2016/03/24

الترادف

الترادف[1][1]

الترادف لغة: التتابع.

الترادف اصطلاحا: دلالة عدد من الكلمات المختلفة على معنى واحد، مثل:

- الجود، والسخاء، والأريحية، والندى، والسماحة، والكرم، والبذل.

- رأيت الشيء، وأبصرته، وعاينته، وشاهدته.

- عام، سنة، حول.

- طبيعة فلان، وخلقه، وسجيته، وسليقته، ونقيبته.

- وجدت فلانا مسرورا، محبورا، فرِحاً، جذِلاً، بلجاً، مستبشراً.

- الحزن، الغم، الغمة، الأسى، والشجن، الترح الوجد، الكآبة، الجزع، الأسف، الللهفة، الحسرة، الجوى، الحرقة، واللوعة.

- خاف الرجل، وفزع، وخشي، ووجل، وفرق، ورهب، وارتاع، وارتعب، وانذعر.

- الرحمة، والرقة، والشفقة، والحٌنو، والحنان، والعطف، والرأفة.

- فلان يشبه فلانا، ويشابهه، ويشاكله، ويشاكهه، ويضاهيه، ويماثله، ويضارعه، ويحاكيه، ويناظره.

- هفوة، وزلة، وسقطة، وعثرة، وكبوة.

الاختلاف حول وجود الترادف في اللغة

اختلف اللغويون قديما وحديثا حول حقيقة وجود الترادف في اللغة بين مثبت ومنكر.

المثبتون للترادف:

سيبويه: وهو من أشهر المثبتين لهذه الظاهرة. بيّن في باب (اللفظ للمعاني): "اعلم أن من كلامهم اختلاف اللفظين لاختلاف المعنيين، واختلاف اللفظين والمعنى واحد، واتفاق اللفظين واختلاف المعنيين ... فاختلاف اللفظين لاختلاف المعنيين هو نحو: جلس وذهب، واختلاف اللفظين والمعنى واحد نحو: ذهب وانطلق، واتفاق اللفظين والمعنى مختلف نحو قولك: وجدت عليه من الموجدة، ووجدت إذا أردت وجدان الضّالة، وأشباه هذا كثير."[2][2] فقوله: "اختلاف اللفظين والمعنى واحد نحو: ذهب وانطلق" ينصرف إلى الترادف.

الأصمعي: ألف فيه كتابا عنوانه: ما اتفق لفظه واختلف معناه. وكان يقول أحفظ للحجر سبعين اسما.

أبو الحسن الرماني الذي ألف كتاب: الألفاظ المترادفة.

ابن خالويه: الذي كان يفتخر بأنه جمع للأسد خمسمائة اسم وللحية مئتين، وأنه يحفظ للسيف خمسين اسما.

وحمزة بن حمزة الأصفهاني:الذي كان يقول إنه جمع من أسماء الدواهي ما يزيد على أربعمائة.

والفيروزآبادي الذي ألف كتابا في الترادف بعنوان: الروض المسلوف فيما له اسمان إلى ألوف.

والتهانوي الذي يقول: والحق وقوعه (أي الترادف) بدليل الاستقراء، نحو أسد وليث.

ومعظم المحدثين من اللغويين العرب يعترف بوقوع الترادف في اللغة، من هؤلاء:

علي الجارم الذي يقول: إن الترادف موجود ولا سبيل إلى إنكاره، ولكن لا يجوز المبالغة فيه بإدخال الصفات مرادفة للأسماء.

إبراهيم أنيس الذي يقول إنّ علماء اللغات يجمعون على إمكان وقوع الترادف في أي لغة من لغات البشر، والذين أنكروا الترادف من القدماء كانوا من الأدباء النقاد الذين يستشفون أمورا سحرية ويتخيلون في معانيها أشياء لا يراها غيرهم وفي هذا من المبالغة والمغالاة ما يأباه اللغوي الحديث في بحث الترادف.

حجج المثبتين: يحتج بعضهم لإثبات الترادف بما يلي:

(1) لو كان لكل لفظةٍ معنى غيرُ معنى الأخرى لما أمكنَ أن نعبِّر عن شيء بغير عبارته، وذلك أنا نقول في ‏"‏لا ريب فيه":‏ "لا شكَّ فيه" وأهل اللغة إذا أرادو أن يفسروا (اللب) قالوا هو "العقل." و(الجرح) هو "الكسْب،"فلو كان الريبُ غيرَ الشك والعقل غير اللب لكانت العبارةُ عن معنى الريب بالشك خطأ، فلما عُبِّرَ بهذا عن هذا عُلم أن المعنى واحد‏.‏

 (2) إنّ المتكلم يأتي بالاسمين المختلفين للمعنى الواحد في مكان واحد تأكيداً ومبالغةً كقوله‏:‏ وهند أتى من دونها النَّأْي والبعد قالوا‏:‏ فالنَّأْيُ هو البعد‏.‏

(3) الترادف لا يعني التشابه التام إنما أن يُقام لفظ مقام لفظٍ لمعانٍ متقاربة يجمعُها معنًى واحد كما يقال‏:‏ أصلحَ الفاسد ولمّ الشّعث ورتَقَ الفَتْق وشَعَبَ الصَّدع‏.‏

(4) وقال الطاهر ابن عاشور إذا أصبحت عدد من المفردات تدل على شيء واحد فهي من االترادف ولا يهمنا ما إذا كانت في الماضي تدل عليه أو على صفة فيه، مثل الحسام والهندي التي أصبحت الآن تدل على السيف ولا يلحظ معنى القطع أو الأصل الهندي فيها.

المنكرون للترادف: لقد أنكر الترادف فئة من العلماء قديما وحديثا من العرب ومن غيرهم:

ثعلب الذي كان يقول: لا يجوز أن يختلف اللفظ والمعنى واحد.

ابن درستويه: لا يكون فعَل وأفْعَل بمعنى واحد كما لم يكونا على بناء واحد إلا أن يجيء ذلك في لغتين مختلفتين فأما من لغة واحدة فمحال أن يختلف اللفظان والمعنى واحد كما يظن كثير من اللغويين والنحويين، وإنما سمعو العرب تتكلم على طباعها ولم يعرف السامعون العلل والفروق فظنوا أن هذه الألفاظ بمعنى واحد فأخطؤوا في فهم ذلك، وليس يجيء شيء من هذا الباب إلا على لغتين متباينتين.

ابن فارس: الذي يقول فِي هَذَا: إن الاسم واحد وهو "السيف" وَمَا بعده من الألقاب صفات، ومذهبنا أن كل صفة منها معناها غير معنى الأخرى.

أبو علي الفارسي: الذي رد على ابن خالويه، عندما افتخر بأنه يحفظ للسيف خمسين اسما، قائلا لا أعرف له إلا اسما واحدا هو السيف وأما الباقي فصفات.

أبو هلال العسكري: إن كل اسمين يجريان على معنى من المعاني في لغة واحدة يقتضي كل واحد منهما خلاف ما يقتضيه الآخر، وإلا كان الثاني فضلة لا يحتاج إليه. وقد ألف كتاب الفروق اللغوية لنقض فكرة الترادف وإبراز الاختلاف بين هذه الكلمات.

البيضاوي الذي جزم في المنهاج أن الترادفَ على خِلاف الأصْل والأصلُ هو التباينُ.

حجج المنكرين للترادف:

(1) يقول ثعلب: لا يجوز أن يختلف اللفظ والمعنى واحد لأنّ في كل لفظة زيادة معنى ليس في الأخرى، ففي ذهب معنى ليس في مضى. ويبين أبو هلال العسكري الفروق بين معاني الكلمات التي قيل فيها الترادف، فيقول:

- الفرق بين الحلم والرؤيا: كلاهما ما يراه الانسان في المنام لكن غلبت الرؤيا على ما يراه من الخير، والشئ الحسن، والحلم: ما يراه من الشر والشئ القبيح.

- الفرق بين الحماية والحفظ: أن الحماية تكون لما لا يمكن إحرازه وحصره مثل الأرض والبلد، تقول: هو يحمي البلد والأرض، والحفظ يكون لما يُحرز ويُحصر وتقول هو يحفظ دراهمه ومتاعه.

- الفرق بين الحمد والمدح: أن الحمد لا يكون إلا على إحسان، والمدح يكون بالفعل والصفة وذلك مثل أن يمدح الرجل باحسانه إلى غيره وأن يمدحه بحسن وجهه وطول قامته ولا يجوز أن يحمده على ذلك وإنما يحمده على إحسان يقع منه فقط.

- الفرق بين الخجل والحياء: الخجل مما كان والحياء مما يكون.

- الفرق بين الخشوع والتواضع: التواضع يعتبر بالاخلاق والأفعال الظاهرة والباطنة. والخشوع: يقال باعتبار الجوارح.

- الفرق بين القسم والحلف: أن القسم أبلغ من الحلف.

- الفرق بين الغضب والسخط: أن الغضب يكون من الصغير على الكبير ومن الكبير على الصغير، والسخط لا يكون إلا من الكبير على الصغير.

(2) يقول أبو هلال العسكري: الشاهد على أن اختلاف الأسماء يوجب اختلاف المعاني أن الاسم يدل كالإشارة، فإذا أُشير إلى الشيء مرة واحدة فعُرف فالإشارة إليه ثانية وثالثة غير مفيدة، وواضع اللغة حكيم لا يأتي فيها بما لا يفيد.

يبدو أن الاختلاف عائد إلى معنى الترادف. هل يعني التشابه التام في كل الأحوال أم هل يعني التشابه النسبي الذي يمكن فيه أن تستعمل لفظة مكان أخرى. إذا كان الأول فالتشابه مستحيل بين كلمتين بل إن بعض علماء اللغة يستبعد أن تشبه الكلمة نفسها في موضعين مختلفين؛ أما إذا قبلنا بالتعريف الثاني فإننا لن نعدم عددا من الألفاظ التي يمكن أن تحل محل أخرى في سياقات معينة، فنعدها من الترادف.



أسباب الترادف

1- فقدان الوصفية: بعض الألفاظ كانت تدل في الماضي على أوصاف محددة لاعتبارات معينة غير أنه مع مرور الزمن تُوسع في استعمالها ففقدت الوصفية واقتربت من الاسمية واكتفي بالصفة عن الموصوف، وأصبح هذا الوصف اسما، فمثل:

- المُدام: كانت صفة للخمر تعني "الذي أُديم في الدن"وهي الآن تُطلق على أنها اسم من أسماء الخمر.

- السيف: له اسم واحد هو السيف، وله أكثر من خمسين صفة لكل صفة دلالتها المميزة كالمهند "مصنوع في الهند" ومثلة اليماني "مصنوع في اليمن" والمشرفي "معمول في مشرف." والحسام لحدته وسرعة قطعه.

2- اختلاط اللهجات العربية: العربية لغة ذات لهجات متعددة تختلف في أسماء بعض الأشياء، فالشئ الواحد قد يسمى عند قبيلة بلفظ وعند أخرى بلفظ آخر، وبسبب اختلاط العرب في حروبهم ومعاشهم وأسواقهم فقد تطغى بعض الألفاظ على بعض، واشتهرت الكلمات التي تعتبر أسهل أو أفضل من غيرها فاجتمع للأنسان الواحد أكثر من لفظة للشئ الواحد، من ذلك مثلا:

- السكين يدعوها بذلك أهل مكة وغيرهم وعند بعض الأزد يسميها المدية.

- القمح لغة شامية، والحنظة لغة كوفية، وقيل البر لغة حجازية.

- الإناء من فخار عند أهل مكة يدعى بُرمة وعند أهل البصرة يسمى قدرا.

- البيت فو ق البيت يسمى عِلّية عند أهل مكة، وأهل البصرة يسمونه غرفة.

- الحقل "المكان الطيب يُزرع فيه" وهو الذي يسميه أهل العراق القَراح.

- المضاربة عند أهل الحجاز تسمى مقارضة.

- الجرين عند أهل نجد "المكان الذي يجفف فيه التمر والثمر" يسميه أهل المدينة المِربَد.

- المتقاضي المتجازي "من يستوفي الديون" يدعى في المدينة المتجازي.

3- الاقترض من اللغات الأعجمية: اختلاط العرب بغيرهم من الأمم الأعجمية من فرس وروم وأحباش أدى إلى دخول عدد من الكلمات الأعجمية في العربية، بعضها كثر استعماله حتى غلب على نظيرة العربي، من ذلك:

                             

أعجمي
عربي
أعجمي
عربي
النَّرجس
العَبْهر
الأُتْرُجّ
المُتْك
الرَّصاص
الصَّرَفان
التُّوت
الفِرصاد
الخِيار
القَثْد
الياسمين
السَّمْسَق
الهاون
المِنحاز
المِيزاب
المِثْعب
المِسك
المشموم
اللُّوبياء
الدَّجَر



4- المجاز: المجازات المنسية تعتبر سببا مهما من أسباب حدوث الترادف؛ لأنها تصبح مفردات أخرى بجانب المفردات الأصلية في حقبة من تاريخ اللغة، من ذلك:

- تسمية العسل بالماذية (تشبيها بالشراب السلس الممزوج) والسلاف (تشبيها بالخمر)  والثواب (الثواب النحل وأطلق على العسل بتسمية الشيء باسم صانعه)، والصهباء (تشبيها بالخمر) والنحل"العسل" (سمي العسل نحلا باسم صانعه).

- تسمية اللغة لسانا لأن اللسان آلة اللغة.

- تسمية الجاسوس عينا لعلاقة الجزئية.

- تسمية الرقيق رقبة لعلاقة الجزئية.                          

5- التساهل في الاستعمال : التساهل في استعمال الكلمة وعدم مراعاة دلالتها الصحيحة يؤدي إلى تداخلها مع بعض الألفاظ في حقلها الدلالي:

- المائدة: في الأصل لايقال لها مائدة حتى يكون عليها طعام وإلا فهي خوان.

- الكأس: إذا كان فيها شراب وإلا فهي قدح.

- الكوز: إذا كان له عروة وإلا فهو كوب.

- الثرى إذا كان نديا وإلا فهو تراب.

6- التغيير الصوتي : التغييرات الصوتية التي تحدث للكلمات تخلق منها صورا مختلفة تؤدي المعنى نفسه. وهذه التغييرات قد تكون بسبب:

* إبدال حرف بحرف مثل: حثالة وحفالة؛ ثوم وفوم؛ هتنت السماء وهتلت، حلك الغراب وحنك الغراب.

* قلب لغوي بتقديم حرف على آخر، مثل: صاعقة وصاقعة؛ عاث وثعا؛ طريق طَامِس وطَاسِم.





















[1][1]  اعتمدنا على المراجع التالية: المزهر للسيوطي؛ الصاحبي في فقه اللغة لابن فارس؛ الفروق اللغوية لأبي هلال العسكري؛ الفروق اللغوية لمحمد الشايع؛ علم الدلالة لأحمد الكراعين؛ فقه اللغة للنادري؛ علم الدلالة لأحمد مختار عمر.


[2][2]  الكتاب، سيبويه، 1/24، بيروت1991.

ليست هناك تعليقات: