2015/01/03

العامي الفصيح والفصيح العامي



العامي الفصيح والفصيح العامي
في اللغة العربية المعاصرة
علاء اللامي
الى هادي العلوي في ذكرى رحيله العاشرة

يضع بعض من المثقفين والكتاب واللغويين المتخصصين، اللغة العربية التي يسمونها الفصحى والتي يمكن أن نسميها بشكل أدق) اللغة الوسيطة بين الفصحى والعامية) وبين اللهجات العامية العربية جداراً ضخماً فاصلاً إلى درجة اعتبار ماهو عامي نقيضاً لما هو فصيح. هذا التعارضالوهمي وغير العلمي بين
اللغة العربية الوسيطية (لغة الكتابة المعاصرة) وبين اللهجات العامية أي ) اللغة المنطوقة) لا وجود له في الواقع العملي، بل وعلى النقيض من ذلك نجد أن ثمة وحدة عميقة تجمع هذين الحيزين. فالكثير جداً - إن لم نقل الأغلبية الساحقة - من الكلمات المستعملة في اللهجات العربية المعاصرة هي ذات جذور فصيحة كما أن الكثير من الكلمات والتركيبات السائدة والمستعملة في اللغة المكتوبة (الفصحى) لها وجود فعلي فيما هو عامي (منطوق). لبرهنة هذه الفرضية نقدم في الأسطر التالية محاولة تأصيلية في أمثلة مأخوذة من اللهجة العراقية الحية معتمدين بدرجة رئيسية تنظيرات وأبحاث أستاذنا الراحل هادي العلوي في هذا الميدان والتي مرت في 26 أيلول 2008 الذكرى العاشرة لرحيله رحمه الله.
من الكلمات العامية العراقية التي ليس لها بديل شائع ومعروف في الفصحى كلمة (يمون / ميانة) فتقول (كان عادل يمون على أخيه الكبير فيمازحه كثيراً) أما في لغة الكتابة فيكتبون بدلاً عنها عبارة ثقيلة هي الجملة الاسمية (له عليه دالة). ثمة الكثير من الكلمات العامية في اللهجة العراقية الجنوبية والتي هي كلمات فصحى وموجودة في المعاجم العربية القديمة، ولكن بعض الكتاب المعاصرين يخجلون من استعمالها، ظناً منهم إنها عامية متخلفة وغير فصيحة، وهي في الحقيقة من الفصيح المنطوق والسلس المعبر والذي لا بديل له أحياناً في الفصيح السائد كما تقدم معنا .
وهذه أدناه مجموعة من الكلمات التي عثرت عليها في معجم (مختار القاموس) (والمعجم العربي المعاصر) والتي مازال أهل قريتي (البدعة) في جنوب العراق ينطقونها بذات المعاني التي قد لا يفهم معنى بعضها العراقيُّ البغداديُّ مثل : ثبر و هتر و ماذر.. الخ ، إضافة إلى بعض المفردات البغدادية مثل (نازك).
نماذج من الكلمات العامية الفصيحة والممعجمة :
 برطيل : رشوة // مدردحة : المرأة طولها وعرضها سواء // بزر : بذر // أيس : يئس // دبش : أثاث الدار / / الحيل : القوة // أريحي : واسع الخلق // برطَمَ : غضبَ من كلامٍ وانتفخ // ترف : ناعم، متنعم، الشيء الظريف تخص به صاحبك وهي كثيرة الاستعمال في وصف ومناداة الحبيبة في أشعار وأغاني الريف العراقي كما في قول الشاعر (يا ترف هجرك عليّ مُر.. مُر ما تطيقه الروح..) // خبن الثوب : عطفه // ماذر : فاسد // دحسَ : حشر // الهندس، والحندس : الظلام الشديد // دفر.. دفرا : دفعه في صدره دفعا // ملخ.. ملخا : انتزع. جذب // خزر، خزرة : نظر بلحظ العين // نـَفَرٌ : الشخص الواحد // لملوم : الجماعة من الناس غير المتجانسة أي المختلطة // الحوبة : الإثم والذنب. وقد تعني في اللهجة البغدادية المغفل والمسكين كما في قولهم : هذا واحد حوبة // أثرم : من سقطت أسنانه // أجلح : أصلع من جانبي رأسه // ثخين : سميك // بَسْ : اكتفْ. وقد قعَّدها صاحب كتاب (المنهاج / محمد الأنطاكي) وعرفها بأنها اسم فعل (أمر) فاعله ضمير مستتر تقديره أنت. وهذا يدل على كونها من الفصيح، وفي (اللسان) يمعجمها ابن منظور مرتين : بس : صوت زجر الدابة عند السَوق وهي من كلام أهل اليمن، ومرة بمعنى (حَسْب) القريبة من (كفى واكتف) ويقول بأنها فارسية وقد تكون أخذت عن العربية فتفرست.
خبص : خلط // لاص : خلط الزيت بالعسل // ختل : تخفى // النغل : اللقيط // أجاويد : الأخيار والوسطاء لإصلاح ذات البين وهي مستعملة في صعيد مصر والسودان أيضاً بذات المعنى // ثول : أثول الأحمق وقليل الخير // المجنون، الهتر : الكاذب الأحمق. وهي من ألفاظ القرآن بصيغة المبالغة (هتور) // طرطور : الوغد، الضعيف، ومن العصر الجاهلي نقرأ البيت التالي : قدْ علمتْ يشكرُ من غلامها... إذا الطراطيرُ اقشعرَ هامُها.
إي (بكسر الهمزة وياء مشبعة / ممدودة) : بمعنى نعم، في لهجة عرب العراق وبعض أقطار المغرب العربي كالجزائر الوسطى وتونس وتقابلها في اللهجة المصرية والشامية كلمة (أيوه) التي يعتقد (أنيس فريحة) كما ينقل العلوي أنها مركبة من (أي + والله) أو أنها مأخوذة من كلمة (أوه) السامية القديمة. وكلمة (إي) من ألفاظ القرآن وردت بمعنى نعم في الآية التي تقول (قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ..) {يونس/53}.
 (وهذه مجرد أمثلة قليلة استنقيناها من معجم مختار القاموس / الطبعة التونسية الليبية، ومن المعجم العربي المعاصر للعلوي) ولو أخذنا كلمة (أجلح) كمثال فسنجد أن الكتّاب المعاصرين يستعيضون عنها بعبارة ثقيلة وطويلة هي (أصلع الرأس من الجانبين فقط) ويعافون هذه الكلمة الواحدة التي توفر البعد البلاغي والمعنى الدقيق تماماً.

ليست هناك تعليقات: