2015/10/09

لهجات العراق.. تنوّع يؤوب إلى الفصحى

بغداد - ميمونة الباسل
3 أغسطس 2015

تتنوع اللهجات داخل بلاد الرافدين، وقد يعود ذلك لتنوع سكانه من قوميات وأقليات وجدت في العراق يوما ما ملاذا آمناً لها، هذا التنوع جعل اللسان العراقي يتكلم بعدة لهجات أبرزها اللهجة البغدادية والموصلية والبصراوية.
وتعد اللهجة البغدادية هي الأقرب إلى الفصحى، وتتسم ببساطتها وسهولتها، تليها اللهجة الموصلية شمال العراق وتعرف بـ(المصلاوية)، وهي قريبة من اللهجة السورية والفصحى؛ حيث يغلب على مفرداتها استخدام حرف القاف، أما البصراوية التي تنتشر جنوب البلاد، فهي أقرب اللهجات العراقية للهجة الخليجية والبدوية، وتختلف بشكل واضح عن لهجة الريف الجنوبي.

كذلك توجد لهجة سكان الأنبار غربا، والتي تكون قريبة من اللهجة البغدادية مع كثرة المفردات البدوية، فضلا عن لهجة جنوب العراق، والتي تتسم بقربها من المفردات البدوية القديمة نظرا للبيئة الصحراوية البدوية، إضافة إلى مفردات أخرى خاصة بكل محافظة.

ويوضح الأكاديمي العراقي والخبير بعلم اللغة الدكتور حامد الراوي، أن: هناك مجموعة من اللهجات تتوزع على جغرافية العراق، وهي تتشابه وتتباين بدرجات متفاوتة.

 مشيرا إلى أن اللهجات العراقية في الغالب الأعم، تطغى عليها المفردات المتوارثة من اللغة العربية الفصحى، وهي تمثل الجزء الأكبر في الاستعمال اللغوي لمختلف البيئات اللغوية العراقية، عدا استثناءات القوميات غير العربية.

التعديل والتحريف
وأضاف الراوي في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن الاستعمال اللغوي للمفردات ذات الأصل الفصيح، قد يخضع لنوع من التعديل أو التحريف؛ عند استعمالها في اللهجات العراقية، من ذلك قلب الحروف أو تقديم حرف على حرف أو التلاعب بالحركات، فاللهجات العراقية تعتمد كغيرها من اللهجات بل واللغات أيضا، على الاقتراض اللغوي، أي أنها تستعين على بعض المعاني بمفردات مأخوذة من اللغات الأخرى؛ كالتركية والفارسية والإنجليزية وغيرها.

وبيّن أن اللهجات تختلف من محافظة إلى أخرى، فلهجة سكان الموصل تختلف عن لهجة البصرة أو العمارة، بل تختلف اللهجات داخل المحافظة الواحدة، فنجد أن لهجة أهل هيت تختلف عن لهجة سكان الرمادي.. وهكذا، لهذا لا يمكن التعميم إلا على نقاط التشابه.

وقال الراوي إن اللهجات العراقية غالبا ما تُجري على الألفاظ المقترضة أشكالا من التعديلات لتناسب الطبيعة الصوتية لمستخدمي اللهجات المحلية، مثلا مفردة (Train- بمعنى القطار)، حوّلها الاستخدام العراقي عند أهل الجنوب إلى (ريل).

هوية الكلمة
وقد يكون من الصعب معرفة هوية الكلمات المأخوذة من اللغات المجاورة، لأن كثيرا منها تستخدمه تلك اللغات وتدّعي أحقيتها بها، فلفظ "جاي خانه"، الذي كان مستخدما في الماضي، لا يمكن الجزم هل هو فارسي أو كردي، لأن كل لغة منها تدعي أنه لفظ أصيل من ألفاظها، وكذلك نوروز وغيرها من الألفاظ.

وأوضح الراوي أن مستخدمي اللغة يميلون إلى المفردة الأسهل في الاستعمال، وليس الأصح أو الأقرب إلى أصولهم، كما تفرض علينا أحيانا الأجهزة الصناعية عددا كبيرا من المفردات، ومن هنا جاءت المفردات الإنجليزية، مثل "كراج" وتعني مرأب، و"بايسكل" والتي عربت بـ(دراجة هوائية)، ويميل الناس إلى استخدام لفظ "بايسكل" فقط لأنه أسهل، بالإضافة إلى أن نمط الحياة الجديدة هو الذي يزرع مجموعة من الألفاظ التي تطغى على لهجات سكان البلاد.


ونوّه الراوي إلى أنه لا يمكن لأي احتلال في العالم أن يفرض لغته، معللا ذلك بالقول: احتل المغول بغداد ولم يفرضوا كلمة واحدة على أهل العراق، مبيناً أن بعض المفردات الأجنبية تأتي من الأنظمة الإدارية للمحتل.

وأوضح أن بعض المفردات جاءت من اللغة الكردية بحكم التعايش مع الأكراد في بلد واحد، فكلمة "زرده" كردية وفارسية، و"زرد" يعني أصفر بالفارسية والكردية، وهي نوع من الحلوى تقدم في الأفراح ومناسبات دينية مختلفة، و"جندرمة" كلمة عثمانية وكذلك "سفر بلك".

وحول صعوبة فهم اللهجة العراقية، علل ذلك بأنها محكومة بأساليب غير مألوفة، مثل هذه الجملة غريبة الأسلوب "رح أكعده من النوم" وتعني "سوف أوقظه من النوم".
والأسلوب الثاني صوتي، وهو يتعلق بإبدال الحرف العربي بحرف أجنبي، مثل كلمة "قال" تلفظ عراقيا "كال"، وكلمة "أحبج" بدلا من أحبك، وهو أثقل وأسوأ صوت في الاستخدام.
إضافة إلى سبب صوتي آخر يتمثل في كثرة استخدام أصوات التفخيم، كما هو الحال في لفظ العراقيين لكلمة "خَلّ".

هذه الأساليب وغيرها، جعلت من اللهجة العراقية والتي هي أقرب اللهجات إلى الفصحى، غير مفهومة عند الشعوب الأخرى.

يذكر أن اللهجة العراقية انتشرت في السنوات العشر الأخيرة؛ بسبب هجرة العراقيين إلى الخارج، والانفتاح على التكنولوجيا، ومنها (مواقع التواصل الاجتماعي)، مما ساعد في انتشار اللهجة، بين المجتمعات العربية، بصورة أفضل من ذي قبل، بعد أن كان العراق يعيش في عزلة لعقود من الزمن.

كما أن الإعلام بعد الاحتلال الأميركي عام 2003، وانتشار الفضائيات العراقية التي تعتمد في برامجها على اللهجة المحلية، ساهم في فهم الكثير من المفردات العراقية التي لم يكن ليفهمها غير العراقيين، ولعل أكثرها انتشارا عبارة (شكو ماكو)، والتي تعني "ماذا هناك، أو أخبرني بكل جديد".

ليست هناك تعليقات: