2016/03/12

ملاحظات لغوية... من الكويت

ملاحظات لغوية... من الكويت
أ. خليل علي حيدر
هل ينطق العرب حروف لغتهم بشكل سليم؟ وهل ثمة حاجة إلى إدخال أحرف جديدة إلى الحروف العربية؟ ولماذا تصر شعوب عربية على تحويل الثاء إلى سين، والذال إلى زاي والقاف إلى ألف؟!


إن اللغة العربية، يقول الأديب الكويتي «عبدالله الخلف»، «غريبة على الدول العربية، رغم أن أي نهضة لا تقوم إلا بإعلاء الوطن والارتباط بالأرض، الذي لا يحدث إلا بالارتباط باللغة». وأضاف خلف: «إن اللغة العربية اليوم أخذت تختلط بالماء المالح، وأخذت الملوحة تتغلب على الماء الحلو في الفصاحة».

ويقول خلف في مقابلته مع «الوطن» الكويتية إن الكثير من عرب هذه الدول يلاحظون الطريقة المتميزة لنطق الأحرف في البلدان الخليجية، ويضيف: «عندما كنتُ أدرس في الجامعة، كان الأستاذ عبدالسلام هارون -من عمالقة اللغة وأستاذ معروف - يقول لنا: أنتم أفصح منا».

وتطرق عبدالله خلف إلى مشكلة نطق الحروف قائلا: «المدرسون يأتون من خارج الجزيرة العربية ولا ينطقون الأحرف ذ - ض - ج - ق، فيقولون (ثآفة) بدلاً من ثقافة، وكذلك حرف الصاد ينطقونه سين مثل (سادق) والتي تعني صادق، و(يرتكب إسماً) ويقصد (يرتكب إثماً)، و(سُمَّ) ويقصدون (ثُمّ)». وعن بعض تجاربه الإعلامية، يقول: «أذكر أن الإذاعة المصرية كان يعمل بها مدير اختبار المذيعين واسمه إبراهيم أنيس، وكان متعصباً للعامية لدرجة أن من ينطق الجيم - بغير الطريقة القاهرية- كان يرسب في اختبارات المذيعين. وعندما سألته ذات يوم: إنك تصنِّف الجيم إلى (القرآنية) و(الفصحى) و(القاهرية)، فلماذا تهمل القرآنية والفصحى وتتمسك بالقاهرية؟ أجاب بأنه تطور حضاري».

ومن مشاكل بعض الطلبة العرب مع اللغة الإنجليزية بالذات عدم التمييز في النطق بين حرف B وحرف P، حيث يحتاج الحرف الثاني إلى زمِّ الشفتين وإخراج الهواء بشيء من الضغط، وإلا سُمع مثل حرف الباء. ويقول خلف مشيراً إلى ابتكار لأحد أساتذة اللغة الإنجليزية الكويتيين: «عندما كنتُ صغيراً كان الأستاذ صالح الشهاب يدرِّسُنا اللغة الإنجليزية التي تعلّمها من البريطانيين أنفسهم، وحتى يعلمنا التمييز بين الحرفين كان يأتي بكبريت ويشعل عوده عندما ننطق الحرف، فإذا انطفأ عود الكبريت فإن الحرف هو P، وإذا لم ينطفئ العود فالحرف هو B».

وقد نتساءل على ضوء ما أثاره خلف حول «النطق الخاطئ» لبعض الأحرف العربية: هل كان لتلك الأحرف نطق واحد مشترك استمر منذ ظهور اللغة العربية وحتى اليوم، أم أن ذلك النطق خضع عبر القرون للعديد من المؤثرات؟ وهل كانت القبائل العربية في اليمن ونجد وشمال الجزيرة العربية والحجاز وغيرها، تنطق القاف والجيم والصاد والذال بشكل متشابه، وبما يماثل العربية الفصحى اليوم؟ وهل ثمة احتمال لأن يكون المصريون والشوام قد وقعوا تحت تأثير النطق التركي فغدا هو السائد في التدريس النظامي والجامعات، بينما بقيت المؤسسات الدينية تتبع النطق الصحيح؟ تحتاج الإجابة إلى بحوث لغوية تاريخية مستفيضة. لكن المؤكد هو وجود بعض الاختلافات في نطق الحروف بين القبائل والمناطق والديار العربية منذ قرون طويلة، وكانت اللغة العربية نفسها تعاني أو تزدهر تحت تأثير الغزوات والحملات الأجنبية. وتنقل بعض المراجع عن ابن حزم (ت456هـ) في كتابه «الإحكام في أصول الأحكام» قوله: «إن اللغة يسقط أكثرها ويبطل بسقوط دولة أهلها ودخول غيرهم عليهم، فإنما يقيِّد لغة الأمة وعلومها وأخبارها قوة دولتها ونشاط أهلها وفراغهم، وأما من تلفت دولتهم وغلب عليهم عدوهم فمضمون منهم موتُ الخواطر، وربما كان ذلك سبباً لذهاب لغتهم، وهذا موجود بالمشاهدة، ومعلوم بالعقل ضرورة». ويتحدث ابن منظور (ت711هـ) وكأنه بعض أهل زماننا، فيقول في مقدمة موسوعته «لسان العرب المحيط»، عن أسباب بذل هذا الجهد الجبار في وضع قاموسه الموسّع: «إنني لم أقصد سوى حفظ أصول هذه اللغة النبوية وضبط لفظها، إذ عليها مدار أحكام الكتاب العزيز والسنة النبوية، وذلك لما رأيته قد غلب في هذا الأوان، من اختلاف الألسنة والألوان، حتى لقد أصبح اللحن في الكلام يعد لحناً مردوداً -أي متكرراً- وصار النطق بالعربية من المعايب معدوداً. وتنافس الناس في تصانيف الترجمانات في اللغة الأعجمية، وتفاصحوا في غير اللغة العربية، فجمعت هذا الكتاب في زمن أهله بغير لغتهم يفخرون، وصنعته كما صنع نوح الفلك وقومه منه يسخرون، وسميته لسان العرب، وأرجو من كرم الله تعالى أن يرفع قدر هذا الكتاب وينفع بعلومه الزاخرة، ويصل النفع به بتناقل العلماء له في الدنيا وبنطق أهل الجنة به في الآخرة».

ومن الاهتمامات اللغوية التي أدلى بعض الكتاب الكويتيين بدلائهم فيها، مطالبة بعضهم بزيادة أحرف إلى الحروف العربية المستخدمة حالياً، كي يسهل نطق بعض الأسماء والتعبيرات الأجنبية. فكما خضعت اللغة عبر تاريخها للتنقيط والتشكيل، فمن المطلوب اليوم زيادة هذه الأحرف كي تتضاعف قدرة اللغة العربية في مجالات الترجمة وغيرها، خاصة مع «دخولنا العولمة واستخدامنا مئات الكلمات غير العربية التي أصحبت جزءاً من ثقافتنا ولغتنا اليومية»، كما يقول الكاتب الصحفي الكويتي أحمد الصراف. يثم يضيف: «بما أن الكثير من هذه الكلمات التي نستخدمها بكثافة، خاصة أسماء المدن والأشخاص، تتضمن حروفاً لا توجد في لغتنا، فإن هذا يدفع الكثيرين لنطق تلك الكلمات بطريقة غير دقيقة، ومضحكة أحياناً».

ونتساءل في هذا المجال: هل الكلمة العربية أداة تعبير متجددة تتفاعل مع عصرها وتظهر لها اشتقاقات ومعان جديدة، أم أننا نتوجس من كل تجديد ونخاف من كل تغيير؟ لعل الجواب يكمن في تحديث مجامع اللغة العربية لها، وفي تنشيط أقسام اللغة العربية في الجامعات، وفي تفاعل الكتاب والأدباء والإعلاميين مع مطالب التجديد. إن اللغة الفصحى لا تزال لغة رصينة رسمية تسبح في فلك خاص من الجدية والتعبير عن مجتمع متعال وعلاقات تسمو على الحياة اليومية وأدواتها وابتذالها كما هو واقع الحياة. كما أنها لغة تحظى بمكانة دينية تضفي على استخدامها جواً من الوقار، ولا يمكن استخدامها كبديل للهجات الشعبية.

وقد نكون اليوم أمام أمرين في غاية الأهمية بالنسبة لدور اللغة العربية الفصحى في حياتنا؛ فإما تبسيط قواعد اللغة والإملاء، وربما تجميد أو إلغاء بعضها، وتوسيع مبادئ قبول الكلمات العامية، وهو ما سيُعد ثورة لغوية عربية كبرى، لا نتوقع أن يوافق عليها الكثيرون مهما كانت فوائد هذا التبسيط. وإما الاستمرار فيما نحن عليه من استخدام «اللهجات العامية» والفصحى في مؤسساتنا وحياتنا اليومية بشكل متواز. وفي هذه الحالة سنُدخل بعض التعديلات على اللغة العربية بين فترة وأخرى، ونواصل وضع الكُتب حول «الأخطاء اللغوية الشائعة»، ونطالب مؤسساتنا التعليمية والإعلامية بالمزيد من مراعاة قواعد اللغة، ونتصارع مع النواقص والثغرات. لكن «عربية الشعوب» ستبتعد عن عربية الكتب الموروثة، ويزداد استقلال الإعلام عن لغة الضاد العتيدة، وذلك كله في اندفاع نحو المجهول!

ليست هناك تعليقات: