2015/01/28

نشـــــأة الدراسة الدلالية العربية وتطورها.ـــ د. أحمد عزوز


لم تنتظر الأمم نهاية القرن التاسع عشر لتدرس الدلالة وتوليها اهتمامها، بل شغلت ذهن المفكرين على مرّ التاريخ، فقد بحث جوانبها المختلفة الفلاسفة والمناطقة واللغويون وغيرهم.‏

ويعدّ فلاسفة اليونان من الذين استرعت الدلالة نظرهم إذ "راحوا يتساءلون عن أسرارها، ويعجبون لتلك المجموعات الصوتية التي ينطق بها المرء، فتعبّر عمّا يدور في خلده، وتحقّق له غرضاً دنيوياً نافعاً، بل وتصله ببني جنسه صلة وثيقة تجعل منهم مجتمعاً إنسانياً متعاوناً متفاهماً"(1).‏


ومن القضايا الأساسية التي حظيت لديهم بقسط وافر من الاهتمام والجدل والمناقشة نشأة اللغة التي عالجوا من خلالها العلاقة بين الكلمة ومعناها، أي العلاقة بين الدال والمدلول أو الصوت والمعنى، وحاولوا معرفة هذه العلاقة فيما كانت طبيعية أم اصطلاحاً.‏

كما حدّدوا أقسام الكلام، وبنى أرسطو أنواعه على أساس دلالي، ورأى أنّ الاسم له دلالة مجرّدة من الزمن، على حين أنّ الفعل له دلالة على الحدث والزمن، أمّا الحرف فليس له في نفسه أي معنى(2).‏

وميّز أيضاً بين ثلاث قضايا هي:‏
أ-المحسوسات: أي الأشياء في العالم الخارجي.‏
ب- التصورات الذهنية: أي المعاني.‏
جـ- الأصوات: الكلمات.‏
ولا شك في أنّ هذا التمييز كان أساس النظريات الدلالية في العصور الوسطى والحديثة(3).‏
واهتم برقلس PROKLOS في القرن الخامس الميلادي بالتغيّر الدلالي الذي ربطه بالتطور الحضاري، ولاحظ أنَّه يتّخذ أشكالاً متعدّدة منها الجاز وتوسيع المعنى وتخصيصه(4).‏
وعالج الهنود كثيراً من المسائل الدلالية، وبخاصة بانيني (PANINI) حين وضع القواعد النحوية والصوتية والصرفية والدلالية لكتابهم المقدس "الفيدا"، وتعرّضوا إلى اللفظ والمعنى وأنواع الدلالات للكلمة، وأهمية السياق في إيضاح المعنى، والترادف، والمشترك اللفظي، والقياس ودور المجاز في تغيير المعنى(1).‏
كما وضعوا المعاجم ومن أشهرها "الأماركاكا" (AMARAKAKA) الذي ألّف في القرن الخامس الميلادي، وبوّبوا مادته بحسب معاني الكلمات(2).‏
ولا شك في أنّ الأمّة العربية لا يقل اهتمامها بالقضايا الدلالية عن غيرها من الأمم، فبلغوا في بحث مشكلاتها وقضاياها ما لم يبلغه علماء اللغات الأخرى في العصور المتعاقبة(3)، بل إنَّ جهودهم تنمّ عن تفوّقهم في هذا الميدان، ولا ينكر أحد ما قدّموه من آراء وأفكار رائدة تؤكّد اجتهاداتهم الواضحة وخصوصيتهم المتميزة، على الرغم ممّا لقيته من إجحاف الدراسات الغربية، كما التي أهملت العلوم العربية الأخرى، وما أسهمت به في بناء الحضارة الإنسانية، فلم تأت على ذكرها في سلسلة تطور الدرس الدلالي القديم.‏
ويمكن القول إنّ العناية بالدلالة في التفكير اللغوي العربي القديم حقيقة ثابتة، والجهود كبيرة وعميقة لا مجال لإنكارها، وفضل سبق علمائها راسخ، بل إنَّهم أوّل من وضع أسس علم الدلالة الذي يعدّ أصيلاً في التراث العربي، أغنى بسعته وعمقه ودقته علم الدلالة الحديث إثراءً عظيماً، وهو نضج أسّس من خلاله الدارسون أصول هذا العلم، على الرّغم من أنّنا لا نعثر على مصدر مستقل خاص يحمل عنوان "علم الدلالة"، ولكن الأعمال المبكرة تشهد عليه، وإن كانت السمة الرئيسية للبحث الدلالي هي التشعب وعدم الانتظام في نسق معرفي واحد، وهي متناثرة في أكثر من مصدر، ومبثوثة في أكثر من مجال معرفي محدّد.‏
وبعد فحص المعاجم اللغوية لا نلفي ذكراً للمصطلح كما يفهم اليوم أو كما يحاول اقتباسه من الغرب، فلسان العرب يذكر مثلاً: "الدليل: ما يستدل به، والدليل: الدال، وقد دلّه على الطريق يدله دلالة، ودلالة دلولة، والدال: الغنج والشكل، وقد دلّت امرأة تدلّ"(4)، وهي مصطلحات تدل على معرفتهم بالمسائل الدلالية.‏
والمتمعن في التراث اللغوي العربي يلاحظ أنّ البحث الدلالي لم يقتصر على اللغويين فحسب بل تعدّى ذلك إلى الفقهاء وأهل الشرع وعلماء الكلام، والفلاسفة والمناطقة وغيرهم من دارسي الإعجاز والبلاغة والنقد والشرح الأدبي والفني، وأغنوا مؤلفاتهم بالبحوث الدلالية التي لا يجهلها دارس العربية.‏
وأوّل ما ألّف في العربية، فيما يتعلق بالدلالة، تلك الرسائل التي جمع فيها رواة اللغة ألفاظاً ذات موضوعات دلالية شبيهة بالحقول الدلالية المعروفة في اللسانيات الحديثة، كرسائل الإبل والخيل والشجر والنبات والأنواء، وليس هذا العمل إلاّ تصنيفاً للغة، كان نضجاً مبكراً وبداية انتهت بالتأليف المعجمي الشامل وصلته بالأصوات والاشتقاق إلى المعاجم الكبرى التي رتبت على أساس معاني الألفاظ مثل "الألفاظ الكتابية" للهمذاني (ت 398هـ)(1)، و "متخيّر الألفاظ"(2)، و "مقاييس اللغة" لأحمد ابن فارس (ت 395هـ) وفقه اللغة وأسرار العربية" للثعالبي (ت 430هـ) و "المخصّص" لابن سيده (ت 485هـ) ومعاجم الألفاظ كالصّحاح للجوهري (ت 395هـ)، و "تهذيب اللغة" للأزهري (ت 370هـ).‏

ولاحظ اللغويون العرب القدامى اختلاف لهجات القبائل المؤدي إلى الاختلاف اللفظي وما يتبعه من اختلاف معنوي، فممّن ألف في لغات القبائل يونس بن حبيب (ت 182هـ)، وأبو عمرو إسحاق بن مرار الشيباني (ت 206هـ)، والفرّاء (ت 207هـ)، وميّزوا الصحيح من الدخيل أو المعرّب، وكان ممن ألف فيه الجواليقي (ت540هـ) والخفاجي (1069هـ)(3)، ودرسوا مسائل الترادف والأضداد والمشترك، وألفوا فيها كتباً، وعالجوا العلاقة بين الدال والمدلول، والحقيقة والمجاز والمهمل والمستعمل والعام والخاص(4).‏
وكتبوا عن المجاز في القرآن، ومعاني الغريب فيه، وألّفوا في الوجوه والنظائر في القرآن، وغير ذلك من الأمثلة التي تنتمي إلى المباحث الدلالية وتعتبر جميعها بدايات للتأليف المعجمي عند العرب.‏
وسارت العناية باللغة على سبيلين متوازيين:‏
-أوّلهما اهتمّ بتركيب الجملة أي بوضع الكلمة في الجمل، وكان ذلك من اهتمام النحويين.‏
-وثانيهما اهتم بالكلمة في حدّ ذاتها، ففهموا أنَّ العناية باللغة تعني البحث في الكلمة ودلالتها، ويتّضح هذا الفهم ممّا قاله أبو الطيب اللغوي في تصنيفه لبعض علماء اللغة من حيث درجة الاجتهاد: "كان أبو زيد أحفظ الناس للغة، وكان الأصمعي يجيب في ثلث اللغة، وكان أبو عبيدة يجيب في نصفها، وكان أبو مالك يجيب في كلها"(5).‏
وأوضح القدماء أنّ بين الأصوات وما تعبّر عنه مناسبة دلالية فيما أسماه. ابن جني بـ "باب في إمساس الألفاظ أشباه المعاني" حيث قال: "قال الخليل: كأنهم توهّموا في صوت الجندب استطالة ومدّاً، فقالوا: صرّ، وتوهّموا في صوت البازي تقطيعاً، فقالوا: صرصر"(1).‏
ورأوا أنَّ معاني الأصوات القويّة تنتظم للتعبير عما يناسبها من دلالات، والأصوات الضعيفة لما يتفق معها "من ذلك قولهم: "الوسيلة" و "الوصيلة"، والصاد -كما ترى- أقوى صوتاً من السين، لما فيها من استعلاء، والوصيلة أقوى معنى من الوسيلة، وذلك أنَّ التوسل ليست عصمة الوصل والصلة، بل الصلة أصلها من اتصال الشيء بالشيء، ومماسته له، وكونه في أكثر الأحوال بعضاً له كاتصال الأعضاء بالإنسان، وهي أبعاضه، ونحو ذلك، والتوسل معنى يضعف ويصغر أن يكون المتوسل جزءاً كالجزء من المتوسل إليه، وهذا واضح، فجعلوا الصاد لقوّتها، للمعنى الأقوى والسين لضعفها للمعنى الأضعف"(2).‏
وكذلك "صَعِيد" و "سَعِيد"، والدليل على أن "الصاد" أقوى هو تعبيرها على الصعود، وهذا الفعل هو ما يرى بالعين، و "سعيد" هو ما تحسه النفس بدون رؤيته(3).‏
واستشهدوا "بالقَضْم" و "الخَضْم"، "فالقَضْم" لليابس لصلابته واختاروا "الخَضْم" للأكل الرطب، وذلك لرخاوة "الخاء" وفي الخبر "قَدْ يُدْرَكُ الخَضْمُ بالقَضْم" أي قد يدرك الرخاء بالشدة واللين بالشظف(4).‏
ويرتبط تغيّر المعنى بالحركة وحدها في الكلمة الواحدة، إذا تغيّرت إحدى الحركات في فائها دلّت على معاني مختلفة مثل "العِسل -بكسر العين- ما عسل به الرأس، والعُسل -بضم العين- المادة التي يغتسل بها، والذِلّ -بكسر الذال- ضد الصعوبة، والذُّلّ -بضمّ الذال- ضد العزّ، والغِلّ -بكسر الغين- الغشّ والعداوة، والغُلّ -بضم الغين- العطش، وهو الغُلّة، والبُرّ -بضم الباء- القمح، والبِرّ -بكسر الباء- الإحسان، والبَرّ -بفتح الباء- اليابسة، إلى غير ذلك من الأمثلة، وهي كلها ملاحظات وآراء ذات صلة وثقى بالمباحث الدلالية.‏
وتفطن اللغويون العرب إلى أثر الصيغة في توليد الدّلالة، ووضعوا قاعدة لذلك مفادها أنَّ الزيادة في المبنى تلحقها بالضرورة زيادة في المعنى، ومن ذلك قولهم: خَشِن، اخْشْوشَنَ، فمعنى خشن دون معنى اخْشَوْشَنَ لما فيه من تكرير العين، وزيادة الواو، وكذلك قولهم أعشب المكان إذا نبت فيه العشب، أما إذا كثر فيه العشب فقد قالوا اعشوشب، وصيغة افعوعل تفيد المبالغة(5).‏
واكتشفوا أنّ التكرار الواقع في الفعل يعود إلى تكرار معناه مثل قطّع، وكسّر، وفتّح، وغلّق، كما أنَّ المصادر التي تأتي على وزن فَعَلان تدل على الاضطراب والحركة مثل الغَلَيَان والغَثَيَان(6).‏
وفي باب "فَعْلاَن" ومصدره وفعله يقول سيبويه: "أما ما كان من الجوع والعطش، فإنَّه أكثر ما يبنى في الأسماء على فَعْلان، ويكون المصدر الفعل، ويكون الفعل على فعل يفعل، وذلك نحو ظَمِئ يَظْمَأ، وهو ظَمْآن، وعَطِش يَعْطَش عَطَشاً وهو عَطْشَان"(1). وهي أدلة وشواهد توضح علاقة الصرف بالدلالة.‏
وركّزت الدراسات الصوتية العربية على القيمة التعبيرية للأصوات وأهميتها في الإيقاع والموسيقى لأنَّ الحروف العربية ذات وقع موسيقي مختلف من حرف إلى آخر ومن تركيب إلى آخر، وعند نظم هذه الحروف داخل الكلمة، ثم الكلمات في تركيب لغوي معيّن، تنشأ عنها القيمة التعبيرية للغرض بأكمله.‏
وتتلوّن الأصوات بتلوّن الأغراض الدلالية، ففي غرض الوصف تكثر الكلمات الخفيفة والأصوات المعبّرة عن ذلك، وفي موضع الذكرى والتألم تكثر أصوات المدّ المعبرة عن الأنين والتألم.‏
فعلى سبيل المثال قصيدة ابن زيدون النونية التي مطلعها:‏
أَضْحَى التّنَائِي بَدِيلاً مِنْ تَدَانِينَا وَنَابَ عَنْ طِيبِ لُقيَانَا تَجَافِينَا‏

قد طغى عليها المدّ وصوت النون، ويلاحظ أنَّ هذا الصوت أنفي، يصدر أثناء البكاء من شدة الولع والفراق، فلا شك في أنَّ المرء يصدر من أنفه صوتاً شبيهاً به، فكأن صوت النون تعبير بصفته ومخرجه عن هذا الحزن الذي يحمله الشاعر بين جوانحه.‏
والملاحظ أن "المستوى الصوتي لا يقوم منفرداً، وإنّما تتشكل كلّ المستويات ضمن هالة متكاملة لإعطاء الأسلوب الغرض الدلالي الذي يقصده المبدع"(2).‏
فقد تكون تقارب الأصوات لتقارب المعاني، من ذلك قوله تعالى: أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلنَا الشّيَاطِينَ على الكَافِرِينَ تَؤُزّهُم أزّاً"(3)، أي تزعجهم وتقلقهم، فهذا في معنى تهزهم هزّاً، والهمزة أخت الهاء، فتقارب اللفظين لتقارب المعنيين، وكأنهم خصّوا هذا المعنى بالهمزة لأنّها أقوى من الهاء، وهذا المعنى أعظم في النفوس من الهزّ، لأنَّك قد تهزّ ما لا بال له، كالجذع وساق الشجرة ونحو ذلك"(4).‏
أمّا النحو العربي فقد وضع في الأصل لتقنين اللغة، وحفظ اللسان من الزلل والخطأ، وله دور أساسي في فهم النص، إلاَّ أنَّه لا ينفى العنصر الدلالي عنه، فهو موجود باستمرار واهتمّ بالمعنى منذ نشأته.‏
"فالترابط بين الوظيفة النحوية والدلالة المعجمية حقيقة ثابتة ودائمة ومستمرة في التجربة اللسانية العربية، فالجملة هي غاية كل نظام نحوي يعمل على كشف تركيبها، ويحاول الربط بين الصورة الصوتية والمعنى المراد منها من خلال النظام العقلي الذي يحكمها، فهو إذن يمدّ الجملة بمعناها الأساسي الذي يكفل له الصحة ويحدّد له عنصر هذا المعنى(1).‏
فاهتمام النحو العربي بالظواهر الدلالية ثابت، وإن كان لا يرقى إلى نظرية دلالية نحوية واضحة المعالم كما هي متداولة اليوم، ولكن أسسها لا يمكن جهلها أو إغفالها، فالعلاقة بين قوانين المعنى النحوي وقوانين دلالات المفردات في النظام النحوي قائمة، وهو ما يمكن أن يطلق عليه بالمعنى النحوي الدلالي(2).‏
والقصة التي تروي نشأة النحو العربي حين قالت البنت لأبيها أبي الأسود الدؤلي (ت 69هـ) "ما أجملُ السماء" (برفع أجمل) وكأنها تستفهم، وهي تريد أن تتعجب، من جمال السماء، تبيّن أنَّ اللحن في الحركة الإعرابية نتج عنه لبس في المعنى، وتصحيح أبي الأسود خطأ ابنته بقوله: "ما أجمل السماء (بفتح همزة السماء) أدّى غرض التواصل والفهم.‏
وكذلك قصة الأعرابي الذي قرأ خطأ الآية الكريمة "أَنَّ اللهَ بَرِيئٌ مِنَ المُشْرِكينَ وَرَسُولَه"(3) (بكسر لام الرسول)، غيّر من مدلول الآية ومقصودها، فكان الخطأ دلالياً فأتبع بتصحيح الحركة الإعرابية، ممّا أدّى إلى سلامة دلالة الآية الكريمة.‏
إن لفتة سيبويه في باب الاستقامة من الكلام والإحالة يدعم فكرة اهتمام النحو العربي بالظواهر الدلالية، فهو يقول: "فمنه (الكلام) مستقيم حسن، ومحال، ومستقيم كذب، ومستقيم قبيح، وما هو محال كذب.‏
- فالمستقيم الحسن: هو الترتيب أو التعبير المألوف في اللغة نحو: "أتيتك أمس، سآتيك غداً".‏
- المحال: وهو المتناقض في الاستعمال أو نقض أوّل الكلام بآخر، نحو: أتيتك غداً، سآتيك أمس.‏
- المستقيم الكذب، وهو تركيب مستقيم من حيث النحو وغير ممكن الوقوع في نحو: حملت الجبل وشربت ماء البحر.‏

- المستقيم القبيح: وهو وضع اللفظ في غير موضعه على الرغم من استقامته نحو: وكي زيد يأتيك، وقد زيداً رأيت.‏
- المحال الكذب: وهو ما لا يتوافق مع الواقع، والخروج عن منطق اللغة نحو: سوف أشرب ماء البحر أمس(4).‏
إن استقامة الجملة في جميع عناصرها عند سيبويه لا تختلف عما يسمّيه المحدثون بأصولية الجملة ومقبوليتها في نظرية النحو التوليدي التحويلي الذي رائده نوام شومسكي، وعدم استقامة الجملة معناه أنَّها صحيحة قواعدياً ونحوياً ولكنها غير صحيحة دلالياً.‏
والمتأمل في المصادر العربية يلفيها تؤكد الاهتمام المبكر بجوانب المسائل الدلالية المختلفة مثل ابن خلدون حين يتحدّث عن الملكة اللسانية، فهو يفترض في المتكلم أن يكون مزوّداً بمجموعة من القواعد النحوية والاختيارية والدلالية حتى تكون لديه الكفاية اللغوية، وهو يكتسبها بحفظه للقرآن الكريم والحديث النبوي الشريف وكلام العرب من شعر ونثر وأمثال وحكم، فتساعده جميعها على إنجاز التركيب الصحيح والمفيد للجمل؛ وابن خلدون في فكرته لا يختلف عن شومسكي حين عالج الكفاية اللغوية والأداء الكلامي.‏
ودرس اللغويون مسائل دلالية مختلفة كالحديث عن نشأة اللغة، ودلالة ألفاظها، والمشترك والترادف والفروق، والسياق والمقام ومن هؤلاء الجاحظ وابن جني وعبد القاهر الجرجاني وابن فارس، وإذا كان ابن جني قد عرف اللغة "بأنها أصوات يعبّر بها كل قوم عن أغراضهم"(1)، فلا ريب في أنّ هذا التحديد لا ينفي الدلالة عن اللغة.‏
وإذا ما ألقى الدارس نظرة متفحصة على كتاب "المزهر في علوم اللغة" للسيوطي فإنَّه يجده ألمّ بأهم المسائل المتعددة والمختلفة التي طرقها علماء العربية قبله، منها دلالة الألفاظ التي كانت تنصرف إلى درس خصائص العربية وتاريخها وفقهها، فـ "المزهر في علم اللغة"(2)، احتوى على ثلاثة عشر باباً في بحث اللغة من حيث المعنى، إضافة إلى ما احتوته الأبواب الأخرى من آراء دلالية متعددة.‏
وممّا تناولوه -أيضاً- نشأة اللغة وعلاقة ألفاظها بمعانيها، وانقسموا في ذلك إلى فريقين، ودخلت هذه المسألة ضمن الخلاف بين الفئات الدينية والفكرية، وأغلبهم لا يأخذ بالرأي القائل بالصلة الطبيعية الذاتية، ويعدّ عباد بن سليمان الصيمري- أحد المعتزلة- من أشهر العلماء الذين عرفوا به حيث يقول: "إنّ بين اللفظ ومدلوله مناسبة طبيعية حاملة للواضع على أن يضع، وإلاّ كان تخصيص الاسم المعيّن ترجيحاً من غير مرجّح(3).‏
ويمكن تلخيص المسائل الدلالية التي تداولها الدارسون وفقهاء اللغة كما أوردها السيوطي في أربعة آراء وهي:‏
1- تدلّ الألفاظ على المعاني بذواتها، وصاحب هذا الرأي هو عباد بن سليمان الصيمري.‏

2- أو بوضع الله إياها، والقائل به أبو الحسن الأشعري وتلاميذه، وعليه جمهرة كبيرة من اللغويين.‏
3- أو بوضع الناس، وهو رأي المعتزلة المستند إلى مفاهيم حول الذات الإلهية ونفي الجارحة عن الله عز وجلّ.‏
4- أو يكون بعضها من وضع الله، والباقي من وضع الناس وعليه علماء فقه الأصول الذين اختلفوا حول البداية، أهي من الله والتتمة من الناس أو العكس(1).‏
وفسّر ابن فارس المعنى بالقصد والمراد حيث قال: "يقال عنيت بالكلام كذا، أي قصدت وعمدت، وقال قوم: اشتقاق المعنى من الإظهار، يقال: عنت القربة إذا لم تحفظ الماء بل أظهرته، وقال آخر: المعنى مشتق من قول العرب: عنت الأرض بنبات حسن إذا نبتت نباتاً حسناً... لم تعن هذه الأرض أي لم تفد(2).‏
ويتضمن هذا التفسير ثلاثة عناصر أساسية ترتبط بالدلالة وهي: القصد والإظهار والإفادة، فاللفظ عند إيراده يقصد به معنى معيّناً للإفادة بوساطته تكون الإفادة التامّة(3).‏
ولا شك في أنّ هذه العناصر متعلقة بالتأويل الذي يوصل إلى باطن اللفظ وتوضيح رؤيته الدلالية في الأسلوب أو الاستعمال الموظف فيه.‏
ويظهر الاهتمام بالعناصر المتحكّمة في إنتاج الخطاب ودلالته بجدّية ووضوح في المؤلفات البلاغية على العموم، وعند عبد القاهر الجرجاني، خاصة في كتابه "دلائل الإعجاز"(4) حول مفاهيم (الغرض، والنظم، واللفظ)، ولدى السكاكي -أيضاً- في كتابه "مفتاح العلوم"(5) حيث تطرّق إلى مفاهيم (المعنى والسياق والاستعمال).‏
وإذا ما أكّدنا أنّ السكاكي لم يتجاوز حدود التهذيب والتحسين، لما أنجزه الجرجاني علمنا أن كثيراً من المحدثين يعتبرون اتّجاه الجرجاني قمة الجهود البلاغية العربية في ميدان البحث الدلالي، فدراسته للنظم وما يتصل به تقف بشموخ أمام النظريات اللغوية في الغرب، بل تفوق معظمها في مجال فهم التركيب اللغوي، مع الفارق الزمني الواسع الذي يعد ميزة يختلف بها عبد القاهر عن غيره ويعود إليه فضل السبق(6)، واعترف له علماء كثيرون بآرائه الذكية وبخاصّة في الجزء الذي يتناول المعنى النحوي والدلالي من كتابه "دلائل الإعجاز".‏
ويمكن استخلاص الملامح الرئيسة لنظرية عبد القاهر الجرجاني الدلالية من النص الآتي: "وإذا قد عرفت أنَّ مدار أمر النظم على معاني النحو، وعلى الوجوه والفروق التي من شأنها أن تكون فيه، فاعلم أنَّ الفروق والوجوه كثيرة ليس لها غاية تقف عندها، ونهاية لا تجد لها ازدياداً بعدها، ثم اعلم أن ليس المزية بواجبة لها في أنفسها ومن حيث هي على الإطلاق، ولكن تعرض بسبب المعاني والأغراض التي يوضع لها الكلام، ثم بحسب موقع بعضها من بعض واستعمال بعضها مع بعض"(1).‏
يوضّح هذا النص نظرة عبد القاهر الجرجاني للدلالة، ويحدّد عناصرها الثلاثة التي تعدّ أساسية في مناقشة دلالة اللفظ والمعنى، وهي:‏
الغرض الذي يوضع له الكلام.‏
النظم الذي ينظم مواقع الكلمات.‏
اللفظ الذي يحدّد كيفية استعمال الكلمات بعضها مع بعض، وبمعنى آخر، (المعنى والغرض)، و(النظم) ثمّ (الشكل السطحي).‏
ولا ريب في أنَّ مثل هذا العمل يعدّ كافياً للتدليل على مساهمة البلاغة العربية واهتمامها بالظواهر الدلالية، وهي حقيقة ينبغي الاعتراف بها والانطلاق منها في كلّ دراسة منصفة وجادّة(2).‏

وكانت دراسة عبد القاهر للنظم وما يتّصل به من تعليق وبناء وترتيب من أكبر الجهود التي بذلتها الثقافة العربية في سبيل إيضاح المعنى الوظيفي في السياق والتركيب.‏
وقدّمت البلاغة العربية فكرتين من أنبل ما وصل إليه علم اللّغة الحديث في بحثه عن المعنى الاجتماعي الدلالي، وهما:‏
1-المقال‏
2-والمقام.‏
ونجد علماء البلاغة ربطوا بين هاتين الفكرتين بعبارتين شهيرتين أصبحتا شعاراً يهتف به كلّ ناظر في المعنى:‏
-العبارة الأولى "لكلّ مقال مقام".‏
-والثانية "لكلّ كلمة مع صاحبتها مقام".‏
وتعتبر هاتان العبارتان من نتائج المغامرات الفكرية في دراسة اللغة في الغرب المعاصر"(3).‏
وتناول البلاغيون العرب العلاقة بين اللفظ والمعنى حين تعرّضهم لمسألة الفصاحة والبيان، فأبرزوا قضية الاختلاف والائتلاف بين الحروف في التعبير عن المعاني، وتجاور الأصوات وما له من دور في فصاحة اللفظ وتحسين المعنى وإيصاله إلى المتلقّي وأهميّتها في إنتاج الخطاب الإقناعي.‏

وكما يقول القزويني: "دلالة اللفظ إمّا على ما وضع له، أو على غيره.‏
والثاني إمّا داخل في الأوّل دخول السقف في مفهوم البيت، أو الحيوان أو خارج عنه خروج الحائط عن مفهوم السقف، أو الضاحك عن مفهوم الإنسان، وتسمّى الأولى دلالة وضعية، وكل واحدة من الأخيرتين دلالة عقلية، وتختصّ الأولى بدلالة المطابقة والثانية بالتضمن والثالثة بدلالة الالتزام"(1).‏
وشهد التأليف في أصول الفقه والدين جهوداً دلالية واضحة، وإليه يعود الفضل في إثارة الكثير من المسائل والقضايا الدلالية التي غدت علوماً مستقلة، ومن ذلك مبحث "الألفاظ الإسلامية" وهي مجموعة من المفردات غيّر دلالتها الإسلام، فأصبحت تحمل معاني غير تلك التي كانت معروفة بها في العصر الجاهلي.‏
وعنى المؤلفون في أصول الفقه ببحث معاني الألفاظ عناية خاصة، وأفردوا لها فصولاً في كتبهم، لأنَّ دلالة الألفاظ من أهمّ موضوعات علم الأصول(2).‏
وبرز الاهتمام بالمسائل الدلالية واضحاً في تضاعيف التفاسير التي بدأت لغوية كالغريب ومعاني البيان القرآني وسحره وما إلى ذلك، فابن عباس (ض) يصرّح بأنَّه لم يكن يدري المراد من كلمة "فَاطِر"(3)، وأيضاً "وحَنَاناً مِنْ لدُنَّا"(4)، وفي رواية أنّ ابن عباس (ض) قال: كل القرآن أعلمه إلاّ أربعاً: "حَنانَاً"، "غِسْلِين"(5)، "أَوّاه"(6) و "الرَّقيم"(7).‏
وهي البوادر الأولى التي انتهت بالتأليف في غريب القرآن الكريم، والحديث النبوي الشريف، فكانت نتائجها معاجم لغوية ألّفت لخدمتهما، ويذكر منها على سبيل المثال: "المفردات في غريب القرآن" للراغب الأصفهاني (ت 502هـ)، و "الفائق في غريب الحديث" للزمخشري (ت 538هـ).‏
وممّا يؤسف له أنَّ معظمها ضاع، ولم يبق منها إلاّ كتاب "الغريب المصنف" لأبي عبيد القاسم بن سلام (ت224هـ)، وكتاب ابن قتيبة (ت 276هـ) في غريب القرآن، والذي أخلط فيه بين منهجي كتب اللغة وكتب التفسير، كما ألف أبو عبيد أحمد بن محمد الهروي (ت 401هـ) كتاباً في الغريبين، "غريب القرآن وغريب الحديث"(1).‏
والطريف أنَّ أبا حاتم أحمد حمدان الرازي (ت 322هـ) ألّف كتاباً في تطور معاني الألفاظ جمع فيه عدداً من الألفاظ الإسلامية، ودرسها دراسة تطورية تاريخية، وتتبع معانيها من العصر الجاهلي إلى العصر الإسلامي، وقد سماه "الزينة في الكلمات الإسلامية"(2)، وهو لا يختلف في بنائه عن معاجم الحقول الدلالية(3).‏
أمّا السيد الجرجاني (ت 810هـ) فإنَّه يورد في "تعريفاته" كلاماً جامعاً عن الدلالة في الثقافة الأصولية، قائلاً: "الدلالة هي كون الشيء بحالة يلزم من العلم به العلم بشيء آخر، والشيء الأوّل هو الدال، والثاني هو المدلول. وكيفية دلالة اللفظ على المعنى باصطلاح علماء الأصول محصورة في عبارة النص، وإشارة النص، ودلالة النصّ واقتضاء النص"(4).‏

ولما كان لعلم الفقه اصطلاحاته فقد ألِفّت معاجم لهذا الغرض، وممن ألفوا فيه الأزهري: أبو منصور محمد بن أحمد (0370-)، وله كتاب "الزاهر في غرائب ألفاظ الإمام الشافعي "(ت 210هـ)، ثمّ "المطريزي (ت 610هـ): أبو الفتح ناصر عبد السيّد"، وله كتاب "المغرب في ترتيب المغرب"، وكانت هذه المعاجم هي الأخرى خاصة بغريب القرآن وغريب الحديث(5).‏

يذكر ابن خلدون في مقدمته أصول الفقه، وما يتعلق به من "الجدل والخلافيات"، وينصّ على صلة الفقه بالدلالة في مستوياتها المتعدّدة قائلاً: "... يتعين النظر في دلالات الألفاظ، وذلك أن استفادة المعاني على الإطلاق من تراكيب الكلام على الإطلاق، يتوقف على معرفة الدلالة الوضعية مفردة ومركبة، والقوانين اللسانية في ذلك هي علوم النحو والتصريف والبيان...‏

ولا يكفي فيه معرفة الدلالات الوضعية على الإطلاق، بل لا بدّ من معرفة أمور أخرى تتوقف عليها تلك الدلالات الخاصة، وبها يستفاد الأحكام بحسب ما أصّل أهل الشرع وجهابذة العلم من ذلك.‏

وجعلوه قوانين لهذه الاستفادة مثل: "إنَّ اللغة لا تثبت قياساً، والمشترك لا يراد به معنيان معاً، والواو لا تقتضي الترتيب، والعام إذا أخرجت أفراد الخاص منه، هل يبقى حجة فيما عداه؟ والأمر للوجوب أو الندب وللفور أو التراخي، والنهي يقتضي الفساد، أو الصحة، والمطلق هل يحمل على المقيّد؟ النص على العلّة كاف في التعدّد أم لا؟ وأمثال هذه، فكانت كلها من قواعد هذا الفن، ولكونها من مباحث الدلالة كانت لغوية"(6).‏

وقسّم الفارابي الدلالة إلى: دلالة مطابقة ودلالة تضمن ودلالة التزام، فهو يقول "إنّ اللفظ الدال بالوضع يدل على تمام ما وضع له بالمطابقة وعلى جزئه بالتضمن، وعلى ما يلازمه في الذهن بالالتزام كالإنسان، فإنَّه يدل على تمام الحيوان الناطقة بالمطابقة وعلى جزئه بالتضمن وعلى قابلية التعلم بالالتزام"(1).‏

وكانت غاية علماء الأصول من دراسة المعنى هو الوصول إلى الحكم الشرعي، كدلالة لفظ القرء على الحيض وهو ما أخذ به الحنفية، وعلى الطهر وهو مذهب غيرهم، وذلك من قوله تعالى: "والمُطَلَّقَاتُ يَتَربَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثة قُرُوءٍ"(2) لأنّ لفظ القرء يحمل المعنيين معاً(3).‏

وتناول علم أصول الفقه الألفاظ باعتبارات متعدّدة.‏

- الدلالة الحقيقية، وهي ما يقصده المتكلم بظاهر ألفاظه.‏

- الدلالة الإضافية (النسبية) وهي ما يفهمه السامع من رسالة المتكلم.‏

- وباعتبار كمال المعنى الموضوع له اللفظ هناك دلالة المطابقة والتضمّن والالتزام.‏

- وباعتبار شمول اللفظ لأفراده محصورين أو غير محصورين هناك العام والخاص والمشترك، ويشمل الخاص المطلق والمقّيد والأمر والنهي.‏

- وباعتبار الاستعمال وشيوعه وتغيّر المعنى من زمن إلى زمن ومن بيئة إلى أخرى هناك الحقيقة والمجاز.‏

- ومن حيث الوضوح والغموض في المعنى تقسّم الألفاظ إلى الواضح والغامض، ويقسّم هذا الأخير إلى المتشابه والمشكل والمجمل والخفي، وينقسم الواضح إلى ظاهر ونص ومفسر ومحكم.‏

- ومن حيث طرق الدلالة هناك دلالة باعتبار النص ودلالة بإشارته وأخرى بفحواه والأخير باقتضائه(4).‏

ولما كان الجانب الفلسفي قد احتلّ حيزاً ضخماً في التراث اللغوي العربي، فنجده تعرّض بإسهاب إلى البحث الدلالي، بل ارتبط علم الدلالة بالفلسفة والمنطق أكثر من أي علم آخر حتى قال بعضهم: "إنّك لا تستطيع أن تقول متى تبدأ الفلسفة وينتهي السيمانتيك، وما إذا كان يجب اعتبار الفلسفة داخل السيمانتيك، أو السيمانتيك داخل الفلسفة"(5).‏

ويعدّ "ابن سينا" من الفلاسفة الذين بحثوا في الدلالة، فوجدها عبارة عن صوتين، الأول منطوق والمتمثل في الصوت، والآخر ذهني أو متصوّر، وهو ما عبّر عنه قائلاً:‏

"فمعنى دلالة الألفاظ أن يكون إذا ارتسم في الخيال مسموع اسم ارتسم في النفس معنى، فتعرف النفس أن هذا المسموع لهذا المفهوم، فكلما أورده الحس على النفس التفتت إلى معناه"(1).‏

وتعرض الغزالي إلى العلامة فقال: " لا متكلم إلاَّ وهو محتاج إلى نصب علامة لتعريف ما في ضميره"(2)، وأورد -أيضاً-: "إنّ للشيء وجوداً في الأعيان، ثمّ في الأذهان، ثمّ في الألفاظ، ثمّ في الكتابة، فالكتابة دالّة على اللفظ، واللفظ دالّ على المعنى الذي في النفس، والذي في النفس هو مثال الوجود في الأعيان"(3).‏

وهو يشير في نصّه إلى العلاقة المتبادلة بين الألفاظ ومدلولاتها مع تركيزه على أنّ المعاني أساسها الذهن وليس اللفظ في حدّ ذاته، كما يقول أيضاً: "فاعلم أن كل من طلب المعاني من الألفاظ ضاع وهلك، ومن قرر المعاني أولاً في عقله ثمّ أتبع المعاني الألفاظ فقد اهتدى(4).‏

فهو يؤكّد على أهمية استعمال الألفاظ في التركيب الذي به تفهم الدلالات أمّا تلك الخارجة عنه فتحمل المعاني في نفسها، أو يمكن تكون معانيها في درجات الصفر.‏

ومن الدارسين الذين تعرضوا للمسائل الدلالية في التراث العربي شرّاح الشعر، والنقاد وعلماء الإعجاز، فاهتمّوا بقضّية اللّفظ والمعنى، والحقيقة والمجاز، وعرضوا للاستعارة، والغريب والمأنوس والوحشي والفروق والمشترك والأضداد والترادف.‏

فمن علماء الإعجاز الباقلاني والرماني، ومن النقاد الجاحظ وابن رشيق الذي يرى أن "اللفظ جسم وروحه المعنى، وارتباطه كارتباط الروح بالجسم، يضعف بضعف ويقوى بقوته"(5)، و هو لا يخرج عن البحث في أهمية اختيار اللفظ في التركيب لما يناسبه من معنى، وانتظامه مع الوحدات الأخرى للتعبير عن فصاحة الكاتب أو إيصال الغرض وإفادة المخاطب -بفتح الطاء-.‏

ويتضح مما سبق اهتمام العرب المبكر بالظواهر الدلالية ومسائلها، وعلى الرغم من كل هذه البحوث المتناثرة في مصادر متعدّدة ومتنوّعة، فإنّ ذلك لم يصل بطبيعة الحال إلى ما يمكن أن تطلق عليه نظرية دلالية أو علم الدلالة كما يتناوله البحث اللغوي الحديث.‏

ولكن ما ينبغي التأكيد عليه هو أن هذه البحوث تعدّ من صميم علم الدلالة ولا يمكن إغفالها حين التأريخ له، أو التعرّض إلى مراحل تطوره سواء عند العرب أو عند غيرهم من الأمم.‏

فهرس المصادر والمراجع كما وردت في البحث.‏

(1) إبراهيم أنيس، دلالة الألفاظ، مكتبة الأنجلو المصرية، ط: 3، سنة 1972.‏
(2) أحمد محمد قدور، مبادئ اللسانيات، دار الفكر، دمشق، ط: 1، سنة 1996.‏
(3) أحمد مختار عمر، علم الدلالة، عالم الكتب، القاهرة، 1988.‏
(4) عبد الستار لبيب، الحضارات، دار المشرق، ط: 8، بيروت، 1990.‏
(5) محمد المبارك، فقه اللغة وخصائص العربية- دراسة تحليلية مقارنة وعرض لمنهج العربية الأصيل في التجديد والتوليد-، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، ط: 7، سنة 1971.‏
(6)ابن منظور، أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم، لسان العرب، المؤسسة المصرية العامة للتأليف والأنباء والنشر، الدار المصرية للتأليف والترجمة، دون سنة.‏
(7) الهمذاني، عبد الرحمن بن عيسى الكاتب، الألفاظ الكتابية، دار الكتاب العربي، راجعه وقدم له الدكتور السيد الجميلي، ط: 2، 1998م، بيروت لبنان.‏
(8) ابن فارس، أبو الحسن أحمد بن زكريا، متخيّر الألفاظ، تحقيق هلال ناجي، مطبعة المعارف، القاهرة، سنة 1970.‏
(9) أبو طالب زيان، المعاجم اللغوية بين ماضيها وحاضرها، مجلة المجمع العلمي العربي، سواري، يناير 1965.‏
(10) عز الدين إسماعيل، المصادر الأدبية واللغوية عند العرب إلى نهاية القرن الثالث الهجري، منشورات دار مكتبة الحياة، بيروت، لبنان، ط: 1، 1980.‏

(11) ابن جني، أبو الفتح عثمان، الخصائص، تحقيق محمد علي النجار، دار الهدى للطباعة والنشر، بيروت، لبنان، دون سنة.‏
(12) نور الهدى لوشن، إلياذة الجزائر لمفدي زكريا -دراسة دلالية- دكتوراه دولة، بمعهد اللغة العربية وآدابها، جامعة الجزائر، الجزائر، سنة 1990 (مخطوط).‏
(13)سيبويه، أبو بشر عمرو بن عثمان بن قنبر، الكتاب، تحقيق وشرح عبد السلام هارون، الناشر مكتبة الخانجي للطباعة والنشر، ط: 3، القاهرة، سنة 1998.‏
(14) القرآن الكريم، رواية الإمام ورش، دار المصحف، شركة مكتبة ومطبعة عبد الرحمن محمد، القاهرة، مصر.‏
(15) شلواي عمار، درعيات أبي العلاء، دراسة دلالية، الألفاظ الخاصة بالإنسان وحياته الاجتماعية والاقتصادية، رسالة ماجستير، بمعهد اللغة العربية وآدابها، جامعة قسنطينة، الجزائر، سنة 1995 (مخطوطة).‏
(16) السيوطي، عبد الرحمن جلال الدين، المزهر في علوم اللغة، شرح وتصحيح وعنوان وتعليق محمد أحمد جاد المولى، وآخران، دار إحياء الكتب العربية، مطبعة عيسى البابي وشركاه بمصر.‏
(17) أحمد بن فارس، الصاحبي في فقه اللغة وسنن العرب في كلامها، تحقيق مصطفى الشويهي، المكتبة العربية، بيروت، 1964.‏
(18) الجرجاني عبد القاهر، دلائل الإعجاز في علم المعاني، دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت، لبنا، 1983.‏
(19) الخطيب القزويني، الإيضاح في علوم البلاغة، شرح وتعليق محمد عبد المنعم خفاجي، مكتبة الكليات الأزهرية، ط: 2 القاهرة.‏
(20) تمام حسان، اللغة العربية معناها ومبناها، الشركة الجديدة، دار الثقافة، الدار البيضاء، المملكة المغربية، دون سنة.‏
(21) أحمد طاهر حسنين، نظرية الاكتمال اللغوي -منهج شامل لتعليم اللغة العربية (الأصوات، الصرف، المعاجم، النحو- دار الفكر العربي، القاهرة، ط:1، مصر، سنة 1987.‏
(22) أبو حاتم الرازي، الزينة في الكلمات الإسلامية، تحقيق حسنين الهمذاني، ط:2، القاهرة،‏
سنة 1957.

(23) الجرجاني، أبو الحسن علي بن علي، التعريفات، الدار التونسية للنشر، 1971.‏
(24) ابن خلدون، عبد الرحمن، المقدمة، دار الكتب العلمية، ط:1، بيروت، 1993.‏
(25) طاهر سليمان حمودة، دراسة المعنى عند الأصوليين، الدار الجامعية للطباعة والنشر والتوزيع، الإسكندرية، 1997.‏
(26) ابن سينا، الشفاء (العبارة) تحقيق خضيري، القاهرة، 1970.‏
(27) الغزالي، المستصفى من علم الأصول، تحقيق الشيخ محمد مصطفى أبو العلا، الناشر مكتبة الجندي، ط:2، القاهرة، 1971.‏
(28) الغزالي، معيار العلم في فن المنطق، دار الأندلس للطباعة والنشر، ط: 4، سنة 1983.‏
(29) ابن رشيق، أبو الحسن القيرواني، العمدة في محاسن الشعر وآدابه ونقده، تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد، دار الجيل، ط: 5، بيروت، 1981.‏


(1) د. إبراهيم أنيس، دلالة الألفاظ، ص: 62.‏
(2) ينظر د. أحمد محمد قدور، مبادئ اللسانيات، ص: 82.‏
(3) ينظر د. أحمد مختار عمر، علم الدلالة، ص: 17.‏
(4) ينظر المرجع نفسه، ص: 17.‏
(1) ينظر المرجع نفسه، ص: 18-20.‏
(2) ينظر عبد الساتر لبيب، الحضارات، ص: 318.‏
(3) ينظر محمد المبارك، فقه اللغة وخصائص العربية، ص: 154.‏
(4) ابن منظور، لسان العرب، مادة (دلل).‏
(1) الهمذاني، الألفاظ الكتابية.‏

(2) أحمد بن فارس، متخيّر الألفاظ.‏
(3) ينظر أبو طالب زيان، المعاجم اللغوية بين ماضيها وحاضرها، ص: 315.‏
(4) ينظر أحمد ممد قدور، مبادئ اللسانيات، ص: 190.‏
(5) ينظر د. عز الدين إسماعيل، المصادر الأدبية واللغوية في التراث العربي، ص: 294.‏
أبو مالك هو أبو مالك بن كركرة، أحد الأعراب الفصحاء، وقد أخذ عنه الخليل وغيره، ويقال إنَّه كان يحفظ اللغة كلّها. وله من الكتب "خلق الإنسان" و "كتاب الخيل".‏
(1) ابن جني، الخصائص، ج2، ص: 152.‏
(2) المصدر نفسه، ج: 2، ص: 160.‏
(3) ينظر د. نور الهدى لوشن، إلياذة الجزائر -دراسة دلالية- ص: 107.‏
(4) ينظر ابن جني الخصائص، ج:2، ص: 157.‏
(5) ينظر المصدر نفسه، ج: 2، ص: 156.‏
(6) ينظر المصدر نفسه، ج: 2، ص: 152.‏
(1) سيبويه، الكتاب، ج: 4، ص: 21.‏
(2) د. نور الهدى لوشن، إلياذة الجزائر -دراسة دلالية- ص: 113.‏
(3) سورة مريم. الآية 83 (تغريم على المعاصي- الصحاح ج3 ص 394.‏
(4) ابن جني، الخصائص، ج:2، ص: 146.‏
(1) ينظر عمار شلواي، درعيات أبي العلاء، ص: 43.‏
(2) ينظر عمار شلواي المرجع نفسه، ص: 46.‏
(3) سورة التوبة، الآية 3.‏
(4) سيبويه، الكتاب، ج: 1، ص: 25.‏

(1) ابن جني، الخصائص، ج1، ص: 33.‏
(2) ينظر فهرس المزهر للسيوطي.‏
(3) السيوطي، المزهر، ج:1، ص: 8-30، وينظر د. أحمد محمد قدور، مبادئ اللسانيات، ص: 285-286، وعمار شلواي درعيات أبي العلاء، ص: 12.‏
(1) ينظر د. أحمد محمد قدور، مبادئ اللسانيات، ص: 285-286. و السيوطي، المزهر، ج:1، ص:8 وما بعدها.‏
(2) ينظر أحمد بن فارس، الصاحبي في فقه اللغة وسنن العرب في كلامها، ص: 192.‏
(3) ينظر د. نور الهدى لوشن، إلياذة الجزائر -دراسة دلالية- ص: 62.‏
(4) ينظر عبد القادر الجرجاني، دلائل الإعجاز، ص: 40 وما بعدها، وص: 44 وما بعدها. ص: 63 وما بعدها، وص: 69 وما بعدها.‏
(5) ينظر الخطيب القزويني، الإيضاح في علوم البلاغة، تحقيق محمد عبد المنعم خفاجي، ج:5 ص: 4-10.‏
(6) ينظر عمار شلواي، درعيات أبي العلاء، ص: 48-49.‏
(1) الجرجاني، دلائل الإعجاز، ص: 69.‏
(2) ينظر عمار شلواي، درعيات أبي العلاء، ص: 49.‏
(3) د. تمام حسان، اللغة العربية معناها ومبناها، ص: 20-21.‏
(1) الخطيب القزويني، الإيضاح في علوم البلاغة، ص: 120، وينظر عمار شلواي، درعيات أبي العلاء، ص: 48.‏
(2) ينظر محمد المبارك، فقه اللغة وخصائص العربية، ص: 156.‏
(3) سورة يوسف، الآية 10.‏
(4) سورة مريم، الآية 13.‏
(5) الحاقة، الآية 36.‏

(6) التوبة، الآية 5. 114.‏
(7) الكهف، الآية 10.‏
(1) ينظر أحمد طاهر حسنين، نظرية الاكتمال اللغوي، ص: 157.‏
(2) أبو حاتم الرازي، الزينة في الكلمات الإسلامية، تحقيق د/ حسين الهمداني.‏
(3) ينظر محمد المبارك، فقه اللغة وخصائص العربية، ص: 156.‏
(4) السيّد الجرجاني، التعريفات، ص: 55.‏
(5) ينتظر أبو طالب زيان، المعاجم اللغوية بين ماضيها وحاضرها، ص: 314-315.‏
(6) ابن خلدون، المقدمة، ص: 360.‏
(1) الفارابي، إحصاء العلوم، ص: 78.‏
(2) سورة البقرة، الآية 228.‏
(3) ينظر طاهر سليمان حمودة، دراسة المعنى عند الأصوليين ص: 12.‏
(4) ينظر طاهر سليمان حمودة، دراسة المعنى عند الأصوليين ص: 12.‏
(5) أحمد مختار عمر، علم الدلالة، ص: 15.‏
(1) ابن سينا، الشفاء، ص: 4.‏
(2) الغزالي، المستصفى من علم الأصول، ج: 1، ص: 148.‏
(3) الغزالي، معيار العلم في فنّ المنطق، ص: 46-47.‏
(4) الغزالي، المستصفى من علم الأصول، ج: 1، ص: 201.‏
(5) ابن رشيق، العمدة، ص: ج: 1، ص: 124.‏
((((((((((((((((((((((((( (((



((((((((((((((((((((((((( (((



174


181



مجلة التراث العربي-مجلة فصلية تصدر عن اتحاد الكتاب العرب-دمشق العدد 81-82


ليست هناك تعليقات: