2015/02/10

ضعف التأليف العلمي.. وضحالة اللغة

معجم موازين اللغة
(ضعف التأليف العلمي.. وضحالة اللغة)
د. صالح اللحيدان


يسأل حمد بن محامد دادا ولد هادي - موريتانيا

يقول إنه مهتم بعلم الحديث وفهمه وإن له إلماماً باللغة.. والنحو ويطمع كما يقول المعرفة التامة: ما هو أفعل التفضيل؟

وهل ينجر هذا في الآثار؟

أُقدِّر للأستاذ، ولد هادي سؤاله وأنه من المتابعين لمثل هذا.. المعجم.. وكذا ما يطرح حول: الحديث... إلخ.

وأبدأ بأفعل التفضيل فأُبيّن أنه مطروق ووارد: في الشعر، والخطابة، والأمثال وورد كذلك في الآثار كثيراً.

وهو: أفعل التفضيل: أصل من أصول الموازنة في القول والكتابة والخطابة وذلك عند: الاقتضاء ليس إلا ذاك، وليس ثمة نكير بين من نظرتُ كلامهم في أسفار السالفين، (وأفعل) هكذا هو: وزنه فيُقال: (الصحابي أفضل من التابعي) وفي كلٍ خير، ولكن هناك لأفعل التفضيل بعض الصيغ لكنها تعني ذاك، فيُقال: (ما أحسن محمداً..).

ويحسن.. هنا.. أن ننبه على دقيقة من دقائق هذا، وذلك أن ما يمتنع بناء الفعل منه (التعجب) فمن اللازم أنه يمتنع بناء أفعل التفضيل منه.

فأي فعل تزيد حروفه عن الثلاثة، فإنه لا يُبنى منه (أفعل) (فعل التفضيل)، كذا من الفعل الذي لا ينصرف، وهناك غير هذا (أتركه لحينه) إلا أنني أود بيان أن (أفعل التفضيل) له شروط لعلي أذكر بعضها، وهذا اجتهاد مني حسب المعرفة بعلم النفس التحليلي السريري، ومعرفتي بمخارج الألفاظ عن طريق معرفة الطباع، فأذكر ما يلي:

1 - أن يكون معنى الكلام على الحقيقة من حيث المعنى مثاله: (أنظر هذا؟ هل هو ذاك..؟) والمراد: أن هذا الكلام أحسن من ذاك).. وقس عليه.

2 - أن يكون الكلام قد خرج مخرج التعجب والقصد التفضيل.

مثاله: (هذا قول حسن وهو خير).. والمراد: (وهو خير من غيره الذي يُماثله لكنه أقل منه، لا أن هذا القول حسن على وجه الإطلاق أو هو خير على هذا الوجه فتنبه.

3 - أفعل التفضيل يدرك أمره ويعرف معناه من خلال القرائن الضرورية.. ولا بد.. مثال ذلك أن يُقال (هذا أحسن كتاب.. أو أحسن مقال.. أو أفضل رأي)، وقس عليه.

ونريد بهذا أن قائل هذا إنما قاله وهو في قرارة نفسه يُداهن أو يتصنّع أو يرجو شيئاً لعلم جل الخاصة أن هذا التفضيل لفظاً في غير محله معنى، وإنما قيل ذلك لمصلحة أو تصنُّع أو تزلُّف أو كسب لشيء ما. وهذا بابه جدّ واسع لكني آتي على طرف منه للدلالة على أشباهه لا سيما واليوم فتبادل المصالح والمنافع والمجاملة لعلك تحدث ولا ثمة حرج يكون.

وأعود إلى أفعل التفضيل، فهو من لوازم بيان فضل ما له فضل من قول أو فعل كما جاء في الصحيح (أفرض أمتي زيد) يريد صلى الله عليه وسلم: زيد بن ثابت.

وكما جاء من حيث المعنى (أمين هذه الأمة أبو عبيدة) يعني (أفضلها) أمانة إلى قيام الساعة ومعنى هذا كما في خبر (وفد أهل اليمن) إنه أمين جدَّ أمين في الحكم.. والسياسة.. والإدارة والفتيا.. والقضاء لأنه جمع ذلك كله مع قلة روايته للحديث، لكن أعماله التي قام بها شهدت له بذلك.

* ويسأل محمد بن حسن ع. الزلفي:

عن (جويرية بنت الحارث) هل هذا اسمها؟ أو: جارية، وهل هذا حارث الطائف..؟

(جويرية بنت الحارث) هي أم المؤمنين بنت ملك بن الحارث، من المريسيع (ينبع) بين المدينة ومكة وهي مدينة ساحلية، والمريسيع وادٍ كبير معروف.

والعرب كانت تضع الأسماء على ما هي عليه عُرفاً ليس القصد التصغير، وهناك من قال للملاحة وقيل: تدليلاً من حيث الصغر فيعلقُ به عند: الكبر والذي أفهمه أنه اسمها قحاً، وليستْ من أهل.. الطائف نسبة إلى القبيلة العربية الكريمة المعروفة، لكن والدها اسمه (الحارث) هكذا فيُقال (جويرية بنت الحارث) ولا يُقال: (الحارثية).

ولعلي لم أقرأ من قال بهذا، وإلا لبيّنت هذا بقدر مقدور، والله تعالى أعلم.

والذي يحسن.. هنا أن الإلمام بمعاني المفردات إلماماً جيداً يشمل مراميه كلها هذا ولا ريب يعطي.. اللغوي.. والنحوي.. والأديب.. والناقد إعطاء المراد مما أراد شرحه أو بيانه للحكم عليه وتقرير ما انتهى إليه سبره لبذل رأيه بعد ذلك كما يعطي عالم الحديث.. وعامة علماء الشرع.. لا الدعاة.. يعطيهم تصوراً حسناً للمراد ليبذلوا الحكم بعد تمام التصور عما بين أيديهم مما نظروه من آيات.. وآثار دع عنك.. المفردات وما يحتاج إليه منهم إلى العودة إلى (معاجم اللغة).

وكثيراً.. وقد أسفت لهذا.. كثير من الدعاة والوعاظ يفقدون آليات نظر التأصيل أثناء الدعوة أمام الناس ولهذا تجد كثيراً منهم يخلط بين القاعدة.. والحديث وبعضهم قد يخلط بين صحابي.. وتابعي وقد يبذل ويعطي حكماً شرعياً منسوفاً أو هو يبذل رأياً مقيداً أو مخصصاً فيظن السامع أو يخال المتابع أن ما قاله هو: الصحيح فيكون يعمل به، ويقوم به عليه.

وهذا كله يُوجب التّوقي جداً.. والحذر جداً وضرورة المراجعة والدقة والتأني على صحة ومعاني الآثار.. وأحكام الأدلة، ذلك أن الحكم على شيء ما أو طرح الرأي حوله يلزم منه.. جزماً كامل تصوره حساً ومعنى، ولهذا نجد حتى.. المجتهد المطلق.. ولا وجود له اليوم يراجع وينظر ويعيد مراراً مراراً ثم هو يعيد ويعيد حتى تتضح له أوجه ما ينظر إليه لبيان حكم شرعي خالد بعد ذلك، وكنت قد بيَّنت هذا في كثير من اللقاءات العلمية الدقيقة.

فهل يُؤخد بهذا بعين الاعتبار؟!!

الرياض

ليست هناك تعليقات: