2015/01/21

الإسبرانتو أوسع اللغات الاصطناعية انتشارا*

تجاوزت اللغة الاصطناعية المعروفة باسم الإسبرانتو Esperanto المائة من عمرها ، إذ أنشأها دكتور لودفيج زامنهوف في عام 1887م . وقبل أن نتطرق إلى التعريف بهذه اللغة ، وإلى إلقاء نظرة حول ما آلت إليه ، ينبغي أولاً أن نحدد المقصود باللغة الاصطناعية ، وأن نفرق بينها وبين اللغة الطبيعية من جهة ، وبينها وبين اللغة المُيسَّـرة من جهة أخرى.
واللغة الطبيعية ، مثل العربية أو الإنجليزية أو الفرنسية أو الألمانية ، لغة نشأت وتطورت بشكل طبيعي([1]). وتتحدث بها جماعة من البشر ، قل عددها أو كثر ، بصورة طبيعية أو تلقائية.

أما اللغة الميسرة فهي أحد أشكال اللغات الطبيعية ، ولكنها لغة تستخدم عدداً محدوداً من المفردات والتراكيب بقصد تيسير تعلمها واستعمالها من قِبَل غير أهلها ، ومثال ذلك اللغة العربية المبسطة التي يتم تدريسها للمبتدئين من غير الناطقين بالعربية ، ومثلها أيضاً اللغة الإنجليزية الأساسية Basic English([2]).
كما ينبغي أيضاً أن نفرق بين اللغة الطبيعية ، وبين لغات الحاسب الآلي مثل البيسيك والكوبول والفورتران وغيرها ، "ولغة الرياضيات" ، والمنطق الرمزي([3]) ، ونظم الاتصـال التي تستخدمها الأنواع الأخرى من الأحياء ، وأيضاً اللغات الاصطناعية. ويمكننا تعريف اللغة الاصطناعية بأنها لغة غير طبيعية أنشأها عالِم أو جمعية لتكون لغة سهلة تصلح أن تكون عالمية. واللغة الاصطناعية بطبيعة الحال ليست لغة شعب من الشعوب ، وهي بذلك تختلف عن اللغة الطبيعية التي هي لغة شعب ما.
اللغات الاصطناعية : نظرة عامة
ولنلق نظرة عامة على اللغات الاصطناعية ، قبل الانتقال إلى إلقاء نظرة تفصيلية بعض الشيء على لغة الإسبرانتو التي دخلت قرنها الثاني منذ ثمانية عشر عاما كما سبق أن أشرنا. فاللغات الاصطناعية هي لغات أنشأها أو ابتكرها الإنسان بهدف تحسين الاتصال بين الدول. وتتكون اللغات الاصطناعية عادة من عناصر نحوية ولفظية مأخوذة من مجموعة من اللغات الطبيعية. غير أن معظم اللغات الاصطناعية لم يحظ بحياة حقيقية خارج عقول مبتكريها وعدد صغير من أتباعهم. وتقوم اختيارات المبتكر على عاداته الكلامية ، وعلى معرفته – سواء أكانت دقيقة أم غير دقيقة – بلغات أخرى ، وفهمه أو سوء فهمه لكيفية عمل هذه اللغات. وليس من قبيل المصادفة أن معظم محصول المائة سنة الأخيرة من اللغات الاصطناعية ، ومن بينها الإسبرانتو ، يمكن تصنيفها بحسبانها لغات أوروبية في جوانبها الدلالية والنحوية والصوتية ، بحيث لو قام متخصصون في علم اللغة بإجراء بحث على لغة الإسبرانتو مثلاً ، وكانوا على جهل بأصلها ، فإنهم في الغالب سيصنفونها بوصفها من الأشكال الشاذة عن المألوف للغات الرومانسية([4]).
الإسبرانتو استثناء من القاعدة

وكما أسلفنا القول ، فإن معظم اللغات الاصطناعية لم تخرج عن نطاق عقول مبتكريها، إلا أن لغة الإسبرانتو تشكل استثناء ، فلقد كانت هناك مجلات وكتب كثيرة كُتبت بلغة الإسبرانتو. كما يوجد عدة مئات من البشر في جميع أنحاء العالم يقرأونها ويكتبونها ويتحدثون بها إلى حد ما. وقد أنشأ الإسبرانتو رجل أطلق على نفسه اسم (دكتور إسبرانتو) ، وهو اسم يأتي من كلمة إسبانية معناها "الأمل". وكان الاسم الحقيقي لدكتور إسبرانتو هو دكتور لودفيج زامنهوف. وكان زامنهوف طبيباً وعالماً بولندياً ، وكان يأمل أن يتم تدريس لغته الجديدة في المدارس في جميع أنحاء العالم ، حتى يمكن لأول مرة في التاريخ أن يتحدث كل الناس بلغة مشتركة. وكان زامنهوف يعتقد أنه لو تكلم كل الناس في العالم اللغة نفسها ، فإننا سوف نفهم بعضنا البعض بصورة أفضل ، ولن نتورط في كل هذه الحروب.
الإسبرانتو ليست أول لغة اصطناعية
وفكرة اللغة العالمية أو الدولية هذه ، لم تكن جديدة. فقد سبقت الإسبرانتو لغات اصطناعية أخرى ، من بينها لغة الفولابوك Volapük ، التي ابتكرها في عام 1879 قس ألماني يدعى يوهان مارتن شليار Johann Martin Schleyer. ولكن الإسبرانتو التي اخترعت في عام 1887 ، تعد بلا شك أفضل من لغة الفولايوك نظراً لأنها أكثر مرونة وقياسية (أي انتظاماً) . بل إن الإسبرانتو كانت ومازالت تعد أنجح محاولة للتوصل إلى لغة عالمية.
مفردات لغة الإسبرانتو
وقد اُبتكرت لغة الإسبرانتو وفقاً لنظام يقوم على اختيار كلمات مستخدمة في لغتين أو أكثر من اللغات الأوربية ، مثل الفرنسية والإيطالية والإسبانية والإنجليزية والألمانية وغيرها. وبالإضافة إلى الجذور اللاتينية مثل okulo عين ، deno سِنَّة ، هناك اقتباسات معدلة من الفرنسية مثل arbo شجرة ، lando أرض ، ومن الألمانية مثل jaro سَنَةٌ. وتمتاز لغة الإسبرانتو بأنها أبسط من أية لغة حقيقية ، بحيث يمكن لدارسيها أن يتعلموها بسهولة خلال شهور قليلة.

السوابق واللواحق
وتتكون مفردات لغة الإسبرانتو من كلمات أساسية يمكن إضافة مقاطع إليها في بداية الكلمة (وتسمى سابقة prefix) أو في نهايتها وتسمى لاحقة suffix) ، وذلك بهدف تغيير معنى الكلمة الأصلية. وعلى سبيل المثال ، فإن كلمة bona تعني "حَسَن". وعن طريق إضافة السابقة mal- إلى بداية الكلمة ، فإنها تصبح malbona وهي تعني "سيء". وكلمة fermi تعني "أن يُغْلِق" ، أما malfermi فإنها تعني "أن يفتح". والكلمة التي تعني "ولد" في لغة الإسبرانتو هي knabo ، وعن طريق إضافة اللاحقة –ino إلى جذر الكلمة ، فإننا نحصل على knabino التي تعني "بنت".
كما يمكن تكوين الكلمات المركبة compounds والكلمات المشتقة derivatives بسهولة كبيرة. وتميز كل حالة نهاية معينة :
فالأسماء تنتهي بـ –o مثل homo "رَجَلٌ"
والصفات تنتهي بـ –a مثل bona "حسن"
والظروف تنتهي بـ –e مثل bone "بصورة حسنة"
والمصادر المؤولة تنتهي بـ i- مثل esti "أن يكون"
وأفعال الأمر تنتهي بـ –u مثل estu "كُن"
كما تنتهي جميع الكلمات في حالة الجمع بـ –j مثل bonja homoj رجال طيبون.
أما الأفعال فإنها تنتهي في صيغة المضارع بـ –as ، وفي الماضي بـ –is ، وفي المستقبل بـ –os . وتنتهي حالة اسم الفاعل active participle بـ –anta (مضارع) ،

inta- (ماض) ، -onta (مستقبل). وتنتهي في حالة اسم المفعول بـ –ata (مضارع)، -ita (ماض) ، -ota (مستقبل).
قصيدة بالإسبرانتو
وإليك جزءاً من قصيدة عن الإسبرانتو كتبها مبتكرها د. زامنهوف ، وتليها ترجمتها إلى العربية :
Sur neutrala lingva funamento,
Komprenante una la alian,
La popoloj faros en konsento

Un grandan rondon familian.
على أساس لغوي محايد ،
عندما يفهم أحدنا الآخر ،
فإن الناس سوف يتوصلون إلى التوافق
دائرة أسرية كبرى واحدة.
محاولات لتحسين الإسبرانتو
وقد تمت محاولات لتحسين لغة الإسبرانتو ، حتى خلال حياة زامنهوف. ففي عام 1907 تمت صياغة لغة أيدو Ido وهي تعني "سلالة (الإسبرانتو)" وقد جذبت أيدو اهتمام علماء بارزين في فروع المعرفة المختلفة ، غير أن المتحمسين للغة الإسبرانتو لم يتقبلوها ، فقد رفضوا أن يتقبلوا فكرة أن الكتب المكتوبة بلغة الإسبرانتو سوف يُنْظَر إليها باعتبارها "موضة" قديمة.
واليوم ، وبعد مرور أكثر من مائة عام على إنشاء لغة الإسبرانتو ، فإن هذه اللغة ، وليست لغة أيدو الأكثر تطوراً ، هي بكل تأكيد اللغة الاصطناعية الأولى في العالم. ولقد أثبتت الإسبرانتو أهميتها في تجمعات دولية عديدة. ومثلها مثل اللغات الاصطناعية الأخرى التي تم وضعها في القرن العشرين ، مثل لغة "اللاتينية دون تصريف" Latino Sine Flexione([5]) التي ابتكرها جيسيب بينو Giuseppe Peano في العقد الأول من القرن العشرين ، ولغة نوفيال Novial التي ابتكرها أوتو يسبرسون Otto Jespersen في عام 1928 ، ولغة انترجلوسا Interglossa التي ابتدعها لانسلوت هوجبن Lancelot Hogben في عام 1943 ، والتي تتكون من جذور كلمات يونانية ولاتينية ، مع نظام نحوي يشبه الصينية ، ولغة انترلنجوا Interlingua التي ابتكرتها جمعية اللغات المساعدة الدولية International Auxiliary Language Association في عام 1951 ، فإن لغة الإسبرانتو يمكن أن نعدها لغة قيمة ذات فائدة عظيمة في المواقف الطارئة. بل لعل فائدتها تفوق فائدة غيرها من اللغات الاصطناعية.
حتى اللغات الاصطناعية تتغير !
وبالرغم من أن الكثير من الناس قد يرغبون في أن تظل لغة الإسبرانتو ثابتة لا تتغير، بل ويطالبون بذلك ويسعون لتحقيقه ، فإنه ينبغي ألا ننسى أن اللغة تتغير دائمًا وفي كل مكان. وفي "العالم الجديد" حيث اشتهرت أسر بأكملها باستعمال الإسبرانتو لغةً يومية لهم ، أُدخلت تعديلات كبيرة عليها على مدى عام واحد فقط ، وذلك حتى تناسب الظروف الخاصة لتلك الجماعة المحدودة من البشر وأسلوب حياتها. ولاشك أن هذه خطوة تبتعد بها عن الاصطناعية وتقترب بها من الطبيعية.

المراجع

Al Khuli, Muhammad Ali. A Dictionary of Theoretical Linguistics. Beirut: Librairie du Liban, 1982.
Clark, Virginia P. et al. Language: Introductory Readings. New York: St. Martin’s Press, Third Edition, 1981.
Illustrated World Encyclopedia. New York, 1968.
Mahgoub, Fatma M. Dictionary of Linguistics. Cairo: Dar Al-Nahda Al- Arabiyyah, 1977.




--------------------------------------------------------------------------------

* جريدة عكاظ ، الاثنين 26 شوال 1415 هـ - 27 مارس 1995 م ، ص 34.

([1]) هناك نظريات عديدة حول نشأة اللغة ، من بينها : نظرية البَاوْ وَاو Bow-wow التي تقول إن اللغة نشأت أصلاً من تقليد الإنسان لأصوات الحيوانات والظواهر الطبيعية. وهناك نظرية التعجب Pooh-pooh القائلة بأن اللغة نشأت أصلاً من صيحات تعجبية أو انفعالية للإنسان الأول. كما أن هناك نظرية الربط بين الرمز (الصوت) والمعنى ، والتي تعرف باسم Ding-dong. وهناك أيضاً نظرية الإرهاق yo-he-ho التي تقول بأن اللغة نشأت من صيحات التعب التي كان يطلقها الإنسان الأول أثناء العمـل أو بعده. وغير هذه النظريات كثير.
([2]) اللغة الإنجليزية الأساسية Basic English هي قائمة من المفردات المختارة تتكون من 850 كلمة ، منها 650 اسماً ، و18 فعلاً ، اختارها البريطانيان أوجدن C. K. Ogden ، وريتشاردز I. A. Richards بهدف تبسيط الإنجليزية لدارسيها الأجانب. وكان ذلك في العقد الثالث من القرن العشرين.
([3]) المنطق الرمزي تطوير للمنطق الصوري قائم على تمثيل المبادئ المنطقية بالرموز.
([4]) اللغات الرومانسية لغات نشأت عن اللغة اللاتينية الوسطى ، وتنتمي إلى المجموعة الإيطاليقية ضمن العائلة الهندية الأوروبية. وتشمل هذه اللغات الإيطالية والفرنسية والبروفانسية والإسبانية والبرتغالية والكتلانية والرومانية والسردينية.
([5]) سميت فيما بعد Interlanguage ثم Interlingua


ب احمد شفيق الكاتب

ليست هناك تعليقات: