موضوع علم اللغة المقارن هو دراسة الظواهر
الصوتية و الصرفية و التركيبية و المعجمية في اللغات التي تنتمي إلى أسرة لغوية واحدة
، وبيان العلاقات التاريخية بين اللغات التي تعود إلى أسرة لغوية واحدة .
ويمكن إجمال أهدافه في :
أ ـ الرؤية التاريخية : بغرض التوصل إلى
اللغة الأقدم تاريخيا و اللغة الأحدث .
ب ــ البحث عن القوانين التي تفسر الظواهر
اللغوية : مثل ما نجد في قانون Jacob Grimm
الذي أجرى العديد من البحوث التطبيقية الصوتية قارن فيها بين بعض
اللغات .
و من بين ما توصل إليه أن هناك تبادلا بين
اللغات فيما يتعلق بحرفي f و p
( مثلا الكلمة اللاتينية patsr
( أب ) تحول فيها حرف p إلى f في الإنجليزية (father
) بينما ظل كما هو في الفرنسية ( père
)... إلى غير ذلك من القوانين التي تنسب إليه .
ج ــ محاولة التصنيف و التبويب للغات :
مثلما يفعل علماء النبات للنباتات المتنوعة .
و إذا كان اكتشاف السنسكريتية ( لغة الهند
القديمة ) من طرف وليام جونز السبب الأساس لظهور هذا الفرع من علوم اللغة عند الأوربيين
، حيث وجَّه الأنظار إلى الدراسة المقارنة على أسس علمية ، و من ثمَّ كانت نقطة تحول
في الدراسة اللغوية في أوربا ، فإن علم اللغة المقارن وُجد عند العرب في فترة مبكرة
جداً ، أي منذ القرن الرابع الهجري على يد لغويين متخصصين في المغرب و الأندلس ، نذكر
منهم :
1ـ جودة بن قريش التاهريتي ( القرن 4 هـ
) الذي أكد بأن العربية و العبرية ناتجتان عن أصل لغوي واحد وأنهما تفرعتا بسبب الاختلاط
والاحتكاك بلغات أخرى والاقتراض منها . وقد قام بمقارنات للأصوات الساكنة في العربية
و العبرية مع ترتيبها ألفبائيا ، كما بين بعض أوجه التشابه بين اللغتين من حيث الجذور
. ويمكن اعتباره أب الدراسات السامية المقارنة .
2 ـ ابن حزم الأندلسي ( 456هـ ) الذي اكتشف
القرابة اللغوية الموجودة بين كل من العربية و العبريــــــة و السريانية ، يقول في
كتابه "الإحكام في أصول الأحكام " : ( الذي وقفنا عليه و علمناه يقينا أن
أن السريانيــة و العبرانية و العربية ...لغة واحدة تبدلت مساكن أهلها ، فحدث فيها
جرش (الجَرْشُ : من جَرَشَ، يَجْرُشُ وهو الصوت الذي يحصل من أكل الشيء الخشن ، وهو
هنا كناية عن صعوبة نطق بعض الأصوات .لسان العرب : باب الجيم ، مادة جرش ، ج 1
/599) كالذي يحدث من الأندلسي إذا رام نغمة أهل القيروان ، ومن القيرواني إذا رام نغمة
الأندلسي ... وهكذا في كثير من البلاد فإنه بمجاورة أهل البلدة بأمة أخرى تتبدل لغتها
تبدلا لا يخفى على من تأمله... فمن تدبر العربية و العبرانية و السريانية أيقن أن اختلافها
إنما هو من نحو ما ذكرنا من تبديل ألفاظ الناس على طول الأزمان و اختلاف البلدان ،
و مجاورة الأمم و أنها لغة واحدة في الأصل " . الإحكام : لابن حزم ، تحقيق الشيخ
أحمد محمد شاكر ج1/30 .
3ـ إسحاق بن بارون ( القرن 5 هـ ) في كتابه
:" كتاب الموازنة بين اللغة العبرية و العربية" الذي عقد فيه مقارنة بين
اللغتين على المستوى الصرفي و النحوي فتوصل مثلا إلى أن التثنية و الجمع يتمَّان في
العربية بإضافة النون بينما العبرية تضيف الميم ، وأيضاً على المستوى المعجمي حيث جمع
كل الجذور التي يتشابه نطقها و معناها في كلتا اللغتين .
و جاءت الدراسات اللغوية المقارنة الحديثة
بعد قرون طويلة من ظهور علم اللغة المقارن عند العرب فقامت بتصنيف اللغات إلى أسر أو
مجموعات ، بناءً على مقارنات بينها أثبتت أن هناك أوجهَ شَبَه بينها على المستوى الصوتي
و الصرفي و النحوي و المعجمي ، مما يعني أن اللغات المنتمية إلى الأسرة نفسها قد انحدرت
من أصل واحد مشترك تفرعت عنه لغات الأسرة كلها - و إن كان تقسيم اللغات شيئاً صعباً
بسبب الاختلاف حول أصل اللغة الأم التي تفرعت عنها سائر اللغات الأخرى -
و للإشارة فإن أشهر النظريات في تقسيم اللغات
حسب الأصل المشترك بينها تلك التي تُصنِّف اللغات إلى ثلاث فصائل وداخل هذه التصنيفات
الثلاث هناك لغاتٌ كثيرة ، وهذه الفصائل هي كالتالي :
أ ـ اللغات السامية الحامية (langues chamito – sémiques)
ب ـ اللغات الهند أوربية ( langues indo- européennes)
ت – اللغات الطّورانية : (L . touraniques ) وتشمل طائفة من اللغات
الآسيوية و الأوربية التي لم تُصنَّف ضمن التصنيفين السابقين .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق