2015/03/03

لهجة أهل البادية في رمال ال وهيبة

تمتاز اللهجة العمانية (أو بالأحرى اللهجات العمانية) بعفويتها وسلاسة تراكيبها اللغوية التي بلا شك تعكس أصالة أهلها وبساطتهم ونطاق تفاعلهم مع من حولهم، واستقطبت هذه اللهجات دراسات لغوية تبناها أوروبيون لم تسحرهم طبيعة عمان الخلابة بصحاريها وجبالها وتقاليد أهلها فحسب، وإنما استهوتهم ايضا لهجاتها المتميزة. وكان من أبرز أولئك روجر وبستر (Roger Webster) وكلايف هولز (Clive Holes) وروبرت راكتليف (Robert Ractliffe) وجياكر (Jayakar). وسأترجم ما كتبه بعض من هؤلاء حول اللهجات العمانية وأبدأ أولا بدراسة وبستر للهجة أهل البادية في رمال آل وهيبة، وسأتحدث عن دراسة هولز.


وبالرغم من شمولية هذه البحوث ودقتها إجمالا، وتطلع الباحثين الغرب إلى إبراز النواحي اللغوية مقترنة بدراسة تفصيلية لحياة أهل عمان وتقاليدهم، إلا أن بعضها يوصف بالرتابة وسوء تنظيم مادة البحث، ولا يتعدى بعضها الآخر كونه قواميس تضم المفردات المكونة للهجات العمانية الدارجة ومعانيها دون النظر إلى السياق الذي تُستخدم فيه هذه المفردات ومدى قربها أو بُعدها من الإطار التصنيفي للهجات شبه الجزيرة العربية، كما يهمل بعضها بيان المنطقة التي يستخدم فيها مفرد بعينه، فكما نعلم أن عُمان مترامية الأطراف وتنقسم جغرافيا إلى مناطق وولايات وما يستخدمه سكان منطقة بعينها قد لا يعرف معناه سكان المناطق المجاورة، الأمر الذي يجعل ترجمتها جميعها صعبا ومشوشا. لذلك آثرت انتقاء ترجمة الأنسب من هذه الدراسات من حيث تنظيم المادة البحثية والتخصصية والشمولية.

سأنقل ما كتبه وبستر عن حياة آل وهِيبة وسمات لهجتهم المحلية، وسيتضح للمتتبع لهذه الدراسة أن وبستر لم يقدم وصفا كاملا للهجة آل وهيبة فحسب، وإنما ألقى الضوء على بعض الخصائص اللغوية والإثنوجرافية (المتعلقة بجغرافية المنطقة وأصول سكانها العِرقية) التي يتضمنها سياق جنوب شرق شبه الجزيرة العربية بأكمله والتي تعد رمال آل وهيبة جزءا لا يستهان به من مساحتها الشاسعة.

في الفترة (1985- 1987) شارك البريطاني روجر وبستر (Roger Webster) في دراسة استكشافية متعددة الأغراض لرمال آل وهيبة نظمتها الجمعية الجغرافية الملكية في بريطانيا بالتعاون مع ديوان البلاط السلطاني في مسقط، واستطاع وبستر خلالها التنقل في رمال آل وهيبة بشكل واسع، وزار القبائل البدوية التي تقطن شمال وشرق تلك الرمال الفسيحة، وكان من ضمن القبائل التي تعرف عليها وبستر قبيلة آل عامر وآل بوعيسى والحكمان والهشم والجنبة، وتهدف دراسته الى رصد الحياة الاجتماعية والإثنوجرافية في عمان، كما تُعّد هذه الزيارة دراسة لغوية تسعى إلى توثيق لهجة بدو آل وهيبة وإدراجها ضمن إطار تصنيف اللهجات العربية المتعارف عليه. وأرى أنها -إضافة إلى ذلك- فرصة للفت أنظار الباحثين والمهتمين بالدراسات العربية إلى ما تتميز به عمان من بُعد لغوي يستدعي سبر أغواره وتسليط الضوء عليه.

ويقول وبستر مبينا نُدرة الدراسات اللغوية للهجات بدو عمان في الفترة التي أجرى فيها بحثه «لم يُعرف سوى القليل عن البدو الذين يعيشون في هذا الجزء من عمان قبل مشروع رمال آل وهيبة، فقد قام هولز (Holes)مؤخرا بنشر أمثلة للهجات الدارجة هناك، واقترح مخططا تصنيفيا يُعد أساسا لدراسة جغرافية اللهجات في شمال عمان (هولز 1989)، في الوقت الذي نالت فيه لهجات البدو في وسط وشرق الجزيرة العربية نصيب الأسد ذلك لأنها دُرست وصُنفت بشكل أكبر من غيرها (هولز 1983، انجهام 1982 (أ)و(ب)، جونستون 1961 و1964و1965 و1967)، وقد أظهرت الدراسات المقارنة التي أجريت للتعرف على توزيع بعض الخصائص اللغوية للهجات الحالية أظهرت اهتماما بهجرات السكان في الماضي، وأكدت ما رصده التاريخ وأعراف الشعوب التي تناقلتها أجيال تلك المناطق. فقد توافدت الهجرات البرية (عن طريق البر) للقبائل العربية إلى عمان منذ فترات الإسلام الأولى إلى وقتنا الحالي ( إلى عام 1987، المترجمة) متخذة طريقين للنزوح إلى عمان أحدهما: طريق شمالي يبدأ من شمال الجزيرة العربية ويمتد على طول الخط الساحلي للخليج العربي ويشمل حاليا الإمارات العربية المتحدة، وثانيهما: طريق جنوبي يبدأ من حضرموت وظفار ويغطي أطراف الربع الخالي (ويلكسون 1985، دوستال 1967) وتشترك اللهجات الموجودة في عمان حاليا في بعض خصائصها اللغوية مع اللهجات المنتشرة في هذه المناطق، كما تتمتع بخصائص أخرى تميزها عن هذه اللهجات».

وفي محاولة لمعرفة أصل آل وهيبة وخط نزوحهم إلى عمان يقول الباحث «لم يستطع رواة آل وهِيبة (ممن اعتمد عليهم وبستر كمصدر لدراسته اللغوية، المترجمة) الاستشهاد بأعراف تسوق أصول قبيلتهم وأصروا أنهم كانوا دائما من البدو الذين استوطنوا رمال بني وهيبة منذ زمن طويل بينما نزحت القبائل الحضرية المحلية كالحجريين حديثا من اليمن، كما ادعوا أن منطقة آل وهيبة تمتد على نحو كبير إلى الجنوب لتشمل ساحل الدقم الذي أخضعته قبيلة (الجنبة) لحدودها، وربما يفترض القارئ أن منطقة آل وهيبة قد خضعت لانجراف تدريجي يماثل ما تعرضت له قبائل جنوب ووسط شبه الجزيرة العربية. يحمل أحد أجزاء آل وهيبة اسم البحارنة (مفرده بحراني)، ويشير ذلك إلى احتمال احتواء المنطقة على أعراف بحرينية الأصل. ومن الناحية الثقافية عموما فإن آل وهيبة يمتازون بخصائص قبائل جنوب شبه الجزيرة العربية».

وحينما تحدث وبستر عن لهجات البدو كمؤشر ثقافي، أسهب قائلا « نشأت معرفتي باللهجات البدوية في قطر والسعودية وخاصة من خلال احتكاكي بقبائل آل مرة، لقد أحسست بالرضى حينما قادتني لقاءاتي الأولى بقبيلة آل وهيبة إلى الاعتقاد بأنه على الرغم من اختلاف لهجتها عن لهجة قبيلة آل مرة في نواح عدة- أهمها على الإطلاق نطق «الجيم» «ييم» وتفاوتها على مستوى المفردات الدارجة بين البدو عامة إلا أن لها نبرة مألوفة نسبيا للعربية المستخدمة عند الشعوب الحضرية في مسقط والقرى والمدن الصغيرة الواقعة على حدود رمال آل وهيبة، وكم كانت سعادتي غامرة حينما اكتشفت أن سكان آل وهيبة يتفقون معي في الرأي، فقد ساعد ذلك دراستي كثيرا. وأرجع بعض سكان آل وهيبة لهجتي العربية المختلطة إلى بدو الغرب «السعودية».

ويعلق وبستر على الأنشطة الاقتصادية التي تمارسها القبيلتان كمصدر للبقاء في الصحراء قائلا «لا تلتقي قبائل آل مرة وآل وهيبة عادة في أنشطتهم الرعوية وإنما يقضي الفتيان من قبيلتي جنوب شرق الجزيرة العربية سنوات عديدة في الخدمة العسكرية التي عادة ما تتخذ الإمارات العربية المتحدة وقطر مقرا لتدريباتها. وتعتبر القوات المسلحة والمنشآت الأميرية في الجزء السفلي من الخليج ملتقيات مشتركة للعالم البدوي الذي يشمل مناطق بدوية وقومية واسعة النطاق.»

«لدى البدوي وعي حاذق «باللهجة» إذ يعتبرها دليلاً يتعرف من خلالها على هوية القبائل، حيث يعد عيبا أن يُسأل الغريب بشكل مباشر عن أصله وقبيلته. وإنما يعتمد البدوي على الملاحظة الدقيقة والتخمين الصائب ليتعرف على هوية الغريب. وقد أدت الطبيعة المكشوفة التي تتسم بها حياة البدوي قديما إلى الموت في أيام الغارات والنهب، أما اليوم فإن من سيم البداوة الاحتفاظ بمخبأ ملائم في حالة وجود الغرباء، هذا ويتم تخمين قبيلة الغريب اعتمادا على لهجته ولباسه وهيئته الخارجية في نهاية اللقاء وتتخذ طابع اللعبة المسلية، وتكلل هذه المهمة بنجاح عند معرفة صيغ الترحيب التي يستخدمها البدوي الغريب بالتفصيل، والتي تكون بدرجة أكثر في اللهجات البدوية عنها في الحضرية، وكلما ازدادت صيغ الترحيب تفصيلا وقياسا قلت مصادفة استخدامها بالشكل الصحيح، مما ساهم في معرفة القبيلة أو المنطقة التي ينتمي إليها هذا البدوي بشكل أدق. وتعد صيغ الترحيب والردود عليها (سواء معروفة أو مجهولة) أدلة يتعرف البدوي بواسطتها على من هم من نفس قبيلته ويكتشف الغرباء، ويحفظ الأطفال هذه الصيغ عن ظهر قلب كجزء من ترويضهم وتربيتهم على الاحتكاك بعالم الكبار في المجالس.»

ثم يتحدث وبستر بشيء من التفصيل عن اللهجات العمانية معتمدا في تقسيمه لهذه اللهجات على تصنيف هولز (1989) الذي قسم لهجات عمان إلى أربع مجموعات شأنها في ذلك شأن قبائل شبه جزيرة العرب: اللهجات الحضرية ويستخدمها سكان الجبال من جهة واللهجات البدوية لسكان البادية والصحراء، وبالتالي خلص هولز إلى وجود المجموعة البدوية (أ) والمجموعة البدوية (ب) والحضرية (أ) والحضرية (ب). وما يهمنا في هذا السياق هو ما ذكره هولز عن لهجة بدو آل وهيبة حيث قال «قبائل عمان البدوية تتحدث اللهجة البدوية (ب) وتتضمن قبائل آل وهيبة والجنبة والدروع والحراسيس» وتتميز اللهجة البدوية (ب) بنطق الجيم قاف (وجدت تعارضا بين ما ذكره المؤلف عن لهجة آل وهيبة في بداية حديثه والآن، حيث قال سابقا بأن آل وهيبة ينطقون الجيم ييم، المترجمة) ونطق الياء جيم معطشة.

أكتفي هنا بترجمة ما يتعلق بلهجة آل وهيبة، ثم ألحقه بالتصنيف الكامل للهجات عُمان الذي كتبه هولز.

ولن أقوم كذلك بترجمة ما أورده وبستر حول لهجات البدو إجمالا إذ يعد ذلك خارج نطاق الموضوع وإنما سأوجز ما قاله عن لهجة آل وهيبة. لقد توصل وبستر إلى بعض الملاحظات العامة التي تمتاز بها لهجة بدو آل وهيبة، كما سجل بعض الاختلافات التركيبية والاصطلاحية التي تميز لهجة هؤلاء البدو عن بدوان الغرب (كما يطلق عليهم وبستر، المترجمة). لا يوجد حرف الجيم في لهجة آل وهيبة عموما إلا في المفردات الدخيلة مثل «جيش» و«جندي» و«جواز» التي يطغى استخدامها في اللهجات الحضرية (والتي فرض التطور الحضاري الذي تمتعت به عمان في تلك الفترة وجودها، المترجمة). يستخدم بدو آل وهيبة «هين»و«هيش» للسؤال عن أينوماذا وهم بذلك يختلفون كليا عن قبائل الغرب في نجد الذين يستخدمون «وين»و«ويش»، وقد لاحظ وبستر أن الفعل «رأى» ومضارعه «يرى» أكثر شيوعا واستخداما عند بدو آل وهيبة من «شاف»و«يشوف». كانت نتيجة هذه الدراسة المستفيضة للهجة بدو رمال آل وهيبة أن وضع وبستر قائمة شاملة تضم دراسة مقارنة للمفردات المستخدمة عند بدو آل وهيبة وغيرهم من بدو الغرب. وفيما يلي الجدول الذي وضعه وبستر ليقارن بين مفردات آل وهيبة وآل مرة:

وفي سياق هذا الموضوع يقول وبستر «ولا يختلف بدو عمان عن غيرهم من البدو في وسط شبه الجزيرة العربية في مصطلحات الحياة البدوية الصحراوية وحسب وإنما يختلفون أيضا في أدواتهم التقليدية وأنشطتهم وأساليب حياتهم وعاداتهم. وقد قام دوستال (1967) بدراسة التقسيم الثقافي الواسع لبدو شبه الجزيرة العربية (تشمل عمان وحضرموت) من جهة وبدو وسط وشمال شبه الجزيرة العربية من جهة أخرى. وينجم الاختلاف بين هؤلاء البدو عن العزل الجغرافي الذي يُعاني منه بدو الجنوب وبدو جنوب شرق شبه الجزيرة العربية الذين يفصلهم الربع الخالي عن التطورات التي تتمتع بها قبائل البدو في وسط شبه الجزيرة العربية.»

وحينما قارن وبستر بين ما توصلت إليه دراسته مع نتائج الدراسات السابقة خلص إلى أن «التقسيم اللغوي بين لهجات بدو الشمال والجنوب والقبائل المحيطة بالربع الخالي وضعه بيرترام توماس (1936:268)، وقد اعتمد انجهام (1986:272) لاحقا على هذا التقسيم وهناك احتمالية تناسُب هذا التقسيم طردا مع التقسيم الثقافي ولا شك أن هذا التقسيم نفسه قد ساهم في تشكيل ثقافة البدو بشكل عام».


تابع ،،،،،




وسأبين ما اشار اليه وبستر عن الحياة الاجتماعية والإثنوجرافية لبدو آل وهيبة، يمتاز سرد وبستر هنا بعنصر التشويق إذ يعرض حياة آل وهيبة من خلال تعايشه معهم واحتكاكه المباشر بهم أثناء مدة دراسته ويربط ذلك بالمفردات اللغوية التي يستخدمونها في حياتهم العامة (ومن يقرأ بين السطور هنا سيجد كرم الضيافة والتعاون الجلي الذي أبداه مضيفو وبستر لإتمام هذه الدراسة، المترجمة).

«هذا وتعد ثقافة بدو الجنوب أكثر تحفظا حيث تنقصها أساليب التكنولوجيا المتطورة التي صاحبها قلة الترحال واستخدام الخيم السوداء (بيوت الشعر) بينما يتمتع بدو الجنوب باقتصادهم الرعوي والزراعي (دوستال 1967، وبوليت 1975) ويلعب الصيد وتجارة الأسماك عموما دورا بارزا في الأنشطة التجاريةوالاقتصادية لبدو آل وهيبة وجيرانهم»

«وفي حالة انعدام الخيام يستفيد بدو آل وهيبة من المخابئ التي توفرها الطبيعة حيث تعد ظلال الأشجار أبسطها على الإطلاق، وتكثر أشجار السنط وأنواعاً أخرى من الأشجار، في الجزء الشمالي من عمان وخاصة على طول الوديان، ويعد هذا الملجأ الطبيعي مؤقتا ويسكنه البدو لفترة قصيرة. أما مواقع الخيام شبه الدائمة فتعد أكثر تطورا حيث تحتوي على ظلال الأشجار التي تشير إلى وجود تجمع سكاني «فريج» ويقضي البدو فيها قرابة 10 أشهر، ويضع البدوي سجادة أو غطاء على فروع الشجر للحصول على ظلال أوفر، كما يستخدم أعمدة خشبية ينصبها فوق الأرض من دون الحاجة إلى حبال بهدف توسيع مساحة الخيمة.»

«وتعتمد معظم العوائل البدوية (حوالي خمس القبيلة الواحدة) في معيشتها على الصيد ونقل الأسماك وتسويقها، وتعيش جماعات البدو التي تعتمد على الصيد في خيم شبه دائمة على طول الساحل، وتشبه حياتها حياة الرعاة في الداخل، ولديها مخزون وفير من السردين المجفف تقتات عليه مواشيهم الهزيلة في الساحل، ويستخدم بدو الساحل تروس السلاحف أحواضا للشرب.»

«كانت شباك وحبال الصيد تصنع من ألياف النخيل في الماضي أما الآن فقد اعتمد الصيادون على شباك الصيد المستوردة من الخارج. وعندما تهب رياح موسمية جنوبية غربية (تسمى بكوس الخَراف، لا تزال معروفة بهذا الاسم استنادا إلى معلوماتي الشخصية، المترجمة) على الساحل في أواخر موسم الصيد، يغادر الصيادون الساحل ويستقرون في القرى البرية لمنطقتي جعلان والشرقية تاركين خيمهم مهجورة قرابة 9 إلى 10 أشهر في السنة. ولا تختلف لهجة جماعات الصيادين وعاداتهم ولباسهم وطرق معيشتهم وتنظيماتهم الاجتماعية عن جماعات الرعاة البدو وخاصة أولئك الذين ينتمون لنفس القبائل، ويكمن الاختلاف الوحيد في أن الصيادين لديهم احتكاك بسيط جدا مع الغرباء وسكان المدن، كما أنهم أقل تأثُرا (في لباسهم وممتلكاتهم المادية) بالتغيرات الحديثة».

«وتشكل الأغنام جزءا أساسيا من المواشي التي يربيها هؤلاء البدو، وتحتفظ بعض العوائل بالخراف. وتزوِد الأغنام أصحابها بالحليبواللحم في حين يستفيد البدو من صوف الخراف التي عادة ما تكون غير حلوبة. وفي حين يفضل سكان الأجزاء الشمالية من عمان لحوم الأغنام فإن سكان نجد يفضلون لحوم الخراف الحلوبة على الأغنام، حيث ترتفع أسعار الأغنام في شمال عمان (نظرا للإقبال الكبير عليها، المترجمة)، وتمتلك معظم عوائل آل وهيبة ما بين 2 إلى 8 جمال، ونادرا ما يزيد العدد عن 8 جمال، وتُستخدم هذه الجمال في حمل البضائع عند الترحال، أما الآن فتستخدم في سباقات الهجن وبما أنها تنتج كميات غير منتظمة وقليلة نسبيا من الحليب فإن أهل عمان ونجد لا يعتمدون عليها كليا في غذائهم».

«يطلق بدو آل وهيبة مصطلح «إبل» على الجمال التي يستفيدون منها في غذائهم ليميزوها بذلك عن جمال الترحال التي يطلقون عليها «دلايل» وجمال السباق المعروفة باسم «هيين»، ولا يستخدم آل وهيبة مصطلح «بوش» الذي يعتبر أكثر شيوعا في أجزاء كثيرة من عمان (تعارض آخر، انظر إلى الجدول، المترجمة). أما البدو الذين يتمتعون بوفرة في العشب فيمتلكون بقرة أو اثنتين لتزويدهم بالحليب، ولديهم بعض الدواجن.»

«وحينما يتوفر سعف النخيل وأليافه من أشجار النخيل التي تنمو بالقرب من الواحات في الصحاري يستخدمها البدوي ليصنعوا منها حصائرهم وأغطيتهم. أما في وقتنا الحالي فقد حلت الخامات المستوردة كصفائح الألمونيوم والخيزران وغيرها محل المواد التقليدية، وبالإضافة إلى خيامهم التي يعيشون فيها والتي تسمى «بيوتا» يتخذ البدو مبنى أو اثنين لتبييت مواشيهم غالبا ما تكون بالقرب من خيمهم. وتتمتع هذه المباني بتصميم متماثل إلا أنها تُبنى من مواد بدائية ويحتفظ البدو بمؤونتهم من التمور والأسماك المجففة والحبوب في مستودعات يطلقون عليها اسم «داموس» أو «يردا» وتكون مصنوعة من جذوع النخيل الثقيلة، أما بُنية «الفريج» فتُصنع من كميات كبيرة من الحطب التي يصعب نقلها، وعندما تهاجر القبائل البدوية إلى المراعي الخصبة في فصل الربيع يظل جزء كبير من خيامهم المهجورة سليما، بينما تحمل هذه القبائل معها أغطيتها وبعض أعمدة الخيام إلى المراعي الخصبة حيث تنشئ أكواخا مشابهة ولكنها أقل بساطة، وتقل الأشجار أو تنعدم في الرمالوالقفار المتاخمة لأماكن العشب. تبنى الخيام المؤقتة بالقرب من الأشجار الوارفة الظلال أو تُقام «ذرا» وهي خيام مكونة من ثلاث أو أربع أعمدة وتغطى بواسطة أشجار واقية من الريح (كألياف النخيلو«فيلي» أو الأغطية المستوردة) وعندما ينتهي فصل الربيع تعود العوائل إلى أماكنها الأصلية في الوديان المحاطة بالأشجار وتعيد بناءها إلى ما كانت عليه سابقا، ويسمي البدو الأماكن المهجورة بـ«الديران» مفرده «دار» بينما يُعرف الموقع الرئيسي الذي يشمل عددا من المساكن شبه الدائمة بـ«الوطن».

تضفي دراسة روجر وبستر لحياة آل وهيبة الاجتماعية والإثنوجرافية بعدا تاريخيا إذ توفر دراسة بحثية (مختصرة نوعا ما) نستطيع من خلالها تتبع التطورات الحياتية التي مرت بها هذه القبائل إلى وقتنا الحاضر، كما توفر معلومات قيمة عن اقتصاد هذه القبائل، وهجراتهم وتكيفهم مع ظروف الحياة القاسية، ومن الناحية اللغوية تمتاز لهجة بدو آل وهيبة بثرائها اللغوي الذي يعكس ثقافة القبائل البدوية في رمال آل وهيبةوأصالتها، كما توفر البيانات اللغوية (أعني المفردات) قاعدة لبحوث مستقبلية تساهم في فهم أعمق للهجة آل وهيبة.


المصادر:



- Webster, R. (1991). Notes on the Dialect and Way of Life of the Wahiba Bedouin of Oman. Bulletin of the School of Oriental and African studies. 54 (3). 473 - 485
- Holes, C. (1989). Towards a dialect geography of Oman. Bulletin of the School of Oriental and African studies. 52. 446 - 62



1- عمل كلايف هولز رئيسا لمركز اللغات بجامعة السلطان قابوس.

2- اطلعت عليها أثناء تحضيري للماجستير بكندا. وقد تبنت جامعة مانشستر بالمملكة المتحدة وضع هذه الدراسة القيمة في كتاب منفرد.

ليست هناك تعليقات: