كتب - عبدالرحمن صالح الدوسري:
الحديث عن اللهجات الخليجية وتنوعها وتباينها ليس ببعيد عن حال الألعاب الشعبية، وكنا تحدثنا قبل شهر حول الموضوع الأخير، أما وجه التشابه فهو المعنى الواحد بينما الاختلاف في مخارج الألفاظ.
مقاربة اللهجات الخليجية والبحث في منشأها فيه من المتعة الكثير، تضغط على الكلمات في بعض مناطق الخليج فيما تترك اللفظ يرتاح في منطقة أخرى.


اللهجة البحرينية واحدة من لهجات اللغة العربية، يستخدمها معظم سكان المملكة ومع ذلك تنطق العربية لدى سكان البحرين بلهجتين مختلفتين، ففي المدينة تجد كلمات تختلف عن مثيلاتها في القرى، وكما أسلفنا في الضغط على بعض مخارج الحروف بمنطقة، وتدليعها في مناطق أخرى.
اللهجة البحرينية المستخدمة في المحرق والرفاع والبديع وأم الحصم وبعض المناطق الأخرى، هي مختلفة عن لهجات بعض المدن والقرى وأحياناً كثيرة في تسميات بعض الأشياء، واللهجة البحرينية تتطابق ومثيلتها في قطر مثلاً، مع اختلاف النطق عند أهل المحرق.
ويرجح الباحثون في علم اللغة أن بعض الظواهر في لهجة أهل البحرين ناتجة عن تأثرها باللغة الآرامية أو السريالية، وهذا تأتى من مجاورة القبائل التي سكنت البحرين للمتحدثين باللغة الآرامية والاندماج معهم، وهناك ظواهر تميز لهجة أهل البحرين عن أشقائهم في الخليج في بعض التسميات ولفظهم لبعض الكلمات، وهو ما يميز لهجة أهل البحرين عن لهجات الخليج رغم أن هناك ظواهر كثيرة تتشابه فيها مع تلك اللهجات.
محاور اللهجة البحرينية
في اللهجة البحرينية عدة محاور تشمل التطور في اللغة العربية ويشتمل على ثلاثة تبدلات رئيسة تبدلات صوتية وتبدلات المفردات والدلالة، ورغم أن هذه التبدلات موحدة في جميع البلدان العـــربية، إلا أن المحصلــة النهــائيــة لهذه التبدلات مختلفة من قطر لآخر، هنا نعطي ملخصاً لتلك المحاور دون الخوض في التفاصيل.
وتشمل التبدلات الصوتية تبدلات تركيبية وهي تصيب الأصوات نتيجة تماسها واحتكاك بعضها ببعض في الكلام، ومن طرق ذلك المغايرة والتماثل والتخالف والانتقال المكاني وتبدلات الحروف، ويمكن تقسيم هذه التبدلات تحت عنوانين رئيسين تبدلات ناتجة عن تجاور الأصوات، وأخرى ناتجة عن تقارب الأصوات في الصفة.
وهي تنقسم لقسمين، تبدلات ناتجة عن تجاور الأصوات ومن ظواهر ذلك المغايرة والتماثل والإمالة، أما القسم الآخر فيضم التبدلات الناتجة عن التقارب بين الأصوات في المخرج أو الصفة، والتبدلات الناتجة في التبدلات التركيبية لها تعليلات صوتية فهي خاصة بكلمة معينة فقط مثلاً في اللهجة العامية يسمى الدلفين «دغس» بينما في اللغة العربية الفصحى يسمى «دخس»، أي أن العامية قلبت الخاء غيناً، لكن هذا القلب خاص بهذا التركيب لأسباب صوتية، ولكن عادة ما تنطق الخاء كما هي في اللغة في كلمات أخرى، وهو ما يميز هذا النوع من التبدلات عن التبدلات التاريخية.
التبدلات التاريخية تصيب الأصوات نتيجة التطور الذي تخضع له خلال الزمان، كأن تقول بدلاً من الجمل «يمل» أو جابك «يابك» وهذه التبدلات تكون مطلقة بمعنى أنها إذا أصابت صوتاً ما فإنها لا تصيبه في تركيب دون آخر، بل تصيبه في كل تراكيب اللغة، فالجيم عندما تقلب إلى ياء فإنها تقلب في جميع الكلمات وليس في كلمة دون سواها.
تبدلات المفردات: إن المفردات تتبع الظروف فلذلك لا تستقر على حال، فكل منكم يكون مفرداته من أول حياته إلى آخرها بمداومته على الاستعارة ممن يحيطون به، فالإنسان يزيد من مفرداته ولكنه ينقص منها أيضاً.
ويرجح د.عبدالعزيز مطر أن هذه الضمائر من أصل آرامي، وتابع مطر هذه الضمائر لدى سكان القرية ووثق ذلك في كتابه «ظواهر نادرة في لهجات الخليج العربي» جاء فيه «يكون الضمير «أنتين» من الضمائر الآرمية والسريانية -وهي لهجات الآرامية- ولكن الضمير «أنتين» فيها لجمع المخاطبات، فيحتمل أنه تطور في اللهجة عند الإنسان البحريني في القرية، وربما في فترة بعيدة للدلالة على المفردة بضمير الجمع، وهذا معروف في كل اللغات، ويؤيد ذلك وجود الضمير نفسه إنتين، في لهجة محافظة «إب» اليمنية، وتبعد عن العاصمة صنعاء بحدود 193 كم، وتتصل بمحافظة ذمار من الشمال وتعز من الجنوب، والضالع والبيضاء من الشرق، والحديدة من الغرب، ويطلق على المحافظة اسم «اللواء الأخضر»، لأنها من أجمل المدن اليمنية، ويشكل سكانها ما نسبته 10.8% من إجمالي سكان اليمن، وتعد ثالث أكبر محافظاتها من حيث عدد السكان، وعدد مديرياتها 20 مديرية ومركز المحافظة مدينة إب، وتعد الزراعة النشاط الرئيس للسكان في هذه المحافظة، ويستعمل للمثنى المؤنث فقط، فهو مرحلة بين المفرد والجمع أما الضمير «إنتون» فهو في الآرامية والسريانية لجمع الذكور المخاطبين، كما هو في لهجة أهل البحرين في القرية».
ومن الأدلة التي ساقها مطر لإثبات الأثر الآرامي هو غياب الحروف الأسنانية كما أسلفنا، ويضيف بعد ذلك دليلاً آخر حيث يقول «ويؤيد هذا الأثر الآرامي في الضميرين «إنتين وأنتون» أن هذين الضميرين موجودان في لهجات اليمن، والمعروف أن المعينية والسبئية من اللغات السامية الجنوبية، وتأثرت بالآرامية وكانت قوافل الآراميين تلتقي بالمعينيين والسبئيين»، ولكن هذين الضميرين يختلفان من منطقة لأخرى في الشخص والعدد».
اللهجة العمانية
اللهجة العمانية تختلف من منطقة لأخرى وأحياناً من ولاية لثانية.. فاللهجة بالمنطقة الشرقية تختلف عن الباطنة وعن مسندم وتختلف عن الداخلية وعن لهجة أهل ظفار، وتعتبر لهجة أهل مسقط -المسقطية- هي اللهجة المفهومة عند الكل، لأن أغلب البرامج والمسلسلات التلفازية تعرض بهذه اللهجة.
كما إن أهل مسندم لكونهم ولقربهم من الفرس فإنهم تأثروا بهم، فهناك بعض الكلمات الفارسية يستخدمونها في حديثهم باللغة العربية، لذلك تكون غير مفهومة لمن لا يفهم الفارسية.. ولهجة أهل ظفار قريبة من لهجات اليمن.. كما إن لهجة الشرقية ومحافظة البريمي تكون مفهومة عند أهل الإمارات لتداخل الحدود وتعايش أهل تلك المناطق مع بعضهم البعض، فأنت تشعر أن البريمي مثلاً نصفها إماراتي والنصف الآخر عماني ولذلك تجد اللهجة متقاربة ومتداخلة في الكثير من الأحيان.
واللهجات العمانية، غنية بكثير من التنوع في الظواهر الصوتية، ولكون اللهجات العامية بشكل عام ما هي إلا تطور عن اللغة العربية الفصيحة، فكثيراً ما نجد للظواهر الصوتية في اللهجات العامية أصولاً عربية فصيحة، مثال ذلك قلب ضمير المخاطبة إلى «شين» مثال «قلت لش»، أي قلت لك، حيث تذكر المصادر أن هذه الظاهرة كانت موجودة عند بعض القبائل العربية.
ومن الظواهر الصوتية الشائعة أيضاً تسهيل الهمزة، والتسهيل قد يكون بحذف الهمزة أو بقلبها إلى صوت آخر، مثلاً كلمة «رأيت»، تنطق في اللهجة العمانية «ريت»، حيث تقلب الهمزة إلى صوت ممال بين الألف والياء، ومن الظواهر الصوتية أيضاً ما يسمى «الجيم القاهرية»، وتشيع هذه الظاهر في ولايات المنطقة الداخلية من عمان، كولاية نزوى وبهلا وإزكي وغيرها.
وهناك أيضاً قلب الجيم ياء، وهذه الظاهرة تشيع عادة في كلام البدو، وتوجد أحياناً هذه الظاهرة عند غير البدو، وقد تلاحظ هذه الصفة عند بعض أهالي ولاية إبرا ومن الظواهر الصوتية أيضاً قلب القاف إلى الجيم القاهرية، وهذه الظاهرة أيضاً تشيع في كلام البدو عادة، حول ذلك يقول الكاتب د.سالم البلوشي -وهو باحث في اللغة واللهجات- في مؤلفه «ظواهر لغوية» في حديثه عن لهجة أهل الباطنة «هاء السكت بعد ياء المتكلم كنا ولانزال نلتقط الطريف من حديث الناس في هذا الوطن الثري بكل معنى الثراء، وهو ثراء يتجسد في المحصول اللغوي الذي يعد أحد مكونات النسيج الاجتماعي في هذه الأرض، وفي وطن يعد موطئ قدم ومستقر للجم الغفير من القبائل العربية شكلت منظومته الاجتماعية والفكرية، وإن أنسى لا أنسى أن من بين ما شنف أذني ما سمعته من بعض أهل السويق وبعض أهل المصنعة، وبعض سكان منطقة الظاهرة قولهم (أنا أدرس المادة وحديه)، و(هذي أختيه وأميه)، و(هذا دفتريه) وغير ذلك من المفردات، وهذا الاستعمال يطرد عند كبار السن ومن خالطهم أكثر، ويقل عند من أخذوا بحظ وافر من التعليم، وكنا قبلاً نأخذ هذه الألفاظ على سبيل التملح والدعابة، وكشف لي الغوص في كتب اللغة أن هذا التغير في البنية الصرفية إنما هو إلحاق هاء السكت الساكنة بياء المتكلم المفتوحة، وصرح سيبويه أن إلحاق الهاء الساكنة في الوقف بعد ياء المتكلم المفتوحة لغة «i»، ولم يعز سيبويه ولا غيره من العلماء القدماء هذه الظاهرة إلى قبيلة معينة، وإلحاق هاء السكت متناول علماء اللغة القدامى فهم يقررون لها مواضع في لغة العرب، ومن بين مواضعها أسلوب الندبة نحو «وازيداه»، وفي أسلوب النداء في حالة المنادى المضاف إلى ياء المتكلم المبدلة ألفاً، نحو يا غلاماه، وذلك في حال الوقف.
وبعد ياء المتكلم المتحركة وقبلها متحرك، نحو «هذا غلاميه»، و»جاء من بعديه»، وبعد ياء المتكلم المسبوقة بألف أو ياء ساكنة».
اللهجة الكويتية
هي إحدى لهجات منطقة الخليج العربي تتألف من عدة لهجات وألفاظ تداخلت على أصل اللغة العربية شأن مدن العالم التي تتأثر اللهجات واللغات فيها بالمحيط المجاور، والكويت وبحكم مزاولة سكانها التجارة والسفر والانفتاح على الكثير من الأقطار المجاورة لها مثل الجزيرة العربية وشبه القارة الهندية وبلاد فارس، أصبحت هناك ألفاظ دخيلة ومعربة، ولعل المحقق في هذا المجال يلاحظ اندثار الكثير من كلمات هذه اللهجة وظهور كلمات جديدة مع تعاقب الأجيال المختلفة وهبوب رياح الثقافات المتباينة.
وتمتاز اللهجة الكويتية بفرعين رئيسين هما اللهجة الكويتية الحضرية والبدوية، ويظهر الاختلاف بينهما في لفظ حرف الجيم حيث إنه في اللهجة الحضرية يتم لفظ الجيم على أنه ياء مثل كلمة دجاجة تلفظ على أنها «دياية»، وكلمة رجال «ريال» أما في اللهجة البدوية فالجيم تلفظ جيماً فمثلاً كلمة رجال تلفظ «رجاجيل»، وكلمة دجاجة تلفظ «دجاجات».
ويلفظ حرف القاف في اللهجة الكويتية على أنه «g» أو «كـ»، مثل الجيم المصرية وهنا أسرد بعض الكلمات العامية الكويتية مثالاً لا حصراً:
أبي: أريد، إخرطي وخربوطة: سيء وغير حسن، أشكره: بشكل مباشر، أكو: يوجد، سيده: إلى الأمام، نط: اقفز، إنقز: إقفز، اشقح: اقفز، سكر: اقفل، صك: اقفل، بطل: افتح، حدر: أسفل، حدر: إنزل، حول: أنزل، دقوس: شطة، وهذا متوفر في كل الأكلات الكويتية ولا يستغني أهل الكويت عنه مثله في «المرقة» والزبيدي واللبن، القيظ: فترة الحر الشديد الصيف، صماخ: الرأس، شتبي: ماذا تريد؟، سحتني: البرد الشديد، سكان: عجلة القيادة، يمه: بجانبه، جندل: الحطب المستخدم للسقف، ونسميه في البحرين «دنجل» بتقديم النون وتأخير الجيم، ومن أشهر الكتب الخاصة باللهجة الكويتية «الموسوعة الكويتية المختصرة» لمؤلفها حمد محمد السعيدان، «عتيج الصوف في الكلمات والحروف» لمؤلفه أنس عيسى الشاهين، «مختارات شعبية من اللهجة الكويتية» لمؤلفه أيوب حسين الأيوب، و»موسوعة اللهجة الكويتية» للباحث خالد عبدالقادر عبدالعزيز الرشيد.
اللهجات السعودية
تضم السعودية ضمن حدودها الموطن الأول للغة العربية، ولا توجد في السعودية لغات محلية غيرها إلا أن التنوع في لهجات اللغة العربية في السعودية يفوق ما هو عليه في معظم الدول العربية الأخرى، ويتم تقسيمها عادة على عدة محاور أهمها المحور الجغرافي والقبلي ومحور الحضارة والبداوة، وسنبدأ في المرور على بعض هذه المحاور والتعريف بها.
محور الحضارة والبداوة، ستجد أن اللهجة الكويتية قريبة من الحساوية، أولاً الحاضرة وينقسمون إلى عدة أقسام حاضرة الحجاز، وحاضرة نجد، وتوجد عدة لهجات وأهمها لهجة أهل القرى تميل إلى الفصيحة نوعاً ما، وأهل المدن تكون عامية بشكل قوي، وحاضرة المنطقة الشرقية.
ثانياً بادية نجد «لهجتهم محببة نوعاً ما وغالباً ما يخلط بينها وبين لهجة أهل الحاضرة»، بادية الشمال وهم عدة قبائل منهم شمر والشرارات وآل مرة والقحاطين وغيرهم، بادية الجنوب في المنطقة الجنوبية «حضر وبادية وتهامة».
المحور القبلي: عمد كثير من دارسي لهجات الجزيرة العربية إلى دراسة لهجات القبائل البدوية وتقسيم اللهجات على ذلك الأساس، فعلى سبيل المثال يقسم بعضهم لهجات شمال الجزيرة إلى لهجة عنزية «نسبة إلى عنزة» وأخرى شمرية «نسبة إلى قبيلة شمر» وأخرى لهجة سرحانية «نسبة إلى قبيلة السرحان» وأخرى شرارية «نسبة إلى قبيلة الشرارات»، كما صدرت دراسات حول لهجة قبيلة آل مرة، وكذلك لهجات مطير وحرب وعتيبة وبني خالد وقبيلة العجمان والرشايدة وغيرها.
وهذا التقسيم لا يتم على أساس النسب، وإنما على أساس سكن أفراد القبيلة البدوية في البادية مع بعضهم البعض، ولذلك لا يخضع أهل الحواضر في وسط الجزيرة إلى هذا التقسيم وإن انتموا من حيث النسب إلى بعض هذه القبائل، ويستخدم التصنيف القبلي أيضاً في اللهجات الجنوبية نظراً لسكن كثير من قبائل تلك المنطقة في مساحات واسعة تختص بها وإن لم تكن بدوية، فتوجد لهجة غامد ولهجة زهران ولهجة قحطان ونحو ذلك.
دراسة اللهجات
رغم وجود دراسات حول بعض لهجات السعودية من قبل باحثين محليين، إلا أن غالبية الدراسات حول لهجات الجزيرة العربية تمت على أيدي باحثين غربيين، وركزت معظم هذه الدراسات في غرب الجزيرة وشرقها على لهجات الحاضرة، بينما ركزت الدراسات في وسط الجزيرة وجنوبها على البادية، ولذلك تبقى لهجات البادية في الحجاز واللهجات الجنوبية ولهجة الحاضرة في نجد أقل اللهجات دراسة في الوقت الحالي.
وهنا لنا أن نسوق قائمة بأهم اللهجات مقسمة جغرافياً، وتشمل اللهجة لهجة أهل المدن الصغرى كشقراء وأشيقر وثادق ورغبة والقصب وغيرها.
لهجة قصيمية «بريدة، عنيزة، الرس»، ولهجة حوطة بني تميم: لهجة نجدية بدوية لهجات قبائل عتيبة ومطير والبقوم والدواسر وقبيلة شمر وعنزة وبني خالد وقحطان والعيايدة وغيرها، ولهجة حائل الطائية: لهجات الجنوب وتنقسم إلى 5 لهجات رئيسة بسبب اتساع المنطقة الجنوبية «حضر وبادية وتهامة».
اللهجة الإماراتية
إن اللهجة البدوية هي الأصل الأول الذي تفرعت عنه لهجة أهل الإمارات، وبصورة عامة يمكن القول إن العامية هنا منقسمة إلى ثلاث لهجات كبرى هي لهجة عمان، فالألفاظ هنا تتجاذبها هذه اللهجات الرئيسة، وتتباين في تفصيلاتها تبايناً يكاد يكون طفيفاً طوراً، وتارة أخرى يكون واضحاً.
لهجة البدو
البدو هم أفراد القبائل البدوية التي تعيش في قلب الصحراء، في ليوا وأراضي الختم وجنوب الظفرة، وتمتد إلى الحدود الشرقية المتاخمة للربع الخالي في المملكة العربية السعودية، والمناطق الصحراوية الأخرى في بقية الإمارات.
ولهجة البدو تكاد تكون واحدة لا تختلف في إيقاعها الصوتي أو في معانيها عن ألفاظ البدو في العراق وسوريا والأردن والكويت، ولهجة بدو الإمارات أقرب في النطق والمعنى إلى لهجة السعودية وقطر، وهي في معظمها من صميم وفصيح العربية، بل أكاد أجزم أن بدو الإمارات هم من أفصح العرب مقالاً، وكثيراً ما يحار المرء وهو يطالع ألفاظ عاميتهم حين يجد معظمها في قواميس الفصحى، لقد حمتهم الصحراء من الغزو الفكري الذي تعرض له الحضر في سائر المناطق، فعاشوا في حصن الصحراء المنيع، فحافظوا على سلامة نطقهم، وقديماً قيل «أفصح العرب أبرهم» أي أكثرهم إغراقاً في البداوة والبر.
لهجة الحضر
الحضر هم سكان الساحل الموجودين في المدن والموانئ الساحلية المطلة على الخليج العربي وبحر عمان، ولهجة هؤلاء القوم متشابهة في ألفاظها، امتداداً من البصرة في العراق إلى الكويت وصولاً إلى كافة موانئ الخليج العربي، فقد التقى سكان الساحل في الكثير من تسميات السفن والغوص والسمك، وماله علاقة بعالم البحار، وفيما شاركوا فيه من كفاح مشترك في الحياة.
إن عاميتهم مختلطة اختلاطاً كبيراً باللغات الهندية والأوردية والفارسية والإنجليزية وغيرها، ذلك أن هذه الأرض كانت مسرحاً لعدة أقوام وملل امتزجت دماؤهم بالدم العربي، كما إن المخالطة المعيشية أوجدت بالضرورة مخالطة لغوية، وأدخلت في عاميتهم من الألفاظ الأعجمية ما بدا وكأنه أصيل بمرور الزمن.
اللهجة اللخلخانية
تعرف لهجة أهل عمان باللخلخانية، وتعني العجمة في المنطق أو العجز عن أرداف الكلام بعضه ببعض، هذه اللخلخة نجدها مركزة جداً في لهجة قبيلة «الحراسيس»، وهم بطن من بطون العوامر المنتشرين بكثرة في المنطقة، فلهجة الحراسيس متأثرة بلهجة «الشحر» في حضرموت واليمن الجنوبية الشعبية، حتى أصبح لهم لهجة خاصة، إن لم تكن لغة خاصة بهم، يتفاهمون بها، وهي تختلف كثيراً عن العامية الشائعة في الإمارات.
كما إن قبيلة «الكمازرة»، وهم بطن من بطون «الشحوح»، ويسكنون في منطقة «كمزاري» المواجهة لمضيق هرمز، لهم لهجة خاصة يتفاهمون بها، فإذا تكلموا أسرعوا بالكلام، فلا يكاد المرء يلتقط إلا بعض ألفاظهم إن أطال الإصغاء إليهم، ذلك أن لهجتم فيها قلقلة ظاهرة، هذه اللهجة أثرت كثيراً على لهجة الشحوح في الإمارات، ذلك أن المتمعن في لهجة الشحوح يجدها مليئة بالفصحى، إلا أن أداء الألفاظ والعبارات يرد عندهم كالأداء الفارسي للعربية، كتفخيمهم حرف الألف تفخيماً ظاهراً، وعجزهم عن نطق حرف العين نطقاً فصيحاً، فيقبلونه همزة، وغير ذلك مما تنطق به بعض الحروف العربية في اللغات الأعجمية، إلا أنهم يلفظون حرف القاف لفظاً فصيحاً على خلاف اللهجة الشائعة في الإمارات.
هذه هي القوى الثلاث التي تؤثر في اللهجة العامية لأهل الإمارات العربية المتحدة، ولاشك أن هناك اختلافات في الأداء الصوتي ضمن هذه اللهجات، كما إن مفردات كل لهجة تكاد تشكل معجماً خاصاً يمكن أن تنفرد له دراسة خاصة.
وهكذا بقيت العربية هنا في الإمارات العربية المتحدة، كما في غيرها من أقطار العروبة، على الثنائية اللغوية من قديم جاهليتها إلى الآن، فهناك اللغة الفصحى، وبجانبها اللهجات المحلية التي تختلف عن لهجات بقية الشعوب العربية في أمور وتشترك معها في أمور أخرى، وهذا أمر طبيعي.
نستشف من هذه الجولة أن منطقتنا العربية في دول خليجنا العربي تأثرت كثيراً بالكثير من الحضارات التي جانبتها وعايشتها لفترات طويلة لكنها خرجت لنا بمفردات دالة على الحضارات التي تأثرت بها وكانت الفائدة لنا كشعوب لهذه البقعة من عالمنا العربي الغني باللهجات الجميلة.