2018/03/04

السعودية وعصر ثقافى جديد - الاهرام المصرية

جريدة الاهرام المصرية


                                                                     د. احمد عاطف




تشهد هذه الأيام تاريخا ثقافيا جديدا للملكة العربية السعودية، هذا البلد العظيم الذى احتضن الرسالة المحمدية الخالدة التى أرسل بها رب العزة إلى العالمين لتكون رسالة نور وتسامح ومساواة، يفتح الباب لأبنائه لمزيد من الفهم والتواصل مع خلق الله ومع أفكارهم وإبداعاتهم المتميزة.
مع رؤية 2030، نرى الفن والثقافة يحتلان مكانة متميزة فى مستقبل المملكة، أدرك الامير محمد بن سلمان أن التحدى الحقيقى هو تحدى بناء الانسان، فوجه كل طاقته لتحقيق ذلك من خلال رؤيته الطموح والفعالة التى قد تجعله المؤسس الثانى للملكة السعودية، لقد أكدت الأنشطة التى قامت بها الهيئة العامة للترفيه ذ المؤسسة مؤخرا - التوجه الجاد والحقيقى نحو تحويل تلك الرؤية إلى أفعال وليس مجرد طموحات وأمنيات، منذ أيام شهد مهرجان برلين السينمائى عرض الفيلم السعودي، حرمة للمخرجة عهد، وقبلها نجح عالميا الفيلم السعودى «وجدة» للمخرجة هيفاء المنصور، وخلال العامين الماضيين عرضت بالسعودية مئات الأفلام القصيرة لشباب سعودى واعد من خلال مهرجان الافلام السعودية، ويخطئ من يعتقد أن شبه الجزيرة بعيدة عن الفن طوال تاريخها، فقد ظلت دائما غارقة فى الاهتمام بالثقافة بروافدها قبل الإسلام وبعد ظهوره أيضا، وقد رصد الباحث السعودى سليمان الدرسونى فى دراسة له عام 2016 استخدام القبائل قديما فى الجزيرة العربية، الغناء والفلكلور الشعبى والرقص فى أماكن عدة بالجزيرة العربية. وضمن أشهر صنوف هذا الفن رقصة الحرب والسلام التى ظهرت فى نجد وانتشرت فى الخليج بعد ذلك، والهجينى وهو لون شعبى قديم جدا ينشد من على ظهور الإبل والحية أو أنفاس الفرسان وهى إحدى الرقصات الشعبية الشائعة عند قبائل شمال السعودية وأشهر من أداها قبائل الرولة، وهناك الدمة ويعود تاريخها إلى أكثر من 500 عام وأشهر شعرائها الثوابى والخشيلي. والغناء والآلات الموسيقية كانت دائمة رفيقة للإنسان فى الجزيرة العربية سواء فى القرى أو الوديان أو المدن، وكان وادى العقيق فى ظاهر المدينة وعرج الطائف وبطن نعمان فى ظواهر مكة مسرحا للغناء والشعر الرفيع، حتى إن بعض مؤرخى الفن كتبوا أن جزيرة العرب هى جزيرة الفن والطرب، وحتى الآن هناك أسماء تعتبر أساطير غنائية فى المملكة مثل طلال المداح ومحمد عبده.. والفن التشكيلى السعودى كذلك شديد الازدهار منذ عام 1958، والنهضة الحقيقية له كانت عام 1975 من خلال إقامة المعارض وافتتاح الأقسام الفنية فى الجامعات حتى وصلنا عام 2010 بانشاء جامعة متخصصة للفنون والنساء فى السعودية. لهذا ما تقوم به هيئة الترفيه الآن هو امتداد وتطوير لاهتمام أهالى المملكة بالفن بمختلف صوره وضلوعهم فيه منذ زمن طويل. والمقصود بالترفيه فى عرف الهيئة هو السينما والموسيقى والحفلات والسيرك والكرنفالات وكل ما يرسم البهجة ويثرى الحياة ليحقق رؤية المملكة 2030.
ولم تكتف الهيئة بالأنشطة التقليدية ذات الطابع القديم والتى كان ضعيفة المردود الاقتصادى وقليلة الإقبال من الجماهير، بل بدأت فى خلق فرص ترفيهية شاملة تتماشى مع المعايير العالمية وتناسب كل مستويات الدخل وتصبح متاحة فى كل أرجاء المملكة. وقد أقامت الهيئة عام 2017 ما يزيد على 2200 فعالية حضرها أكثر من 8 ملايين زائر، من ضمنها حفل الفنان العالمى يانى بالمملكة وعشرات المسرحيات السعودية ومسرحية للفنان سمير غانم وأخرى للنجم محمد سعد، وزيارة للنجم العالمى جون ترافولتا وندوة له مع جمهور مختلط، أما فى هذا العام الجديد فبرنامج هيئة الترفيه هائل ومذهل بكل المقاييس، فهو يضم مايزيد على 5000 فعالية تتوزع على 56 مدينة أعلن عنهم فى حفل منذ أيام، قال فيه رئيس الهيئة المصرفى أحمد الخطيب إن الهيئة تخطو بخطوات متسارعة للارتقاء بجودة الحياة فى المملكة، وأن قطاع الترفيه سيحتاج الى 267 مليار ريال لبناء البنية التحتية الترفيهية فى جميع مناطق المملكة ستمول مابين القطاعين العام والخاص، وأن هذا القطاع سيسهم فى توفير 224 ألف وظيفة جديدة. ومن المزمع تنظيم حفل للفنان تامر حسنى قريبا، وآخر للفنانة بلقيس وعرض أوبرا لبنانية بعنوان عنتر وعبلة فى جامعة الأميرة نورة بالرياض بقيادة المايسترو المصرى ناير ناجي، ويبدأ خلال أيام مهرجان للجاز والطعام والموسيقي، ومهرجان رعب ترفيهى عبارة عن ألغاز، وعروض السيرك العالمى سيركوبوليس، وخيمة الترفيه بمهرجان الملك عبد العزيز للإبل برماح، وفعالية تبوك للترفيه وغيرها، وقد أعلنت المملكة أنها منحت تصاريح لأكثر من 500 شركة جديدة للعمل فى مجال الترفيه. وكبار النجوم المصريين والعرب يتسابقون الآن للاستجابة لدعوات الهيئة. ولن يمر شهر مارس إلا ويكون عمرو دياب ظهر فى جدة وسط انتظار كبير من محبيه، إنه حقا عصر جديد للمملكة، نترقب فيه أن ينعم شبابها ومواطنوها من كل الأعمار بانفتاح ثقافى يليق بالعصر.


ليست هناك تعليقات: