2015/04/25

لغتنا ولهجاتنا في مَهبِ العُجمة

محمد الحارثي
يُصابُ الضيف الطارئ أوالزائر العربي، لأول مرة، إلي بلدان الخليج العربي بالدهشة عندما يطلبُ عشاءً مُتأخراً في الفندق الذي استضافتهُ فيه هذه المؤسسة أو تلك، عبر خدمة الغرف، ليجد أن مُحدِثهُ آسيويٌ، لا يتقن سوي الانكليزية في الغالب، ويحتار فيما عليه أن يطلب من طعام يسد رمقه إثر رحلة طويلة إلي صحاروالرستاق، مثلاً، أو نزوي أو رمال وهيبة. تماماً كما يحتارُ المُقيمُ ويتكلف محنة طلب قهوة أو ساندويتش في إحد مقاهي المراكز التجارية بإنكليزيةٍ تُشعرهُ فوراً بالضعف أمام الفتاة الفيليبينية 
أو البلغارية أو الفتي الهندي (القادم من الأرياف) الذي يتعالي عليه بإنكليزيته، مستغرباً متسائلاً، ذلك الضيف العربي القادم من مصر أو الشام أو المغرب، سواء كان من عباد اللشه العاديين الباحثين عن قوت يومهم في صحراء الخليج الزرقاء ـ وفق تصنيفٍ لا نستسيغه بالطبع أو كان ذلك الضليع في فرنسية موليير:
هل أنا في بلد عربي حقاً؟..
المشهدُ بحذافيره يتكرر، كما نعلم، في الرياض، المنامة، أبوظبي، دبي والدوحة، حتي يألف ذلك الزائرُ المكان ـ إن كان مُقيماً ـ ويتعودَ شيئاً فشيئاً، وِفق قانون التقادُم، علي استخدام تلك (اللغة الوسيطة) التي تواطأ علي ابتكارها كل من (المُواطن) و(الوافد)، إن استعرنا خطاب صحافة دارجٍ في إحدي الدول المُجاورة.
لقد ابتكرنا منذ أواسط السبعينيات من القرن المُنصرم لغة وسيطة، هي من الرَكاكة بمكان، تخلينا عبرها طواعيةً عن لغتنا الأم ولهجاتها، لتسهيل التواصل مع الآخر، دون أن نتساءل، آنذاك، عما سيترتب علي ذلك التساهل المُر من تبعات. ولعبنا، دون أن ندري، دوراً مُخرِباً لجمالية لغتنا العربية (إحدي أجمل لغات العالم) عبر محاولة تبسيط قواعدها لذلك (الآخر) الذي ظننا، خطأً، أنه لن يستطيع تعلمها كما تعودنا التحدث بها سليقةً، فوقعنا في فخ لا فكاك منه: هو اضطرارنا، أبداً،
لمُجاراته في استحلاب لغته /لغتنا التي ترسخت في لاوعي أبنائنا حتي أصبحنا غير قادرين، في آخر الشوط الخاسر، علي العودة للرضاعة من ثدي لغتنا الأم. ويصل الأمرُ بنا أحياناً حدَ التهوُر اللاواعي في تقربنا من ذلك الآخر، والتندِر في الحديث مع بعضنا البعض بتلك اللغة الوسيطة، التي ربما اختزلها مثالٌ سريعٌ كهذا: (أنا ما فيه مَعلوم إنته ليش فيه يرُوح شُغل بكره، هذا ترتيب مال إنته.
ليـكَن فُلوس مَال سيارة لازم فيه يَعطي جَلدي.. جَلدي. أول أنا فيه كلام هذا نَمُونه. كله نفرات داخل هذا بلاد فيه معلوم. نفرات مال تنكَر ماي فيه معلوم.
جيب فُلوس مَال أنا أول، بعدين فيه ماي زياده)!
أتذكرُ قبل سنوات أن الناقدة اللبنانية المعروفة يُمني العيد زارت بلادنا بدعوة من النادي الثقافي لقراءة نقدية في مُجمل تجربة القصة القصيرة في عُمان، واصطحبناها أنا والكاتب محمد اليحيائي في رحلة إلي الرستاق ونَخَل لزيارة القلعتين والفلج والينابيع والنخلات العاكفة في صلاة أبدية علي الوادي، ترسيخاً من كلينا، لتحضُرٍ بدوي ومُقاربة عيانية تعفينا الشواهد التاريخية الجاثمة أمامنا عن أية مُساءلة نقدية حول الواقع المزدوَج الذي ترسف فيه حياتنا الاجتماعية والثقافية علي أكثر من صعيد. لنجدَ أنفسنا، فيما كنا نتناول الغداء، بعد تلك الجولة (التاريخية) في مطعم فندق شاطئ السوادي، حديث العهد آنذاك (قبل شيوع الفكرة السديدة بتعريب قوائم الطعام في المرافق السياحية). لكن يُمني العيد فوجئت بأن قائمة الطعام مكتوبة باللغة الانكليزية فقط، دونما اهتمام بترجمة مُحتواها إلي العربية، كما افترضَت علي الأرجح (والعكس هو الصحيح، في بلد كانت العربيةُ لغته الأمُ والأبُ، إلي عهد قريب). قالت لنا: هذا غير معقول!
غير معقول! كيف أستطيع طلب ما أختاره من الطعام أيها المُحمدان؟... أعرف الفرنسية بطبيعة الحال، لكن من حقي في بلد عربي قُحِ الأرومة كـ عُمان أن تخاطبني قائمة الطعام بلغتي، وأن يخاطبني النادل بلغتكم: أي العربية، في تجليات لهجاتها المختلفة، كما حدث لي في تونس ومصر والمغرب.
وقد كانت مُحقة، وحَذقة في ملاحظتها تلك، لولا أن محمد اليحيائي تلافي الأمر بلباقته، وطلبَ من إدارة الفندق جرسوناً يتحدث العربية حتي نستطيع (هو وأنا) كعُمانيَين إتمام واجب الضيافة تجاهها بعربيَتنا المحلية (وهي فُصحانا) أثناء التشاور مع النادل العُماني حول أنواع الوجبات التي يمكن لمطعم منتجع سياحي أن يُقدمها لضيفٍ رسمي علي النادي الثقافي!
بعد الغداء، وفي طريق عودتنا من فندق السوادي لاحظت يُمني العيد في الدَوارات المتاخمة للسيب تلك المناديس الفائضة بسلاسل وخلاخيل الذهب والفضة، لتتساءل من جديد: ألا يوجد في بلدكم لصوص يسرقون كل هذا الذهب وهذه الفضة المطروحة لمن يشاء في الشوارع؟.. في لبنان لا يوجد لدينا شيء مُماثل. أنتم تعيشون في يوتوبيا أمانٍ لا نظير لها إلا في الفردوس، لكن عليكم استرجاع لغتكم ونثرها، كالماء والأرز، شِعراً ونثراً في الشوارع، تماماً كما تفعلون بهذا الذهب وهذه الفضة
وإلا لظننت، مجازاً، أنني كنت في رحلة إلي الهند أو الفيليبين الأخرَويَتين! لا إلي دولةٍ عربية أعمَنَ إليها الأولون، ولهجاتها المحلية ـ كما تناهي إلي مسمعي ـ واحدةٌ من أصفي لهجات الفصحي التي لم تشُبها شائبة، كما حدث في الشام ومصر، حيث تمكنت الدولة العثمانية أيام مجدها من التأثير علينا في مُجمل ما نقول، أو كما هو الحال في التأثير العارم للفرنسية في شمال إفريقيا.
كانت مُحقة فيما تقول. ولم نكن نملكُ أنا واليحيائي سوي مُحاولة كتابة قصص قصيرة وقصائد علي منوال تلك الفصحي التي تحلُمُ بها يُمني العيد في بلاد الخليل بن أحمد الفراهيدي. فإن كان للمد التركي في لهجات أهل الشام ومصر ما يبرره، فما الذي يُبرر لنا عُجمَتنا في (اللغة الوسيطة) التي لم تكن يُمني العيد بقادرة علي فك رموزها علي الأقل في قائمة طعام المُنتجع المُضيف! وبالتالي لن يكون غريباً أن (الأرض بتتكلم أوردو) كما جاء في عنوان مسرحية من تأليف الشاعر الإماراتي أحمد راشد ثاني في تحوير ذكيٍ لأغنية شهيرة بعنوان (الأرض بتتكلم عربي) لـ سيد مكاوي، تلك المسرحية التي عُرضت منتصف الثمانينيات في الكويت والإمارات، طارحة بلهجة تهكمية ذات السؤال الذي لا يَنِي يتجدد دونما إجابة جادة بعد أكثر من عشرين عاماً عصفت فيها رياح التغيير حتي بذلك الطرح الجريء
لتلك المسرحية في علاقتنا بـ (الآخر)، علي تعَدُدِه، والمُقيم في خيامنا (ومُعسكراتنا مدفوعة الثمن) وبيوتنا وقصورنا الفارهَة، إن كان لا بُد من ذيلٍ معكوس للتسلسل الهرَمي.
الغريب في أمرِ ما لا نحاول الانتباه إليه، هو أن (الآسيوي) القادم من ريف بلاده الرائق والغارق في فيضان الطبيعة الغالب، أغلب الأحوال، هو من يفرض ركاكة لغته الانكليزية و(اللغة الوسيطة) التي ساهمنا معه، بامتنان قلَ نظيره، في ابتكارها وتأسيسها ومَوضعَتِها ومن ثم ترويضها في حظائر البداوة النقية.
وبالتالي نجد أنفسنا بين ظهراني لغتنا الفصحي (التي طالما تغنينا بفصاحتها أمام المَعاجم) في حالة من العُجمة والحُبسة اللغوية لا مثيل لها في التلاقح الذي يؤطره ويُكسبه ملامحه ذلك التلاحق والتتالي والتوازي الدائم في مَشتل الديمومة التي تخضرُ بها الحضارات، إن شاء لنا الادعاء أن نُسمي ما حدث ويحدث تلاقحاً حضارياً، لأن الظاهرة أعقد من ذلك بكثير، وأكثر مدعاة لتأمُلٍ نقدي والتفات
سوسيولوجي، في الخيمة العربية، يُعيدان الشَدَة والضمة والكسرة إلي نِصابها غير المنصوب في مَحلِه. ولنا نحن العُمانيين درس تاريخي في ذلك، إن شئنا مكاشفة الذات بضربٍ من الدِقةِ لا نتحرج منه في بؤبؤ الإفصاح عن وعيٍ جديد؛ لأننا عوضاً عن أن نفرض لغتنا وثقافتنا (كقوة مُستعمِرة، في زنجبار ذات يوم) نعودُ، إلي بلادنا بعد حين من الدهر، لنتحدث اللغة السواحيلية، عوض أن يتحدثوا هم هناك فصحانا، فصحي المُستعمِر، بين أكثر من قوس وأقل من مُزدوجتين في مَهمَة الدلالة.
لكن السؤال المحوري الذي يطرح نفسه بكثافة:
لمَ نفعل ذلك؟
هل لأننا طيبون أكثر من اللازم
أم لأننا مُغفلون..
أم لأننا كونيون Universels وِفق التِقية الفرنسية في لثغة العَولَمة؟
أم لأننا مسخٌ لا من هذا ولا من ذاك، رغم تشدقنا الدائم باستحضار ظِلال حضارة لها إسهامها الفتان بين المشرقين والمغربين في لَوزة توازنهما الأبدي...وإذا ما كنا كذلك، فلمَ تتأسس وتتمأسس تلك (الكونية) أو(العالمية) علي حساب ما حسبناهُ جلدنا وجذرنا السحيق، فضلاً عن لساننا (لسان آدم) الذي أصبحنا وأمسينا، دونما غايةٍ، في حِلٍ من تناسُل ما أضحي وأمسي يقوله ويرطن به علي شاشات التلفاز لإرضاء يَرقة هذا العالم التي لا تني تعود إلي غُبيراء الوراء في شرنقته الأولي. تلك الشرنقة التي لم ننسَ، بعدُ، حتي لو كنا ضيوف الكاميرا التلفيزيونية علي مشارف غار حِراء أنها هي ما علينا تذكرهُ لحظة موت اللغة وانصهارها الطوعي في عُجمة الآخر، سواء بسواء: تحققَ الأمرُ في الجنة أم علي الأرض، لا فرق.
فإذا ما كانت العربية، حسب عبدالفتاح كيليطو في كتابه القيم لسان آدم ، إذا ما كانت: هي لسان الجنة. فماذا سيكون، إذن، لسان الهبوط؟ هل سيستمرُ آدم، بعد طرده من جنة عَدن، في التكلم بالعربية، أم سيُعيرُ بلسان آخر؟.. وما لم يخطر علي بال باحث كـ عبدالفتاح كيليطو أننا، هنا، علي هذه البقعة من الأرض استطعنا الإجابة علي تساؤله المُرِ ببساطة، دونما حاجة إلي صعود أو هبوط بين السماوات السبع والأرضين. فهذه الحياة لم تكن في يوم من الأيام سوي ملهاة ومأساة: تراجيديا وكوميديا تتعاركان وتتحققان، كلٌ منهما ـ بشرط الاخري ـ بجدارة لا تتوقعها غالباً هذه من تلك، علي خشبة المسرح، في أقصي مَرابعهما قسوة. وتلك ليست فضيلة، فيما أحسب، لهذه أو لتلك، لكنها حقيقة لا بد من العودة إليها من فرجة أكثر من دريشة وباب.
وربما كان عبدالفتاح كيليطو محقاً في استدراكهِ الأخَاذ: الحريري، صاحب المقامات، هو الكاتب العربي الأعظم انتشاراً بين القراء ما بين القرن الثاني عشر والقرن التاسع عشر، لكنه اليوم صار منسياً للغاية. لقد تعرضت الأنساق الأدبية لتحول عميق في العالم العربي نتيجة للتأثير الذي مارسهُ الأدب الأوروبي. فصارَ الحريري رمزاً لكتابة لا يجب إعادة إنتاجها. وها نحن اليوم نكتب ضد الحريري .
ومرة أخري، يصل كيليطو إلي استنتاجه الصحيح هذا، غير عارفٍ بموازين (اللغة الوسيطة) التي تعصف وتطوِحُ حتي بغايته من استنتاجهِ النقدي. فالرمز أضحي يَمَسُ، في أكثر من صقعٍ، مفردة الكلام اليومي، وفق نسقٍ لغوي طارئ لا قِبَلَ له باستنتاجاته التي تؤرخ لسجالٍ معرفي ناتج عن تأثير الأدب الأوروبي في مسار التطور الطبيعي للُغةٍ ما صلبة وهشة كاللغة العربية.
واستطرادٌ لغويٌ في العُجمة لا ضير منهُ هنا، اقتباساً من ابن منظور، صاحب لسان العرب. يقول: عجم: العُجمُ والعَجَمُ: خِلافُ العُرب والعَرَب، يعتقِبُ هذان المثالان كثيراً، يُقال عَجَميٌ وجمعُهُ عَجَمٌ، وخلافهُ عربي وجمعُهُ عَرَبٌ.
سَلُومُ، لو أصبحتِ وسطَ الأعجَمِ
في الرُومِ أو فارسَ، أو في الدَيلمِ
إذاً لزُرناكِ ولو بسُلَمِ
المُعجمُ: حروف أ ب ت ث، سُميَت بذلك من التعجيم، وهو إزالةُ العُجمة بالنقط.
ومنها أعجَمتُ الكتابَ: خلافُ قولكَ أعربتُهُ؛ قال رُؤبَة:
الشِعرُ صَعبٌ وطويلٌ سُلَمُه
إذا ارتقي فيهِ الذي لا يَعلَمُه
زلَت بهِ إلي الحضيضِ قَدَمُه
والشِعرُ لا يَسطيعُهُ من يَظلِمُه
يُريدُ أن يُعرِبَهُ فيُعجمُه
.. ومعناهُ، يُريدُ أن يُبينهُ فيَجعلهُ مُشكلاً لا بيانَ له. واستطراداً في الاستطراد: أي يأتي بهِ أعجمياً. أي يلحَنُ فيه، قالَ الفراء: رفَعَهُ علي المُخالفَة، لأنهُ يُريدُ أن يُعرِبَهُ ولا يُريدُ أن يُعجِمَه؛ وقال الأخفش:
لوقوعه موقع المرفوع، لأنه أرادَ أن يقول يُريد أن يُعرِبَهُ فيقع موقع الإعجام، فلما وضع قولَهُ: فيُعجمُه موضعَ قوله فيقعُ رفعَه.
لذلك أنشد الفراءُ من جديد، مستشرفاً ما آلَت إليه الحالُ بين البلاد والعباد:
الدارُ أقوَت بَعدَ مُحرَنجمِ
مِن مُعرِبٍ فيها ومِن مُعجمِ

.. وعَوداً علي بدء:
لنفترض، مثلاً، في مدينتين خليجيتين تتنافسان عبر المهرجانات إلي ذات المسعي التراجيوكوميدي ـ أقولُ لنفترض ذلك ـ ولنفترض في لغط الرطانة أن مواطناً عربياً من اليمن أو الجزائر يطلب عصير فراولة طازج، فيرُدُ عليه النادل: (Strawberry?)
فلا يفهم المغزي، رغم إرغام النادل الفيليبيني أو النادلة الرُومانية لزبونهما (بتعالٍ مُتقصَد) أنها: فراولة. أشهي فاكهة في حذافير الفصحي عليهما تحاشي نطقها دونما عُجمة لسان، رغم أن الأمر لا يعدو كونه، في العمق وعلي سطحه الرائب، سوي طلب عصير من الفاكهة في مقهي، لا يفهم زبونُهُ لسانَ نادلهِ، كما لا يفهمُ قائمة مشروباته ومأكولاته الخفيفة، فيما يفرض عليه حقيقة بليغة: هي أنه لا يُحسن الحديث إلا بلغة شكسبيرية لن يكون لها محل في عُجمَة الإعراب سوي إثارة الرعب في مخيلة ذلك الزبون وجيبه اللذين سيتقهقران عن طلبه الفاخر، ولن يطلب في آخر الأمر سوي قهوة مُرةٍ ليسهو، في لا وعيه الباطن، عن تلك الأخطاء اللغوية التي يرتكبها النادل، والتي لن يغفرها شكسبير نفسه بين عُطيل و الملك لير ، لو كان علي قيد الحياة قليلاً.
في مقام آخر، نجد أن عودة إلي السائد بين اللهجات في صحن فصحانا لا بد منها. أي إلي حصار اللهجة المصرية التي اتخذها إخواننا المصريون حجاباً يُدارون به، في مضمارٍ آخر، تساؤلاً كهذا يمتد من نواكشوط حتي حضرموت عبر استنساخهم لذات الفكرة التي تُكرِسُ سهم الخط البياني المُتصاعد لمفهوم اللغة الوسيطة، تلك التي شجعهم الآخرون عليها. فكثير من عرب شمال إفريقيا يتعرفون إلينا، ويتقربون إلي لهجاتنا، نحن سكان هذا الخليج المغلوب علي أمره، عبر اللهجة المصرية، رغم البون الشاسع بيننا وبينهم عُجمة وفصاحةً مقلوبتين في مرآة المفهوم السائد وشجرته الخضراء علي كلِ شاشةٍ هبت ودبت في سماوات الفضائيات.
وهو تساؤلٌ يتمَرأي في تلك المِرآة حمالةِ الأوجُهِ تحت غُبار أكثر من إجابة مصقولة بذلك الابتذال في غالبية تلك المسلسلات المبثوثة من السماء أو الفضاء المُدهش والمُغري بسرنمَته اللغوية، كما بألوانه السخية علي شاشة التليفزيون.لكن التساؤل الأمَرَ من ذلك هو:
 من نحن؟
ومن نكون؟
وكيف ينظرُ إلينا، في مُسلسلهِ، ذلك الهندي والفليبيني والباكستاني والبنغلاديشي الذي يعود إلي بلده بشيء من حذافير هذه الفصحي. إذ لم تجبره أية ثقافة علي ضرورة استخدامها في أرضها، تلك التي لم تتفتق، للأسف، عن مفردة تصغيريةٍ لهُويته أكثر وأقل من مفردة (رفيق) التي قادته إلي فَصحَنَتِها ـ في الرِفقة ـ عبرَ تكسيرٍ نحويٍ لم يرَ حتي المُقيمون من عَرَب وعاربة حرجاً من استخدامهِ في مهبِ عُجمَتهم الجديدة (رفيك)، كما لم يَرَ (هُوَ) بأساً في اللعب عليه والتكسُب منه في ذلك البرزخ الوسَطي الذي لا حول لهُ ولا قوة بين الخليل بن أحمد الفراهيدي ووِليَم شكسبير، إذا ما أزحنا جانباً اقتباسنا المُطوَل حول العُجمةِ من تعريف مُعجَمِ (لسان العَرَب) للإمام العلامة أبي الفضل جَمال الدِين مُحمَد بن مَكرَم ابن منظور، رحمهُ الله.

 

ليست هناك تعليقات: