2016/03/22

اللهجة المهرية.. لهجة محكية في الكويت مهددة بالانهيار

الوطن تنشر دراسة للباحث يوسف البدر يسلط الضوء فيها على نشأتها وأصولها

اللهجة المهرية.. لهجة محكية في الكويت مهددة بالانهيار

 

 

  الباحث يوسف البدر وأحمد بن بخيت أكبر المتحدثين باللهجة المهرية



لهجة عربية قديمة نشأت في جنوب شبه الجزيرة العربية

المهرية أثارت انتباه العديد من علماء أوروبا.. وتدرس في أقدم جامعات هولندا

المستشرقون أقبلوا على دراستها وحفظوا أمثالها وفنون أشعارها

معجم للهجة المهرية في عام 1987 جمعه المستشرق (توماس م.جونستون)

مزاعم استشراقية تخرج المهرية من نطاق اللهجات العربية القديمة

شواهد من القرآن ولغات العرب تفند آراء المستشرقين وتؤكد عروبة المهرية



إعداد الباحث يوسف بدر البدر:
هذا بحث أدرجته تحت عنوان «اللهجة المهرية.. لهجة محكية في الكويت مهددة بالانهيار»، أُلقي فيه الضوء دون تعمق في التفاصيل على لهجة محكية بالكويت، تعاني من الانكماش، وان جاز التعبير فهي «تصارع الموت»، ذلك كونها دخلت في حالة من السبات الشديد، لأسباب أوردناها في البحث، فباتت على شفا حفرة من الهاوية، فرأينا ان نرفع هنا اللثام عن ذلك الخطر الذي يهددها، كما أردنا من جانب آخر ان نثبت عربية هذه اللغة أو اللهجة وأنها ليس كما زعم المستشرقون الذين مالوا بها الى جانب اللغة العبرية في محاولة لنزعها من بيئتها العربية، وهذا جانب مهم للباحثين المتعمقين بعدي.
وفي البداية نسبنا هذه اللهجة في بحثنا الى مصدرها الأصلي، كما أوضحنا كيف عبرت الى الكويت على لسان أصحابها، ثم شرعنا نوضح كيف أثارت هذه اللهجة انتباه العديد من العلماء الأوروبيين الذين نزحوا الى جنوب شبه الجزيرة العربية، فنهلوا منها، وحفظوا من فنون أشعارها، بل امتد بهم الاتقان الى ان أجادوها كأصحابها، ونظموا لها المعاجم، بل أكثر من ذلك عندما أصبحت المهرية أحد المقررات الدراسية في أقدم جامعة هولندية.
ونعود بالبحث الى المهرية في الكويت، فاذا بشعور ينتاب الباحث بالخطر على مستقبل هذه اللهجة، عندما وجدتها تنحصر على مائتي شخص فقط هم عدد الناطقين بها في الكويت.. ويتعمق لديك هذا الشعور بما ينبئك بأزمة حقيقية تنعقد حبالها على عنق هذه اللغة فتخنق أنفاسها..عندما تجد جُل حديث أصحابها بها داخل جدران منازلهم فهي حبيسة الجدران ولا تخرج الى الشوارع الا على استحياء متلفعة برداء من ألفاظ اللهجات المحلية، فلا تكاد تجد ملامحها الفصيحة.
ولم يشأ الباحث ان يتوقف فقط على المصادر والمراجع التي تناولت هذا الموضوع بين ثنايا صفحاتها، بل عمدت في بحثي الى جسده فألقيت في قلبه من نبضات هذه اللغة التي اقتطفتها مستعيراً من العم أحمد بن بخيت أحد أكبر المتحدثين بهذه اللهجة، الذي وفد الى الكويت في الخمسينيات، ذهبنا اليه نحدثه ويحدثنا بلهجته، فيروي لنا عن المهرية، ويخبرنا عن بعض المصطلحات الكويتية التي يستخدمونها الى جانب لغتهم، وكل ذلك ضمناه البحث.
ثم أثرينا البحث بصور التقطناها في «دكانه الشعبي» بسوق المباركية، أرفقناها بالبحث، حتى تحضر اللهجة بأهلها في صورة خلفيتها ذلك المكان الذي تعيش فيه المهرية.
وفي النهاية، نقول اننا أمام قصة لغة تموت في الكويت، ومعلم لغوي عربي أصيل تتطاير ألفاظه من الألسنة يوما بعد يوم، كانت البداية في أعقاب حرب الخليج، بفعل هجرة الكثير من أهلها الأصليين الى جنوب السعودية، ما هددها بالانقراض، فهي الى اليوم تمضي قدماً في الانسلاخ من صدور أصحابها وتُمحى من على الألسنة تدريجياً، فتراها عاجزة تشكو ضعف الناطقين بها، فيبدو حالها وكأنها هيكل ضعيف يتهاوى نحو الموت يوما بعد يوم، لكن أنفاساً أخيرة مازالت تراهن على البقاء في صدور 200 شخص من أبنائها.
وأخيراً نؤكد ان هذا البحث ما هو الا نبذة مختصرة متواضعة، عن اللغة المهرية، حاولنا فيها تسليط الضوء لا تفصيل كل شيء، وفي المراجع التي أشرنا الى بعضها واستقينا من فيضها قطرات أعانتنا في بحثنا، وذيلنا بها البحث عمقا وزيادة وتفصيلا.

< موطن المَهرة:
يطلق اسم المَهرة على مجموعات عديدة من القبائل تقطن السواحل الجنوبية والجنوبية الشرقية من شبه الجزيرة العربية، وأطلق على الأرض التي تقطنها هذه القبائل اسم الشحر أو بلاد الشحر.ويطلق عليها بعض الباحثين منطقة القبائل العادية نسبة الى عاد قوم هود عليه السلام، ثم اصبحت تسمية هذه القبائل شاملة للرقعة الجغرافية والمعروفة اليوم ببلاد المَهرة احدى محافظات اليمن وعاصمتها الغيضة، بينما أصبحت تسمية الشحر تطلق على احدى المدن القديمة للساحل الحضرمي وهي مدينة الشحر عاصمة حضرموت قبل مدينة المكلا.

< نسب المَهرة:
المدلول الأصلي لهذه التسمية (المَهرة) اتفق عليه الهمداني في كتابه (صفة جزيرة العرب) ونشوان الحميري في كتابه (شمس العلوم) فقد أجمعا على ان «مهرة وبُجيد ورُكْب» هم أبناء عمرو بن حيدان بن عمرو بن الحاف بن قضاعة بن حِميَر.

< اللهجة المَهرية:
اللهجة المهرية هي احدى لهجات ثلاث في جنوب شبه الجزيرة العربية وهي أبرزها لاعتبارها تجمع خصائص اللهجتين الأخريين الشحرية والسقطرية، حيث اعتبرها بعض علماء اللغات من المعاصرين والقدماء أصلا للشحرية والسقطرية معاً، واللهجات المهرية والشحرية والسقطرية لهجات رئيسية في كل من منطقة المَهرة في اليمن وظفار في عمان وسقطرى (جزيرة يمنية).أما اللهجات المتفرعة منها فمثل:
< لهجة الهبيوت وهي مهرية صرفة.
< اللهجة البطحرية وهي خليط من الشحرية والمهرية والفصحى.
< اللهجة الحرسوسية والتي هي امتداد للمهرية وان كانت متأثرة كثيراً بالشحرية.
< لهجة جزر الحلانيات (جزر كوريا موريا قرب ساحل ظفار الشرقي) وهي لهجة شحرية.

< المستشرقون واللهجة المهرية:
اللهجة المهرية هي لهجة عربية قديمة، ولقد جذبت اللهجة المهرية انتباه علماء اللغات الأوروبيين منذ بداية القرن التاسع عشر الميلادي، خاصة أولئك المهتمين بالحضارات الشرقية وما أطلقوا عليه الحضارات السامية. ولقد توافد العديد من العلماء من مختلف مناطق أوروبا الى جنوب شبه الجزيرة العربية (اليمن وعمان) لدراسة هذه اللهجات القديمة وعلى وجه الخصوص اللهجة المهرية بعد ان اكتشف العلماء أنها على صلة باللغة المعينية والسبئية والحميَرية القديمة. وقد عمد العديد من المستشرقين الى تعلم هذه اللهجات تعلماً متقناً لدرجة التخاطب بمختلف آدابها وحفظ أمثالها وفنون أشعارها، وقد عاش بعضهم فترات متجولا في صحارى بلاد المهرة أو غابات سقطرى وتلالها أو جبال ظفار وسهولها، وقد أتقن العديد من المستشرقين هذه اللهجات اتقاناً يقرب من اتقان أصحابها والناطقين بلسانها. ومن أوائل المستشرقين الذين ساهموا في توثيق هذه اللهجات أو اللغات الجنوبية هو (ويلستد) في بحثه «مذكرات في جزيرة سقطرى» عام 1835م. والمستشرق النمساوي (رودوكاناكس) حيث كتب بحثاً باللغة الألمانية عن «تركيب اللهجة المَهْريّة» عام 1910م.كما أصبحت اللهجة المهرية أحد المقررات الدراسية في أقدم جامعة هولندية – جامعة ليدن – حيث يقوم بتدريسها حالياً البروفيسور الهولندي (هاري ستومر) المختص في اللغات البربرية والعربية الجنوبية. ويحتوي منهج اللهجة المهرية على مقدمة لغوية في صرف ونحو وصوتيات هذه اللهجة بالاضافة الى نصوص مهرية قام بجمعها وتدوينها البروفيسور (توماس م.جونستون) في سلطنة عمان وهو الذي صنع معجماً للهجة المهرية عام 1987م.

< البروفيسور توماس م.جونستون (1924 – 1983):
شغل البروفيسور الانجليزي (توماس م.جونستون) منصب أستاذ اللغة العربية بجامعة لندن منذ 1957م وأصبح رئيساً لقسم اللغة العربية عام 1970م الى ان تقاعد في عام 1982م وتوفي في 11 يناير 1983م في مستشفى الملكة اليزابيث الواقع في بلدة غيتس-شيد في شمال شرق انجلترا.
كرس جونستون حياته في دراسة لهجات شبه الجزيرة العربية حيث قام بجمع مادة دراسية لأبحاثه في الكويت والبحرين وقطر والامارات (امارات الساحل المتصالح) في سنة 1958-1959م وقدمها في شكل رسالة دكتوراه سنة 1962م والتي نشرت ضمن مطبوعات جامعة أوكسفورد عام 1967م بعنوان «دراسات في لهجات شرقي الجزيرة العربية».
كما سافر البروفيسور جونستون الى سلطنة عمان في خريف 1969م حتى ربيع 1970م لدراسة اللهجة الحرسوسية وكانت نتيجة رحلته مثمرة وهي صناعة وتوثيق ثلاثة معاجم لثلاث لهجات جنوبية وهي كالتالي: معجم اللهجة الحرسوسية عام 1977م ومعجم اللهجة الشحرية عام 1981م ومعجم اللهجة المهرية عام 1987م. وقد توفي جونستون قبل ان يصدر معجمه المهري بأربع سنوات الذي يحتوي على 747 صفحة وعلى مسرد انجليزي للهجة الشحرية، وكان قد أعده للطبع، فقام البروفيسور (جيرالد سميث) من جامعة مانشستر بطبع المعجم بعد وفاته.

< دعاوى المستشرقين:
ان لهجات مهرة المعاصرة هي عربية الجذور والتاريخ، وقد أخضع المستشرقون هذه اللهجات لدراسات مقارنة مع كل من اللغة العبرية والحبشية، وقد كان ميل الاستنتاج لنسبة هذه اللهجات الى العبرية القديمة أو الحبشية أي استبعاد عروبة هذه اللهجات واخراجها من لغات العرب القديمة. ان لهجات المهرة تحمل في ألفاظها واشتقاقاتها ومصطلحاتها وأساليب أدائها كثيراً من أصول اللغات السامية وهي لغات عربية الأصل والمنشأ، وهذه اللهجات مازالت تمثل المصدر والمنبع الأصلي لكثير من المفردات اللفظية في الفصحى.
على سبيل المثال كلمة (تؤفكون) (يؤفكون) وتعني (تصرفون) (يصرفون) والتي وردت في السور التالية: المائدة آية 75، الأنعام آية 95، التوبة آية 30، يونس آية 34، غافر آية 62، الزخرف آية 87، المنافقون آية 4. تستخدم هذه الكلمة في لهجات المهرة بنفس المعنى مع تحوير اللفظ، وهو (تَفكُم) بفتح التاء وسكون الفاء وضم الكاف وسكون الميم، واستعمال هذا التعبير يتم على مدار الحياة اليومية للناس في مجال اللهجة المهرية في الوقت الذي أصبح استعمال هذه اللفظة مقتصراً في الفصحى ولهجاتها على تلاوتها في القرآن الكريم.

< المَهرة في الكويت:
في احد الدكاكين الشعبية لبيع الملابس في سوق المباركية في مدينة الكويت، التقيت بأحد أكبر المتحدثين باللهجة المهرية سناً في الكويت وهو العم أحمد بن بخيت بن عوض بن شعرار الجدحي المهري (بوعلي) من قبيلة الجدحي بمدينة قشن في حي الشعب ويبلغ من العمر 70 عاماً حيث دخل الكويت عام 1955م أي في عهد أمير الكويت الراحل الشيخ عبدالله السالم الصباح. باشر العم أحمد عمله في شارع سعود وكان دكانه في (راس العاير) ويقول ان نسبة المهارة بدأت تنخفض تدريجياً بعد حرب الخليج مباشرة حيث نزح معظمهم الى جنوب المملكة العربية السعودية في أوائل التسعينيات. وفي سؤالي له عن عدد الناطقين الحاليين باللهجة المهرية في الكويت، أجاب قائلاً: «في يومنا هذا لا يتعدى عددهم 200 نسمة». وفي سؤالي أيضاً عن اللغة المستخدمة في المنزل أجاب قائلا: «نستخدم العربية والمهرية جنباً الى جنب في المحادثات اليومية مع أفراد العائلة.
والجدير بالذكر ان المهرية تأثرت باللغة العربية تأثيراً مباشراً». وسألته أيضاً عن المصطلحات الكويتية التي يستخدمها، يقول «نستخدم مفردات عديدة منها (شنهو) أي «ماذا» و(شكو) أي «ما دخلك».
وعن تاريخ المهارة في الكويت، يقول سيف مرزوق الشملان في كتابه «الألعاب الشعبية الكويتية» ان حي المهارة يقع في آخر محل في الحي الشرقي الذي يسمى (عاقول). كما يقول حمد محمد السعيدان في موسوعته الكويتية المختصرة ان مسجد المهارة أسسه علي بن محمد وبناه صنقور المهري سنة 1318هـ الموافق 1901م في فريج المهارة من أحياء القبلة وجددته الأوقاف سنة 1369هـ الموافق 1950م.

< مقتطفات من اللهجة المهرية:
الطريف في اللهجة المهرية ان فعل (شرب) للماء يتميز عن (شرب) للحليب واللبن وحتى القهوة والشاي لهما فعلهما الخاص في لهجة المهرة، ففعل (شخوف) يعني شرب الحليب أو اللبن فقط بينما (هِتقْ) لشرب الماء. وفيما يلي بعض المفردات: 1 (طيَت)، 2 (اثرَيت)، 3 (شَليت)، 4 (آربا)، 5 (خيمِه)، 6 (هت)، 7 (هوبه)، 8 (ثموني)، 9 (سا/ سعيات)، 10 (عوشر)، أهلاً وسهلاً (هيّ بي)، أهلاً بك (بكم هيّ)، كيف حالك (خبور)، بخير (خبور خير)، أب (حيب) أم (حام)، أخ (غا)، أخت (غيت) طفل (كناون)، جميل (ريحيم)، سعادة (رحت)، عائلة (ظان)، وجه (كرفير)، حقيبة (غيروريت)، مخ (ميما)، طحين (طكيك)، سمين (غلايظ)، رز (حيريز)، تفضل على الغداء (فشي)، عصيدة (آزط)، ماء (حمو)، لبن (سخوف)، ألمانيا (جرمل).
ان ما جاء في هذه الدراسات من معلومات تقدم صورة مبدئية عن اللهجة أو اللغة المهرية، اذ ان العمق والشرح والتفصيل في المراجع والكتب، ونود ان نشير الى ان المهرية تسمى في بعض المراجع لهجة وفي أخرى لغة. وأيضاً لا ننسى بلد المهرة حالياً وهو (اليمن) الذي يعود تاريخه الى حضارات قامت به منذ 1300 قبل الميلاد وهي الحضارات المعينية والقتبانية والسبئية والحميرية، وهي البلاد التي سماها اليونان والرومان بالعربية السعيدة وهي أرض اللبان والبخور والمر، هذا البلد التاريخي العريق يستحق التقرب اليه وزيارته والقول القديم يعرفه الناس (لابد من صنعاء ولو طال السفر).

المراجع الأجنبية
Johnstone، T.M.1987.Mehri Lexicon and English-Mehri Word-List (London: Routledge) Simeone-Senelle، Marie-Claude.1997.‘The Modern South Arabian Languages’ in R.Hetzron (Ed.) 1997: 378-423 The Semitic Languages (London: Routledge) Smith، Rex.1984.‘Obituary: Thomas Muir Johnstone’، Bulletin of the School of Oriental and African Studies، 47: 116-119

المراجع العربية
من لهجات مَهرة وآدابها لعلي بن محسن آل حفيظ، عمان: مطابع النهضة 1987.
الطريق الى اليمن لريس عامر الكثيري، السعودية: دار الشريف للنشر والتوزيع 2002.
تقارير تاريخية ووثائقية عن اللهجة المهرية عرضت في عدة قنوات خليجية.
http://alwatan.kuwait.tt/articledetails.aspx?id=344142&yearquarter=20141&txtsearch=%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87%D8%AC%D8%A7%D8%AA

ليست هناك تعليقات: