2016/03/12

اللغة العربية.. حقائق وأسرار

سمير المحمود

 يؤكد الفارابي أن الحفاظ على الهوية الثقافية مطلب عام وأساسي لكل المجتمعات، إذ إنها حجر الزاوية في تكوين الأمم باعتبارها تراكم تاريخ طويل من القيم الثابتة التي نشأت عبر عمليات اجتماعية وتاريخية، تمثلت حلقاتها في صورة تجمعات المعنى والقيمة وهي التجمعات التي تتجسد منها المادة الأساسية للثقافة.. وتعد اللغة من أهم الملامح التي تكوّن هوية الأمة وتميزها عن غيرها من الأمم.. فاللغة هي العنصر المركزي لأي ثقافة أو حضارة.. ومن هنا فإن أي تحد لثقافة ما ينطوي على تحد للغتها.. إن لغة الأمة، أية أمة: ماضيها وحاضرها ومستقبلها، ملامحها وقسمات وجهها الذي تعرف به، ويميزها عن الأمم الأخرى.. والاعتزاز باللغة والتمسك بها والذود عنها
أول خطوة في طريق البناء والصعود في مدارج الرقي. إن العربية ـ دون مبالغة ـ قامت بدور لم تقم به لغة أخرى، والتاريخ شاهد إثبات على هذه الحقيقة،.لقد كانت حبلاً قوياً؛ جمع في الأمس الصفوف ووحّدها، وجعل منها بنياناً مرصوصاً، فكراً وحضارة وإنجازات، وتستطيع اليوم ـ إن أخلصنا النيات وصدقنا العزم ـ أن تعيد مجدنا التليد، وتبني لنا مجداً يعود بنا إلى مكان الصدارة. ولغة هذا شأنها من حقها أن نبذل في سبيلها الغالي والنفيس حتى تظل هامتها مرفوعة، تجري في عروقها دماء الحياة، وتستمر نبعاً، لا يغيض أصالةً وعطاءً..
 كما نعلم أن اللغة العربية بحر لا حدود له من الألغاز والأسرار التي لا نستطيع الوصول إليها إلا عن طريق التدقيق والتمحيص.. فكما للكلمة دلالات ومعانٍ تعبيرية متنوعة حسب موقعها من الجملة أيضاً للحرف دلالاته وخصائصه بحسب موقعه من الكلمة حول هذا المحور كان يدور مضمون المحاضرة التي ألقتها الأستاذة والمربية «مريم فرج» في المركز الثقافي العربي في كفر سوسة والتي كانت بعنوان:

أهمية الحرف ومعناه في اللغة العربية».. ‏

حيث بدأت بتعريف اللغة بأنها «رموز وأصوات يتواصل الناس من خلالها وتنشأ من تآلف الحروف» ‏

ثم ألقت قصيدة من نظمها عبرت من خلالها عن مكانة اللغة العربية بقلبها وعشقها لها، وبعد ذلك قامت بتعريف الحرف على أنه «أصغر بنية في اللغة» وأضافت بأنه «صوت يعتمد على مخرج ويرمز له برمز» وأشارت الى نوعين من الحروف «حرف مبني» وهو الحرف الذي تبنى عليه الكلمة في اللغة العربية وهي الحروف الأبجدية.. و«حرف معنى» وقالت عنها بأنها الحروف التي تدخل على الأفعال والأسماء في الجملة العربية، مثل: لم وفي..، وأشارت الى سمات الحرف وقالت بأن «له اسماً وصوتاً ورسماً يرمز له به» وشرحت المخرج والصفة فذكرت أن هنا صفات متضادة وصفات لا ضد لها، وذهبت الى نتيجة بأن الحرف أهم جزء في الكلمة ولا يعطي معنى إلا بالتحامه مع أحرف أخرى، وبذلك تتكون اللغة ومن الأمثلة التي طرحتها: «ل ـ م ـ س» فقالت هذه الأحرف لا قيمة لها منفردة ولا معنى، لكن باتحادها وتواصلها يمكن أن تكوّن: لمس أو ملس أو سلم. ‏

وأشارت أن لكل حرف معنى يدل عليه، فاللام: للالتصاق، والميم للجمع بين اللامس والملموس، والسين يوحي بإحساس لمسي بين النعومة والملامسة، والكلمات الثلاث تدل على معنى يلتقي في الأفق البعيد.. ‏

وقالت بنتيجة أنه لكل حرف معنى يؤديه إذا تآلف مع غيره من الحروف، وإذا غيرنا أي حرف يتغير المعنى.. وأشارت بأن للحركة أيضاً قيمة كبيرة في معنى الكلمة، وجاءت بمثال كلمة «علم» فإذا لم نضبطها بالشكل أشكل علينا أهي «اسم» عَلَمٌ أو عِلمُ، أم هي «فعل» عَلِمَ أو عَلّمَ، وأكدت على أن اللغة كالبناء يتم بعضه بعضاً، والحركات وأحرف وأحرف الزيادة ـ سألتمونيها ـ بمثابة ما يوضع بين اللبنات لتمكينها.. ‏

كما أشارت المحاضرة الى أن لكل حرف في اللغة دلالة على معنى، وبعدها انتقلت الى تحليل خصائص كل حرف على حدة بشكل تفصيلي، وفي الختام أشارت الى أن جمهرة من اللغويين المحدثين يرفضون تفسير نشأة اللغة بأنها تقليد من الطبيعة كالخيلاء من الخيل، والصرصر من صوت الصرير لأن اللغة تنبثق برأيهم عن إبداعات من العقول البشرية العبقرية وأضافت أن رأيها في هذه اللغة سواء كانت محاكاة للطبيعة أو ابداعاً بشرياً فهي في حقيقتها وهي من الله عز وجل «وعلّم آدم الأسماء كلها» والعبقرية ما هي إلا موهبة من الخالق للمخلوق «ومن آياته اختلاف ألسنتكم وألوانكم».. وفي نهاية المحاضرة تقدم عدد من الحضور بمداخلاتهم التي أغنت المحاضرة ومن بينهم كانت مداخلة للباحث اللغوي «أحمد الخوص» الذي تقدم بعدد من الملاحظات وضح فيها بعض القضايا اللغوية والمعرفية تعقيباً على المحاضرة. ‏





منذ زمن غير بعيد كان العقاد يقول: إن اللغة العربية لغة مخدومة، تواتر أبناؤها على العناية بها منذ عصر الجاهلية، وتجددت هذه العناية بعد ظهور الإسلام، حين أصبح العلم باللغة علماً بالدين،مضافاً إلى العلم بالأدب والمعارف اللسانية على تنوعها. ويبدو لنا أن نصيب هذه اللغة من الخدمة في العصر الحديث لا يقل عن نصيبها من خدمة الأوائل، وقد تمثل هذا في العصر الحديث بظهور مجامع اللغة العربية. ‏

إن لغتنا العربية غنية بمعاجمها التي تشتمل على كلمات كثيرة لمعان ثمينة هي بعض تراثنا.. ولقد أثبتت اللغة العربية أنها لغة طامحة حريصة، تستسيغ وتهضم كل ما تستطيع أن تتلقاه أمامها من أنواع البحث والعلم والحضارة على اختلاف فروعها ـ وفق ما يشير إلى ذلك الدكتور طه حسين ـ فكل ماكتبه اليونان والرومان تمثّلته اللغة العربية، وحوّلته إلى ثقافة واحدة. ‏

خاتمة: إن لغتنا كانت وستظل أقوى الروابط التي تشد أبناء الأمة العربية، بعضهم إلى بعض،ويجب تأكيد العزم على أن تظل لها مكانتها الأولى بين مقومات الوجود العربي على لسان العرب وأفئدتهم، في أذهانهم وثقافتهم، في مدارسهم، وجامعاتهم، في حياتهم اليومية والفكرية.. يجب أن نشمخ بها ونحميها في مواجهة الأخطار الجسيمة التي تحدق بلغتنا وتستهدف النيل من الهوية العربية.. إن الضرورة تتطلب الاهتمام بتنفيذ التوصيات العديدة الصادرة في هذا الشأن..إن ذلك ليس بالأمر العسير. ‏

ليست هناك تعليقات: