2016/03/12

آفاق الدرس اللغوي في العربية




صدر عن دار عالم الكتب الحديث في الأردن، كتابٌ بعنوان "آفاق الدرس اللغويّ في العربيّة؛ المبنى والمعنى"، للدكتورة سهى فتحي نعجة، الأستاذة المشاركة في النحو والصرف والمعجميّات في الجامعة الأردنية.
يتطلّعُ الكتاب إلى ترسيخ خطابٍ لغويّ حداثيّ يأخذ بالمواضعات التي ما تزالُ مقبولةً علميّا من المنوال الموروث للبحث اللسانيّ في العربيّة: بنية ومعنى وتركيبا. كما يأخذُ بما استقرَّ عليه البحث اللسانيّ الحديث في الظاهرة اللغويّة الطبيعيّة، فيعالجُ جوانب مهمّةً منها، انطلاقا من إشكاليّتين تمثّلان
أنموذجين دالّين على بنية الظاهرة اللغويّة: أولاهما إشكاليّة التعريب التي تمثّل بحثا في البنية العميقة للكفاية اللغويّة في ضوء التطوّر الحضاريّ، وثانيهما إشكاليّة تعليم العربيّة، ولا سيّما النحو الذي يمثّل البنية السطحيّة التواصليّة للظاهرة اللغويّة. وبين البنيتين إضاءات علميّة على جوانب من علاقة الصوت بالدلالة والمعنى، ومنهجيّة المعجم العربيّ.
جاء الكتاب في أربعة أبواب؛ عالجَ البابُ الأوّل إشكاليّةَ التعريب في ضوء إمكانيّة العربيّة وهُويّة الأمّة؛ فبيّن في الفصل الأوّل منه قدرة العربيّة على التعريب باحتواء الألفاظ الأعجميّة ضمن الإمكانية التوليديّة لها، فالتوليد الرياضيّ للبنى المجرّدة وفروعها المزيدة كفيلٌ باحتواء كُتلة اللفظ الأعجميّ ضمن مواضعات علم الصرف على مستوى البنية، وقيود علم النحو على مستوى التركيب، فيكون التعريب إحياءً للخانات الفارغة التي تدبُّ فيها الحياة عند اقترانها بالمعاني. لكنَّ هذا التوليد مشروط، كما بيّنَ الفصلُ الثاني بالحفاظ على هُويّة اللغة العربيّة حتى لا يستسهل بعضُ أبناء العربيّة التوليد الرياضيّ من كُتلة اللفظ الأعجميّ؛ فهُويّة العربيّة، وأمْنُها اللغويّ مُقدَّمان على استسهال التوليد الرياضيّ للألفاظ المعرَّبة، كما ظهرَ في الدراسة التطبيقيّة الملحقة بهذا الفصل على بعض الكلمات المعرَّبة في منطوق الشارع الأردنيّ؛ لأنَّ الظاهرة اللغويّة محكومة بضوابط غير لغويّة أحيانا.
وعالج البابُ الثاني تعالُقَ الصوتِ والدلالة في فصلين، سعى الفصل الأوّل منهما إلى استعادة الصورة التاريخيّة للصيرورة المقعَّدة المقنَّنة من البنية اللغويّة الصوتيّة، بطرح فكرة الحُزَم الصوتيّة التي تتآخى لتشكيل صورٍ صوتيّة متعدّدة متطوّرة لدواعٍ مختلفة عن بؤرة صوتيّة تاريخيّة أولى تتمثّل في صوتٍ واحدٍ، تُزَمُّ إليه أصواتٌ أخرى بالتآخي الصوتيّ الدلاليّ العام، مع الحفاظ على الكينونة الخاصّة للبنية الجديدة؛ لأنَّ التقنين الصرفيّ المعجميّ للأبنية المجرّدة في العربيّة منوالٌ تعليميّ، وليسَ تفسيراً تاريخيّاً.
لهذا جاء الفصلُ الثاني دراسة تحليليّة للبنية الخماسيّة بين التصوّر والتمثّل، فأكَّدَ أن البنية الخماسية المجرّدة بنية طارئة على المنظومة الاشتقاقية للصرف العربي، كما أكد إمكانية ردِّ غالبيّتها إلى بُنى أصغر منها، رُباعيّة وثلاثيّة، استجابة لناموس الاقتصاد اللغويّ.
وعالج البابُ الثالث بعضَ الوجوه المنهجيّة للمعجم العربيّ، فبيَّنَ الفصلُ الأوّل منه وجودَ اضطرابٍ في منهجيّة بناء المعجم العربيّ بين التصوّر النظريّ والتمثُّلات التطبيقيّة، بسبب عدم التوازن بين المتطلبات النظريّة المنهجيّة للعمل المعجميّ، والمتطلبات الثقافيّة الحضاريّة في الحرص على جمع ألفاظ العربيّة في معجمٍ شافٍ كافٍ؛ فظهر الاضطرابُ أحيانا في التحليل والتبويب والترتيب والتفسير، حتى غدا المعجم العربيّ متحفا لغويّا تاريخيّا لما كان، لا لما هو كائن بالفعل عبر عصور العربيّة؛ تعيشُ فيه الدّوال محنّطة أحيانا من غير مراعاة لتطوّرها؛ صعودا أو هبوطا، ومن غير شهادة ميلادٍ أو وفاةٍ تحدّد مَوْقف المجتمع منها، ومن غير هُويّة دقيقة تفصح عن انتمائها الزّمانيّ أو الجغرافيّ العامّ والخاصّ. وقد أكَّدَ الفصل الثاني من هذا الباب أنَّ معجم ألفاظ الحياة العامّة في الأردن الذي أشرف على بنائه وإنجازه مجمعُ اللغة العربيّة الأردنيّ انطلق من تصوّرٍ معجميّ لسانيّ حديثٍ صحيح، لكنَّ التطبيقَ شابه بعض ما شاب المعاجم القديمة من اضطرابٍ.
ورسم الفصل الثالث صورة زاهية لشخصيّة معجميّة حديثة لا تكاد تختلف عن الشخصيّات المعجميّة المعروفة في تراثنا القديم، هي شخصية العلامة الأردني روكس بن زائد العُزيزيّ في كتابه "قاموس العادات واللهجات والأوابد الأردنيّة". فقد أحسنَ السماعَ والتدوين والتوثيق مع دُربةٍ علميّة لغويّة أهّلته لإعداد قاموسٍ لهجيّ يرصد اللهجة الأردنيّة رصدا وصفيّا، مع ملاحظ علميّة في التفسير والتعليل.
وعالج الباب الرابع إشكاليّة النحو التعليميّ في فصلين؛ أوّلهما خاصّ بالمثال النحويّ في النحو التعليميّ؛ لأنَّ المثال أداة ورسالة، فهو مضمون معرفيّ على قَدِّ القاعدة النحويّة؛ لهذا ينبغي أن يكون مضمونا إيجابيّا في القيمة المعرفيّة المجتمعيّة التي يحملها، بعيدا عن قِيَم العنف في القتل والضرب والسرقة، قريباً إلى قِيَم الحوار والاحترام والتسامح والمعطيات الحضاريّة الإيجابيّة في العصر الحديث. وأمّا الفصل الثاني فقد جاء معالجة نحويّة صوتيّة لمشكلة إعرابيّة تتباين فيها النظرة بين القدماء وبعضِ المحدثين، وهي مشكلة التعذّر الإعرابيّ، فليسَ في العربيّة تعذّر إعرابيّ على وفق الحقيقة الصوتيّة للألف في العربيّة، وإن مالَ القدماءُ إلى القول بالتعذّر استجابة لطبيعة كتابة الألف، ولقياسها على الحروف الصحيحة في العربيّة.



ليست هناك تعليقات: