2015/09/25

الأصل العربي لنظرية الحقول الدلالية

تقوم نظرية الحقول الدلالية ( semantic fields ) أو الحقول المعجمية ( lexical fields) التي ظهرت في العشرينات من القرن الماضي -على فكرة أن هناك مفاهيم عامة تؤلف بين المفردات داخل اللغة ، و أن المعاني لا توجد منعزلة في الذهن بل لابد لفهمها من ربط كل معنى منها بمعنى آخر ، فلفظ "حار " مثلا لا يفهم إلا بالنسبة إلى " بارد " ، وكلمة " امرأة " لا يمكن أن نستوعب دلالتها إلا بالنظر لكلمة " رجل " ... و هكذا .
أما تعريف الحقل الدلالي فهو لائحة من المفردات أو الوحدات المعجمية التي توحِّد بينها ملامح دلالية مشتركة و من ثمَّ يمكن أن تصَنَّف في مجال عام يَجمع بينها ، فكلمات : أم ، أب ، عم ، عمة ، خال ، خالة ، أخ ، أخت ، ... وغيرها مثلا تندرج ضمن مفهوم عام أو مجال واحد هو حقل القرابة .
لذلك يعرف John Lyons- بصفته رائدا من رواد هذا الاتجاه - مدلول الكلمة بأنه حصيلة علاقاتها بالكلمات الأخرى داخل الحقل المعجمي . و هذا يعني أن دلالة لفظ معين لا تتحدد بشكل دقيق إلا بدراسة هذا اللفظ مع أقرب الألفاظ إليه في إطار مجموعة واحدة ، و أن الكلمة لا معنى لها بمفردها و إنما تكتسب معناها من خلال علاقتها بالكلمات الأخرى .
ولعل من مزايا هذه النظرية أنها تُستثمر عند تأليف المعاجم الثنائية اللغة فتُعين على البحث عما يقابل الكلمة أو يناقضها ، كما أن استخدام هذه النظرية يُسهم في تصنيف المدلولات في العملية التربوية لتقريب الدلالات إلى ذهن الأطفال .
وقد فطن اللغويون العرب القدماء منذ القرن الثاني الهجري إلى فكرة الحقول الدلالية وسبقوا بها الأوربيين بعدة قرون - وإن لم يطلقوا عليها المصطلح نفسه - وذلك من خلال تصنيفهم لمجموعة من الرسائل الدلالية المتنوعة التي اقتصرت على مجال دلالي واحد كرسائل خلق الإنسان ، و الخيل ، والإبل و الغنم ، و الوحوش ، و الطير ، و الحشرات ، و النبات ، و الشجر ، و المطر .
و لن يتسع المجال هنا لذكرها كلها نظرا لكثرتها و لاتساع التاليف فيها ، لذلك سنقتصر على ذكر بعضها على سبيل المثال لا الحصر مثل :
- رسائل خلق الإنسان : لكل من أبي عبيدة معمر بن المثنى ( المتوفى 210 هـ) ، و الأصمعي ( 213 هـ) ، و أبي علي القالي ( 356 هـ) ، و ابن فارس ( 395 هـ) ، و الصغاني ( 650 هـ) . وقد دونوا فيها أسماء أحوال الإنسان المختلفة من الناحية العضوية ووسعوا دائرة بحثهم لتشمل النواحي الأخلاقية و الاجتماعية أيضا .
- رسائل الخيل : لكل من النّضر بن شميل ( 204 هـ) و أبي عمرو الشيباني ( 206 هـ) ، و قطـــــــــــرب ( 206 هـ) ، و أبي إسحاق الزجاج ( 310 هـ) ، حيث قسموا رسائلهم تقسيما موضوعيا فخصصوا بابا لأسماء أعضاء الخيل ، و بابا لما يستحب فيها ، وآخر لما يكره فيها ، وبابا لأوصافها و أسمائها ...إلخ
ـ- رسائل النبات : و تشمل الأشجار و الزروع و البقول و الحبوب . و ألف فيها كل من الأصمعي و أبي عبيدة .... إلى غير ذلك من الرسائل التي تُعتبر بحق النواة الأولى لمعاجم المعاني أو معاجم الموضوعات التي ظهرت في التراث العربي بمئات السنين قبل الحضارة الأوربية .
ويمثل معجم " المخصص " لابن سيده الأندلسي ( 458 هـ) أضخم هذه المعاجم على الإطلاق و أكمل صورة لفكرة الحقل الدلالي في التراث العربي .

إن هذه الأمثلة القليلة تبين أن اللغويين العرب أول من خاض غمار معاجم الموضوعات القائمة على مفهوم الحقول الدلالية فوضعوا لها رسائل مستقلة ، و بذلك سبقوا علم اللغة الحديث في التنبه إلى هذه النظرية ، و التأليف فيها .

ليست هناك تعليقات: