2015/04/25

لواحق تركية في لهجاتنا المحكية

د. محمد عقل
على مر العصور والأزمنة تأثرت اللغة التركية باللغة العربية وأثرت فيها، حيث دخلت إلى اللغة التركية كلمات عربية كثيرة مباشرة عن طريق الدين الإسلامي والعلوم المتعلقة به، وعن طريق اللغة الفارسية التي كانت تعد لغة الإدارة والسياسة. في العهد العثماني كان أكثر من 50% من المفردات التركية ذا أصول عربية. كان الصرف والاشتقاق في اللغة التركية العثمانية يتم بإضافة لواحق في أواخر الكلمات. خلال حكم العثمانيين للبلاد العربية دخلت إلى اللهجات العربية المحكية كلمات تركية الأصل وعربية مع لواحق تركية. كما أن العرب توسعوا في استخدام اللواحق التركية بحيث أصبحت الكلمة تؤدي معان جديدة غير موجودة في اللغة التركية. من بين هذه اللواحق التي لا تزال مستعملة في البلاد العربية:
1)اللاحقة (لي): في اللهجات العامية العربية تتم صياغة النسبة بإضافة ياء في آخر الاسم أو (ا و ي) حيث نقول: مصري، نابلسي، شامي، صفدي، لداوي، فحماوي، غزاوي، حيفاوي، شرقاوي، زعبلاوي. أما في اللغة التركية العثمانية فتتم صياغة النسبة بإضافة اللاحقة (لي) حيث يقول الأتراك أورفلي أي منسوب إلى مدينة أورفة التركية، وبيروتلي نسبة إلى مدينة بيروت، واستانبوللي نسبة إلى استانبول وقد دخلت هذه اللاحقة إلى اللهجات العربية حيث يقول أهل الشام: مرعشلي نسبة إلى مدينة مرعش في سوريا، وموصللي نسبة إلى مدينة الموصل في العراق، قوتللي أي صاحب القوة. في فلسطين لا يزال المهر في عقود الزواج لدى المسلمين يحدد بالليرة العصمللية الذهبية، وإذا أردت أن تصف مدى أصالة الشخص وأمانته وحسن معاملته قلت عنه "زي الذهب العصمللي" وأصل الكلمة عثمانلي نسبة إلى جد العثمانيين، والتركي يلفظ الثاء مفخمة كالصاد، كما أن حرفي النون واللام يتعاقبان فأصبحت عصمللي وهو لفظ أطلق كذلك على العثمانيين كافة وعلى دولتهم الغابرة. وفي مدينة الناصرة بفلسطين توجد عائلة تسمى أورفلّي نسبة إلى مدينة أورفه في تركيا، ولعلها من أصل تركي أو أن أحد أجدادها كانت له علاقة بهذه المدينة. وفي العراق بقولون بغدادلي نسبة إلى بغداد، وكركوكلي نسبة إلى كركوك، وقلعتلي وهو السجين وقد سُمّي بهذا الاسم لأنه كان يحبس في سجن القلعة في بغداد. أما في مصر فيقولون عصمانلي نسبة إلى العثمانيين، أزميرلي نسبة إلى مدينة أزمير التركية، بغدادلي وهي قطعة صغيرة من الخشب تستعمل في البناء، واجبتلي المؤدب الذي يعرف الواجب، شربتلي بائع الشراب، محبتلي ذو الحب، ومهابتلي ذو المهابة، وقد استعمل الأتراك اللاحقة (لو) بمعنى صاحب للدالة على أصحاب الألقاب الرفيعة والمناصب العالية، فقالوا: سماحتلو أي صاحب السماحة، وهو لقب أطلق على المفتي، ودولتلو صاحب الدولة وهو لقب أُطلق على الولاة مثل والي سورية، وسعادتلو أي صاحب السعادة، وفضيلتلو صاحب الفضيلة، وعزتلو صاحب العزة، وعصمتلو صاحبة العصمة..إلخ. ومن الجدير بالذكر أن هذه اللاحقة كانت مستعملة في المراسلات والمطبوعات ولم يبق لها اليوم أثر في كلامنا غير أنه لا تزال في فلسطين عائلة تسمى حندقلو (جت الشعراوية) وعائلة قاطعلو (حيفا) ولعلهما تعودان إلى أصل تركي.
2) اللاحقة (جي): للدلالة على صاحب مهنة أو حرفة أو صنعة أو وظيفة كان الأتراك يضيفون في آخر الكلمة اللاحقة(جي) فيقولون: مكتوبجي أي الرقيب الذي يراقب المطبوعات والجرائد والصحف وكانت هذه الوظيفة موجودة في المدن الكبيرة بجانب الوالي ولسليم سركيس كتاب لطيف اسمه غرائب المكتوبجي(1896)؛ ودعاجي وهو موظف عثماني في المساجد الكبيرة كان يحشد الناس للصلاة والدعاء للسلطان باليمن والخير والبركات؛ وبوسطجي وهو ساعي البريد؛ وكندره جي وهو الإسكافي صانع الأحذية الأوربية؛ وقاشقجي وهو صانع أو بائع الملاعق؛ والتفكجي وهو صانع البارود والبنادق؛ وفي فلسطين اليوم يقولون قهوجي، أي بائع القهوة، أو صانعها، ثم أطلقت على صاحب المقهى، وهناك عائلات في الشرق تسمى قهوجي ينتمي إلى إحداها المرحوم المناضل حبيب قهوجي وأحياناً يلفظون القاف همزة، وهو أمر شائع في المدن؛ ومواسرجي أي السَبَّاك؛ وكهربجي عامل الكهرباء؛ ودكنجي صاحب الدكان أو الحانوت؛ وفي دمشق يقولون عن بائع الخضراوات خُضَرْجي، وعن البَنَّاء مَعْمَرجي، وعن سائق العربة التي تجرها دابة طُنْبَرجي. في بعض البلاد العربية اكتسبت الكلمات المتصلة ب(جي) معاني سلبية لم تكن في الأصل فمثلاً في اللغة التركية العثمانية كانت كلمة طوبجي تعني رجل المدفعية، أما في بيروت اليوم فإنها تعني الشخص الشاذ الذي يضاجع الأولاد؛ وكلمة بلطجي كانت تعني فرداً من حاملي البلطات العاملين على شق الطرق، ثم أصبحت تعني الشخص الذي يستعمل القوة بغير حق لابتزاز الناس حقوقهم المشروعة. أخذت الكلمات العربية المتصلة باللاحقة التركية (جي) معان سلبية تدل على نقص أو عيب في الشخصية أو السلوك ففي الشام تدل كلمة مشكلجي على مثير المشاكل، ونسونجي على من يتصرف كالنساء ويحب الجلوس إليهن، وسكرجي على السكير، وقمرجي على لاعب القمار ومنفخجي على المغرور والمتكبر، وفي مصر كلمة عربجي كانت تعني سائق العربة أو سائق السيارة ثم أصبحت تعني الشخص العنيف الجلف، والعونطجي أي المحتال والنصاب، والبطحجي الشرير الذي بستعمل المطواة. أحياناً يستعمل السياسيون والمنتمون إلى أحزاب دينية أو اجتماعية هذه اللاحقة للتشهير بمعارضيهم فمثلاً يقولون ثورجي وجمعها ثورجية للدلالة على مدعي الثورة؛ وقومجي للدلالة على دعاة التشنج القومي؛ وأُصولجي مدعي التمسك بالأصول. في بعض الأحيان يستعمل العرب اللاحقة التركية (نجي) الدالة على النسبة فيقولون: كلمنجي وهو المهذار كثير الكلام والمخلف للوعد، ومكلمنجي وهو منسوب إلى اسم الفاعل، وكلامانجي وهو منسوب إلى المصدر، وإلى هذه النسبة تنتمي الكلمة التركية برنجي فكلمة بر تعني واحد ونجي جاءت للدلالة على النسبة والمعنى المستفاد هو: الأول والنخب والممتاز.      
3) اللاحقة (لك/لق): في العهد العثماني كان القصر أو بيت الإقطاعي يتكون من ثلاثة أقسام: القسم الأول هو السلاملق وتلفظ السلاملك وهو المكان الخاص باستقبال الضيوف القادمين للسلام على صاحب القصر، والقسم الثاني الحرملك وهو المكان الخاص بالحريم أي النساء، أما القسم الثالث فهو المكان الخاص بالخدم وكان يُسمى خدملك.  تدل اللاحقة التركية (لك/لق) على اسم المكان واسم الزمان والحالة والهيئة والانتساب لشئ ما ففي شرق تركيا توجد قاعدة أمريكية تُسمى إنجيرلك، ومعنى إنجير بالتركية هو شجر التين واللاحقة (لك) تفيد معنى اسم المكان أي أن إنجيرلك تعني المكان الذي تكثر فيه أشجار التين؛ كما أنهم يسمون كرم الزيتون بزيتونلك؛ والسفربرلك أيام سوق الرجال على يد الأخذ عسكر من فلسطين وسورية ولبنان وتسفيرهم براً للاشتراك في الحرب العالمية الأولى، وقد اكتسبت الكلمات التركية معان أخرى في لهجاتنا المحلية فكلمة سلاملك تعني في مصر اليوم الطابق السفلي في العمارة، وكلمة طاشلق التي كانت تعني المكان الذي تكثر فيه الحجارة أصبحت في لهجة أهل فلسطين تعني الشخص المستهتر الذي لا يقيم وزناً للأعراف والقيم. ومن الجدير بالذكر أن هناك موقع على الإنترنت اسمه شبابلك وهو خاص بالشباب.
4) اللاحقة (خانه):  خانة بالتاء المربوطة كلمة فارسية الأصل تعني بيت، وقد استعملها الأتراك العثمانيون بهذا المعنى لتدل على اسم مكان وكتبوها بالهاء فقالوا: ضربخانه للدالة على مكان سك العملة أو دار السكة، وكتابخانه للدلالة على حانوت لبيع الكتب، وملي كُتُب خانه للدلالة على المكتبة الوطنية الموجودة في استانبول، وباصمه خانه للدلالة على المطبعة، ودفتر خانه للدلالة على الدائرة المالية في الولاية وتعني كذلك الأرشيف الذي تُسجل فيه الأراضي (طابو)، وجبخانه للدلالة على مخزن الذخيرة والأسلحة. في 5/2/1915 انفجرت الجبخانة في قرية دالية الكرمل ما أدى إلى تدمير ثلث القرية. في نابلس كانوا يسمون الصيدلية أجزخانه وكذا في مصر وفي العراق أزخانه، وفي فلسطين أطلقوا على بيت الدعارة كراخانه وكذا في سورية، وفي مصر يستعملون كلمة سلخانة للدلالة على المسلخ، وفي العراق يسمون محطة وقود السيارات بنزين خانه، وفي البحرين يسمون مخفر الشرطة بوليس خانه، وفي سورية كانوا يسمون المشفى خسته خانه أي بيت الضعفاء، وفي السودان يسمى المستشفى شفاخانه، والمرحاض أدبخانه.
5) اللاحقة (سِزْ): تستعمل هذه اللاحقة لنفي الصفات والأسماء والحال، وتفيد معان كثيرة نذكر منها: (بدون)، (قليل)، (بلا)، (ناقص) فمثلاً الجملة التركية العثمانية التالية: [تربيه سز آدم روحسز جسم كبيدر] ترجمتها [قليل الأدب كالجسم بلا روح]. روى معمر من قرية باقة الغربية أنه سمع أحد الجنود الأتراك يضرب فلاحاً ويقول له دمغ سيس ولعل المقصود دماغ سز أي أنت ناقص عقل، ولا يزال سكان قرية عرعرة من قضاء حيفا بفلسطين يسمون عديم الأخلاق بأخلاقه سيس أي أخلاق سز. لم أجد في مصر من يستعمل أداة النفي التركية (سز) وإنما كثر استعمالها في العراق حيث لا تزال مرتبطة بكلمات كثيرة نذكر منها: أدب سز- قليل الأدب، عارسز- وقح، حياسز- بلا حياء، سلاح سز– بغيرسلاح، ضمير سز- عديم الضمير، دين سز-كافر، شكر سز-بدون سكر،
(د.محمد عقل بحث فلسطيني من قرية عرعره بالمثلث- قضاء حيفا)

ليست هناك تعليقات: