2015/09/19

لغة الضاد

لماذا تضحك وتشعرني أنك تهزأ بي كلما خاطبتك بلسان عربي مبين؟ لماذا تجيبني بلسان أقل ما يقال في حقه أنه لسان لا شرقي ولا غربي، لسان صنعه تردي المجتمع الذي نعيش فيه، هذا المجتمع الذي تقطعت أوصاله الثقافية والفكرية والحضارية منذ زمن بعيد بفعل الإقطاع والاستبداد والشعوذة، فأصبح لقمة سائغة للاستعمار الذي عمل كل ما في وسعه لاغتيال هوية المجتمع العقدية والثقافية والحضارية، هذا المجتمع الذي أصبح قاب قوسين أو أدنى من الزوال الحضاري، بل أصبح مهددا بالإبادة كما
تباد الحيوانات والنباتات، هذا المجتمع الذي خرج من التاريخ في الوقت الذي دخلت مجتمعات أخرى إلى التاريخ من بابه الرسمي الواسع، ألا ترى أن اللغة العبرية التي كانت بالأمس القريب لغة طقوس دينية ليس أكثر، عمل أهلها بجد واجتهاد حتى أخرجوها من قبرها، فرمموها وقعدوها وأعطوها الأدوات الضرورية لكي تغادر شرنقتها وتحلق في أجواء العلوم والثقافة والمعارف، بل وفي مجال الدراسات والأبحاث، فأصبحت تنافس اللغات الأوروبية القوية المسيطرة في مجالات الذرة وغزو الفضاء وثورة الاتصالات؟ ألا تعلم أن أهل العبرية في الوقت الراهن وهم منحدرون من آفاق شتى، منهم الأشكناز من أوروبا الشرقية، ومنهم السفرديم من العالم العربي، ومنهم كذلك الفلاشا من الحبشة، كلهم أجمعوا وقرروا أن لا يكون التواصل في مجتمعهم إلا باللغة العبرية الحديثة الإيديش، إن على مستوى التربية والتعليم، أو على مستوى الثقافة والفكر والبحث العلمي، أو على مستوى السياسة والاقتصاد، أو القانون والقضاء، أو على مستوى الأمن والدفاع، أو على مستوى التواصل الاجتماعي، في البيت والشارع والأسواق والمنتديات والمؤتمرات والمهرجانات.
لقد نجحوا في مشروعهم هذا، مشروع إحياء اللغة العبرية، وجعلوها العمود الفقري لهويتهم ووجودهم، وكذلك الحديث عن الصين، تلك القارة أو شبه القارة التي وصل تعداد سكانها مليون ونصف مليون نسمة يزيد أو ينقص، والتي تتألف من عدة قبائل وشعوب، وملل ونحل، والتي كانت هي الأخرى بالأمس القريب جدا، يتكلم أهلها عدة لغات ولهجات، والتي كانت الأمية متفشية فيها حتى النخاع، والتي كان طلابها يذهبون إلى الخارج ليدرسوا العلوم بلغات أجنبية مختلفة، هذه الصين فجرت ثورة داخل مكوناتها الاجتماعية: الثورة الثقافية التي أراد مخططوها من ورائها أن تنقل الصين من عهد الضعف والتخلف المشهود، إلى عهد القوة والمنعة المنشود، العهد الذي يعتمد أساسا على توحيد اللسان في كل المجالات لتنصهر كل القبائل والشعوب الصينية في بوثقة واحدة تصنع الأجيال القوية الفخورة بلغتها وهويتها ووطنها. ولقد أصبحت الصين فعلا القوة المالية والاقتصادية الأكبر، باعتراف زعماء الغرب وخبرائه، بل وأصبحت قوة علمية وتكنولوجية تهدد الآخرين بأفول عهدهم الزاهر، فمن كان يظن أن العبرية ستفرض وجودها بين اللغات الفاعلة في التاريخ المعاصر، ومن كان يعتقد أن اللغة الصينية قد تصبح يوما ما لغة يتهافت عليها شباب الغرب أملا في الحصول على عمل في الصين أو تعاقد مع أهل الصين، ينقذهم من شبح البؤس والجوع الذي يهدد مجتمعاتهم. إنني أخاطبك يا ابن بلدي، هل أصغيت إلي...أم أنك مازلت في غياهب الجهل بما يدور حولنا وما يحاك ضدنا؟ إن اللغة، أي لغة، كيفما كان أصلها وتاريخها وحاضرها لا يمكن أن تتغلب على عقمها وضعفها إلا بإرادة أهلها، فهي قوية بقوة أهلها، وضعيفة بضعفهم، وأهل اللغة العربية هو أنت وأنا والآخر، ولا يليق أن ننجر إلى متاهات العرقية، يعني أن نعتقد أن اللغة العربية هي لغة العرب الذين يسكنون الجزيرة العربية ليس غير، هذا خطأ فادح وكيد وتضليل. إن أبناء اللغة الإنجليزية مثلا، ليسوا كلهم منحدرون من الجزر البريطانية، بل العكس هو الصحيح، فاللغة الإنجليزية هي اللغة القومية لعدة دول منتشرة عبر القارات الخمس، فكذلك اللغة الاسبانية والفرنسية والروسية.
إن اللغة العربية تتكلمها قبائل وشعوب متفرقة في كل أرجاء المعمور. والعربي أو العروبي، لا مشاحة في الألفاظ هو الإنسان الذي اتخذ العربية لغة وجدانه وهويته، فعليك أن توطن نفسك يا ابن بلدي، عليك أن تختار لغة لوجدانك وهويتك، فالمجتمع الذي أنت ثمرة منه، مجتمع تدين أغلبيته الساحقة : بدين الإسلام، هذا الدين الخالص القيم الذي قال عنه البارئ سبحانه وتعالى:" إن الدين عند الله الاسلام" وقال كذلك:" ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه" والله تعالى أنزل القرآن بلسان عربي مبين ليتعبد به، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، فتعلم اللغة العربية واجب على كل مسلم ومسلمة، وإلا كيف يمكن أن نفهم تعاليم الشرع الحنيف بلغة أعجمية؟ فحذار من السقوط في دهاليس النعرات، وحذار من السقوط في أحضان التغريب أو التشريق معا : " وأن هذه أمتكم أمة وسطا وأنا ربكم فاعبدون" فكيف يمكن لأمة أن تكون وسطا إن لم تجعل من عقيدتها الركن الأساس لهويتها؟ وكيف لها أن تجعل من هذه العقيدة هويتها وهي بعيدة عن لغة القرءان، لغة نبيها العربي؟.. يا ابن بلدي...ارفع رأسك...وافخر بهويتك وصن عقيدتك...وتكلم لغة الضاد، لغة القرءان...لغة الوجدان، فالتغيير آت بإذن الله...فلا تكن على جنباته مع هؤلاء المهزومين، كن من صناع المستقبل المشرق المضيء ، كن مع الذين يؤمنون بالغد الأفضل، ويعملون من أجل تحقيقه.
"ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب ربنا إنك جامع الناس ليوم لا ريب فيه إن الله لا يخلف الميعاد."

ليست هناك تعليقات: