2016/02/09

التطورات اللغوية وأثرها في استبدال أسماء الأيام والشهور

مجالس - التطورات اللغوية وأثرها في استبدال أسماء الأيام والشهور

 

 اللغة العربية هي أم لُغات شبه جزيرة العرب، وعنها تفرَّعت اللغاتُ السامية الأُخرى كالآرامية والآشورية والعبرية والكنعانية؛ وما أشبه ذلك من اللغات، وتعدَّدت لهجاتُ القبائل العربية قَبْلَ الإسلام، ثمّ نَزَلَ القرآنُ الكريم بلُغة قريش، فأصبحت القُرشيةُ جامعاً للمتكلمين بالعربية على اختلاف لهجاتهم، وشكّلَ مجيءُ الإسلام نقلةً متطورةً في عالَمِ اللغة، إذ حلّت كلماتٌ مكانَ كلماتٍ، وأسماءٌ مكان أسماء، وأنجز المسلمون مصطلحاتٍ إسلاميةٍ تُعارضُ الوثنية التي سادت الجزيرةَ وغيرها في الجاهلية.

وتأثرت أسماء الأيام والشهور بالتطور اللغوي الإسلامي، وشهدت المعاجم العربية بذلك.

يقولُ اللغوي ابن سيده في المخصص: أسماء الأيام في الإسلام: الأًسْبُوع: جُمَاعُ الأيام السبعة، فأوَّلها الأحدُ بدليل التسمية، والمعنى من حيث لم يَبْلُغْنَا إلا بحسب القياس واستعمال الجمهور وهمزته بدل من واو الوَحَد؛ لكنه لم يستعمل في اليوم إلا مبْدَلاً، ورُبَّ شيء هكذا، والجمعُ: آحادٌ على حَدِّ ما يُكسّر عليه الأحَدُ قبل تسمية اليوم به. والثاني: الاثْنَانِ كأنَّهُ تَثْنِية الاثْنِ من التثنية، وألفُه وصلٌ كابْنِ على ما هو عليه قبل التسمية، والجمعُ: أثناءٌ، كأنهم جمعوا أثْناء كأبْنَاءٍ، وحكى سيبويه: أن من العرب من يقولُ: اليوم الثِّني مُقرٌّ على لفظ الإفْرادِ. الثالثُ: الثَّلاثاء: كان حُكْمُه الثالثَ، ولكنهم صاغُوه هذه الصيغة لمكانِ العَلمية أو الجِنْسِية المشاكِلَةِ للعَلمية. قال سيبويه: قد يكون الاسمانِ مشتقين من شيء ومعناهما واحد، وبناؤهما مختلف، فيكون أحد البناءين مختصاً به شيء دون شيء؛ كهذه النجوم؛ يعني: الدّبران والسّمَاك والعَيُّوقَ. قال: وبمنزلة هذه النجوم: الثلاثاءُ والأربعاءُ. أي: أنه إنما كان حكمها: الثالث والرابع. فأُفْرِدَ اليومان بهذين البناءين. قال: ولا تُصَغَّر الثَّلاثاءُ؛ والأرْبِعاء. الرابع: الأربعاء؛ وفيه لغتان: فتح الباء وكسرها، والقول فيه كالقول في الثَّلاثاء. الخامس: الخميس؛ خَصّوه بهذا البناء كالثلاثاء والأربعاء، وكان حكمُه الخامس. السادسُ: الجُمعَةُ؛ وليس هذا من لفظ العدد، وإنما سمي به لاجتماع الناس فيه، أو لإجماعهم على تفضيله، ويقال: الجُمْعَةُ والجُمُعَةُ. السابع: السبت؛ موضُوع السَّبْتِ: السكونُ، سَبَتَ يَسْبِتُ سَبْتاً: سَكَن، وأصلُه أن الله تعالى بَدأ خَلْقَ السمواتِ والأرضِ الأحَدَ، وفَرَغَ من خَلْقِهن الجُمعة، ولم يَخْلُق يوم السَّبْت شيئا، فكأنَّ الخَلْق سَكَنُوا.

أما أسماء الشهور فقد استبدلت بأسماء جديدة، وقد أوضحها ابنُ الكَلْبيِّ الذي قال: كانت عادٌ تُسَمِّي المُحَرَّم: مُؤْتَمِراً، وصَفَرَ: نَاجِراً، ورَبِيعاً الأَوّلَ: خُوّاناً، وربيعاً الآخِرَ: بُصَاناً، وجُمَادَى الأُولى: رُبَّى، وجُمادَى الآخِرَة: حَنِيناً، ورَجَبَ: الأَصَمَّ ، وشَعبانَ: عاذِلاً، ورمضانَ: ناتِقاً، وشَوالاً: وَعِلاً، وذا القَعْدَةِ: ورْنَةَ، وذا الحِجَّةِ: بُرَكَ.

ويؤكدُ ذلك المُفَضَّلُ الضَّبِّيُّ الذي قال: اسْمُ شَعْبَانَ في الْجَاهِلِيَّةِ: عَاذِلٌ، ورَمَضَانَ: ناتِقٌ، وشَوَّالٍ: وَعْلٌ، وذِي القَعْدَةِ: وَرْنَةُ، وذِي الْحِجَّةِ: بُرَكُ، ألخ...

وأَنْشَدَ بعضهم: «يَلُومُنِي الْعَاذِلُ في حُبِّهِ * وما دَرَى شَعْبَانُ أَنِّي رَجَبْ».

وفي هذا البيت توجد تَوْرِيَةُ، لأنَّ رَجَباً اسْمُهُ: الأَصَمُّ، فَكَأَنَّهُ يَقولُ: وما دَرَى اللاَّئِمُ العَاذِلُ في الهَوَى أَنِّي أصَمُّ، لا أَسْمَعُ الْمَلاَمَ.

اسم رمضان

قيل: اشتُقَ اسم رمضان من رَمَضَ، والرَّمْضُ؛ مُحَرَّكَةً: شِدَّةُ وَقْعِ الشَّمْسِ على الرَّمْل وغَيْرِه، كما في الصّحاح والعُبَاب. ومنه حَديثُ عُقَيْل: «فجَعَل يَتَتَبَّعُ الفَيْءَ من شِدَّةِ الرَّمَضِ». وقيل: الرَّمَضُ: شِدَّةُ الحَرِّ، كالرَّمْضاءِ، وقيلَ: هو حَرُّ الحِجَارَةِ من شِدَّةِ حَرِّ الشَّمْس. وقيل: هو الحَرُّ، والرُّجُوعُ من المَبَادِي إِلى المَحَاضِر، كما في اللِّسَان، وقد رَمِضَ يَوْمُنَا، كفَرِح: اشْتَدَّ حَرُّه، كما في الصّحاح، رَمِضَتْ قَدَمُه رَمَضاً: احْتَرَقَتْ من الرَّمْضَاء، كما في الصّحاح. ويُقَالُ أَيْضاً: رَمِضَ الرَّجُلُ يَرْمَضُ رَمَضاً، إِذا احْتَرَقَت قَدَمَاه من شِدَّةِ الحَرِّ. والرَّمْضَاءُ: اسمٌ للأَرْض الشَّديدَةِ الحَرَارَةِ. قال الجَوْهَرِيّ: ومنه الحَديثُ: «صَلاةُ الأَوَّابينَ إِذَا رَمِضَت الفِصَالُ منَ الضُّحَى» أَيْ: إِذا وَجَدَ الفَصِيلُ حَرَّ الشَّمْسِ من الرَّمْضَاءِ. يَقُولُ: «فصَلاةُ الضُّحَى تِلْكَ السَّاعَةَ». وقال ابنُ الأَثير: هو أَنْ تَحْمَى الرَّمْضَاءُ، وهي الرَّمْلُ، فتَبْرُكَ الفِصَالُ من شدَّةِ حَرِّهَا وإِحْرَاقِهَا أَخْفَافَها، وأَنشَدَ الصّاغَانيّ لِذِي الرُّمَّة يَصِف الجُنْدَبَ:

«مُعْرَوْرِياً رَمَضَ الرَّمْضاءِ يَرْكُضُه / والشَّمْسُ حَيْرَى لهَا في الجَوِّ تَدْوِيمُ».

يقال أَيْضاً: رَمِضَت الغَنَمُ، إِذا رَعَتْ في شدَّةِ الحَرِّ فقَرِحَتْ أَكْبَادُهَا وحَبِنَتْ رِئَاتُهَا، كما في الصّحاح، وفي اللِّسَان: فحَبِنَت رِئَاتُهَا وأَكْبَادُهَا وأَصابَها فيها قَرحٌ. ورَمَضَ الشَّاةَ يَرْمِضُهَا رَمْضاً، من حَدِّ ضَرَبَ: شَقَّهَا وعَلَيْهَا جِلْدُها، وطَرَحَها على الرَّضْفَة، وجَعَل فَوْقَهَا المَلَّةَ لتَنْضَجَ، كما في الصَّحاح. وفي المُحْكَم: رَمَضَ الشَّاةَ يَرْمِضُهَا رَمْضاً: أَوْقَدُوا عليها، فإِذا نَضِجَتْ قَشَرُوا جِلْدَها وأَكَلُوها. رَمَضَ الرّاعِي الغَنَمَ يَرْمِضُهَا رَمْضاً: رَعَاهَا في الرَّمْضَاءِ، وأَرْبَضَها عَلَيْهَا، ومنه قَوْلُ أمير المؤمنين عُمَرَ بن الخطاب رَضيَ اللهُ عنه، لرَاعِي الشاءِ: «عَلَيْكَ الظَّلَفَ من الأَرْض لا تَرْمِضْهَا»، والظّلَفُ: المَكَانُ الغَليظُ الَّذِي لا رَمْضَاءَ فيه، كأَرْمَضَها ورَمَّضَهَا تَرْمِيضاً.

وشَهْرُ رَمَضَانَ، مُحَرَّكَةً، من الشُّهُورِ العَرَبِيَّة معروف، وهو تاسعُ الشهورِ. قال الفرّاءُ: يُقَال: هذا شَهْرُ رَمَضَانَ، وهما شَهْرَا رَبِيعٍ، ولا يُذْكَر الشَّهْرُ مع سائرِ أَسماءِ الشُّهورِ العَرَبيّة. يقال: هذا شعبانُ قد أَقْبَلَ، وشاهِدُه قوله عَزَّ وجَلَّ: «شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذي أُنْزِلُ فيه القُرْآنُ»، وشاهِدُ شَهْرَيْ رَبيعٍ قَوْلُ أَبي ذُؤَيْبٍ:

«به أَبَلَتْ شَهْرَيْ رَبيعٍ كِلَيْهمَا * فَقَدْ مَارَ فيهَا سِمْنُها واقْترارُهَا».

وكذلك رَجَبٌ فإِنَّهُ لا يُذْكَر إِلاّ مُضَافاً إِلى شَهْرٍ، وكَذَا قَالُوا الَّتي تُذْكَرُ بلَفْظ الشَّهْر هي المَبْدُوءَة بحَرْف الرّاء.

ليست هناك تعليقات: