2015/01/21

اللهجات الشعبية وأيقونة "العنصرية"

بحكم السن الذي جاوز الثمانين عاما والمرض الذي أصبح ينخر جسده كان يكاد يتواصل مع أهل داره وقريته الذين يزورونه بين حين وآخر، ولكنه مع ذلك كان يفهم الكثير مما يقولون، ويرد عليهم حسب وضعه الصحي. ولذلك لم تكن لديه مشكلة معهم. لكن مشكلته ـ وهو ابن قريته الجنوبية الصغيرة أنه لم يغادرها إلا إلى ما جاورها من قرى ـ هي مع ابنه الذي غاب عنه أكثر من 30 عاما، بحكم عمله في إحدى المدن الكبرى، فهو لم يعد يعرف من هذا الابن سوى بعض من ملامح الوجه الذي لم يعد كسمرة قمح الأرض، لأن"البودرة" البيضاء احتلت كل تفاصيله. أما "لغة الكلام فقد تعطلت" إلى حد كبير لأن هذا الابن أصبح "يرطن" بلهجة أخرى لم يسمعها والده من قبل، وبالتالي تبدو في وجه الأب، ملامح الدهشة مما يسمع، فلا يستطيع التواصل مع الابن الأربعيني، وسط ذهول الحاضرين.

هذا الموقف يتكرر بشكل كبير في دهاليز حياتنا اليومية، لكنه في الغالب يمر دون مناقشة واعية، بل يقتصر الأمر على السخرية وربما اللوم وينتهي الأمر عند ذلك.
أجزم أن مشكلة اللهجات المحلية التي تتميز بها منطقة عن أخرى، أنها وقعت بين فئتين، فئة تنتقصها وتعتبرها عيبا اجتماعيا، فتتخلى عنها بشكل كامل أو جزئي لحساب لهجة "المركز" مثلا، وفئة أخرى تسيء لها مثل بعض "الفنانين"، وذلك بابتذالها وترسيخها في الأذهان بصفتها محلا للتندر فقط، حتى وإن كان الهدف نبيلا. وبالتالي تتحول من ثقافة مكان لها دلالاتها وأبعادها اللغوية والثقافية والاجتماعية إلى مجرد مصطلحات فارغة من المعنى.
بالطبع الموضوع نوقش على عدة مستويات، لذلك لا أزعم أنني قلت ما لم يقل، لكن ما رميت إليه هو الإشارة إلى أن الأسوأ بالنسبة لأي مجتمع، هو أن تتحول اللهجات إلى "أيقونات" للعنصرية والتمايز الطبقي، وهذا ما يحصل للأسف في بعض الأحيان. وربما هذا الجانب هو ما رسخ فكرة "دونية" بعض اللهجات المحلية، في أذهان الكثيرين، وبالتالي يعتقد هؤلاء أن الخروج من هذه "الدونية" هو الانطلاق تجاه اللهجة "الأعلى" في نظرهم، وغالبا ما تكون لهجات "المراكز" هي الهدف. وهنا يحضرني رد أحد الذين تلقوا لوما على سبيل"المزاح" في مجلس عام، بسبب تقعره في التحدث بلهجة بعيدة جدا عن لهجة المكان الذي ولد فيه، حيث قال: "إن حديثي بهذه اللهجة جزء من الوطنية التي تحتم علينا أن نكون يدا واحدة في كل شيء..".
طبعا، لن أعلق على الرد، فهو أوضح من أن يقال عنه شيء!!
حسن آل عامر        2013-05-19 3:06 A


الوطن

ليست هناك تعليقات: