2015/02/13

اللهجة البحرانية ولهجة العرب: بين إثبات النون وحذفها



المنامة - حسين محمد حسين 

في مملكة البحرين هناك لهجتان أساسيتان هما اللهجة البحرانية ولهجة العرب, تنتمي لهجة العرب إلى لهجة عرفت باسم «لهجة الخليج العربي» وهي تعتبر لهجة ذات امتداد قبلي, بينما تنتمي اللهجة البحرانية إلى مجموعة لهجات عرفت باسم اللهجات الحضرية (Holes 2006, Holes 2011). ويجب التأكيد هنا أن اللهجات الحضرية واللهجات القبلية في الخليج العربي ليست مرتبطة بمذهب معين لأن هذه اللهجات تكونت قبل تكون المذاهب (مطر 1976, 75-76) و (Holes 2011). فالتقسيم المذهبي للهجة هو حالة خاصة في مملكة البحرين, وتصنيف اللهجة البحرانية على أنها لهجة شيعية أو جعفرية
(كما أسماها البعض) هو تصنيف خاطئ فهناك جماعات من المذهب السني في الجزيرة العربية يتحدثون بلهجة شبيهة بها (سنوضح ذلك لاحقاً)؛ وبذلك فإن الحديث عن تاريخ وخصائص اللهجة البحرانية هو حديث جزئي من منظومة أكبر وهو الحديث عن تاريخ الجماعات الحضرية في الخليج العربي بصورة عامة وليس الحديث عن تاريخ طائفة بعينها وهو ما تطرقنا له في فصول سابقة.
وبما أن غرضنا في هذه السلسلة دراسة الخارطة اللغوية في مملكة البحرين فإننا سنركز على المقارنة بين اللهجة البحرانية ولهجة العرب وسنبدأ بالمميزات العامة لكلا اللهجتين ثم نتناول بعد ذلك اللهجات الفرعية التي انبثقت من كل لهجة. وسنبدأ في هذا الفصل بتناول الضمائر المنفصلة.
ضمائر المتكلم
يستعمل الضمير (أنا) في اللغة للمتكلم المفرد المذكر والمؤنث, وكذلك في لهجة العرب يستعمل ضمير واحد للمتكلم وهو (آنَ) إلا أن مهدي التاجر يرى أن ضمير المؤنث أكثر مداً فيكتبها (أآنَ)، (Al-Tajir 1982, p. 99), ويقول القصاب عن الضمير (آنَ) (انظر القصاب 2004, الواحة العدد 34) إنه «ليس غريباً على اللهجات العربية القديمة، فقد حكى الفراء: (آنَ فعلت)، كما نسب هذه اللهجة صاحب التهذيب إلى قضاعة، واستشهد لها بقول عدي:
يا ليت شعري آنَ ذو عجة
متى أرى شَرباً حَوالي أصيصْ».
أما في اللهجة البحرانية فيستعمل الضمير (أنا) (بنون مائلة للكسرة) للمذكر والضمير (أني) للمؤنث, وهذا الأخير يستعمل في اللغة العبرية للمذكر والمؤنث.
أما ضمير المتكلم المثنى والجمع بنوعيه المذكر والمؤنث في كلا اللهجتين البحرانية والعرب هو (إحنا).
ضمائر الغائب
تستخدم اللغة العربية خمسة ضمائر هي: هُوَ (مفرد مذكر) وهِيَ (مفرد مؤنث) وهما (مثنى) وهم (جمع مذكر) وهن (جمع مؤنث), أما في اللهجات المحلية فلا وجود للمثنى ولا جمع المؤنث؛ حيث تستعمل اللهجة البحرانية للمفرد الغائب الضمائر (هُوْ) للمذكر و (هِيْ) للمؤنث و (هُم) للجمع الغائب, أما لهجة العرب فتستعمل للغائب الضمائر (أُهُوْ) و (أُهْوَا) للمذكر و (إِهْيَا) و (إِهِيْ) للمؤنث وللجمع تستعمل (أُهُمْ) و (أهُمَا).
ضمائر المخاطب
تستخدم اللغة العربية خمسة ضمائر هي: أنتَ (مفرد مذكر) وأنتِ (مفرد مؤنث) وأنتما (مثنى) وأنتم (جمع مذكر) وأنتن (جمع مؤنث), أما في اللهجات المحلية فلا وجود للمثنى ولا جمع المؤنث. ففي اللهجة البحرانية يستعمل للمخاطب المفرد الضمير (إنْتَه) (بدلاً من أنتَ في اللغة) للمخاطب المفرد. وفي لهجة العرب تستعمل الضمائر (إنْتَه) و إنتْ).
أما الضمير (أنتِ) للمخاطبة فله في اللهجة البحرانية صورتان, الأولى (إنتِينَ) بفتح النون, أما الصورة الثانية فهي (إنتِينْ) بسكون النون وهي أيضاً صورته في حالة الوقوف عليه أو قطعه عما بعده من الكلام. أما في لهجة العرب فلهذا الضمير أيضاً صورتان إما (إنتِيْ) بكسر التاء أو (إنتَيْ) بفتح التاء, ويلاحظ أنه في كلا الحالتين تحذف النون.
أما ضمير المثنى أنتما والجمع المذكر(أنتم) والمؤنث (أنتن), فيحل محلها في اللهجة البحرانية الضمير (إنتون) الذي ينطق بصورتين, الأولى (إنتُونَ) بضم التاء وفتح النون, والثانية (إنتُونْ) بضم التاء وسكون النون وهي أيضاً صورته في حالة الوقوف عليه أو قطعه عما بعده من الكلام. أما في لهجة العرب فلهذا الضمير أيضاً صورتان إما (إنتُوْ) بضم التاء أو (إنتَوْ) بفتح التاء, ويلاحظ أنه في كلا الحالتين تحذف النون.
«إنتين» و «إنتون» والأصل الآرامي
الضميران «إنتين» و «إنتون» ليسا حصريين على اللهجة البحرانية أو اللهجات الحضرية في شرق الجزيرة العربية بل يوجدان كذلك في عددٍ من اللهجات اليمنية, ويرجح عبدالعزيز مطر في كتابه «ظواهر نادرة في لهجات الخليج العربي» أن هذين الضميرين مشتقان من أصل آرامي وقد خضعا لتطور صوتي ودلالي حتى تباينت صورهما في اللهجات الحضرية في البحرين وشرق الجزيرة العربية وكذلك اللهجات في اليمن. والواقع أن هناك تشابهاً كبيراً بين هذين الضميرين وضمائر شبيهة في اللغة الآرامية, ففي الآرامية ضمير الإشارة للجمع المذكر هو أتون (أغناطيوس يعقوب الثالث 1969, ص 76) والذي يمكن أن يتحول بمبدأ المخالفة بحرف النون إلى «أنتون» وقد حدث هذا في لهجات آرامية (انظر الفصل السابق عن المخالفة), أما الضمير أنتين فإن كان قد تطور من ضمير آرامي فإن تطوره لم يأتِ بصورة مباشرة؛ حيث إنه في اللغة الآرامية يستعمل الضمير أتين (الذي تحول إلى أنتين بمبدأ المخالفة) لجمع المخاطبات (أغناطيوس يعقوب الثالث 1969, ص 76) إلا أنه تطور في اللهجة اليمنية واللهجة البحرانية ليصبح للمخاطب المثنى وللمخاطب المفرد. ويرى عبدالعزيز مطر أن اللهجة البحرانية واللهجات اليمنية قد تأثرت بالآرامية, ويستعمل مطر فقه اللغة المقارن لإثبات وجود التأثير الآرامي في اللهجة البحرانية:
«ويؤيد هذا الأثر الآرامي في الضميرين (إنتين وإنتون) أن هذين الضميرين موجودان في لهجات اليمن, والمعروف أن المعينية والسبئية من اللغات السامية الجنوبية, وقد تأثرت بالآرامية (وكانت قوافل الآراميين تلتقي بالمعينيين والسبئيين) ولكن هذين الضميرين يختلفان من منطقة لمنطقة في الشخص والعدد:
ففي منطقة الحديدة في الوقت الحاضر يستعملان الضميرين كما يستعملان لدى شيعة البحرين... ومما هو جدير بالذكر أن أهل الحديدة سنيون وليسوا شيعة, ما يؤيد ما رددناه في هذا البحث من عدم ارتباط اللهجة بالمذهب الشيعي أو المذهب السني» (مطر 1976, ص 75).
ويذكر مطر نقلاً عن مراد كامل في كتابه «اللهجات العربية الحديثة في اليمن» أن «أهل الحجرية في اليمن الشمالية يقولون للمخاطبين: (إنْتون) بواو ممالة، وللمخاطبات: (إنْتِين) بياء ممالة» (مطر 1976, ص 76).
وأما عن تطور الدلالي للضمير «إنْتِين» فيذكر مطر في كتابه سالف الذكر:
«قد يكون الضمير إنتين من الضمائر الآرامية, والسريانية (وهي لهجات الآرامية)... ولكن الضمير (إنتين) فيها لجمع المخاطبات، فيحتمل أنه تطور في لهجة البحارنة، وربما في فترة بعيدة... للدلالة على المفردة بضمير الجمع، وهذا معروف في كل اللغات، ويؤيد ذلك أنني وجدت الضمير نفسه: إنتين، في لهجة محافظة (إب) في اليمن، يستعمل للمثنى المؤنث فقط، فهو مرحلة بين المفرد والجمع، أما الضمير (إنتون) فهو في الآرامية والسريانية لجمع الذكور المخاطبين، كما هو في لهجة البحارنة» (مطر 1976, ص 74).
ويذكر القصاب نقلاً عن سالم النويدري في «أعلام الثقافة الإسلامية في البحرين» أن الضمير إنتون متطور من الأصل العربي «أنتم» حيث إنه «حصل قلب لميمه إلى (نون) فصار: (انتون) بدل: (أنتم)، مع إشباع الضمة التي قبل تلك الميم فصارت واواً» (القصاب 2004, الواحة العدد 34).
صحيفة الوسط البحرينية - العدد 3605 - السبت 21 يوليو 2012م الموافق 02 رمضان 1433هـ

ليست هناك تعليقات: