2015/08/30

الصراع بين الفصحى والعامية



الصراع بين الفصحى والعامية
فيصل مبارك*
الخلاصة
 نشأ الانسان في المجتمع العديد، فيها الثقافات والحضارات المختلفة. وفي تعاملهم اليومية يحتاج الإنسان إلى وسيلة لعيبر ما في ذهنهم إلى غيرهم، وهذه الوسيلة هي اللغة. وكانت اللغة لها دورا عظيما في حياة الانسان، لأنها أوثق العرى التى تربط بين أفراد أو جماعة. وباللغة يقوم الإنسان صلته بالمجتمع الذى يولد و يعيش فيه.
واللغة أنواع كثيرة، وهي تستخدم في البلاد المتعددة، منها اللعة العربية التى تستعمل في الجزيرة العربية على الأكثر، وهي من إحدى اللغات السامية التى إختفظت حتى الأن، وفيها لهجات
مختلفة بين الشعوبوالقبائل العربية.

التعبيرات الأساسية: الصراع ـ الفصحى ـ العامية

التمهيد
     اللغة العربية لها مكانة هامة للمسلمين. وليست العربية كوسيلة للتوصل فحسب، وإنما هي لغة القرآن الكريم والسنة النبوية والكتب الإسلامية، بل إنها تستخدم في مختلف الأنشطة في هيئة الأمم المتحدة، لقد شرف الله تعالى اللغة العربية أن جعلها لغة القرآن، وشرفها لتحمل رسالته الخالدة للناس كافة إذ أوحى رسالته الخاتمة إلى رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، قال تعالى في محكم التنزيل: «إنا أنزلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون»  «بلسان عربي مبين»  ويقول الله تعالى لنبيه عليه أفضل الصلوات وأتم التسليم ( فإنما يسرناه بلسانك لتبشر به المتقين وتنذر به قوماً لدا)  .
مراحل تطور اللغة العربية
     لقد مرت اللغة العربية بعصور مختلفة وهي عصر النشؤ والإرتقاء، وعصر بزوغ شمس القرآن، وعصر الدعوة والفتح، وعصر الإنخطاط، وعصر الإستعمار الغربي والنهضة اللغوية الأولى، وعصر القوميات والنهضة اللغوية الثانية، وأقدم بااختصار هذه العصور، كل على حدة:

1.عصر النشوء والإرتقاء
لم يرو التاريخ الكثير عن نشأة اللغة العربية في مرحلتها الأولى، إلا أن الأظهر أن اللغة العربية، كما أكده بعض الباحثين، تنحدر من مجموعات اللغة السامية  وهم الشعوب الآرامية والفنيقية والعبرية والعربية واليمنية والبابلية. ثم انقسمت العربية إلى لهجات بائدة ولهجات باقية.
      أما العربية البائدة أو عربية النقوش فتطلق على لهجات كان يتكلم بها عشائر عربية تسكن شمال الحجاز على مقربة من حدود الآراميين وفي داخل هذه الحدود ولتطرف هذه اللهجات في الشمال وشدة احتكاكها باللغة الآرامية، وقد بادت هذه اللهجات قبل الإسلام، ولم يصل إلينا منها إلا بعض النقوش، ومن أجل ذلك تسمى أحيانا )عربية النقوش( ، وأما العربية البائدة فهي التي تنصرف إليها كلمة العربية عند إطلاقها، والتي لا تزال تستخدم عندنا وعند الأمم العربية الأخرى، لغة أدب وكتابة وتأليف .
وبحكم اشتراك بين هذه اللهجات الباقية في الأصل تقاربت في تعبيراتها وأساليبها وتصاريفها وحركات إعرابها، إلا أنها اختلفت في كثير من هيئات النطق أو مايسمى باللهجة، وكل هذا نتيجة لاختلاف أقاليم القبائل وبيئاتها وظروف حياتها وعاداتها وتقاليدها ومدى اتصالها بالقبائل الأخرى.
2. عصر بزوغ شمس القرآن
يمتاز هذا العصر بنزول القرآن على سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، وكان القرآن في أرقى مراتب الفصاحة والبلاغة، فلا يستطيع البشر أن يأتي بمثله. ويعتبر الإعجاز القرآني أرفع مستوى للغة العربية، وقد أشار القرآن إلى عجز الناس عن إتيان بمثله.
3. عصر الدعوة والفتح
وقد امتاز هذا العصر بالفتوح العربية بعد الإسلام التي أهم أغراضها نشر الدعوة الإسلامية كما امتاز بامتزاج العرب واحتكاكهم بكثير من الشعوب، فاشتبكت لغتهم مع اللغات الآرامية في سوريا ولبنان وعراق،  وتجاوز نفوذ اللغة العربية إلى جميع الأمم بالبلاد الإسلامية الأخرى، فنزلت العربية عند هذه الأمم منزلة سامية.
4. عصر الإنخطاط 
وقع انحطاط اللغة العربية في أيام الأمبراطورية العثمانية، حيث أقل نجم اللغة العربية، وتجمدت اللغة الفصحى في هذا العصر، وامتزجت اللهجات العربية العامة بلهجات غير العربية، وبرزت لغات أخرى تنازع العربية ولهجاتها وتحاول أن يقتضي عليها، وكالتركية في أجزاء كبيرة من الأقاليم التي كانت تخضع للخلافة العثمانية .
5.عصر الإستعمار الغربي والنهضة اللغوية الأولى
     وقعت العرب في هذا العصر تحت سيطرة الإستعمار الغربي، ورغم ذلك فمن الواقع أن اللغة العربية حينذاك بدأت تنهض من جديد من نومها العميق طول السيطرة العثمانية، وأن اللغة العربية حينذاك تمثل روحا قوية يعيشها العرب في مقاومة الإستعمار والتخلص منه كما قال جاك بيرك الفرنسي : إن أقوى القوي التي قاومت الإستعمار الفرنسي في المغرب هي اللغة العربية .
7.اللغة العربية في العصر الحديث
يمتاز هذا العصر بانتشار الثقافة الأروبية في البلاد العربية، وبالبعثات العلمية التي أوفدتها هذه البلاد إلى الغرب، فتأثرت اللغة العربية تأثرا كبيرا يتمثل في اقتباس المفردات أفرنجية بعد تعريبها عن مختراعات أو آلات حديثة أو مصطلاحات علمية، ويمتاز هذا العصر ما يسمى بالثنائية اللغوية ) (Diglossal أي ثنائية الفصحى والعامية، وقد تزايدت أهمية اللغة العربية بحيث أقرت الأمم المتحدة اللغة العربية لغة عمل ورسمي للجمعية العامة في عام 1973.
عوامل تطور اللغة العربية
    لقد مر علينا سابقا حول مراحل اللغة العربية والأن نقف قليلا عن العوامل التي تتأثر بها اللغة العربية في تطورها ومنها عوامل إجتماعية خالصة، تأثر اللغة العربية بلغات أخري، وطبيعة اللغة.
أ‌.          عوامل اجتماعية خالصة
وهي العوامل المتعلقة بحضارة الأمة، ونظمها، وعادتها، وتقاليدها، فقد كان لانتقال العرب من همجية الجاهلية إلى حضارة الإسلام ولانتقالهم من الجو العربي إلى الجو الإنفتاحي العالمي في عصر بني العباس أعظم أثر في نهضة لغتهم.
ب‌.        تأثر اللغة العربية بلغة أخرى
 ويختص هذا التأثر  في الناحية المتعلقة بالمفردات والأساليب كما يظهر مثلا في تأثرها قليلا أو كثيرا بالمفردات الفارسية واليونانية في العصور القديمة بالمفردات والأساليب الغربية.
ج.     عوامل ترجع إلى طبيعة اللغة العربية
عوامل ترجع إلى طبيعة اللغة العربية نفسها من أصواتها وقواعدها ومفرداتها،     فالإشتقاق في اللغة العربية وكثرة مفرداتها وأصواتها، وفي هذا الصدد نلاحط مزاحمة اللغة العامية للغة العربية الفصحى.

اللغة العربية
      لقد مر علينا تطور اللغة العربية عبر العصور، ووجدنا أن اللغة العربية من حيث الإستخدام تنقسم إلى قسمين وهما العربية الفصحى والعربية العامية، ويقول أميل بديع يعقوب” العربية الفصحى هي لغة القرآن الكريم والتراث العربي جملة، والتي تستخدم  اليوم في المعاملات الرسمية،في تدوين الشعر والنثر والإنتاج الفكري عامة. وأما العربية العامية التي تستخدم في الشؤون العادية، والتي يجري  الحديث اليومي"  .

بين الفصحى والعامية
     لقد عرفنا سابقا أن اللغة العربية الفصحى هي اللغة الإتحاد بين اللهجات العربية المختلفة، ويقال أيضا لغة الأدب والعلم، وهي لغة التعليم عادة، ولغة المحاضرات في الجامعات، وهي لغة لخلو من الالفاظ العامية والسوقية أو المبتدلة، كما انها تتبع نظاما ثابتا في النطق وحركات الإعراب، يضاف الى ذلك أنها تراعى الد قة في اختيار الكلمات وتراعى أصول صحة النحوية، كما أنها لغة تتحاشى التعبير العامية وطريقة النطق السوقية .
     يقول الدكتور تمام حسان" ولقد يخلوا للكثير من طلاب العربية أن يصفوا الفصحى بأنها لهجة قريش أو لغة قريش  مدعين أن العرب أخذوا هذه اللغة اللفصحى عن تلك القبيلة العظيمة. وهم يبنون هذه الدعوى على أساس من التاريخ الإجتماعي للقبائل العربية، إذ يقولون إن قريشا كان لها من الأهمية في الجاهلية ما أغرى القبائل العربية الأخرى باتخاذ لهجتها لغة مشتركة للعرب جميعا، فهم جيران الكعبة وسندتها" .
      ثم يقول الدكتور تمام حسان" ولكن إعادة النظر إلى هذه الدعوى ربما جرت إلى الكشف عن بينها وبين كثير من المسلمات، ومنها: أن القرآن نزل بلسان عربي مبين، ولم ينزل بلسان قرشي، وأن القرآن نزل على سبعة أحرف وتعددت قراءاته وكلها مروي بالسند الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم، وفي أكثر هذه القراءات ظواهر اللغوية لم تشتمل عليها لهجة قريش، و النحاة حين حددوا قبائل الفصاحة وجعلوا لهجاتها مصادر للنحو العربي،لم يقصروا الأخذ على قريش، وإنما سمعوا مما عداها من قبائل الحجاز ونجد" .
      مما سبق ذكره يتضح لنا أن اللغة الفصحى هي اللغة الإتحاد بين الفصحى اللهجات المختلفة، وهي اللغة الرسمية، وإضافة إلى ذلك هناك من قال بأن اللغة الفصحى تنقسم إلى قسمين وهما فصحى التراث وفصحى العصر، وأما فصحى التراث فهي لغة كتب التراث في شتى مناحي العلم، وهي تندرج في جزالتها تبعا لتقدم المصنفين بها، فغالبا ما يكون لفظ المتأخر أيسر في التناول من لفظ المتقدم، وأما فصحى العصر فهي لغة الصحف والمجلات والمصنفات الحديثة وهي تتميز باصطلاحاتها المعاصرة لا سيما المصطلاحات ذات الاصول الأ جنبية كا الإستراتجية والبراجماتية أو المصطلاحات الدالة على أنماط عقدية أو فكرية حديثية كالبهائية والشيوعية والرأسامالية.
     وأما اللغة العامية فهي لغة المعاملات اليومية في السوق، لغة التخاطب غير الرسمى، اللغة المستخدم في البيت اللغة التى يتخاطب بها صديقان حميمان، وفي لغة تستعمل الجمل القصيرة والكلمة الشائعة والتراكيب السهلة،وتسمي أيضا باللهجات  الشائعة، ولذلك يقول الأمير المصطفى الشهابي" إن اللهجات العربية العامية تعد بالعشرات بل بالمئات وكلها اليوم لا ضابط لها من نطاق أو صرف أو نحو أو اشتقاق أو تحديد لمعنى الألفاظ، فهى كلام العامة يستعمل في الأغراض المعايشة، وفي علاقات الناس بعضهم ببعض  .
     وذكر حسين نصار أن العامية هي اللغة التي نتخاطب بها في كل يوم، عما يعرض لنا من شؤون حياتنا مهما اختلفت أقدارنا ومنازلنا هي لسان المتعلمين منا وغير المتعلمين على اختلاف منازلهم والمثقفين وغير المثقفين، ويتقارب المتحدثون بهذه اللغة العامية على اختلاف أقدارهم ومنازلهم فيتم التفاهم في يسر وسرعة في أكثر الأحيان ويتباعدون بسبب هذا الإختلاف حتى يتعذر التفاهم .
   من حلال التعريفات السابقة نستطيع أن نفرق بين الفصحى والعامية، وأهم الفروق فيما يلي :
1.         كانت اللغة العربية الفصحى فيها الخصائص اللغوية وهي من النواحى الصوتية لتحليـل الاصوات اللغوى من احروف الكلمــات التى تدل على معـان معــينة، والنواحى الصرفية لتحليل الميزان الصرفية والصيغ العربيـة. والنـواحى النحـوية لتحليل التراكيـب الاعرابيــة. والنـواخى الـدلالة لتحليل اللغـوية من أدقة المعانى المقصــودة. ولذلك تراعى اللغة العربية الفصحى في النطق من الحركات الاعراب واختيار الكلمات وأصول صحة النحوية.
2.         اللغة العربية الفصحى هي اللغة القرآن الكريم الذى أنزل إلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم هدى للناس، وهي أفصح اللغة العربية. كانت اللعة العربية العامية تقابلها اللغة العربية الفصحى لخلوها عن القواعد الثابتة من التراكيب الاعرابية وهي من النواحى الأربعة. قد تكلمت هذه اللغة بلهجات مختلفة بين الشعوب العربية وهي لغة سهلة لخلوها من الاعراب. يتكلم اللغة العامية بلفظ شائع، ومما بالحصر أو بالتقلب الحرف التى سهل لهم عند النطق. مثلا يقول " كيف حالك " بقول "إ ش لونك " أو " إزيك " أو "لا بأس عليـك "، قد يكون العامية بحدف احد الحروف من اللفظ الواحد، مثلا في قولـ " أحد عشر " بلفظ حد عشر (بحدف الالف). وتستخدم هذه اللغة في الشؤون العادية اليومية، وهي لغة المعاملات اليومية في السوق ولغة التخاطب غيرالرسمى واللغة التى تستخدم في البيت. وقد تستعمل هذه اللغة بالجمل القصيرة والكلمة الشائعة والتراكيب السهلة كما أنها تظهر اللهجة الجغرافية.
3.         كانت اللغة العامية لغة العامة وهي خلاف الفصحى. والعامة هو من يتكلمون بلغة مختلفة عن الفصحى، وأن العامة من العامى يدل على أن اللفظ عندهم قريب من الجهل وبعيد من العلم الذى هو نور. وكانت العامية أسهل على المتكلم بها من أي لغة أو لهجة مفروضة عليه.
4.         كانت اللغة العربية العامية يتكلم بلهجات مختلفة لاختلاف الثقافات و الحضارات بين الشعوب العربية. ولذلك أن العامية غير قادرة على تحقيق التفاهم بين كافة الأقاليم العربية بل أنها لا تحقق التفاهم حتى بين أبناء الأقاليم الواحدة.وفي تطورها كانت اللغة العربية العامية أكثر من الفصحى في استعمالها اليومية لخلوها من القواعد الاعراب. واستخدام اللغة الفصحى تحويل درجة العليا في المجتمع، لأنها هي اللغة التعليمة ويتكلم بالفكر الذكى.ونذكرها فيما يلي مجموعة من الأمثلة كما في الجدول الآتي:
الفصحى  العامية
طيب      كويس
كيف حالك            إز يك
ذهب       راح
إنتظر      إستنى
ماء        مويا
الآن       دالوقت
جوراب   شراب
في الداخل جوة
في الخارج            برة
حقيبة      شنطة
النافذة      طاغة
 الحذاء    جزمة
مبكرا      بدري
السارق    حرامي
ماذا تريد ؟            إيش تبغى ؟
مجانا      بلاش
أن لغة العرب القدامى كانت العربية الفصحى كما نعهدها في القرآن الكريم والشعر الجاهلي ثم إنه عندما خرج العرب من موطنهم إلى مواطن الأرامية والفارسية والقبطية فقدوا ملكة اللسان، وأخذت الركاكة والعجمة تتسرب إلى لسانهم فنشأت اللهجات.     
ظهرت العامية في البداية بظهور مخالفة العرب عن قوانين اللغة العربية الصحيحة أو ما عرف باللحن، ومعروف أن اللحن بدأ في الإعراب على يد الموالي والمعتربين منذ عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستمر في عهود  الخلفاء الراشدين وبني أمية ، قال أبو طيب اللغوي: واعلم أن أول ما احتل من كلام العرب فأحوج إلى تعلم الإعراب، فقد روي أن رجلا لحن بحضرته فقال: أرشدوا أخاكم، وروي عن الشعبي أنه قال: لأن أقرأ وأسقط أحب إلي من أن أقرأ وألحن، وروي أن عمرو بن الخطاب مر على قوم يسيئون الرمي فقرعهم فقالوا: إنا قوم متعلمين، فأعرض مغضبا فقال: والله لخطؤكم في لسانكم أشد علي من خطئكم في رميكم .
تقتضي نواميس اللغات أنه متى انتشرت اللغة في مناطق واسعة من الأرض وتكلم بها طوائف مختلفة من الناس، إستحال عليها الإحتفاظ بوحدتها الأولى أمدا طويلا، بل لا تلبث أن تنشعب إلى لهجات. وتسلك كل لهجة هذه اللهجاتفي سبيل تطورها منهجا يختلف عن منهج غيرها، وهناك السبب في انشعاب هذه اللهجات عن العربية الفصحى إلى عوامل كثيرة من أهمها ما يلي :
1.         انتشار اللغة العربية في منطق لم تكن عربية اللسان. فقد تغلبت اللغة العربية على اللغات اليمنية القديمة في معظم بلاد اليمن، وعلى اللهجات الآرامية في معظم بلاد العراق والشام، وعلى الألسنة القبطية والبربرية والقبطية والكوشية في مصر وشمال إفرقيا و شمال إفرقيا وشرقها. ومن المقرر أن اللغة الغالبة ينالها كثيرمن التحربف في ألسنة المحدثين من الناطقين بها)المغلوبين لغويا(تحت تأثير لهجاتهم القديمة وأصواتها ومفرداتها وما درجوا عليه من عادات في النطق،وقد كان لهذا أثر واضح في احتلاف هذه المناطق الجديدة بعضها عن بعض واختلافها عن اللسان العربي الأول.
2.         عوامل اجتماعية سياسية: كااستقلال البلاد العربية بعضها عن بعض، وضعف السلطان المركزي الذي كان يجمعها ويوثق ما بينها من علاقات، فمن الواضح أن انفصام الوحدة السياسية يؤدي إلى انفصام في الوحدة الفكرية واللغوية.
3.         عوامل اجتماعية نفسية تتمثل فيما بين سكان هذه المناطق من فروق في النظم الإجتماعية والعرف والتقاليد والعادات ومبلغ الثفافة، ومناخي التفكير والوجدان وما إلى ذلك، فمن الواضح أن الإختلاف في هذا الأمور يتردد صداه في أداة التعبير.
4.         عوامل جغرافية، تتمثل فيما بين سكان هذه المناطق من فروق في الجو وطبيعة البلاد وبيئتها وشكلها وموقعها، وفيما يفصل كل منطقة منها عن غيرها من جبال وأنهار وبحيرات وهلم جر، فلا يخفى أن هذه الفروق والفواصل الطبيعية تؤدي عاجلا أو آجلا إلى فروق وفواصل في اللغات.
ومن خلال تلك الفروق يتضح لنا أن اللهجات العاميةأو المحلية تخرج عن قيود الفصحى وقواعد اللغويين والنحاة، ولذلك لقد نبه العلماء على ذلك من المحاولة من دعاة النهضة والتقدم في محاربة هذه اللغة والنيل منها بإذكاء هذه العامية ومزاحمتها  للفصحى بل إن بعضهم نادى بالتأليف بالعامية والهدف من ذلك هو النيل من كتاب الله عن طريق محاربة الفصحى ومزاحمتها بهذه العامية، بل اعتبرواها السبب في تأخر العرب، ودعوا إلى استخدامها في التأليف والمخاطبة، وإلقاء المحاضرات وعقد الندوات وتأليف الكتب بهذه العامية من ذلك :
أ‌.          ويلكوكس، الذي بذل جهدا كبيرا في محاربة الفصحى بنثر الرسالة تتعلق بااتخاذ العامية لغة للتعليم بدلا من الفصحى.
ب‌.        محاضرة لويس ماسنيون في بيروت للدعوة إلى العامية وكتابتها بالحروف اللاتنية.
ت‌.        سلامة موسى الذي دعا إلى هجر اللغة الفصحى  والكتابة باللغة العامية.
وفي هذه الحالة يقول طه حسين " في مقالة له بعنوان "مستقبل الثقافة في مصر" بان اللغة العربية الفصيحة سوف تكون لغة الدين فقط إذا لم تهتم الدول العربية بتعليمها وانتشارها بين عامة الشعب عن طريق التثقيف للجميع لأنها قليلة الاستعمال، مع تعلم نحوها على القدر الكافي لتفي مهمات الحياة الضرورية.
     يقول إبراهيم  السامرائي (1973) في كتاب له بعنوان "تنمية اللغة العربية في العصر الحديث" انه يراد باللغة العربية أن تكون لغة العرب بينما العرب يجهلونها، حتى أن معلم اللغة العربية نفسها يجهلها بسبب عدم قدرته على الإعراب، وان على اللغة أن تيَسّر نحوا وصرفا وبناء ورسما لتصبح لغة صالحة للكلام والفكر والكتابة، لأنه يصعب إيصال العلم الحديث بواسطتها بسبب مفرداتها الثابتة والغير قابلة للتغيير.
أجرى سامي الرباعي بحثا في مجلة أمريكية قام من خلالها بتقويم كفاءة الطلاب في استخدام الفصحى، وأظهر البحث أن الطلبة سجلوا أخطاء إملائية، صرفية ونحوية والسبب في ذلك هو الفجوة بين الفصحى والعامية، وهذا البعد هو السبب المباشر في انتشار الأمية في الوطن العربي وسبب في ضعف مستوى الأداء اللغوي عند الطلبة العرب. هناك دراسة لصلاح عياري (1996) تدعم الرأي القائل أن الازدواجية وصعوبة تعلم الفصحى هما سبب في انتشار الأمية. أما فرجسون فقد علق على هذا الموضوع قائلا: إن الازدواجية لا تشكل عاملا نحو الأمية طالما بذلت الجهود الكافية لمحو الأمية، وكانت هناك اتصالات مباشرة بين الأقاليم والطبقات أو تشكيل نمط لغوي موحد للعرب "يمثل الاستقلال والسيادة العربية". 
وقد حاول أعداء الإسلام و العربية محاربة هذه اللغة بشتى الوسائل ومنها الإزدواجية اللغوية، وهذه الإزدوجية تمثلت في شيئين: الصراع بين الفصحى والعامية، والدعوة إلى اللغة الأجنبية.
ومن الأمراض اللغوية في حياة العربية ورود الأخبار كثيرة تؤيد أن العامية رافقت الفصحى منذ الجاهلية، ولقد نفى هذا الدكتور شوقي ضيف وألف كتاب تحريفات العامية للفصحى في القواعد والبنيات والحروف والحركات حيث قال تهمل العامية المصرية الإعراب، وهو تغيير الحركات في أواخر الأسماء والأفعال المعربة، وهو من أهم خصائص الفصحى، إذ يقف المتكلمون بالعامية على أواخر الكلمات بالسكون. ولم تعرف بذلك قبيلة من القبائل العرب قديما، إنما ندا ذلك على ألسنة بعض الشعراء أحيانا لضرورة الشعر، ممايجعل سيبويه يقول في الكتاب إن العرب يسكنون حرف المرفوع والمجرور في الشعر، ويمثل ذلك بقول امرىء القيس: فاليوم أشرب غير مستحقب  إثما من الله ولا واغل،و سكن امرؤ القيس الفعل المضارع أشرب وحقه الرفع، وهو مثال وحيد في شعره .
1.         ومعروف أن إهمال الإعراب لا يخص العامية المصرية وحدها بل يشمل جميع العاميات في البلاد العربية، إذ لم يكن سكانها يعربون الكلام في لغاتهم الأصلية، فلما نطقت العربية واتخذتها لسانا لها أخذت تهمل الإعراب تدريجا، حتى انمحى منها حلال قرون متفاوتة بتفاوت الشعوب التي حلت العربية في ألسنتها محل لغاتها القديمة، وبمثل عاميتنا أولغتنا الدارجة ظلت تهمل الإعراب في لغتها العربية المستحدثة شيئا فشيئا، حتى أحملته إهمالا تاما .



المراجع

أحمد عبده عواض، في فضل اللغة العربية، مركز الكتاب، القاهرة،2000.
أمال أبو فارس، قاضية إزدواجية اللغة العربية وتأثيرها على الدارسين،www.kremelna.com.
أميل بديع يعقوب، فقه اللغة العربية وخصائصها، دأر الثقافة الإسلامية،بيروت.
أنيس فريحة، اللهجات وأسلوب دراستها، دار الجيل، بيروت.
توفيق محمد شاهين، علم اللغة العام، مكتبة وهبة، القاهرة، 1980.
توفيق محمد شاهين، عوامل تنمية اللغة العربية، مكتبة وهبة،القاهرة، 1980.
تمام حسن، الأصول دراسة إيقستيمولوجية للفكر اللغوي عند العرب)النحو فقه اللغة والبلاغة(،الهيئة المصرية العامة للكتاب، مصر: 1982.
هدايات، اللغة العربية والتحديات عبر العصور، بحث مقدم في المؤتمر الدولي للغة العربية، جاكرتا: 2012.
صبحي صالح، دراسات في فقه اللغة،دار العلم، بيروت، 1960.
محمود سليمان ياقوت، فقه اللغة وعلم اللغة، دار المعرفة، مصر، 1993.
ميشال زكريا، بحوث ألسنة عربية،دار العلم، بيروت، 1992.
علي عبد الواحد وافي، فقه اللغة، دار النهضة مصر، القاهرة: 1945.
شوقي ضيف، تحريفات العامية للفصحى في القواعد والبنيات والحروف والحركات، دار المعارف، القاهرة.
مبروك أحمد بلحاج، دور الدولة في الصراع الفصحى مع العاميات، بحث مقدم في المؤتمر الدولي للغة العربي، جاكرتا: 2012.
نعيمة سالم الزليطي، الإزدواج اللغوي، بحث مقدم في المؤتمر الدولي للغة العربي، جاكرتا: 2012.
سليمان بن إبراهيم العابد، التنوع بين العامية والفصحى وعلاقته وأثره على برامج تعليم العربية، بحث مقدم في المؤتمر الدولي للغة العربي، جاكرتا: 2012.

ليست هناك تعليقات: