2016/03/26

التعدّد اللغّويّ والازدواجيّة والثنائيّة اللغويّة

   
1- الأحاديّة اللغويّة التعدّد اللغّويّ  :
   تكون المجموعات اللّغويّة إمّا  أحاديّة اللّغة وإمّا متعدّدة اللّغات:  
- تكون المجموعة اللّغويّة أحاديّة اللّغة إذا كان كلّ أفرادها يشتركون في لغة واحدة ولا يتعامل جزء منهم بلغة غيرها. ويبدو أنّ حال القبائل العربيّة كانت على هذا النّحو في الغالب ، لقلّة اختلاطها بالأمم الأخرى.
- أمّا إذا كانت متعدّدة اللّغات فإنّها تشترك في أكثر من لغة أو أنّ لجزء منها لغة ثانية. وينقسم التّعدّد اللّغويّ إلى أصناف حسب عدد اللّغات وكذلك حسب طبيعتها. إذا كان عدد اللّغات المستعملة (أو المفهومة، إذ أنّ الازدواجيّة اللّغويّة -أو التّعدّد اللّغويّ- يعرّفان بتعدّد وسائل التّخاطب أو التّفاهم) لا يتجاوز الاثنين توضع المجموعة في خانة الازدواجيّة (bilingualism) وتكون متعدّدة اللّغات إذا تجاوز عددها الاثنين.
   وهكذا يعرّف تعدّد اللّغات (multilingualism) أو التعدّديّة اللّغويّة (plurilinguism)باعتبارهما خاصيّة توصف بها البلدان والمجموعات اللّغويّة وحتّى الأشخاص الذين يعتمدون لغات متعدّدة في عمليّة التّواصل.      ويأتي التماسّ والتواصل (تجارة كان أو حروبا أو احتلالا)  والاكتساب اللّغويّ  بوساطة التّعليم في المرتبة الأولى من أسباب التّعدّد اللّغويّ. ويعتبر تعدد اللّغات ضمن الكفايات التّواصليّة الضّروريّة في مجتمعات متعدّدة الثّقافات.
2-الازدواجيّة والثّنائيّة:
   لقد ميّز فرجيسون (1959, Fergusson) في مستوى الازدواجيّة بين استعمال لغتين مختلفتين (كالعربيّة والإنجليزيّة، مثلا) أو استعمال لغة إلى جانب لهجة من لهجات تلك اللّغة ، مستشهدا بوضع  أغلب الدّول العربيّة في الفترة المعاصرة .ووسم ذلك الوضع بالثّنائيّة اللّغويّة (Diglossie). وقد حلّل التّعدّد اللّغويّ في بعض البلدان العربيّة باعتباره ازدواجيّة لغويّة (عربيّة و إسبانيّة ،أو عربيّة وفرنسيّة، أو عربية وأمازيغيّة، كالمغرب الأقصى، مثلا) إلى جانب ثنائيّة لغويّة (عربيّة وعاميّة، مثلا).
3- الازدواجيّة اللغويّة :
   تُعدّ الكفاية اللغويّة الإضافيّة والقدرة على  التّواصل بلغات أخرى اليوم في محيط ثقافيّ معولم ومتعدّد الثّقافات مكسبا مهمّا . لكن من المعلوم منذ زمن الجاحظ أنّ اكتساب ملكتين لغويّتين متوازيتين أمر بعيد المنال. يقول الجاحظ  في ذلك : «ومتى وجدناه أيضا قد تكلّم بلسانين، علمنا أنّه قد أدخل الضّيم عليهما؛ لأنّ كلّ واحدة من اللّغتين تجذب الأخرى وتأخذ منها، وتعترض عليها، وكيف يكون تمكُّن اللّسان منهما مجتمعين فيه، كتمكّنه إذا انفرد بالواحدة، وإنّما له قوّة واحدة، فإن تكلّم بلغة واحدة استفرغت تلك القوّة عليهما…» ( الجاحظ، كتاب الحيوان، تحقيق :  محمّد عبد السّلام هارون، دار الجيل، بيروت 1955، ج1، ص 75). بل إنّ تعريف الازدواجيّة اللّغويّة في معناها الدّقيق يجعل مثل هذه الحالة شبه منعدمة، إذ لا يُعتبر مزدوجا (أو متعدّد اللّغات) إلاّ من كانت لديه كفاية في لغتين توازي كفاية متكلّم لغة الأمومة. وهذا لا يتوفّر إلاّ في حال اكتساب الطّفل اللّغتين متزامنتين (فما بالك إذا كانتا متعاقبتين أو إنّه قد اكتسب إحداهما بالتعلّم). ويُطلَق على مثل تلك الحالة النّادرة صفة «متساوي اللّغتين»  (Equilingual). بيد أنّه، حتّى في مثل تلك الحالات النّادرة، لا يكون التّوازي بينهما مضمونا لأنّ المستعمل قد يفضّل التّخاطب بإحدى اللّغتين لأسباب نفسيّة أو اجتماعيّة. ومن ثمّة ، فقد جرت العادة بين المتخصّصين بأن يُستعمل مصطلحا التّعدّد اللّغويّ والازدواجيّة بمعناهما الفضفاض
   وقد يدخل المزدوج  اللّغة (أو متعدّدها)  ضيما على لغته الأصليّة لمجرّد اختلاطها بلغات أخرى، كما نبّه على ذلك ابن خلدون في «المقدّمة»: « وكذا المشرق لمّا غلب العرب على أممه من فرس والترك فخالطوهم وتداولت بينهم لغاتهم في الأكرة والفلاّحين والسّبي الذين اتّخذوا خولاً ودايات وأظآرا ومراضع ففسدت لغتهم بفساد الملكة حتّى انقلبت لغة أخرى.» ويكون ذلك أيضا - كما هو الشّأن في عصرنا هذا  - إذا ما رأى العربيّ في لغته لغة مغلوبة وطفق يرطن بلغة الغالب لافتراضه أنّ لغته تفتقر إلى المصطلحات والمفاهيم التّي يسهل عليه التّلفّظ بها في لغة الغالب فيسهم في إفقار لغته عوض إغنائها. بل إنّ إدخاله ،على نحو متواتر  مطّرد  ، ألفاظا  في لغته الأمّ  ليوقعه في ما يسمّيه علماء اللّغة خلط الشّفرة (Code mixing) .وهو غير «تبديل الشّفرة» (Code switching) المتعارف عليه، إذ إنّ مصطلح «تبديل الشّفرة» يشير إلى التّحدّث بلغة مّا ثمّ الانتقال إلى الحديث بلغة أخرى (سواء في عمليّة التّرجمة أو عند التوجّه إلى مخاطبين متعدّدي اللّغات)، منضبطا في كلّ مرّة  للقواعد  النّحويّة لكلّ منهما. أمّا خلط الشّفرة فإنّه يشير إلى التلفّظ بكلمة أو بعبارة أو بجملة من اللّغة (ب) ضمن خطاب في اللّغة (أ). وقد يفضي هذا الخلط في حال تطوّره وتعميمه إلى خلق لغة هجينة، رثّة غير منمّطة وغير مستقرّة  ، يصعب تعلّمها وتعليمها (لأنّها تأخذ من أكثر من لغة  على نحو غير منتظم). وهذا ما حدث لبعض لغات الشّمال الإفريقيّ، إذ نجمت عن خلط الشّفرة  المتولّد عن الازدواجيّة الوحشيّة مشكلات نفسيّة واجتماعيّة جعلت المستشرق الفرنسيّ غرانغيوم (Grandguillaume) يصرّح بأن "خلط الشّفرة جعل من الجزائر بلدا لا لغة له ".

ليست هناك تعليقات: