2014/12/29

تاريخ النايب في القرية النجدية

تاريخ النايب في القرية النجدية :
(قْنَيّ) لقب عرف به عبدالكريم بن عثمان العبيد (12711359ه) الذي كان يقوم بوظيفة (النايب) في بريدة قاعدة القصيم، هذه الوظيفة التي كانت سائدة في بلدان نجد فالنايب يقوم مقام المحتسب الذي يتولى الحسبة وهي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
وقد يكون في البلد نايباً
واحداً أو عدداً من النواب تتركز مهامهم في منع الإخلال بأمور الدين أو بالآداب العامة وتمتد إلى حفظ الأمن وقمع المفسدين فهم ينكرون المنكر أكثر من أمرهم بالمعروف لأن الأمر بالمعروف يتولاه الأمراء والقضاة، قال العبودي ص13:"وعهدنا أن النايب يستعمل عصاه في أكثر الأحيان وأنه لم يكن يحمل عصاه لمجرد الدفاع عن نفسه،بل للدفاع عن المصلحة العامة" .

وللنايب صلاحيات منحها له المجتمع تحت مظلة الحاكم وتوجيهاته وفي نطاق مراقبة القاضي الشرعي فإذا رأى النايب أن الأمر خارج عن سيطرته رفعه إلى الأمير الذي يحيله بدوره إلى القاضي فيطبق عليه الأحكام والعقوبات كما جاءت في القرآن والسنة .
ولأن النايب كان يتحمل الدور الأكبر في الضبط الاجتماعي والالتزام الأخلاقي حيث لم تكن توجد شرطة ولا دوائر أمن أو تحقيق ولا إدارة للادعاء العام، فقد كان يتم اختياره من أهل البلد بعناية تامة ومواصفات خاصة كنزعة التدين وسعة الاطلاع والمعرفة وقوة الشخصية ودقة الملاحظة وحسن التصرف.
قال العبودي ص25:" والنايب مثله مثل القاضي والأمير لم يكن له راتب شهري نقدي محدد وإنما تكون (بروة) وهي مقدار من التمر والعيش الذي هو القمح وهما عماد طعامهم فإذا حلَّ وقت صرام النخل أخذ بروته من التمر من بيت المال أي من الأمير وإذا كان وقت حصاد الزرع أخذ بروته من الحَب وهو القمح "
من هنا كان لابد للنايب من دخل حقيقي يعينه على المعيشة فمن النواب من يعمل في التجارة ومنهم من يعمل في الفلاحة ومنهم من يعمل في حرفته التي يتكسب منها .
هذا الأمر السائد في قرى نجد قديماً قبل عهد الملك عبدالعزيز فلما جاء الملك عبدالعزيز تأكد الاهتمام بالنايب ومهامه الدينية والاجتماعية حيث جاء في رسالة الملك إلى قني في سنة 1326ه :"...ومن خصوص شرهتكم فوجهها لكم ومحفوظ لكم، ولا حاجة نوصيكم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا تأخذكم بالله لومة لائم ،والذي يشكل لكم في أمر معصية ولم تقدروا عليه أنهوا أمره إلى أحمد السديري..." وكان السديري أميراً للقصيم.
وأخيراً ...فبقدر ما حفظ الشيخ العبودي في هذا الكتاب تاريخ قني صاحب الشخصية المميزة وجهوده في الضبط الاجتماعي وما يتمتع به من قيافة وفراسة ودهاء وشجاعة كنموذج للنايب في القرية النجدية بقدر ما أرّخ بصورة غير مسبوقة لهذه الوظيفة الدينية/ الاجتماعية في بلادنا والتي هي النواة الأصلية لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في وقتنا الحالي، فإذا كان المدى الزمني بين رسالة الملك عبدالعزيز إلى قني وبين يومنا هذا يتجاوز المئة سنة أفلا يكون هذا مقنعاً على أهمية دور الحسبة في تاريخنا الوطني؟! هنا لا بد من التأكيد على تطور آلية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وانتقاله من العمل الفردي القائم على اجتهادات النواب غير المتفرغين إلى العمل المؤسسي كجهاز منظم ومدعوم تعتمد عليه الدولة في الضبط الاجتماعي تحت رعاية ومتابعة قادة هذه البلاد جميعاً ابتداءً من عهد الملك المؤسس طيب الله ثراه إلى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز حفظه الله .

إشارة :

في مقالة الأسبوع قبل الماضي (من صور المطوع في الشعر الشعبي) حدث خطأ غير مقصود، حيث تم نسبة البيتين اللذين مطلعهما:(مطوّع نفي وافق مطوع هل العين) إلى الشاعر عبدالله بن سبيل وهذا غير صحيح فالبيتان للشاعر حجرف البواردي ،شاكراً الدكتور ناصر بن سعد الرشيد والشاعر محمد أبونيان اللذين نبهاني إلى هذا الخطأ ومعتذراً من القراء الكرام عن كل ما يجدونه في ثنايا المقالات من أخطاء غير مقصودة .


قاسم الرويس

ليست هناك تعليقات: