيروت (زائراً) في (30 سبتمبر 1960م)[72] .
أهداف فلبي من رحلته:
لاشك أن فلبي في زياراته الأولى للجزيرة العربية كان يعمل لصالح الدوائر الرسمية البريطانية، ويرفع تقاريره إليها عن الحالة السياسية وغيرها من الجوانب، وقد جاء فلبي إلى الرياض ممثلاً لدولة عظمى كما وصف نفسه لمقابلة شيخ من شيوخ الصحراء (يعني الملك عبدالعزيز) وليمنعه من إفساد مشاريع بريطانيا الحربية[73] . ويرى البعض أن مهمته تنطوي على تكليفه من قبل السلطات البريطانية للتوسط في الخلاف بين الملك عبدالعزيز، والشريف حسين بن علي شريف مكة[74] .
ملخص رحلته الأولى إلى الجزيرة العربية[75] :
قدم فلبي من بغداد إلى البحرين (بحراً)، ثم منها إلى ميناء العقير في (30 محرم 1336هـ) الموافق (15 نوفمبر 1917م)، ثم الهفوف، ثم الرياض في (15 صفر 1336هـ) حيث قابل الملك عبدالعزيز، ثم توجه إلى الطائف في (24 صفر 1336هـ) ثم إلى جدة حيث قابل الشريف الحسين بن علي ومن هناك رفض الشريف عودته إلى الرياض براً، فاضطر إلى أن يسلك طريقاً بحرياً (طويلاً) فركب البحر من جدة إلى القاهرة، ثم بلاد الشام، ثم عاد إلى السويس، ثم الهند، ثم البصرة ومن هناك توجه إلى حفر الباطن فالأحساء (حيث كان الملك عبدالعزيز هناك يستعد لمهاجمة ابن رشيد بشراء المؤن والأسلحة)، ومنها إلى الرياض حيث زار المناطق الجنوبية منها بعد موافقة الملك عبدالعزيز، ثم عاد إلى الرياض حيث صحب الجيش السعودي الزاحف لغزو ابن رشيد الذي سلك طريق الوشم، فالمذنب، ثم عنيزة، فبريدة حيث وصلها ذلك الجيش في (18 ذي القعدة 1336هـ) الموافق (25 أغسطس 1918م).
ولم يوافق الملك عبدالعزيز عل مصاحبة فلبي له في غزواته ضد ابن رشيد (لربما حتى لا تتكرر مأساة شكسبير) فاختار أن يقيم في عنيزة فأقام في الفترة من (3 ذي الحجة 1336هـ إلى 22 منه) الموافق (9 سبتمبر 1918م إلى 28 منه) أي قرابة (19) يوماً.
مشاهدات فلبي في عنيزة:
* في الفترة التي قضاها قليبي في عنيزة حرص على جمع معلومات كثيرة عن المدينة وعادات أهلها، وكانت ترافقه (كاميراته) التي التقط فيها الكثير من الصور للمزارع وغيرها.
* ومما لفت نظر فلبي في عنيزة مئذنة الجامع الكبير التي لا تزال قائمة، فقال في وصفها: إن ارتفاعها يبلغ 80 قدماً (24 متراً) وأنها من الطين وأنه طلب مقابلة من بناها وهو (إبراهيم بن صويلح) فسأله حين قابله قائلاً: كم كانت أجرتك حين بنيتها؟ فقال: "إنها تساوي (40 دولاً). وسأله هل تستطيع بناء أرفع منها؟ فقال ابن صويلح: نعم، فقال له كيف؟ قال: أوسع دائرة قاعدتها ثم ابني الارتفاع الذي أريد"[76] .
* وقدر فلبي عدد سكان عنيزة آنذاك بـ(15 ألف) إنسان[77] .
* وعن التجارة والسلع ذكر:
أ - أن ثلث المعاملات الذهبية بالجنيه الإنجليزي والباقي بالليرة التركية[78] .
ب- وقدر عدد الدكاكين في عنيزة بأنها لا تقل عن (1000) دكان[79] .
جـ- وعن السلع ذكر أن ملح العوشزية يباع منه في عموم القصيم وأنه نظيف إلى حدٍ ما، وذكر من السلع الهامة في سوق عنيزة الرز العراقي الذي يسمى (التمن) والذي لم يكن متواجداً بتلك الكثرة من قبل[80] ، وذكر من السلع (الكبريت الياباني) من ماركة الأسد[81] .
* أما الصناعات فذكر فلبي عنها:
أ - أن الصناعات الجلدية من الجلود المعالجة نشيطة ويصنع منها الكثير من المصنوعات الجلدية المتعددة الاستخدامات[82] .
ب- وذكر أيضاً أنه شاهد انتشار الساعات في عنيزة وأنه يوجد أناس مخصوصين لإصلاح أعطالها[83] .
* وعن النشاط الزراعي ذكر:
أ - أن التمر في عنيزة متوفر بكثرة وأنها تختص بـ(28 نوعاً) منه[84] .
ب- وذكر أن الغزال موجود في عنيزة[85] ، حيث كان يربي في بعض المنازل ولكنه قليل[86] .
* أما عن العمران فبالإضافة إلى ما ذكره سابقاً عن الجامع الكبير فإن فلبي رصد بعض الملامح العمرانية للمدينة منها:
أ - أنه كان يقوم حصن قديم اسمه (حصن خورشيد)[87]  وهو من بقايا الحصون التي بناها خورشيد باشا حول المدينة.
ب- أن ممرات المدينة وشوارعها في الأحياء القديمة متعرجة وأغلبها ضيقة[88] .
جـ- لاحظ فلبي أن هناك مقلب قمامة خارج البلدة كان مخصصاً لعظام الحيوانات وما شابهها[89] .
اهتمام فلبي بتدوين وتوثيق تاريخ الجزيرة العربية:
يروي (عبدالله القيعان)[90]  الذي كان يعمل عند الأمير (خالد السديري) أمير العلا، أنه كان يرافق فلبي فيذهبان في الصباح ولا يعودان إلا في آخر الليل إلى المعسكر، لأنه كان مكلف رسمياً من قبل الأمير بمرافقة فلبي على اعتبار أنه خبير بدروب المنطقة وجبالها، ويقول القيعان كان فلبي يحمل معه أوراقاً مكربنةً يعطيني إياها فأصعد إلى الأماكن العالية والتي فيها كتابات قديمة لأقوم بشفها وإحضارها إليه ثم يطويها ويحفظها، وقال إن فلبي كان يلبس العقال والكوت (الجاكيت) وإذا حل الليل لبس المشلح (الوبر) فيبدو كبدوي راعي غنم، وكان يجيد التحدث باللهجة البدوية، وقال عنه: إنه ذات مرة صلى بي صلاة المغرب[91] .
ثامناً: رحلة أمين الريحاني (عام: 1341هـ/1922م)
هو أمين بن فارس الريحاني، لبناني الأصل، أمريكي الجنسية، مسيحي المعتقد[92]  وإن كان يؤمن بوحدة الأديان سماويها وبشريها، ولد في قرية العريكة بلبنان عام (1293هـ/ 1876م)، ومات بها عام (1359هـ/ 1940م). تعلم الابتدائية في لبنان، ورحل إلى أمريكا في الثانية عشر من عمره وهناك عمل بالتجارة والتمثيل ودرس شيئاً من الحقوق، ثم عاد إلى وطنه وتعلم العربية وآدابها، وتردد مراراً بين لبنان وأمريكا، ساح في بلاد عربية وأوربية، فقد زار الجزيرة العربية (نجدها وحجازها ويمنها) وزار كذلك فلسطين ومصر والمغرب، وأسبانيا ولندن وباريس.
قال عنه الزركلي: كاتب خطيب، يعد من المؤرخين، له مؤلفات أدبية وتاريخية كثيرة من أشهرها، (الريحانيات) و (ملوك العرب) و (تاريخ نجد الحديث)[93] .
خط رحلة الريحاني:
قدم الريحاني البلاد السعودية في عام (1341هـ/ 1922م) في وقت سيطر فيه الملك عبدالعزيز على معظم أنحاء المملكة سوى الحجاز، وفي هذه الظروف اتصل بالملك عبدالعزيز الذي أذن له[94]  وقدم له تسهيلات مكنت الريحاني من زيارة بلاد نجد ومنها مدينة عنيزة.
هدف رحلة الريحاني:
تدور شكوك كثيرة حول دوافع الريحاني إلى جزيرة العرب وحول المحرك الفعلي لهذه الزيارة أو المستفيد منها، بل إن هذه الشكوك أثيرت أمامه في حياته من قبل من زارهم من الزعماء والأمراء والساسة، وخاصة من قبل الملك عبدالعزيز نفسه في إحدى مجالسه[95] .
وإذا تابعنا تلك الشكوك فقد تأرجحت أهداف رحلته بين سياسية استعمارية خدمة للإنجليز، وأخرى اقتصادية لصالح امتياز شركات النفط الأمريكية، وثالثة تنصيرية، وأخرى قومية وحدويّة[96] ، ويحق لنا أن نسأل هل استخدم الريحاني الشعار القومي كغطاء لتحقيق أهداف سرية وخطيرة، خصوصاً إذا علمنا أن وتر القومية آنذاك هو معزوف الشعوب العربية وقياداتها الذين خرجوا لتوهم من عباءة الدولة العثمانية ولكنهم ما لبثوا أن وقعوا في براثن الاستعمار البغيض.
ومن الأسباب التي تثير الشك في رحلة الريحاني إضافة إلى أنه كان يحمل الجنسية الأمريكية، أنه كذلك كان يحمل خطاب تعريف من وزارة الخارجية الأمريكية عندما قدم إلى جزيرة العرب، بل وكانت تقاريره ومشاهداته عن البلاد التي زارها تصل بانتظام إلى القنصل الأمريكي في بيروت[97] .
خط سير رحلته:
وصل ميناء العقير واجتمع فيه بالملك عبدالعزيز ثم صحبه إلى الرياض، وعندما أراد التوجه إلى الكويت من الرياض سلك طريق المحمل، فالوشم، فالقصيم حيث زار فيه العوشزية وعنيزة وبريدة، ثم الأسياح فصحراء الدهناء فحفر الباطن ثم الكويت.
مشاهداته في عنيزة:
كانت زيارة الريحاني لعنيزة في عام (1341هـ/ 1922م) وذكر عنها كلاماً مسهباً[98]  في كتابه (تاريخ نجد) منذ أن دخل العوشزية شرق (عنيزة) والتي كان أول ما لفت نظره فيها سبخاتها الملحية حيث ظنه نهراً من بعيد فاقترب منه وأخذ قطعة تجاوز سمكها الأربعة أصابع، ثم أن كبير العوشزية[99]  دعاهم إلى القهوة وضيّفهم، فكان بذلك أول مضيف لهم منذ أن دخلوا القصيم ومما قاله: "أهلها ملح الأرض جاءنا وجيههم يدعونا للقهوة…"[100] .
ثم في اليوم التالي توجه الريحاني إلى عنيزة قائلاً في وصفها: "عنيزة مليكة القصيم، عنيزة حصن الحرية ومحط رحال أبناء الأمصار، عنيزة قطب الذوق والأدب، باريس نجد وهي أجمل من باريس…"[101] .
ولاحظ الريحاني أن النفود غرب المدينة يشكل خطراً زاحفاً عليها: "قلت مرة لأهلها: أنتم والنفود قوم فأعجبوا بالكلمة وتناقلوها"[102] .
ومما قاله أيضاً: "قد تصغر عنيزة دون أهلها، وهم زهاء ثلاثين ألفاً… فهي مزدحمة بالسكان، وأكثر أسواقها كالسراديب لأنهم يبنون فوقها الجسور وفوق الجسور البيوت، ولكن هناك سوقاً للتجارة كبيرة منيرة تدهشك بما فيها من الأشكال والألوان فتذكرك بأمريكا وبلاد الإنجليز وتنقلك إلى الهند واليابان…"[103] .
ثم ذكر كرم الضيافة العنيزي بشيء من الإطراء قائلاً: "على أن ضيافة العربي العنيزي تمتاز عن ضيافة الإنجليزي في أن رب البيت يخدمك بنفسه من حين الاستقبال إلى حين الوداع…"[104] .
ثم أسهب بعد ذلك في وصف مجلس القهوة ونقوشة وتصميمه والموقد (الوجار) وطريقة صف المواعين (الأباريق والدلال) والنجر والحجري (الهاون)، ثم ذكر عادات الأهالي في الضيافة وأنها نوعان منها ضيافة القهوة والتي يحلو فيها الحديث، والأخرى على الغداء أو العشاء.
ثم أثنى على الأمير عبدالعزيز بن عبدالله آل سليم[105]  (الذي كان قد اعتزل الإمارة) وعلى ضيافته وشكوى ذلك الأمير من أسنانه وحديثه عن (أمريكه) وتقدمها الطبي والعمراني.
ثم وصف زيارته لأمير عنيزة (عبدالله السليم) ووصف ما أولم له به من الحنيني اللذيذ جداً ثم تحدث عن رغبته عن جلب مكائن تجارية لرفع الماء لكن بعد أن يفعل السلطان عبدالعزيز (الملك عبدالعزيز).
ومن الشيخصيات الهامة التي التقى بها الريحاني في عنيزة وسجل إعجابه بها الوجيه (عبدالله بن محمد آل بسام)[106] ، وكان فائدة الريحاني عظيمة من هذا الأديب المؤرخ حيث أرشده الملك عبدالعزيز إليه ليمده بأسماء المدن النجدية ومما قاله الريحاني في هذا الصدد (وكنت قد استعنت عندما مررت بعنيزة بالشيخ عبدالله بن محمد بن عبدالعزيز البسام فكتب لي لائحة بأسماء بلدان القصيم وسدير والعارض)[107] .
وقال أيضاً عنه: "والشيخ عبدالله البسام الذي قال فيه عظمة السلطان[108]  إنه من العارفين المدققين"[109] .
وقد وصف الريحاني شخصية الشيخ عبدالله البسام بأنه عالم أديب ذا روح عصرية وأنه قد ساح في مصر والعراق والهند، ووصف ثرائه ومرزعته الحديثة وأن القليب التي حفرها كان عمقها 80 قدماً (أي: 24 متراً) وكلفتها (400 ليرة إنجليزية) وأن رفع الماء منها يكلفه يومياً (ليرة واحدة) بالجمال[110] .
ثم ذكر الريحاني مدى التسامح الديني الذي كان سائداً في عنيزة ورحابة صدور أهلها للمخالفين في الرأي والمعتقد، ومذكراً بما حدث لداوتي فيها وما آلت إليه الأمور بعد مرور (45 سنة)[111] .
ملاحظات على زيارة الريحاني لعنيزة:
1- أن دخوله إلى عنيزة كان من جهة الشرق ولذا فقد مرّ بقرية العوشزية وقد نال ضيافة كريمة من أهلها الكرام.
2- تحدث الريحاني عن ملح العوشزية (السبخة) ووصفها وقال إن ملحها يملأ أسواق القصيم لكنه غير نقي.
3- استهل الريحاني مدونات مشاهداته في عنيزة بمدح المدينة وأهلها مثل قوله: (مليكة القصيم) و (باريس نجد) و (حصن الحرية) و (قطب الذوق والأدب).
4- لفت نظر الريحاني موقع عنيزة وكيف هي واقعة بين جال الصفراء (شرقاً) وسفح النفوذ (غرباً) وأن هذا انعكس على تقييدها عن التوسع الأفقي للعمران مما جعلها ذات كثافة سكانية عالية.
5- وصف الأسواق الصغيرة (الطرقات) بأنها كالسراديب[112]  لكثرة الجسور المنزلية فوقها.
6- وقال عن السوق التجاري الرئيسي أنه الأكثر بضاعةً وتنوعاً في السلع.
7- تحدث أن في عنيزة أسر عريقة ذات نسب وفضل وأنهم سواح في الأرض منذ القدم مما أعطاهم القدرة على استيعاب الغرباء وحب استضافتهم، وقد خص بالذكر منهم أعياناً مثل:
 أ - الأمير عبدالعزيز العبدالله السليم الذي تنازل عن الإمارة عام (1335هـ) لابن أخيه.
ب- الأمير عبدالله الخالد السليم.
ج- الأديب والمؤرخ والعارف المدقق الشيخ عبدالله بن محمد البسام، ولقد استفاد الريحاني من الخدمات الجليلة التي قدمها له الشيخ عبدالله البسام في تحديد مواقع بلدان نجد في القصيم وسدير والعارض.
8- قدم الريحاني وصفاً لأسلوب الحياة الاجتماعية في التعامل مع الغرباء وإكرام الضيوف، وأعطى تبعاً لذلك وصفاً لقاعة الاستقبال (القهوة) حيث قال: "إنها طويلة فسيحة عالي سقفها، وقد سقف بخشب الأثل، قائم على أعمدة من الحجر مطلية بالجص، لها نوافذ مزدوجة النافذة فوق الأخرى، العالية لدخان الموقد يخرج منها والواطئة لتجديد الهواء النقي، وعلى جدرانها (القهوة) رسوم هندسية نقشت بالجص فوق أرضية من الطين…"[113] .
9- لمس الريحاني بوضوح مدى التفتح الذي تميز به أهل عنيزة عن غيرهم تجاه الغرباء والمخالفين ناقلاً قول الشيخ عبدالله البسام: "أهل عنيزة اليوم يغضبون لأقل إساءة تلحق بالغريب في بلدهم"[114] .
10- وفي الختام نلاحظ أن مدونات الريحاني عن عنيزة فقيرة في جوانب هامة كالنشاط الزراعي والتجاري وإن كان لم يهملها مطلقاً.
تاسعاً: رحلة لويس ديم (عام: 1342هـ/ 1923م)
صاحب الرحلة:
هو لويس بي ديم، أمريكي الجنسية، طبيب ومنصّر كان يعمل لصالح الإرسالية الأمريكية في البحرين.
هدف رحلته:
كان هاجس جهود بعثات التنصير في الخليج العربي اختراق صحراء العرب (شرقها ووسطها وغربها) كنوع من التحدي للعالم الإسلامي المدفوع بالعنصرية الصليبية في أقبح صورها، وكانت همزة الوصل لتحقيق تلك الأحلام هي الإرسالية الأمريكية في البحرين التي قامت بجهود حثيثة من أجل تحقيق أهداف التنصير في قلب جزيرة العرب.
ولهذا انتدبت تلك الإرسالية الطبيب[115]  لويس ديم للقيام بهذه المهمة في منطقة نجد وذلك بعد أن واتت تلك الإرسالية الفرصة الثمينة حينما طلب الملك عبدالعزيز منها إرسال فرقة طبية متنقلة لمكافحة بعض الأمراض الوبائية التي ظهرت آنذاك، وعندما التقى لويس ديم بالملك عبدالعزيز اجتهد في أن يقنعه بجدوى إنشاء مستشفى مقيم في الأحساء[116]  كما فعل من قبله الطبيب الأمريكي المنصّر (مايلريا) في الكويت عام (1333هـ/ 1914م)[117]  عندما اقترح على الملك عبدالعزيز إقامة مستشفى في الرياض على غرار المستشفى الأمريكي بالكويت.
وقد كان الجواب بالرفض في كلتا الحالتين، لأن الملك كان على علم بخبث نوايا تلك المشاريع الطبيّة وأهدافها التنصرية[118]  وكان رد الملك عبدالعزيز على هؤلاء المنصِّرين أنه في وقت الحاجة لطبكم سيتم استدعائكم دون حرج[119] .
خط سير رحلة ديم:
انطلق (لويس ديم) من البحرين برئاسة فريق طبي متكامل وعلى أتم الاستعدادات، مكون من 4 مساعدين (ممرضين) ومعهم (32 صندوقاً) مملوءة بالأدوية والمعدات محملة على الجمال. ومن الرياض رافق البعثة أربعة حراس بأمر الملك عبدالعزيز ولحق بهم اثنان في بريدة -بعد ذلك- وعادت البعثة إلى البحرين وهي تحت حراسة أولئك الستة.
غادر ديم البحرين في (6 نوفمبر 1923م) متوجهاً إلى الأحساء التي غادرها يوم الاثنين (12 نوفمبر) وفي يوم الجمعة الذي يليه (عصراً) دخل الرياض حيث تصدى لمعالجة الأهالي، كما عالج الملك عبدالعزيز نفسه، وأقام في الرياض (27 يوماً)[120] ، وبعد أن أذن له الملك عبدالعزيز توجه إلى شقراء[121]  في (آخر ديسمبر) ومكث فيها (أسبوعين) ثم توجه إلى عنيزة حيث وصلها في (19 يناير 1923م) وأقام فيها (ثلاث أسابيع) ثم توجه إلى بريدة وأقام فيها (أسبوعاً واحداً) ومنها عاد إلى الأحساء (عن طريق المجمعة) ثم إلى ميناء العقير ومنها بحراً إلى البحرين[122] .
نص مشاهدات ديم في عنيزة:
"وبعد أربعة أيام من مغادرة شقراء وصلنا عنيزة التي وجدناها مختلفة في كل شيء فللوهلة الأولى اعتقدنا أن عنيزة هي مجرد مدينة صغيرة مطوقة بسلسلة من التلال الصخرية من جانب والنفود (التلال الرملية) من الجانب الآخر ومدينة عادية تخلو من المدهشات، لكنها ظهرت مختلفة، فبسبب محدودية أراضيها تعتبر منطقة كثيفة السكان وبيوتها الطينية تتكون معظمها من ثلاثة إلى أربعة طوابق، وبجانب البيوت وجدنا أن بساتين عنيزة، وهي من أجمل البساتين التي رأيتها في الجزيرة العربية، تقع على حافة المدينة وليست بعيدة عنها.
وأكثر من هذه فعنيزة تشكل نسيجاً خاصاً، وتوليفة متميزة في الجزيرة العربية فبيوتها هي الأحسن والناس فيها الأكثر ذكاءً وأفضل معرفة وأكثر إنسانية وودية، … وتجار عنيزة لديهم شهرة واسعة وسط جميع العرب، فهم يعملون في أشغال واسعة ومتفرقة في مكة وجدة ودمشق والبصرة وبغداد ومصر والبحرين والكويت وبومباي ومناطق أخرى في الهند، وبالرغم من ذلك فإنهم يفضلون العودة دائماً إلى مدينتهم عنيزة.
وعنيزة بجانب كل ذلك تحتفظ باعتزاز وكبرياء وطني عظيم وسط باقي المدن العربية[123] … وكنت قابلت عند عودتي عدداً من أهالي عنيزة في البحرين وكان سؤالهم الأول هو كيف وجدت بلادنا…
وفي عنيزة جرى الترحيب بنا بشكل كبير وحار، لم يحصل لنا في أي مكان في الجزيرة العربية كلها. كما كنا طيلة إقامتنا ضيوفاً عند الكثير من العائلات المعروفة. ففي كل مساء كنا نضطر لتلبية أكثر من ثلاث زيارات في الليلة الواحدة، وكنا نعتذر عن غيرها كثيراً جداً، وكانت جميع ليالينا في الواقع محجوزة مقدماً قبل أسبوع، وبالرغم من أن المناقشات الدينية كانت تتخلل هذه الزيارات بعض الوقت -طبعاً- إلا أنها لم تكن مناقشات متعصبة أو مفعمة بالكره أو تصحبها سخرية منا كتلك التي في بعض المدن الأخرى لكن المسلمين في عنيزة متعصبون أيضاً لدينهم مثلهم مثل أي مكان في الجزيرة العربية.
ومضت الأيام الأولى في عنيزة في انشغال كبير ولم نجد فرصة حتى للاستراحة في أوقات كثيرة لكن الترحيب والودية اللذين وجدناهما في كل مكان في المدينة والزيارات العديدة التي قام بها أمير المدينة وقادتها وشخصياتها البارزة أنستنا التعب.
وعلى الصعيد الطبي كان عملنا ناجحاً أكثر من المتوقع، فقد عالجنا (1366 مريضاً) في العيادة الصغيرة التي أقمناها بوسط المدينة خلال (17 يوماً) من العمل المتواصل ضمن (21 يوماً) مدة إقامتنا في عنيزة. وبالإضافة إلى العيادة فإن الطرقات المؤدية إلى عيادتنا كانت مملوءة مثل معظم المدن في الجزيرة العربية بصفوف من العميان والعرجان والمرضى الذين يبحثون عن علاج وأدوية لأمراضهم المتنوعة.
وعلاوة على ذلك عالجنا الكثير من المرضى ذوي الحالات المستعصية في البيوت وأحياناً كانت الدعوات الاجتماعية كثيراً ما تختلط بمعالجة الناس في المجالس، وفي الواقع فإن الترحيب المتواصل بنا لم يتوقف يوماً واحداً بل استمر حتى يوم مغادرتنا وكان ذلك يوم الاثنين (11 فبراير) حيث زودنا الأهالي بصفائح من التمور وأطعمة طيبة خاصة للسفر الصحراوي"[124] .
ملاحظات على زيارة ديم لعنيزة:
* بالنسبة لتاريخ الزيارة فقد بدأت في (19 يناير 1924م) وانتهت يوم الاثنين (11 فبراير 1924م)، أي أنها استمرت ثلاثة أسابيع متواصلة، وهذه الزيارة ذكرها مؤرخ نجد الشيخ عبدالله بن محمد البسام قائلاً: "وفي هذه السنة (أي سنة 1342هـ) وصل عنيزة طبيب أمريكاني اسمه ديم استقام نحو عشرين يوماً أفاد بعلاجه أهل البعوج والبواسير"[125] .
* أشار (ديم) إلى كثافة سكان عنيزة نظراً لضيق مساحتها بين الكثبان الصخرية والرملية،ووصف بيوتها بأنها تعلو إلى ثلاث أو أربع طوابق وأنها مبنية من الطين، كما أعجب بمزارعها وعدها من أجمل مزارع الجزيرة العربية.
* وأثنى (ديم) على مجتمع عنيزة ثناءً عاطراً لما يمتلكونه من مقومات ميزتهم عن غيرهم فهم في نظره، كرماء، وأذكياء، ومثقفين، وصدورهم رحبة للرأي المخالف، ويؤلفون وحدهم نسيجاً اجتماعياً متجانساً. ومما لاحظه ديم ذلك الحب الشديد الذي يكنه أهل عنيزة لمدينتهم حتى وإن عاشوا بعيداً عنها.
* وأشاد بشهرة أهل عنيزة بارتياد أسواق التجارة العالية في داخل الجزيرة العربية وخارجها حتى الهند.
* أتمت البعثة معالجة عدداً كبيراً من المرضى، مما يعكس ارتفاع عدد سكان المدينة، وأشار (ديم) في تقريره إلى بعض الأمراض التي كانت شائعة عند الناس كالعرج، والعمى، والفتق، والبواسير[126]  وغيرها حيث أجرى لأصحابها عمليات جراحية، وقد ذكر كبار السن الذين عاصروا مجيئه لعنيزة أن أغلب علاجه مسكنات يعطيها لمرضاه وهي عبارة عن حبوب مشهورة تسمى (كناكينا) ذات لون أصفر، وكان ديم وممرضيه يضعون عند تنضيد الجروح الأشرطة الطبية اللاصقة على هيئة (صليب) على الجرح ليحمل المسلمون (الصليب) على أجسادهم دون أن يشعروا.
* وكانت العمليات الجراحية والمعالجة الطبية تتم في عيادة وسط المدينة -كما ذكر ديم- وهذه العيادة عبارة عن بيت تبرع به رجل يدعى (الدكماري) والذي كان يقع في حي البرغوش (الواقع غرب مسجد الجادة)[127] .
* قبل أن تغادر البعثة عنيزة حمّلها الأهالي بصفائح (تنك) التمر وربما الكليجا والبقل (الإقط)، ولم ينس الطبيب ديم أن يدس في أمتعته ما استحسنه من أعمال خشبية خفيفة الحمل عالية القيمة كالطاولات والأبواب الخشبية المنقوش عليها بالحفر فعل ذلك كذكرى لهذه الزيارة الجميلة ولكي يقول لأهل عنيزة في البحرين لقد وصلت إلى مدينتكم وهذا هو الدليل.
[1]  جاكلين بيرين، اكتشاف جزيرة العرب خمسة قرون من المغامرة والعلم، دار الكاتب العربي، بيروت، بدون سنة الطبع أو رقمها، ص243. وانظر أيضاً: حمد الجاسر، رحالة غربيون في بلادنا عرض موجز لرحلات بعض الغربيين في قلب الجزيرة وشمالها، دار اليمامة للبحث والترجمة والنشر، الرياض، 1417هـ، الطبعة الأولى، ص29.

[2]  الكابتن ج. فورستر سادلير، رحلة عبر الجزيرة العربية، ترجمة: أنس الرفاعي، دمشق، الطبعة الأولى، 1403هـ، ص5.

[3]  المصدر السابق، ص105 - 106.

[4]  المصدر السابق، ص5.

[5]  المصدر السابق، ص12 - 13.

[6]  جاكلين، مصدر سابق، ص247.

[7]  سادلير، مصدر سابق، ص94.

[8]  المصدر السابق، ص12 - 13.

[9]  المصدر السابق، ص92 - 93 - 94.

[10]  المصدر السابق، ص144.

[11]  قصر الصفا المعروف في شمال عنيزة.

[12]  مجلة الفيصل، عدد (91) محرم 1405هـ، ص128.

[13]  روبن بدول، الرحالة الغربيون في الجزيرة العربية، ترجمة: عبدالله آدم نصيف، الرياض، 1409هـ، ص67، 68، 76.

[14]  مجلة الفيصل، عدد 91، ص128.

[15]  روبن بدول، مصدر سابق، ص76.

[16]  المصدر السابق، ص70.

[17]  انظر ترجمته في هذا البحث.

[18]  روبن بدول، مصدر سابق، ص75.

[19]  جاكلين، مصدر سابق، ص298 وما بعدها.

[20]  المصدر السابق، ص299.

[21]  خط الرحلة في وسط وشرق الجزيرة لا يزال محل شك يصل لدرجة تكذيبه كما أسلفنا.

[22]  طبعاً تظاهراً بالإسلام، خوفاً من النقمة.

[23]  جاكلين، مصدر سابق، ص310 - 311.

[24]  المصدر السابق، ص94.

[25]  جريدة الرياض، عدد (9857)، الثلاثاء 22/ 1/ 1416هـ، ص12.

[26]  لملك فرنسا (نابليون الثالث)، ولملك إيطاليا (فيكتور عمانوئيل).

[27]  جاكلين، مصدر سابق، ص289.

[28]  المصدر السابق، ص289.

[29]  عوض البادي، الرحالة الأوربيون في شمال الجزيرة العربية منطقة الجوف ووادي السرحان، دار بلاد العرب، الرياض، 1418هـ، ص94، 95.

[30]  مجلة مكتبة الملك فهد الوطنية، العدد الثاني (رجب - الحجة) 1418هـ، ص200.

[31]  انظر أيضاً: المصدرين السابقين.

[32]  مجلة مكتبة الملك فهد، مصدر سابق.

[33]  جاكلين، مصدر سابق، ص293.

[34]  المصدر السابق، ص295.

[35]  لم يكن (زامل السليم) وقت زيارة غورماني أميراً لعنيزة، فهو لم يتول إمارتها إلا عام (1285هـ) وزيارة ذلك الرحالة حدثت عام (1280هـ) وكان الأمير فيها عبدالله السليم (1271 - 1285هـ) ولكن مع ذلك كانت كثيراً من مقاليد الأمور السياسة والعسكرية بيد (زامل السليم) نظراً لقوة شخصيته وحنكته التي اشتهر بها، ولعل هذا هو ما جعل غورماني يظن أن أن زامل أمير عنيزة لما رأى من صلاحياته الواسعة.

[36]  جاكلين، مصدر سابق، ص294.

[37]  روبن بدول، مصدر سابق، ص77.

[38]  المصدر السابق، ص78.

[39]  المصدر السابق، ص79، وقد بلغ عدد أفراد تلك الحملة (6000 حاج) ويحرسهم (300 رجل مسلح) ويرافقهم (200 من الخيالة) ومدفعين ومائة رجل من عقيل.

[40]  المصدر السابق، ص79.

[41]  المصدر السابق، ص82.

[42]  المصدر السابق، ص83.

[43]  المصدر السابق، ص85، 86.

[44]  توصلت إلى مقاربة هذا التاريخ، لأن داوتي ذكر في آخر يومياته حرب أهل عنيزة مع بنو عاصم من قحطان، وهذه المعركة المعروفة باسم (دخنة) ذكرها البسام في تحفة المشتاق ضمن أحداث عام (1295هـ).

[45]  أمين الريحاني، ملوك العرب، دار الجيل، بيروت، الطبعة الثامنة، 1987من ص8.

[46]  مثال ذلك، عندما وصف لنا مكتبة عبدالله الخنيني وما فيها من كتب، وما ذكره عن وجود لبعض الصحف العربية في عنيزة.

[47]  محمد عبدالله السلمان، الأحوال السياسية في القصيم في عهد الدولة السعودية الثانية، عنيزة، الطبعة الأولى، 1408هـ، ص316.

[48]  المصدر السابق، ص335.

[49]  المصدر السابق، ص327.

[50]  المصدر السابق، ص340.

[51]  المصدر السابق، ص336.

[52]  المصدر السابق، ص325.

[53]  إدوارد نولده، الأوضاع السياسية في وسط الجزيرة العربية عند نهاية القرن 19م، ترجمة: عوض البادي، دار بلاد العرب، الطبعة الأولى، 1997م، ص9.

[54]  المصدر السابق، ص12.

[55]  المصدر السابق، ص10.

[56]  المصدر السابق، ص10.

[57]  المصدر السابق، ص8.

[58]  المصدر السابق، ص12.

[59]  المصدر السابق، ص10.

[60]  المصدر السابق، ص12.

[61]  المصدر السابق، ص74.

[62]  مجلة أهلاً وسهلاً، عدد سبتمبر 2000م، ص33.

[63]  وقد ورد في مخطوطة تاريخ (تحفة المشتاق في أخبار نجد والحجاز والعراق) لعبدالله بن محمد البسام (ت: 1346هـ) ما يلي: "وفي شهر صفر 1326هـ وصل الرياض قنصل الإنجليز الذي في الكويت بعد مروره على بريدة وعنيزة من جهة الإمام كما وصل إلى العارض مندوبين إنجليز من طريق العقير ومعهم تلغراف اللاسليك" ص376. وانظر أيضاً: عبدالله بن صالح العثيمين، تاريخ المملكة العربية السعوديةن مكتبة العبيكان، الطبعة الأولى، الرياض، 1416هـ، الجزء الثاني، ص291.

[64]  خير الدين الزركلي، شبه الجزيرة العربية في عهد الملك عبدالعزيز، دار العلم للملايين، بيروت، الطبعة الثالثة، نيسان (أبريل) 1985م، الجزء الأول، ص283.

[65]  أهلاً وسهلاً، مصدر سابق، ص33، 34.

[66]  أحد أعيان عنيزة، وقائد جيشها في معركة جراب التي قتل فيها.

[67]  أهلاً وسهلاً، مصدر سابق، ص34.

[68]  السلمان، مصدر سابق، ص341.

[69]  سانت جون فيلبي، بعثة إلى نجد، ترجمة: عبدالله العثيمين، مكتبة العبيكان، الرياض، الطبعة الأولى، 1418هـ، ص35 - 36. وانظر أيضاً: نجدة فتحي صفوة، الجزيرة العربية في الوثائق البريطانية، دار الساقي، بيروت، الطبعة الأولى، 1999م، ج4، ص89 - 90.

[70]  ليس شيء مثير للجدل والشك في حياة فلبي كقضية إسلامه من حيث حقيقتها ودوافعها فهو لم يغير عندما أسلم سوى اسمه إلى (عبدالله) أما سلوكه فلم يتغير منه سوى المظهر فقط، بل إنه استثمر إسلامه لمصالح شخصية تجارية، واستمر على عادته في شرب الخمر والعلاقات الجنسية المشبوهة، وعندما أراد أن يسلم انتظر عاماً كاملاً حتى يأذن له ابن سعود أو يفرغ له من مشاغله!! وهل التحول إلى الإيمان يحتمل الانتظار؟ لو كان صادقاً!! ولكن فلبي أراد أن يقتفي أثر الرحالة الغربيين الذي دخلوا الإسلام (خداعاً) ليزوروا مكة أو ليجتازوا جزيرتنا بأمان، وهو وإن شابههم في وسيلتهم إلا أنه اختلف عنهم في غايته. ولمزيد حول هذه المسألة انظر: محمد جلال كشك، السعوديون والحل الإسلامي، الطبعة الثالثة، 1402هـ، ص731. وانظر أيضاً: حمد الجاسر، رحالة غربيون في بلادنا، مصدر سابق، ص276.

[71]  البادي، الرحالة الأوربيون، مصدر سابق، ص410. وانظر أيضاً: نجد فتحي، الوثائق البريطانية، مصدر سابق، ج4، ص89، والذي ذكر صراحة أن سبب طره كان انتقاداته الشديدة للمملكة في كتابه الذي صدر بعنوان (المملكة العربية السعودية) بعد وفاة الملك عبدالعزيز.

[72]  فلبي، مصدر سابق، ص90.

[73]  كشك، مصدر سابق، ص733.

[74]  نجدة فتحي، مصدر سابق، 4/ 89.

[75]  فلبي، مصدر سابق، ص97 - 98.

[76]  السلمان، الأحوال السياسية، مصدر سابق، ص356.

[77]  محمد عبدالله السلمان، مدينة عنيزة بين الأمس واليوم، الطبعة الثانية، 1411هـ، ص214.

[78]  السلمان، عنيزة، مصدر سابق، ص361.

[79]  السلمان، عنيزة، مصدر سابق، ص148.

[80]  المصدر السابق، ص170.

[81]  السلمان، الأحوال السياسية، مصدر سابق، ص354.

[82]  السلمان، عنيزة، مصدر سابق، ص155.

[83]  المصدر السابق، ص158.

[84]  المصدر السابق، ص129.

[85]  حدثني جدي، عبدالرحمن المحمد الخويطر (ت سنة: 1415هـ): أن مراعي عنيزة كانت مراتع خصبة لقطعان الغزلان وأظن أن جدي كان عمره (20 سنة) عندما زار فلبي عنيزة لأول مرة عام 1336هـ.

[86]  المصدر السابق، ص141.

[87]  السلمان، الأحوال السياسية، مصدر سابق، ص108. وكانت حملة خورشيد باشا على عنيزة عام 1254هـ.

[88]  السلمان، عنيزة، مصدر سابق، ص208.

[89]  المصدر السابق، ص228.

[90]  عبدالله القيعان، رجل من أهل عنيزة، كان من عدة رجال الأمير خالد السديري.

[91]  جريدة الجزيرة عدد (5860) الجمعة (4/ 3/ 1409هـ)، ص5.

[92]  انظر أمين الريحاني، وصيتي، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، الطبعة الأولى، 1982م، ص25. وانظر أيضاً: موقفه من حقيقة الجنة في كتابه: ملوك العرب 2/ 591.

[93]  الزركلي، الأعلام، دار العلم للملايين، بيروت، الطبعة السابقة، 1986م، الجزء الثاني، ص18 - 19.

[94]  الريحانين ملوك العرب، مصدر سابق، 2/ 492، 510.

[95]  كشك، مصدر سابق، ص713، وانظر مناقشة لأهداف رحلة الريحاني بشيء من التفصيل.

[96]  الريحاني، ملوك العرب، مصدر سابق، 2/ 498، 523.

[97]  كشك، مصدر سابق، ص712.

[98]  لقراءة النص كاملاً انظر: ملوك العرب، مصدر سابقن الجزء الثاني من ص604 - 611.

[99]  وهو الأمير (علي المحمد المطرودي) من بني خالد، والريحاني لم يذكر اسمه وإن اسمه وإن كان قد وصف كرمه وطيب أخلاقه.

[100]  الريحاني، ملوك العرب، مصدر سابق، 2/ 602.

[101]  المصدر السابق، 2/ 606.

[102]  المصدر السابق، 2/ 606.

[103]  المصدر السابق، 2/ 607.

[104]  المصدر السابق، 2/ 607.

[105]  في هذه الفترة كان الأمير عبدالعزيز السليم أميراً سابقاً لعنيزة وأميرها آنذاك هو ابن أخيه عبدالله الخالد، الذي أصبح أميراً بتنازل عمه عن الإمارة لصالحه.

[106]  هو أديب وتاجر ومؤرخ له تاريخ لا يزال مخطوطاً بعنوان (تحفة المشتاق في أخبار نجد والحجاز والعراق) توفي عام 1346هـ.

[107]  أمين الريحاني، تاريخ نجد الحديث وملحقاته، الطبعة الثالثة، 1964م، ص15.

[108]  يقصد الملك عبدالعزيز آل سعود.

[109]  الريحاني، تاريخ نجد، مصدر سابق، ص17.

[110]  الريحاني، ملوك العرب، مصدر سابق، 2/ 610.

[111]  الريحاني، المصدر السابق، 2/ 611.

[112]  من أساليب العمران في نجد أن تقام جسور بين شقي البيت إذا فصلها شارع (سوق) وتسمى المنطقة من الشارع الذي يعلوه جسر (قبة) مضافاً إليها اسم العائلة التي تسكن ذلك البيت الذي خرج من الجسر. وهنا وصف الريحاني أنها كالسراديب وذلك لكثرة الجسور والقباب في الشارع الواحد مما يجعله مظلماً كالسرداب، وهو وإن كان يحجب نور الشمس إلا أنه يقي من الرياح والأمطار.

[113]  الريحاني، ملوك العرب، مصدر سابق، 2/ 608.

[114]  الريحاني، المصدر السابق، 2/ 611.

[115]  معروف أن الطب أحد أهم وسائل المنصرين في العالم الإسلامي قديماً وحديثاً.

[116]  خالد البسام، القوافل، دار الأيام للصحافة والنشر، البحرين، الطبعة الأولى، 1993م، ص173.

[117]  كوتوي زيقلر، أصول التنصير في الخليج العربي، ترجمة: مازن صلاح مطبقاني، الطبعة الأولى، 1410هـ، ص65.

[118]  انظر: موقف الملك عبدالعزيز في نفس المصدرين الآنفي الذكر.

[119]  كوتوي، أصول التنصير، ص67. والبسام، القوافل، ص173، مصدرين سابقين.

[120]  البسام، القوافل، مصدر سابق، ص170 وما بعدها.

[121]  كان يحمل توصية من الملك عبدالعزيز إلى (عبدالرحمن بن عبدالله السبيعي) وجيه شقراء وأميرها وهي مؤرخة في 17/ 5/ 1342هـ (1922م)، انظر مجلة الدرعية، العددين (3، 4)، ص592.

[122]  البسام، القوافل، مصدر سابق، ص176 وما بعدها.

[123]  ذكر (ديم) مثالاً على ذلك، وهو أن أحد طلاب مدرسة الإرسالية الأمريكية بالبحرين، وكان ابن تاجر من أهل عنيزة قام بعد درس الجغرافيا وسأل المدرس أين تقع عنيزة على الخريطة فلما أشار المدرس إلى موضعها، انحنى ذلك الطالب وقبلها قوال (هذه بلدي).

[124]  البسام، القوافل، ص179 - 182.

[125]  البسام، مخطوطة تحفة المشتاق، مصدر سابق، ص374.

[126]  المرضين الأخيرين ذكرهما المؤرخ البسام في المصدر السابق.

[127]  إفادة من جدي لأبي (علي المحمد الخويطر) يوم الأحد 25/ 3/ 1422هـ.

كاتب - السعودية.

ليست هناك تعليقات: