2015/02/24

اللغة العربية والمجامع

ا د.يعقوب أحمد الشراح |

منذ أكثر من تسعة عقود تأسس أول مجمع للغة العربية في سورية، وكان في عام (1919)، ثم ظهرت مجامع أخرى في أكثر من بلد عربي مثل مصر والأردن والسودان والجزائر وتونس والمغرب بهدف المحافظة على سلامة اللغة العربية، وتنمية قدرتها على مواكبة المستجدات، ومتطلبات النهضة العلمية والتقنية. ولأكثر من تسعين سنة لم تستطع هذه المجامع من القيام بما وضعتها من أهداف رغم كثرة اجتماعاتها ومؤتمراتها وحديثها عن العناية باللغة العربية وبأنها هوية الأمة ولغة الدستور والدين.


فما جدوى هذه المجامع إذا كانت اللغة العربية التي يتحدث بها أكثر من (350) مليون شخص غالبيتهم يشعر بالأسى لما وصل إليه حال اللغة العربية في هذا الزمن أمام منافسة اللغات الأخرى على الريادة والانتشار والتقدم؟ إن مشكلة مجامع اللغة ليست مشكلة بلد عربي واحد، وإنما الحالة تكاد تكون عامة تعكس في مجملها ضعف المجامع، وتقليدية عملها، ومحدودية نشاطها، وانغلاقها على ذاتها، والتأثر بالأحوال السياسية وبالواقع المعيشي الذي أفسح المجال نحو استخدام اللغة الأجنبية في التعليم والإدارة والتجارة والإعلام لدرجة أن التفكير في مستقبل اللغة العربية بات يغلق كل عربي غيور على لغته ودينه.

هناك شعور عام لدى الناس بأن تأثيرات وفاعلية المجامع العربية للغة ضعيفة على مستوى القرار السياسي والصلة بالحكومات التي يقع عليها مسؤوليات حماية اللغة العربية. فمن الصعب أن تعمل المجامع وتطالب ما يعينها على عملها من دون تجاوب الحكومات، أو حتى تفعيل دور مؤسسات المجتمع المدني العربي تجاه تنمية اللغة. ثم كيف تتطور اللغة في غياب بحوث اللغة، ومراكز تنميتها، والاهتمام بعناصر تطورها في مجالات القياس والنحت والاشتقاق والترجمة والتعريب؟ ناهيك عن ضعف القدرة على مواجهة مشكلات ضعف اللغة لدى المتحدثين، وفي التدريس والتعليم.

لا شك أن اللغة ليست مجرد وسيلة لسانية، وإنما هي مجال للمزايدات والنفوذ في ميادين السياسة والاقتصاد والتنافس الدولي. كذلك يستحيل أن تنعزل اللغة عن التغيرات الاجتماعية أو الثقافية أو المواطنة أو الحقوق من دون أن تكون اللغة قوة مؤثرة تدفع إلى التغيير بقدر ما هي مستعدة للتغيير والتكيف. لقد أكد تقرير التنمية الإنسانية العربي لعام (2003) أن اللغة العربية تعاني أزمة تجاه مجتمع المعرفة والمستقبل، وأن هذه الأزمة تستدعي جدية وسرعة العمل العربي للنهوض باللغة العربية بشكل شامل بدءاً بمؤسسات التعليم والإعلام والأسرة.

إن هذه الأزمة تتجلى في ضعف الوعي العام بأن اللغة من مؤشرات التنمية، وإن التحديات حقيقية في ميادين التعليم والاستخدام والتوثيق والتأليف والترجمة والتعريب والإبداع والنقد والنمو المصطلحي وغيرها.

لذلك، فإن الاستمرار في الوضع الراهن للغة العربية سيضاعف من المشكلات، ومن أبرزها تزايد الفجوة بين اللغة وأهلها، والانغلاق على متطلبات التطوير ومواجهة التحديات. لهذا فإن الحاجة للاهتمام باللغة وتطويرها تتطلب استراتيجية عربية شمولية للمسألة اللغوية، خصوصاً وإن عالمنا العربي يعاني اليوم من تعدد اللهجات والدعوة للتدريس باللهجات، رغم أن اللهجات في التعليم، للأسف، مستخدمة في تدريس كل المواد ومن قبل الغالبية من المعلمين. والأسوأ هو إحلال الإنكليزية محل العربية في التدريس في التعليم الجامعي. كل ذلك، للأسف، يحدث في غياب سياسة لغوية على الصعيد العربي تتبناها الحكومات، بدل الاعتماد على مجامع اللغة التي تعاني شتى العقبات المؤثرة في أدائها وقدرتها على النهوض باللغة العربية.

yaqub44@hotmail.c

ليست هناك تعليقات: