2016/03/12

خطر اللهجات العامية على اللغة العربيــــة

د. رزاق محمود الحكيم
    ترتكز اللغة العربية الفصيحــــة في ديمومتها واستمرارها ، على قواعد صوتية ، وضوابط تركيبية وصرفية ثابتة ، لاتتغير بتغير المكان أو الزمان أو الإنسان ، بينما تتغير اللهجات الشعبيـــــة المحلية من بلد إلى آخر ، ومن منطقـــة إلى أخرى ، داخل البلــــد الواحد ، ونظـــــراً للامتزاج الاجتماعي والحضاري، والإنساني بين المجتمعات العربية ، وبقية المجتمعات الأخرى فإن اللهجات العامية تتبدل وتتطور ، فتتسرب ألــفاظ  جديدة إليها ،ودلالات لغوية وصوتية لم تكن معروفة من قبل وهذا مؤشر على فساد هذه اللهجات وعدم قدرتها على الثبات والأصالة والديمومة .

    وبين زحمة اللهجــات العربيـة المتعددة ، وتنوع الأصـــوات والدلالات والتراكيب فيها ، تبدو اللغة العربية الفصيحة شاخصة تتحدى عوامل الزمن وتسمو بلغتها وتراكيبها ، وخطابها الأدبي والعلمي ، وهو خطاب واحد في جميع الأقطار العربية ، وهذه مزية للشعوب العربية بحيث تتقرب المسافات بين الناس ، ويسهل عليهم الفهـــم ، والحوار ، والاتصال ، وتبادل التجارب والخبرات ، ونظراً لهيمنة اللهجــات العامية على قطاعــات وشرائح واسعة  ومجالات متعـددة من حياتنا العامة، في البيت والشارع ، والسوق والإدارة والمصنع والمتجر ، فإن الأمــر يزداد خطـــــورة حين يتسرب الخطاب العامي إلى وسائل الإعـــلام المرئيــــة ، والمسموعــــة ، والمكتوبة ، فتجد صنفــــا من الإعلاميين يستعينـــــون باللهجـــات العامية ، في التبليغ والحـــوار ، ومخاطبــــة الجمهور ، وإذا ماعلمنا اختلاف اللهجات العربية العامية من قطر إلى آخر ، فإننــا حينئذ سنعلم صعوبة فهم العربي في القطـــر الآخر ، وعدم قدرتــه على متابعة المتكلم والاستفادة من افكاره ولو تحدث ذلك الإعلامي بالعربية الفصيحة  لفهمه جمهور واسع في شتى أقطار العالم العربي وتابعه الملايين ، ومن المؤسف أن يتسلل الخطــــاب العـــامي إلى المدرسة ، فبينمـــا نجد الكتب المدرسية تعتمد اللغة العربية الفصيحة يلجــأ بعض المعلمين في المدارس الابتدائية والمتوسطة والثانوية، إلى الاستعانة باللهجة المحلية في الشرح والمناقشة ، والحديث عن مضامين الدروس مع المتعلميــن ، وكذلك يفعل بعض الأساتذة في التعليم العالي في العلوم الإنسانية ، أو الآداب وأقســام اللغة العربية .
    إن لغة المعلـــــم والأستــاذ تؤثر تأثيراً مباشــراً على لغـــــة المتعلمين والمتلقين وتطبعها بطوابع الجودة والفصاحة ، إذا كانت اللغة العربيــــــــة الفصيحة هي لغة التبليغ والشرح والحوار ، وإذا كان المعلم ينطق الجملة  العربية بأصواتها الصحيحة، ويتجنب تسكين أواخر الكلمات داخل الجملة بينما يكون التسكين على أواخـــر الجمل ، فالجملة في اللغـــة العربية تبدأ بمتحرك وتقف على ساكن . إن ذلك سيسهل على المتعلم استيعاب قواعــد اللغة العربيـة التي يعاني كثيـــر من المتعلمين في فهمهــــا وتذكرها ، لأن المعلم فيها سينطق أواخر الكلمــــات داخل الجملــة بحركاتها ، حيث يظهر المضموم والمنصوب والمجرور، وهكذا يوصل المعلم قواعد اللغة العربية سمعياً وصوتياً وعمليــاً ، ثم يعرّج عليهـــــم فيشجعهم على الحديث باللغة العربية الفصيحــة أيضاً ويدربهم شيئـــاً فشيئاً . قال الشاعــــر عبد المنعم الفرطوسي مخاطباً المعلم :
          والنشْ أشباه الدمى وبفضل ما       توحي له من قوة يتكلــــــم
     وإذا كنا حريصين حقا على سلامة لغتنا، وصيانتها وبقائها متألقة بين لغات العالم الحيــــة ، فإن ذلك يتطلب منــــــا أن نكون عقلانيين ، وجادين وعمليين لاعاطفيين فحسب ، ومن المفيد في هذا المجال ان تتخذ وزارات التربية والتعليم ، والثقافة ، والاتصـــــال والإعلام إجراءات عمليــــــة في مراقبة المدارس والمؤسسات التربوية ووسائل الإعلام والتبليغ والمسرح والجمعيات الراعية للفكــــر والثقافـــــة في تعميم استعمــــال اللغة العربية الفصيحة ، وتقريبها من المواطن ، وتنقية الخطـــاب الإعلامي من فوضى اللهجات العامية الميتة .
    قال الشاعر حافظ إبراهيم في فضل اللغة العربية :
        وسعت ُ كتاب الله لفظــاً وغايـــة       وما ضقتُ عن آي به وعظات         فكيف أضيق اليوم عن وصف آلة      وتنسيق أسمـــــاء لمخترعات         أرى لرجال الغرب عزاً ومنعــــة      وكم عز أقوام بعز لغـــــــات         أيهجرني قومي – عفا الله عنهمُ -      إلى لغــــــة لـــم تتصل برواة         فجاءت كثوب ضم سبعين رقعــة       مشكلـــة الألـــوان مختلفـــات

ليست هناك تعليقات: