2015/04/11

الخط العربي بين العامية والفصحى

وفاء نجار - فلسطين

الخط العربي بين العامية والفصحى

الخط العربي والكتابة العربية بين العامية والفصحى
إن للغة صورتين متلازمتين منطوقة ومكتوبة، والخط العربي هو الصورة المكتوبة للعربية الفصحى بما تؤديه هذه الصورة من اللغة من خدمة للمتكلمين بها تتمثل أنها أداة التواصل الإنساني؛ فهي تقوم بتلك المهمة التي تقصر المشافهة عن القيام بها، وهي لغة الإنتاج الفكري والأدبي، وبذلك فإنها تعمل على حفظ التراث الإنساني ونقله من الماضي إلى الحاضر[1].
نشأة الكتابة العربية
ظهر في كتب فقه اللغة القديمة اتجاهان متضادان إزاء نشأة اللغة: الاتجاه الأول يرى أن اللغة توقيف وإلهام روحي ويمثله ابن فارس في كتابه الصاحبي[2]. فالتوقيف يعني: أن الله أوحى للإنسان الأول وأوقفه على أسماء الأشياء كلها بكل اللغات مباشرة أو بواسطة بعد إن علمه النطق.[3] ويستدل على ذلك بقوله تعالى :"وعَّلم آدم الأسْماءً كلها"[4]. أما الاتجاه الثاني: فيرى أن اللغة مواضعة واصطلاح أي وضعها الإنسان بالاتفاق، وبما أجمع عليه الناس على مر العصور، ويمثل هذا الاتجاه ابن جني في كتابه الخصائص [5].
ويشير الجهد البشري أن اللغة هي نشاط إنساني فعال تواصلي، يتفق فيه كل قوم على مجموعة من الألفاظ والعبارات والسياقات اللغوية، وهذا ما يؤكد أن اللغة اصطلاح ومواضعة، فلو كانت توقيفا لم يتطور المعجم اللغوي لأي أمة من الأمم ولظلت اللغة قاصرة عن استيعاب المستجدات في كل فن وعلم، فاللغة حياة وتطور.
أطوار الكتابة
مرت اللغة أي لغة ومنها العربية بأطوار نص عليها الدارسون، من الطور الصوري، حيث يرسم الإنسان صورة الشيء ليدل عليه، إلى الطور الرمزي، فيرسم الإنسان الشيء ليرمز به إلى المعنى، إلى الطور المقطعي، فيرسم صورة ليدل على مقطع من المقصود فيرسمون صورة يد لتدل على المقطع (يد) في كلمة يدع، ثم تطورت إلى الطور الصوتي فيرسم صورة الشيء ليدل على أول حرف منه، وأخيرا استقرت إلى ما هي عليه الآن ويعرف ذلك بالطور الهجائي، أي الأبجدية واصطناع رموز خاصة تمثل الحرف.[6].
تاريخ الكتابة العربية
يعتقد البعض أن العرب قد أخذوا لغتهم عن الأنباط، وقد عززوا هذا الرأي بالعثور على عدة نقوش عربية يرجع تاريخها إلى ما قبل الإسلام كتبت بالخط النبطي المتأخر، أهمها: نقش النمارة في الحرة الشرقية من جبل الدروز، وقد وجد هذا النقش على قبر امرئ القيس أحد ملوك الحيرة، ويرجع تاريخه إلى سنة 328 ب.م، ونقش زبد، وهو مكتوب بثلاث لغات الإغريقية والسريانية والعربية. والأنباط شعب عربي كما يستدل من لغتهم ومن أسماء الأعلام الواردة في نقوشهم. ولكنهم عرب وقعوا تحت تأثير الثقافة والحضارة الآرامية[7].
غير أن ما شهد به العرب أنفسهم. وشهد به التاريخ أن العرب قد أخذوا لغتهم عن جيرانهم الساميين، وسواء أكان أولئك الساميون من الأنباط أم من أهل العراق الآراميين فإنهم جميعاً قد أخذوا خطهم عن الفينيقيين الذين أصبح خطهم أمّاً لكل هجاء تال[8].
وفي العصر الحديث تعرضت الكتابة العربية إلى حملة شرسة من قبل المستشرقين والمستغربين بدعوى إصلاح الخط العربي، أو استبداله عن طريق استخدام الحروف اللاتينية، كما حدث في تركيا على يد "كمال أتاتورك". ويرى الغيورون من أبناء الأمة العربية أنها إحدى الدعوات الهدامة التي وجهت للقضاء على العربية؛ تارة بحجة إصلاح الخط العربي وتارة أخرى بحجة الدعوة لاستخدام العامية.
= = = = =
الهوامش
[1] أنور الجندي "الفصحى لغة القران". بيروت: دار الكتاب اللبناني، 1982، ص 9 وما بعدها.
[2] توفيق شاهين. "علم اللغة العام" ط11، القاهرة :الإسكندرية، مكتبة وهبة ،1980، ص 50.
[3] ابن فارس. "الصاحبي في فقه اللغة". تحقيق عمر الطباع، ط1، بيروت: مكتبة المعارف، ص 36.
[4] سورة البقرة ، الآية31.
[5] ابن فارس. "الصاحبي في فقه اللغة". تحقيق عمر الطباع، ط1، بيروت: مكتبة المعارف، ص36.
[6] حفني ناصف. "حياة اللغة العربية". القاهرة: 1957.
[7] إسرائيل ولفنسون." تاريخ اللغات السامية" القاهرة: 1929، ص 9 وما بعده.
[8] أنيس فريحة." الخط العربي". الجامعة الأمريكية في بيروت، 1961، ص34.

ليست هناك تعليقات: