2015/03/04

المؤتمرات العلمية واللغوية إلى أين

تمثيل الصحابة أنموذجاً
أصحاب جمع: صاحب، وهو وصف يستدعي: الدوام المداومة والانقطاع، فالأول كحال(1) الصحابة.. رضي الله تعالى عنهم.. والثاني كالجار وصاحب السفر وصحبة العمل وقس على هذا.
والصحبة أنواع والممقوت منها صحبة المصلحة لما يترتب على ذلك من ضرر وسوء ومقت، ويتعرف من صاحب الأفعال الثلاثة فيقال: يصحب، على: المضارع.
ويقال: صاحب، بفتح (الحاء) على: الماضي.
ويقال: اصحب على فعل: الأمر.
وصاحب في المعنى أقوى من رفيق لما يعتري الرفقة من ظرف قصير بخلاف: الصحبة، ولا يدخل المراد من رفيق بمرافق فإن المرافق مصاحب بوجه ما من الوجوه ويدخل التغليب في مسمى صاحب، وعلى هذا جاء: (إذ قال لصاحبه...) يعني جاره(2) ومجاوره، ولهذا قد يكون الصاحب مناكفاً ومباعداً ومبغضاً كالجار السيئ والقريب والمصاحب السيئ ونحو هذا كثير يقاس عليه، والصحبة هكذا تعني على هذا الدوام وعلماء الحديث يقولون عن الرجل الذي قد جالس أو رأى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم يقولون: (له صحبة) (وقد كان له: صحبة)(3).
واصطحب بمعنى: صاحب لكن ذلك يكون في حال الملازمة حساً ومعنى، والصاحب من لازم هذا الوصف غالباً القرابة.. والمجاورة.. والسفر.. والشراكة والمرافق للتلمذة.
ولهذا يقول الحديث: (ومحمد بن المكندر صاحب جابر) و(سعيد بن أبي سعيد المتبري صاحب أبي هريرة) و(صالح بن كيسان صاحب ابن شهاب الزهري)(4).
والمقصود أن القرائن تبين المراد من هذا.. وذاك.
قال ابن لحيدان: لكن لما كثرت اللهجات وتداخل اللسان بسبب الاختلاط بين لغة.. ولغة، وبين لهجة ولهجة ضاع مع هذا كما ضاع مع ذاك المراد من كثير من الكلمات التي قد كان من حق أهلها المحافظة عليها بشدة لئلا يعجم لسان الصغار كحال اليوم، الصغار الذين يتولاهم من لا يحسن (اللغة العربية) كقائد العربية والعمال، والخدم (ولا ينبئك مثل خبير)، قلت ولهذا السبب منع علماء اللغة والنحو شعر المولدين أن يكون: شاهداً على مسائل: اللغة تفسيراً، أو مسائل النحو إعراباً.
بل كبار علماء الحديث الحفظة الذين ساهموا في صناعة: (تاريخ العلم وجددوا فيه)(5) عبر العهود كرهوا الاستشهاد بمثل شعرهم على كل حال، وهم أصل في هذا دون نكير.
وبمناسبة ذكر: الصحبة.. والصحابة فإنني أود من لوازم القول حيال هذا أن أبين حالة جرى النقاش حولها منذ أمد، ولعل العلة في إطالة أمد النقاش هو ضبابية الصورة بين قوم وقوم وفريق وفريق آخر، وهذه الضبابية تنزع أول ما تنزع إليه إلى فقدان صورة تصور المسألة أصلاً، فقد جرى نقاش وأخذ ورد نحو:
1- هل يجوز تمثيل الصحابة؟
2- وما هي المعايير لهذا؟
3- وكيف يتم هذا الأمر؟
وحتى يتبين لكل مؤتمر أو ندوة أو حوار ولقاء يطرح فيه هذا الأمر فإنني.. هنا.. أذكر ما يلي:
1- الصحابة كلهم عدول.
2- الصحابة هم رواة الآثار.
3- الصحابة لا يجري عليهم ما يجري على: التابعين.
4- الصحابة زكاهم الله ونبيه.. صلى الله عليه وسلم..
5- الصحابة تجاوزوا الإمامة إلى: الصحبة.
6- الإمامة إنما تكون للتابعي الثقة.
إذا وقفنا على هذا وتصورناه تصوراً عقلياً جيداً يكون هناك ولابد الآتي:
رواية الصحابي على حالات أربع:
1- ما يرويه مرفوعاً.
2-ما يرويه موقوفاً له حكم: الرفع(6).
3- ما يرويه موقوفاً ليس له حكم: الرفع(7).
4- ما يرويه من الحكم.. والأمثال.
وهذه الحالات الأربع لا تقبل إذا جاءت إلا بضابط الصحة للسند الموصل لما قاله الصحابي، وهذا حماية للصحابة أن يقال عن واحد منهم ما لم يقله، وهذا حماية كذلك لسياسة التوحيد وجناب الشريعة وسياسة الحياة في: العبادات والمعاملات وعلى هذا الأساس كله فلو قائل قال (مهما كان هذا القائل) أن صحابياً ما قال: كذا.. وكذا، ثم لم نجد أن هذا الصحابي قد قال هذا القول، أو فعل ذلك الفعل، لم نجده أبداً خلال أقوال الصحابة وأفعالهم المدونة المتوافرة فإننا نعتبر هذا القول: كذباً ونعتبر ذلك الفعل: كذباً، وقد ثبت في الصحيح: (لا تجعلوا أصحابي عرضاً). وورد كذلك: (لا تسبوا أصحابي). وجاء عن البراء بن عازب رضي الله تعالى عنه(8) أنه قال: (ما كنا نكذب ولا نعرف الكذب ما حدثناكم به منه ما سمعناه من النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ومنه ما سمعناه من أصحابنا) وعلى هذا أجمع الخلق المعتبرون أن الكذب على الصحابي (كبيرة).
ومن هذا.. ولاجرم.. فإن الذي يؤدي دور صحابي ما في تمثيلية أو مشهد إنما يجسد دور ذلك الصحابي في قوله كما حصل في فيلم: الحسن والحسين رضي الله تعالى عنهما.
وكما حصل في تمثيل دور خالد بن الوليد والمثنى بن حارثة رضي الله تعالى عنهما، وقس عليه على هذا.. وذاك، ولعلك تتصور كم من الغبن يكون لو قائل قال على لسانك (قارئي العزيز) أنك قلت (العدل وتقدير الموهبة أمران مهمان في سياسة الحياة ونضوجها). وأنت (عزيزي) لم تقل هذا أبداً لا من قريب ولا من بعيد، مع أنه كلام جيد بل هو قول من طراز ممتاز. لا جرم سوف تنفي هذا وتشتد في هذا مع أنه كلام جيد.
إذاً كيف يمكن هنا بجانب الصحبة الجليلة أن يقوم مؤلف ما وممثل ما بما لم يكن من الصحابي لا قولاً.. ولا فعلاً، وإذا كانت الغاية لا تبرر الوسيلة في شريعة الإسلام فناهيك بالكذب أنه مرزلة وأي مرزلة ومذمة أي مذمة، نعم لست ألوم اللوم كله بعض الذين يجيزون هذا لأنهم لم يتصوروا جلال هذا الأمر وخطورته على حاضر الناس وخلال الأمد البعيد.
وقد ينتشر هذا (أعني تمثيل الصحابة) فيما يأتي من سنين وسنين فيكتفي الناس بما يشاهدونه ثم يكون عمل جلهم على هذا الأساس.
وتصور من خلال ذلك كيف تكون الحال؟
إنها رؤية منطلقة من متخصص بالغ التخصص ويحفظ ما يحفظ ما منَّ الله تعالى عليه به، ويفهم ما يفهم بما فتح الله عليه منه، وإنما أنا أعصر من قصب أدريه وأعطي من حوض الشفاء فيه، وأروي ما أروي من آثار صحاح رواها قبلي سادة الخلق على أدريه لو تدبرته أنت كنت تدريه.
** ** **
الهامش:
1- المحدث الفاضل للإمام: الرامهرمزي ص 5-89.
2- سورة الكهف.
3- الرفع والتكميل ص 3-100 للإمام الكندي. عمدة القاري ج1 ص 5-10-111 للإمام العيني.
4- شرح العلل ج1 ص 1-121 . شرح العلل ج2 - 15-106 للإمام ابن رجب.
5- تاريخ بغداد ج1 إلى 200 للإمام البغدادي وج3 ص 150 وج4 ص 1-150.
6- الرامهرمزي ج1 - ص إلى 200.
7- نقد آراء ومرويات العلماء والمؤرخين من ص 8 حتى 510 ابن لحيدان.
8- (الجرح والتعديل) ج1 من ص1 حتى 58 الإمام ابن أبي حاتم

ليست هناك تعليقات: