2015/09/09

تعريف اللهجات

بسم الله الرحمن الرحيم
(اللهجات)
في هذه الورقة سأتحدث عن دراسة اللهجات من خلال النقاط التالية:
- تعريف اللهجات.
- مدى علاقتها باللغة الأم(الفصحى)
- نشأة الدراسة.
- الأهداف والأغراض من دراسة اللهجات.
- الخاتمة ( وفيها رأيي في دراسة اللهجات)
والله المستعان وعليه التّكلان.

تعريف اللهجات:
يعرف العلماء المحدثون اللهجة بأنها(( هي مجموعة من الصفات اللغوية تنتمي إلى بيئة خاصة، ويشترك في هذه الصفات جميع أفراد هذه البيئة)) إبراهيم أنيس/ في اللهجات اللغوية/ص15
يلاحظ أن التركيز يوجه صوب الصفة الفارقة التي يتميز بها كلُّ قوم عن الأقوام الآخرين المتكلمين بنفس اللغة، أي الاختلافات البسيطة(مقارنة بما يتفقون عليه من اللغة،إذ أوجه الاتفاق أكثر من أوجه الاختلاف) في استعمال لغة ما،
مثل: تسهيل الهمز في لغة الحجازيين، مع أن تميم تحققها ، وكذلك إعمال ما النافية عمل ليس في لغة الحجاز،وغيرها من الأمثلة.
وبعد تعريف اللهجات، ننتقل إلى النقطة التالية وهي: ما مدى علاقة اللهجات باللغة العربية الفصحى؟
إننا لا نستطيع أن نجعل اللهجات في سلة واحدة وننظر إلى قربها من الفصحى من عدمه، بل إن اللهجات مختلفة، فمنها ما هو صحيح فصيح، وهناك ما هو أفصح منها،وقد عقد ابن جني بابًا في الخصائص أسماه (باب اختلاف اللغات وكلها حجة) قال فيه بعد أن ذكر فيه الكسكسة، والكشكشة، والعجرفية، وتلتلة بهران، وهي لهجات لبعض العرب : ((الخصائص - (2 / 12)
فإذا كان الأمر في اللغة المعوّل عليها هكذا وعلى هذا فيجب أن يقِل استعمالها وأن يتخيَّر ما هو أقوى وأشيع منها إلا أن إنسانا لو استعملها لم يكن مخطئا لكلام العرب لكنه كان يكون مخطئا لأجود اللغتين . فأماَّ إن احتاج إلى ذلك في شِعرٍ أو سجع فإنه مقبول منه غير مَنِعىّ عليه . وكذلك إن قال : يقول على قياس مَن لغته كذا كذا ويقول على مذهب من قال كذا وكذا 
وكيف تصرفِت الحال فالناطق على قياس لغةٍ من لغات العرب مصِيب غير مخطئ وإن كان غير ما جاء بهِ خيرا منه)) الخصائص 1/400
ومنها ما قد بعُد عن الفصحى على اختلاف في درجات هذا البعد، فلا يمكن أن نقارن لهجة المغاربة بلهجة أهل نجد؛ لأن لهجة النجديين أقرب إلى الفصحى؛ لبعدها عن عوامل التأثر، وهذا لا ينفي عربية اللهجة المغربية. يقول ابن خلدون: (( فمن خالط العجم أكثر كانت لغته عن ذلك اللسان الأصلي أبعد)) المقدمة/558
النقطتان السابقتان تقودانني إلى البحث عن نشأة هذه الدراسة:
(( إن دراسة اللهجات العربية الحديثة ما هي إلا امتداد، وتواصل للدراسات القديمة التي مهدت الطريق، ويسرت تحديد مجالات الدراسة. فلقد أحاطت الدراسات القديمة اللهجات عامة، واللهجات العربية الخاصة بجميع المجالات أي أنها مكنتنا من معرفة أسباب ظهور اللهجات بين أفراد الشعب الواحد، وأسباب اختلافه)) هذا ما يقوله أحد الباحثين في اللهجات دون تقديم دليل واحد على هذا الإدعاء.
أما ما يستشهد به بعض المحدثين من ذكر العلماء لبعض اللهجات العربية الخاصة (كلغة هذيل، وسليم، وتميم...) فلا تقوم به الحجة؛ لأنها قليلة قياسًا على لهجات العرب، والهدف من ذكرها بناء اللغة النموذجية؛ لأن بعض اللهجات الخاصة يراد تعميمها، مثل: إجراء القول مجرى الظن في لغة سليم حيث عممت هذه اللهجة،((ولم يدونوا من كل ذلك إلا كفاية الحاجة القليلة لتصاريف الكلام، أو ما تنهض به أدلة الاختلاف بين العلماء المتناظرين: كالبصريين، والكوفيين)) مصطفى الرافعي/ تاريخ آداب العرب/ ج1/129
وقد تركوا البحث عن اللهجات بعد جمع اللغة النموذجية ورسم طريقتها،مما يؤكد وضوح الهدف لديهم من دراسة اللهجات.
ومن الباحثين من عزا دراسة اللهجات إلى القدماء، وقد أورد أدلة على ذلك؛ لئلا يظن أن المحدثين (( أول من طرق باب البحث عن اللهجات)) محمد رضا الشبيبي/اللهجات العربية الفصحى والعامية/ ص 3/ وهو بحث ألقي في الجلسة الثامنة في الدورة الثامنة عشرة.
وكأن مجرد السبق منقبة، ولو كان فيه ضرر على اللغة العربية. ومن هذه الأدلة التي ذكرها:
- تأليف العلماء الكتب التي تعنى بلحن العامة، ولأستاذنا الدكتور/ سليمان العايد رأي وجيه في هذا النوع من التأليف، إذ يراه مرادف بما يسمى لحن الخاصة، و أن المراد لحن عامة طلبة العلم، وله أدلة على ذلك ليس هذا مجال تفصيلها، فهذا الدليل باطل.
- أما الدليل الثاني، وقد أورده كذلك الدكتور/ سليمان العايد في محاضرة له بعنوان (العلائق الإيجابية بين الفصحى والعامية) وهو (( أن ابن خلدون عالج موضوع اللهجات المتفرعة عن لغة مضر على توجه يفهم منه أنها كانت متميزة في عصره، وهو يسميها (لغة الجيل) ويقارن بينها وبين (اللغة المضرية) وقد أورد في مقدمته المشهورة فصولا للبحث في هذا الشأن، منها فصل عنوانه ( لغة العرب لهذا العهد لغة مستقلة مغايرة للغة مضر ولغة حمير) 
وآخر عنوانه ( لغة أهل الحضر والأمصار لغة قائمة بنفسها مخالفة للغة مضر) إلى فصول أخرى، يشير ابن خلدون في بعضها إلى مميزات لهجة عصره أو لغة جيله)) السابق/ ص4 ، وانظر/ سليمان العايد/ محاضرات في اللغة العربية/ ج1/ ص130
هذا النص فيه من تغيير الحقائق، والتهويل، والمبالغة، ما يعجب منه الباحث المتجرد للحقيقة كما هي، فقول الباحث في المقدمة فصول منها كذا وكذا يوحي بكثرة هذه الفصول، التي اختار منها الباحث فصلين فقط للتمثيل، وإن الناظر في المقدمة لن يجد فيها غير هذين الفصلين تحدث فيهما ابن خلدون عن لغة الجيل،هذه الملاحظة الأولى على الدليل،
أما الثانية ففي استشهاد الباحث بما لا تقوم به الحجة؛ لأن محتوى الفصلين مختلف تمامًا عمّا ذكره الباحث، فابن خلدون لم يدرس اللهجات المعاصرة، فغاية ما ذكره ابن خلدون: أن لغة الجيل ((في بيان المقاصد والوفاء بالدلالة على سنن اللسان المضري، ولم يفقد منها إلا دلالة الحركات على تعين الفاعل من المفعول، فاعتاضوا منها بالتقديم والتأخير وبقرائن تدل على خصوصيات المقاصد.)) المقدمة/ص 555
بل يصرح أنه : (( لم يفقد من أحوال اللسان المدون إلا حركات الإعراب في أواخر الكلم فقط)) السابق/ 559
إن الذي غرّ الباحث عنوان الفصل مع أن المحتوى مختلف تمامًا، فأين يا دكتور خصائص اللغة المعاصرة لابن خلدون؟ و أين مكان هذه اللغة في المشرق أم في المغرب؟ 
فالذي ذكره ابن خلدون من أن اللغة المعاصرة تخلت عن تحريك الآخِر منطبق على اللغة المنطوقة في كل عصورها، وليس خاصًا بلغة جيل ابن خلدون.
والذي أراه أن ابن خلدون في هذا الفصل يرد على من زعم بأن اللسان العربي فسد ف((ما زالت هذه البلاغة والبيان ديدن العرب ومذهبهم لهذا العهد. ولا تلتفتن في ذلك إلى خرفشة النحاة أهل صناعة الإعراب القاصرة مداركهم عن التحقيق، حيث يزعمون أن البلاغة لهذا العهد ذهبت، وأن اللسان العربي فسد، اعتباراً بما وقع أواخر الكلم من فساد الإعراب الذي يتدارسون قوانينه. وهي مقالة دسها التشيع في طباعهم، وألقاها القصور في أفئدتهم ، وإلا فنحن نجد اليوم الكثير من ألفاظ العرب لم تزل في موضوعاتها الأولى، والتعبير عن المقاصد والتعاون فيه بتفاوت الإبانة موجود في كلامهم لهذا العهد، وأساليب اللسان وفنونه من النظم والنثر موجودة في مخاطباتهم، وفيهم الخطيب المصقع في محافلهم ومجامعهم، والشاعر المفلق على أساليب لغتهم. والذوق الصحيح والطبع السليم شاهدان بذلك.)) السابق/559
فهل تظن أن هذه الأوصاف يقصد بها ابن خلدون لهجات جيله!
وبهذا يسقط الدليل الثاني الذي ذكره الباحث.
وتبقى أسبقية البحث في اللهجات، ودراستها -على النحو المعهود في هذا العصر- للمحدثين حتى تظهر أدلة أخرى تنقض هذا القول.
فقد كانت هناك محاولات لغزو الفصحى، والصدّ عنها. (( وقد ألفت فيها الكتب التي وضعت للعامية، وقواعدها، ومنها كتاب (قواعد اللهجة العربية لشبيتا) الألماني سنة1880م، كما ألف زميله الألماني شتوم ( قواعد اللهجة العربية المستعملة في تونس) 1894م، ووضع المستشرق الإنجليزي استرلنج كتاب (قواعد العربية العامية) في 375صفحة ونشره في لندن سنة 1925م)) عبد السلام هارون/ اللهجات العربية الفصحى والعامية/ 272/ بحث في الجلسة الثامنة الدورة الثالثة والأربعين. ويقول إبراهيم أنيس : (( نمت هذه الدراسة في الجامعات الأوربية خلال القرنين التاسع عشر، والعشرين) في اللهجات العربية/ ص9. 
- أهداف وأغراض الدراسة اللهجية :
1- تحقيق التاريخ، وأحوال المجتمع، والاستدلال عليها بشواهد الألفاظ والتراكيب.
2- التخلص من الثنائية اللغوية.
3- تصحيح اللهجات، وما حصل فيها من انحراف.
4- إذا كنا نسلم أن اللغة كائن حي يخضع لنواميس الحياة من نمو وهرم ، فليس أفضل من درس اللغة الحية (العامية) درسًا موضوعيًا لتفهم النواميس التي تعمل للحياة والنمو والموت.
5- اللهجات العامية مليئة بالأدب الشعبي الغني المنبثق عن روح الشعب وأحاسيسه، فمن الحماقة حتى يندرس، بل لابد من جمعه، ودرسه، وتنقيته.
6- تفاهم الأجانب مع أهل البلد، وتؤلف لهم الكتب الصغيرة القصد منها تعليم الجانب لغة البلد المستعملة.
7- التقعيد للهجات، فهي مادة غنية نحويًا وصرفيًا ودلاليًا.
8- دراسة اللهجات يعود بالنفع للغة الأم، فدراسة الفرع يفيد في تقوية الأصل وتمكينه.
9- تفيد في تفسير بعض القضايا في اللغة العربية ، ومفرداتها، و دلالاتها مثل الترادف، والاشتراك، والإبدال.
10- دراسة اللهجة لذاتها من غير هدف.
هذه الأهداف التي يذكرها المتحمسون لدراسة اللهجات، وهي كما ترى مختلفة جدًا، و متفاوته فبعضها أقرب لروح اللغة من الآخر، نتج عن ذلك اختلاف الآراء في قبول دراسة اللهجات، أو رفضها، فعند كل هدف من هذه الأهداف نجد أكثر من رأي، فمن الباحثين من يوافق على دراسة اللهجات لتحقيق الهدف الأول فقط، ومنهم من لا يوافق؛ وكذلك في الأهداف الأخرى.
لذلك يصعب حصر آراء اللغويين في دراسة اللهجات فهي مرتبطة بالهدف من الدراسة.
إن بعض هذه الأهداف ظاهر عوارها، لا تستحق المناقشة مثل: دراسة اللهجات للتقعيد لها، وتعميم استعمالها، وكذلك دراسة اللهجات لذاتها، وبعضها – أي الأهداف- ليست من اهتمامات اللغويين، أو أنها تصرفهم عما هو أهم، كتحقيق التاريخ، والأخبار الشعبية، والقصص. وبعض هذه الأهداف حقٌ أريد به باطل كإلغاء الثنائية، و دراسة اللهجات للاستفادة منها في القضايا اللغوية.
الخاتمة:
وبعد هذا العرض لي وقفات يسيرة بعضها قد ذكر في ثنايا الورقة:
1- نشأة هذا النوع من الدراسة بهذا الشكل نشأة أوربية هدفها دراسة اللهجات لمعرفة الأصول المشتركة؛ للوصول للغة الأم، وعليه فإن دراسة اللهجات في العربية عديم الفائدة؛ لأن اللغة الأم محفوظة.
2- لا نستبعد دور الاحتلال، وأذنابهم، في ظهور هذه الدراسة.
3- نسبة هذه الدراسة بهذا الشكل، وبهذا الهدف إلى علمائنا قول باطل، وغير صحيح.
4- تختلف أهداف هذه الدراسة وهي في نظري لا تخرج عن شيئين: إما أن تكون فاسدة ظاهر فسادها كالدعوة إلى تأليف معجم للعامية، لتعميم ألفاظه، وتعميم قواعد العربية.
و إما أن تكون- الأهداف- اشتغالا بما لا يهم على حساب المهم كمن يطالب بدراسة اللهجات والإفادة منها في تفسير بعض ظواهر الفصحى. وفي اعتقادي هذا لا يحتاج إلى دراسة، وإنما ترجع إلى اجتهادات الأستاذ في تقريب المادة للطلاب.
5- الثنائية بين الفصحى والعامية بدأت تتلاشى؛ نتيجة لانتشار العلم، والكتب، والفضائيات. فإلى وقت قريب في المملكة لا يفهم الجنوبي لغة الشمالي، والعكس كذلك، أما الآن فقد تجاوزنا هذه المرحلة إلى ما هو أبعد من ذلك فأصبح السعودي يفهم لغة المصري والشامي، والعكس.
6- إن بعض الظواهر اللهجية- وخصوصا العائدة إلى نطق الأصوات- يصعب تصحيحها.
7- إننا بدعوتنا إلى التقريب نضر المتعلم، ولا نفيد الجاهل، لأن العامي عند استخدامه للغة لا ينظر إلى فصاحتها،
وإنما نضر طالب العلم عند تجويزنا كثيرا من الاستعمالات- كما يذهب إلى ذلك بعض المحدثين- و إن كانت مخالفة للأفصح والأشهر.
ولم أر في عيوب الناس شيئًا كنقص القادرين على التمام. 
مقبل بن علي الدعدي

ليست هناك تعليقات: