2015/02/13

الخصائص العامة للهجة البحرانية


المنامة - حسين محمد حسين 
ناقشنا في الحلقة السابقة كيف تكونت اللهجة البحرانية الأولية والآليات التي أدت لتكونها، وسنناقش في هذه الحلقة أهم خصائص اللهجة البحرانية والتي يمكن أن نقسمها إلى مجموعتين، تضم المجموعة الأولى الخصائص العامة المميزة للهجة البحرانية الأولية والتي تكونت بآليات أسميناها في الحلقة السابقة بآليات تكون اللهجة البحرانية، وهي خصائص مشتركة عند جميع من يتحدث باللهجة البحرانية، أما المجموعة الثانية فهي خصائص فرعية من اللهجة البحرانية تميزت بها جماعة دون أخرى وهي التي تكونت بآليات أشرنا إليها في الحلقة السابقة بآليات تطور اللهجة البحرانية، وهذه الخصائص الفرعية كانت في الأساس ظواهر نادرة في اللهجة البحرانية الأولية إلا أنها تضخمت بفعل آليات معينة في إحدى المجموعات مكونة لهجة فرعية.


الخصائص العامة للهجة البحرانية

يرجح الباحثون في علم اللغة أن بعض الظواهر في اللهجة البحرانية ناتجة عن تأثرها باللغة الآرامية أو السريالية، وهذا يعزز ما رددناه في حلقات سابقة من مجاورة القبائل التي سكنت البحرين للمتحدثين باللغة الآرامية والاندماج معهم. بالإضافة لتلك الظواهر هناك ظواهر تميز لهجة البحارنة عن لهجات الخليج وهناك ظواهر تتشابه فيها مع لهجات الخليج.

ظواهر ناتجة من التأثر باللغة الآرامية

1 - الحروف الأسنانية (ث، ذ، ظ)
تنطق الحروف (ث، ذ، ظ) في اللهجة البحرانية (ف، د، ض) على التوالي. أما ظاهرة نطق الثاء (ف) فقد اختفت تقريبا من اللهجة البحرانية باستثناء بعض الألفاظ. وقد رجح الدكتور عبدالعزيز مطر في كتابه ظواهر نادرة في لهجات الخليج أن تكون هذه الظاهرة في اللهجة البحرانية هي من تأثير اللغة الآرامية وعلق قائلا: «وهذه الأصوات الأسنانية غير موجودة في الآرامية والسريانية... وقد خلت منها جميع اللهجات المتأثرة بالآرامية والسريانية، كلهجات: سورية، لبنان، فلسطين، ومصر، ما عدا البدو في الصحراء الشرقية، والصحراء الغربية».
أما في لهجات الخليج العربي فتنطق الحروف (ث، ذ، ظ) كما هي في اللغة.
2 - إثبات النون في ضمائر المخاطبة المفردة وجمع المخاطبين
تتميز اللهجة البحرانية من دون غيرها أن ضمائر المخاطبة المفردة سواء المتصلة أو المنفصلة وكذلك ضمائر جمع المخاطبين المتصلة والمنفصلة يضاف إليها نون في آخرها إما ثابتة أو متحركة. على النحو التالي:

المخاطبة المفردة (أنتِ)

ضمير المخاطبة المفردة المنفصل في اللغة العربية هو (أنتِ) إلا أنه في اللهجة البحرانية ينطق بصورتين، الصورة الأولى (إنتِينَ) بفتح النون، أما الصورة الثانية فهي (إنتِينْ) بسكون النون. المجموعة السكانية التي تنطق الضمير بالصورة الأولى أي (إنتِينَ) بالفتح تنطق أيضا الضمير بالصورة الثانية (إنتِينْ) في حالة الوقوف عليه أو قطعه عما بعده من الكلام. وهناك مجموعة سكانية أخرى تنطق الضمير فقط بالصورة الثانية.
أما في لهجات الخليج الأخرى فينطق الضمير أيضا بصورتين إما (إنتِيْ) بكسر التاء أو (إنتَيْ) بفتح التاء، ويلاحظ أنه في كلا الحالتين تحذف النون.

جمع المخاطبين (أنتم و أنتن)

ضمير جمع المخاطبين المنفصل في اللغة العربية للمذكر هو (أنتم) وللمؤنث هو (أنتن)، أما في لهجة البحارنة فيستخدم ضمير واحد فقط لجمع المخاطبين المذكر والمؤنث هو (إنتون) وهذا الضمير ينطق بصورتين، الصورة الأولى (إنتُونَ) بضم التاء وفتح النون، أما الصورة الثانية فهي (إنتُونْ) بضم التاء وسكون النون. المجموعة السكانية التي تنطق الضمير بالصورة الأولى أي (إنتُونَ) بالفتح تنطق أيضا الضمير بالصورة الثانية (إنتُونْ) في حالة الوقوف عليه أو قطعه عما بعده من الكلام. وهناك مجموعة سكانية أخرى تنطق الضمير فقط بالصورة الثانية.
أما في لهجات الخليج الأخرى فينطق الضمير أيضا بصورتين إما (إنتُوْ) بضم التاء أو (إنتَوْ) بفتح التاء، ويلاحظ أنه في كلا الحالتين تحذف النون.
«إنتين» و «إنتون» والأصل الآرامي
يرجح الدكتور عبدالعزيز مطر أن هذه الضمائر من أصل آرامي، وقد تابع الدكتور عبدالعزيز مطر هذه الضمائر لدى شيعة البحرين ووثق ذلك في كتابه «ظواهر نادرة في لهجات الخليج العربي» وجاء فيه:
«قد يكون الضمير (أنتين) من الضمائر الآرمية والسريانية ـ وهي لهجات الآرامية ـ ولكن الضمير (أنتين) فيها لجمع المخاطبات، فيحتمل أنه تطور في لهجة البحارنة، وربما في فترة بعيدة للدلالة على المفردة بضمير الجمع، وهذا معروف في كل اللغات، ويؤيد ذلك أنني وجدت الضمير نفسه: إنتين، في لهجة محافظة (إب) في اليمن، يستعمل للمثنى المؤنث فقط، فهو مرحلة بين المفرد والجمع، أما الضمير (إنتون) فهو في الآرامية والسريانية لجمع الذكور المخاطبين، كما هو في لهجة البحارنة»
ومن الأدلة التي ساقها عبدالعزيز مطر لإثبات الأثر الآرامي هو غياب الحروف الأسنانية من اللهجة البحرانية كما أسلفنا، ويضيف بعد ذلك دليل آخر حيث يقول:
«ويؤيد هذا الأثر الآرامي في الضميرين (إنتين وأنتون) أن هذين الضميرين موجودان في لهجات اليمن، والمعروف أن المعينية والسبئية من اللغات السامية الجنوبية، وقد تأثرت بالآرامية (وكانت قوافل الآراميين تلتقي بالمعينيين والسبئيين). ولكن هذين الضميرين يختلفان من منطقة لمنطقة في الشخص والعدد.
ففي منطقة الحديدة في الوقت الحاضر يستعملان الضميران كما يستعملان لدى شيعة البحرين... ومما هو جدير بالذكر أن أهل الحديدة سنيون و ليسوا شيعة، مما يؤيد ما رددناه في هذا البحث من عدم ارتباط اللهجة بالمذهب الشيعي أو المذهب السني»

في الضمائر المتصلة

مما يلحق بالظاهرة السابقة أن ضمير المخاطبة المفردة المتصل في لهجة البحارنة تثبت به النون أيضا، فيقال في (أكلتِ ورحتِ وشفتِ وسمعتِ) أكلتِين ورحتِين وشفتِين وسمعتِين، بينما في لهجات الخليج الأخرى تصبح (أكلتِيْ) بكسر التاء أو (أكلتَيْ) بفتح التاء.
وكذلك بالنسبة لضمير جمع المخاطبين المتصل في لهجة البحارنة تثبت به النون أيضا، فيقال في (أكلتم أو أكلتن وسمعتم أو سمعتن) أكلتون وسمعتون. بينما في لهجات الخليج الأخرى تصبح (أكلتُو) بضم التاء أو (أكلتَو) بفتح التاء.
ويرجح عبدالعزيز مطر أيضا أن هذا مما يتبع التأثير الآرامي، ويعزز قوله بالتشابه بين لهجة البحارنة ولهجة الحديدة التي سبق الحديث عنها حيث تثبت النون كما في لهجة البحارنة تماما.
3 - الكشكشة البحرانية
تتميز اللهجة البحرانية بطريقة نطق مميزة للضمير المتصل للمخاطب المؤنث «ك» حيث ينطق (ش) وهي ظاهرة تعرف بالكشكشة كقولنا: «قلت (لش)» أي قلت لكِ. بينما في لهجات الخليج الأخرى فهناك أكثر من صورة لطريقة نطق هذا الضمير حيث ينطق (چ) كقولنا «قلت (لَچْ)» في قلت لكِ. أو تنطق (تس) كقولنا «قلت (لِتسْ)» أي قلت لكِ وهي ظاهرة تعرف بالكسكسة وهي معروفة في شرق الجزيرة العربية.
4 - حرف القاف
يختلف نطق حرف القاف في اللهجة البحرانية عن غيره من لهجات الخليج العربي وهو ينطق في اللهجة البحرانية بصورتين، الصورة الشائعة الحالية هي أن تنطق القاف (گ) في جميع الكلمات ويستثنى من ذلك أسماء الأعلام مثل قاسم وأسماء البلدان والقارات مثل قبرص وأفريقيا. وهناك صورة قديمة لنطق القاف حيث تنطق (كاف) وأصبحت ميزة للهجة البحرانية المتحدث بها في القرى وهي ليست حصرية على قرية دون أخرى ولكن يتحدث بها البعض من الجيل القديم وهي في طريقها إلى الزوال.
أما في لهجة الخليج العربي فينطق حرف القاف بصورتين أيضا، والنطق الشائع له أن ينطق (غين). وقد ينطق حرف القاف (جيم) في لهجة الخليج العربي عند مجاورته لأصوات اللين الأمامية كما في (طريج، صديج، جلعة، جدر، جت) وأصلها (طريق، صديق، قلعة، قدر، قت أي برسيم).

ظواهر مشتركة

ب - نطق الكاف (چ)
تتفق اللهجة البحرانية مع لهجة الخليج العربي في إبدال الكاف (چ) إذا جاورت حروف اللين الأمامية مثل
(باچر، چبد، چم) بدلا من (باكر أي بكرة، كبد، كم)
كذلك تتفق اللهجة البحرانية مع لهجة الخليج العربي إبدال الكاف (چ) إذا جاورت حروف اللين الخلفية مثل (علوچ، منچوس، چوع) بدلا من (علوك أي علكة، منكوس (نوع من الأسماك)، كوع).
وهناك كلمات تستثنى من القاعدة وهناك حالات أخرى تنطق فيها الكاف (چ) ولكن هناك اتفاق بين اللهجة البحرانية ولهجة الخليج العربي.

ظواهر اللهجات الفرعية بين الانجراف والتباين

هناك ظواهر كانت غير سائدة في اللهجة البحرانية عندما تكونت، ولكن أدى انقسام السكان وتوزعهم في قرى صغيرة متفرقة لتركز هذه الظواهر في جماعات دون أخرى، وقد أدى ثراء الأرض بالمقومات لأن تكون بعض المجموعات منعزلة عن غيرها من المجموعات. أما مصير هذه الظواهر النادرة فإنها إما أن تبقى متباينة أو أن تختفي تماما أو تصبح سائدة وهذا اعتمادا على عدد أفراد المجموعة الفرعية التي انفصلت ودرجة الانعزال.
وكي نوضح كيف يتحدد مصير ظاهرة الفرعية، علينا أن نعلم أن من ضمن قوانين تطور اللغة الانعزال، ولكن علينا أن نعلم أيضا أنه كلما كانت المجموعة المنعزلة قليلة في العدد يؤدي هذا لزوال الظواهر المتباينة، بمعنى لو كان ضمن هذه المجموعة المنعزلة حرف معين يلفظ بصورتين فإن الانعزال سيؤدي لأن تتطور اللهجة بحيث تكون هناك صورة نطق واحدة للحرف في حالة كانت المجموعة المنعزلة قليلة العدد، أما إذا كانت كبيرة العدد فسيبقى التباين في نطق الحرف.
وقد تختفي إحدى طرق النطق، ويعزى ذلك لأسباب أهمها أن تكون نسبة الناطقين بهذه الصورة صغيرة جدا، أو أن يتم استهجان هذه الطريقة من النطق، وهذا ما حصل بالنسبة لنطق حرف «القاف» (كاف) أو نطق حرف «الثاء» (فاء)، حيث ربطت باللهجة البحرانية المتحدث بها في القرى، ومن بعد ذلك زعم البعض أنها لهجة للأفراد الأقل تعلما، وهكذا عزفت الناس عن هذه الصورة من النطق واستهجنتها. وحاليا هناك من يستهجن ظواهر أخرى من اللهجة البحرانية ويغير في لهجته، حتى كثرت الظواهر الهجينة في اللهجة البحرانية الحالية.
سنعطي فيما يلي مثالين لظواهر فرعية في اللهجة البحرانية خصت بها جماعات دون أخرى.

تطور صور نطق حرف الجيم في اللهجة البحرانية

نفترض هنا أن حرف الجيم كان ينطق في اللهجة البحرانية الأولية، أي في بدء تكونها، بصورة متباينة إلا أن الغالبية كانت تنطقه كما هو في اللغة، والجماعة الباقية تنطقه (ياء).
في الوقت الراهن أصبح نطق حرف الجيم (ياء) ظاهرة مميزة لبعض القرى البحرانية (الدراز والديه ورأس رمان) وأصبحت كلهجة فرعية من لهجة البحارنة. ويمكننا أن نعلل هذا التطور بسبب انعزال مجموعات فرعية كان النطق عندها لحرف الجيم متباينا (منهم من ينطقه كما هو ومنهم من ينطقه ياء)، وقد عملت الظروف لصالح أحد النطقين في هذه الحالة الصورة الثانية وهي نطق الجيم ياء وربما يكون من أهم هذه الأسباب أنه لحظة الانفصال كانت هناك مجموعات تتمثل فيها صورة نطق الجيم (ياء) بصورة أكبر من غيرها وهذا من تأثير ما أسميناه تأثير المؤسس الذي أوضحناه في الحلقات السابقة. ويبدو أن الغالية الذين حافظوا على نطق الجيم بصورته الصحيحة لم ينعزلوا بصورة كبيرة كالمناطق الأخرى، وبقيت صورة نطق الجيم (ياء) بينهم متمثلة بصورة منخفضة جدا حتى تلاشت تقريبا.

الضمير المتصل للمخاطب المفرد المذكر والجمع المذكر

بنفس الطريقة التي تكونت بها اللهجة البحرانية الفرعية التي تتميز بصورة نطق الجيم فيها (ياء) تكونت لهجة بحرانية أخرى تتميز بطريقة نطق الضمير المتصل للمخاطب المذكر المفرد «ك» والضمير المتصل للمخاطب الجمع المذكر «كم» والجمع المؤنث «كن» حيث ينطق الأول «چ» والثاني والثالث «چيم»، كقولنا گلت لِچْ (أي قلت لك) و گلت ليچيم (أي قلت لكم).
هذه الظاهرة تختص بها جزيرة سترة و ماحولها (العكر والمعامير والنويدرات) بالإضافة لقريتي الدمستان وشهركان. بينما باقي القرى تنطق تلك الضمائر بنطق الكاف كما هي، ويغيب من اللهجة البحرانية الضمير المتصل للمخاطب جمع الإناث.

ظواهر صوتية نادرة ضمن اللهجة البحرانية

هناك عدة استبدالات صوتية لكنها تركيبية تكون خاصة بألفاظ معينة دون غيرها ومثل هذه التغيرات لها تعليلات صوتية مختلفة نرصد هنا بعض تلك التغيرات:

حرف الدال

في اللهجة البحرانية وفي بعض الكلمات وخاصة في الأساليب التأكيدية تنطق الدال (ضاء) من تلك الكلمات
صضر (أي صدر) و صضگ (أي صدق)
ومن الكلمات التي مرت بمرحلتين من إبدال الحروف:
ضكر وأصلها دكر أي ذكر وحيث أن الذال تنطق دالا في اللهجة البحرانية فقد قلبت أولا من ذكر إلى دكر ومن بعدها قلبت الدال (ضاء).
ومثل ذلك أضكر و تضكر ومشتقاتها فأصلها أدكر (أي أذكر) وتدكر (تذكر).

قلب الجيم (گ)

وهذه ظاهرة مسموعة في كلمات وهي حصرية على اللهجة البحرانية المتحدث بها في القرى فقط فيقال (گفير) وفصيحها (جفير) وهي تلفظ جفير في اللهجة البحرانية المتحدث بها في المنامة وضواحيها. وهناك ألفاظ أخرى تظهر في بعض القرى فقد سجل الدكتور مهدي التاجر لفظ (گديد) بدلا من (جديد) ولفظ (لـگنوب) بدلا من (الجنوب) وذلك في كل من قرية كرانة وقرية عالي.
صحيفة الوسط البحرينية - العدد 2477 - الخميس 18 يونيو 2009م الموافق 24 جمادى الآخرة 1430هـ

ليست هناك تعليقات: