2015/09/28

إسعاف الخاطر في تهذيب إتحاف الناظر

” إسعاف الخاطر في تهذيب إتحاف الناظر ” كتاب جديد لنائب رئيس المجمع




صدر كتاب جديد لنائب رئيس المجمع أ.د. عبدالرحمن بودرع، بعنوان ” إسعاف الخاطر في تهذيب إتحاف الناظر ” 
مع تمنياتنا له بالتوفيق والسداد.
نبذة عن الكتاب:
يدخلُ هذا الكتابُ في أدب السيرة الذّاتية والمذكّرات، وهو القسم الثاني الذي يُعدّ تنقيحاً وتهذيباً واستكمالاً لما فاتَ المؤلفَ ذكْرُه في الكتاب الأول الذي عُنوانُه: إتحاف الناظر، وفيه إيرادٌ لما جدَّ ممّا يستحقّ أن يُعرضَ على القارئ المتلقّي المُهتمّ في حياة المؤلف واهتمامه وعالَمه النفسي والاجتماعي والفكري . هذا وإنّ أوّلَ ما ابتُدِئَ به كتابٌ وافتتحَ به خطابٌ حمدُ الله تعالى على نِعَمِه والصّلاةُ على أنبيائِه ورُسُله جميعاً، وعلى رأسهِم محمّد صلى الله عليْه وسلّمَ وعلى آلِه وصحبِه
وإنَّ أوْلى ما يُعْنى بِه القارئُ اليومَ، ويَصرفُ إليْه الهَمَّ، معرفةُ تجاربِ السِّنين وما يَأتي عَلى الإنْسانِ مِنْ نَوائبِ الدّهرِ وحَوادِثِ الزّمان، فإنّ في التَّجاربِ عِلماً مُستأنَفاً، وفي النّظرِ في العَواقبِ شافياً أو مُريحاً، ومُداواةً لعِللِ النّفوسِ، ومَن عَرفَها طابَت لَه المَشاربُ، وإنّما يتفاضلُ النّاسُ بحُسنِ البيانِ عمّا في الضّمير وبَراعةِ إخراجِه إلى حيّز الوجودِ والتّحرّي في اختيارِ ما ينفعُ النّاسَ ويُناسبُ العصرَ، وكلّ امرئٍ في ذلِك بأصْغَرَيْه  قلبِه ولسانِه، وكلُّ مُتكلّمٍ بأجملَيْه فصاحَتِه وبَيانِه. وما أحوجَ كلَّ مُتكلِّمٍ عَن نفسِه وساردٍ لسيرةِ حاضرِه وأمْسِه، إلى تَحرّي وُجوه الصَّواب، وانتقاءِ أنواعِ الحِكَمِ التي تُحيي القلبَ، وتَشحذُ الذِّهنَ واللّبَّ، وتَبعثُ على مَكارم الأخلاقِ، ولا شَيءَ أنظم لشمل ذلك كلِّه، من تقْييدِ العِبَرِ وأخبارِ مَن غَبَر، ممّن لقِيَهُم الكاتبُ أو سمعَ عنهُم أو تلْمَذَ عليْهم أو جالَسَهُم أو أفادَ منهُم .
هذا وإنَّ لكلِّ صنفٍ من المعرفةِ، سبباً يدعو إلى التأليفِ فيه، ومعنىً يَحْدو عَلى جمع مُتفرِّقِه. وإنّما الحكمةُ في كلّ فنٍّ جمعُ الأشتاتِ وضَمُّ المُخْتلِفاتِ، والتّأليفُ بينَ الأشباه والنّظائر، وتمييزُ كلّ مَعْنى نادر.
ولولا تقييدُ الخَواطر، ونَقرُ آثار الأوّلينَ، لَضاعتْ فوائدُ العلم وحِكَمُه. ولذلكَ قيلَ: «لا يزالُ الناسُ بخيرٍ ما بَقِيَ الأوّلُ يَتعلّمُ منه الأخيرُ».
هذا، وإنّ رحلَة ارْتِجاعِ الذّاتِ من شِعابِ الماضي وحافظَةِ السّنين، أو ما يُدعَى بالسّيرَةِ الذّاتيّة أو المذكّراتِ أو اليوميّاتِ أو التّرجمَة أو السّيرَة الذاتية، لَمِن أصعبِ الرّحلاتِ التي يستجمعُ لَها الكاتبُ الهِمّةَ العَلْياءَ في أفُقِ التاريخ المُتصرّم، ويستنهضُ لها القوّةَ الاستذكاريّةَ لانتزاعِها من دياجيرِ النّسيانِ.
و حَقٌّ على كلّ فردٍ من أفرادِ الأمّة أن يُحييَ ذاكرتَه وذاكرةَ قومِه حتّى لا تنطبعَ الأجيالُ القادمةُ بآفَةِ النّسيانِ؛ فإنّ النّسيانَ آفةٌ من آفاتِ الإنسانِ، وما أشدَّ نسيانَ إنسانِ هذا الزّمانِ، بل يُصرُّ على تذكُّرِ ما لا يضرُّه نسيانُه، ونسْيانِ ما ينفعُه تذكُّرُه، وما زالَ إنسانُ زَماننا يُقدّمُ ما ينبغي تأخيرُه ويؤخّرُ ما يتعيّنُ تَقْديمُه، ويرفعُ المخفوضاتِ ويخفضُ المَرْفوعاتِ، حتّى أصبحَ الحقُّ في ملّتِه باطلاً والباطلُ في اعتقادِه حقّاً، فَكان هلاكُه في تَجاهُلِه ومُصيبَتُه في نسيانِه وآفتُه في إدبارِه. وهكذا فقَدْ بَنَـى الإنسانُ اليومَ عالَمَه على أساسِ نسيانِ الحقِّ واستذكارِ الباطلِ زيَّنَ ذلِك في نفسِه ونفسِ البشريّةِ جَمْعاءَ وحَبّبَ إليْها مَظنونَ الزّلاّتِ ومَشبوهَ الآفاتِ بل مُسْتَيْقَنَ المُهْلِكاتِ، وكرَّه إليْها كلَّ ما يَدْعو إلى المُنجياتِ. 
أجَل، حريٌّ بكلِّ كاتبٍ أو ساردٍ أو راوٍ أنْ يُحْييَ ذاكرتَه وذاكرةَ قومِه، وأنْ يضعَ بينَ يَدَي القارئِ حَلقاتٍ منْ قِلادةِ الحَياة.ـــ

ليست هناك تعليقات: