نظرة في كتاب: الأمثال الشعبية، والكنايات العامية في القديح
الشيخ عبدالله الشيخ علي الخنيزي * - 23 / 2 / 2011م - 9:02 ص - العدد (17)
كنت أتجنب كتابة المقدمات، بل وأهرب منها؛ وذلك لسببين:
1 - ما تتطلبه من وقتٍ ليس لكتابتها؛ بل للإحاطة بمحتوى ما ستقدمه، حتى ينسجم حديثك عنه مع واقعه.
2 - اعتاد طالبو المقدمة أن تكون حلةً فضفاضةً تسبغ على الكتاب. تحمل عطر الثناء، وأكاليل المديح مجاملةً وتغريرًا، وهذا ما أأباه لنفسي، ولم أرضه، ولن أرضى به.
وتحت إلحاح المؤلف لهذا الكتاب، لم يدع لي مجال عذرٍ، حتى وجدتني منساقًا لتلبية طلبه. وفاتني -حينها- أن أبدي له النقطة الثانية. مع أني أعرف صاحبنا: أنه يضيق ذرعًا بالنقد، ولا يرضاه؛ بل يرفضه كل الرفض، ويأباه.
وحين مسحت اليراع من حرفها الأخير - وهو يتابع إلحاحه في إنهائها؛ أبنت له رأيي، وقلت له: إني لا أعطيكها، إلا مشروطةً بقبولها بكل ما فيها، أو لا أعطيكها.
ولكنه طلب الاطلاع عليها، ليرى رأيه فيها قبولاً، أو رفضًا، أو تعديلاً، حسب ما يرضيه، وهذا -كما قلت- لا أرتضيه لنفسي مع أقرب المقربين لي، وضربت له بعض الأمثال، ولم يستطع إقناعي بما يريد، لأني لست من المداحين المغررين. لذلك رأيت أن أخص بها هذه الواحة، التي نرجو لها أن تفيء ظلالها وارفةً، فتخدم التراث لهذا البلد المهمل.
لا نفار مع الحقيقة إذا قيل: إن أدب كل أمةٍ أو شعبٍ مرآةٌ ينعكس عليها رقي وتقدم هذه الأمة أو ذلك الشعب دون أن يكون فيها غبشٌ، أو كدرٌ، فهو صورةٌ على وضوح معالم، وثبات ألوانٍ، وجلاء خطوطٍ، يصل - عن طريقها - الباحث إلى استكناه البعد الثقافي، وسبر أغواره.
والأمثال: جزءٌ من هذا التراث الثقافي؛ فهو مسبارٌ يكشف عن جنبةٍ منه، لأنه يجسد أكثر من جانبٍ من جوانب المجتمع، ويترجم وعيه واستيعابه للحياة العامة ثقافيا، واجتماعيا، وسلوكيا … إلخ.
ذلك أن المثل ينتزع من عمق أعماق المجتمع، ويصور الحدث أدق تصويرٍ، و ينقله صورةً نابضةً بالحياة بحيث ينطبق على التالي من الحدث، الشبيه به، أو القريب منه.
وهو -في الغالب منه- يكون على ضغطٍ، في التعبير، فهو على نزرٍ من الكلمات، وقلةٍ من الحروف، وهو مما يجعله على يسرٍ في الحفظ، وامتداد خزنٍ في الذاكرة.
وهذه خاصيةٌ تمتاز بها الأمثال، قد لا يشاركها فيها فن آخر من فنون التعبير ماعدا الشعر إذا لم نذهب لاختصاصه بذلك؛ لأن للشعر الذي يمتاز بهذه الميزة، أو يشاركها فيها يسمى -حينئذٍ- المثل الشعري.
وإذا كان الشعر له من العناصر ما يتيسر بها حفظه، كـ: القافية، والتفعيلة التي تعطيه "نوتته" الموسيقية، فإن المثل له ما يعتاض به عن ذلك؛ لأن الكثير منه تكون له سجعته، التي يعتاض بها عن القافية، وللكثير منه ما يشبه التفعيلة، فيكون له شيءٌ من الوزن - إن لم يكن موزونًا.
والمثل، وإن اصطبغ بلونٍ بيئي، قد يعطيه سمةً ينتسب بها إلى بلده أو إلى مدينته أو قريته بحيث يمتاز بها عن مثلٍ انتسب إلى مكانٍ آخر. إلا أن العناصر الأساسية واللحمة والسدى التي تكون منها لا تكاد تختلف بين مثلٍ قطيفي، وآخر حجازي، أو عراقي، أو شامي، أو مصري.
فالمثل القطيفي الذي يصور جنبةً حياتيةً معينةً، لا يختلف عن آخر يمثل هذه الجنبة بذاتها وإن انتسب للبلد –أو القطر- الآخر.
فالمشاعر الإنسانية، والمشاكل الحياتية، والأحاسيس البشرية، والعواطف الكامنة، تصدر عن تركيبة الإنسان ذاته بما فيها من تجانسٍ ليس للإختلاف الزمني أو المكاني عمق تأثيرٍ إلا بما يعطيه من رتوشٍ لا تعدو اللون الذي تصطبغ به.
ولذلك تجد الأمثال - في غالبها - تكاد تلتقي مع بعضها البعض وكأنها تنز من نبعٍ واحدٍ.
فلا تكاد تجد مثلاً عربيا إلا و له ما يشاكله، في لغةٍ أعجميةٍ أخرى - كالانكليزية أو الفارسية أو اليابانية أو غيرها.
وليس -ثمة- فرقٌ إلا ما يتصل بفوارق اللغة، وخصائصها، حيث تمتاز العربية -مثلاً- بتركيبها، وكلماتها، وعناصرها، فتمتاز بذلك عن سواها.
ذلك أن الأحاسيس والمشاعر -كما قلنا- ليس بينها نفارٌ، ولا نشازٌ.
* * *
وإذا اتضحت هذه الحقيقة، وكانت من المسلمات، فلماذا خص صاحبنا مؤلف هذا الكتاب، الخطيب الأديب، والشاعر الأريب محمد علي الناصر بلده القديح، فاختار له هذا الأفق أو هذه الرقعة من دون تربة القطيف وهي على سعة أفقٍ وفسحة امتدادٍ ؟!
أعرف صاحبنا أنه غارقٌ في "قديحيته"، إلى أبعد من أذنيه.
وأنا لا ألومه في ذلك، بل أرى ذلك ميزةً يباهى بها؛ لأن حب الوطن، من الإيمان - كما هو مضمون حديثٍ معصومي شريفٍ.
ولكن ما يمكن أن يلام عليه ما لعله يشعر بمنحاه هذا شيئًا من تقطيعٍ لأوصال هذا البلد الكريم العريق في حضارته، الضارب الجذر في عمق التأريخ.
وهو لا يزال -ومنذ قدم تأريخه، وعبق ماضيه- ينال الإعراض والتجاهل والنكران، وأن يكون ذلك حتى من أبنائه الذين ينتمون إلى خصيب تربته، ويتنسمون عبق عطره، وأريج زهره، ونسيم ريحه ؟
ولعل تجاهل أبنائه له - وهذا التجاهل لا أعني به، تجاهل أرضه المادية، ومعالمه المعمارية، وما إلى ذلك من الآثار التي لا تقوى على الصمود تحت وطأة عجلة الزمن بثقيل وطأتها، وشديد عبئها، وتتالي أنوائها.
ولكنه تجاهلٌ يطال ما به فخرها، ويتلع جيدها، مما تزهو به وتباهي به غيرها من البلاد التي احتضنت أبناءها، واحتفظت بإرثها وتراثها، وقدمت ثمارها اليانعة، وقطافها الرائعة على أطباقٍ زاهيةٍ لم تقدر تلك العجلة على تبديل شيءٍ من معالمها التي أبت عليها الاندثار.
وفي ما أحسب أن ما منيت به بلدنا هو ثمرٌ شجي للحسد الذي يحمله بعض أبنائها لبعضهم الآخر فلا يرون لأحدٍ منهم قيمةً، ولا يشيدون له بميزةٍ على قاعدة: (حمامة الحي لا تطرب).
وهو داءٌ يبدو أثر قدمه حيث تمتد جذوره إلى عمق تأريخها السحيق وإن اختلفت آثاره شدةً وضعفًا بين حينٍ وآخر.
وصاحبنا بمنأىً عن منحط هذا المستوى، وبعيدٌ عن قعر هذا المنحدر.
فهو يرى تجسيد "وطنيته" في قوقعته "القديحية" لا تتعدى حدود رقعة قريته على ما بها من ضيق مساحةٍ، ولكن مع عبق ماضٍ جميلٍ.
فهو - في ما يكتب - لا يكاد يدور، إلا في فلك محيطها، لا يعدو أفقها، ولا يبرح مراحها.
فإذا كان قد قصر ملحمته على قريته، وجعل منها "قديحيةً" بحتةً فذاك إليه مادام لا يؤمن بكسر الحواجز، وتهديم الحدود التي صرخ بها الشاعر الكبير بدوي الجبل مناديًا، منددًا:
ليس بين العراق، والشام حد
هدم الله ما بنوا من حدود
فصاحبنا يريد أن يقيم لبلده سورًا منيعًا كسور "برلين"، وإن تهدم، أو يجعل منها حصنًا، يضاهي "الكرملين"، فلا يقتحم، وإن تصدع بتصدع ذلك المبدأ المنهار.
فهلا جعل لكتابه مدة جناحٍ يحلق بها في أوسع من ضيق أفقه هذا؟ ولا سيما وأن من مصادره – كمثالٍ - "الأمثال الشعبية في الساحل الشرقي للمملكة العربية السعودية"؟!
فمؤلف هذا الكتاب لم يوثق جناحه بجزيرته "تاروت" فتجاوز ضيق أفقها، إلى امتداد الساحل كله.
ونحن لا نريد منه أن يحتذي بالمصريين، أو يقفو خطاهم، حيث أن أعينهم مشدودة بمصر وحدها.
وكأن ليس على وسيع أرض الله سواها، ولا مخلوق سوى من عاش على تربتها. فهو لا يشيد بشاعرٍ إلا بشاعرٍ مصري، ولا بعالمٍ إلا بمصري.
ولا يكاد يكتب، أو يذكر إلا مصريا حيث يغمض عينه عن كل أثرٍ - حسب الموضوع الذي يتناوله - لا ينتسب إلى أرض الكنانة.
وإن في أذنيه الصمم عن كل نغمةٍ لا تنطلق من حنجرةٍ مصريةٍ.
وهي - بذلك - قد شيدت صرحها الثقافي، بهذه الروح، التي تتناسى ما يحدث، بين بعضهم البعض، من خلافٍ، أو تباعدٍ.
ولسنا بصدد هذا الموضوع، حتى نسهب فيه حديثًا، وتحليلاً. تفنيدًا، أو تأييدًا.
وهو في ملحمته - وشبهها - قد يكون في مقدوره أن يتقوقع، أو يتمحور، ولكنه بالنسبة للأمثال، قد لا يقوى على ذلك لما أشرنا إليه من أن الأمثال لها - في وسيع الأفق - مدة جناحٍ تقوى به على التحليق، في كل جواءٍ.
فليس يحتجنها قطرٌ، ولا يحتجزها عصرٌ. ذلك أنها تعبر عن خلجات الحياة، وترسم مشاعر البشر، وتسجل أحاسيس الناس، وتعكس كل ذلك، في قوالبها اللفظية حيث لا اختلاف بين مثلٍ عربي وآخر أعجمي إلا باختلاف هذه القوالب دون أن يتبدل المضمون، أو المحتوى إلا بمقدار ما بين اللغات من فوارق ذات صلةٍ بالبلاغة إيجازًا، ورقة لفظٍ، وما إلى ذلك.
وهذا ما يجعلنا نجد الكثير الكثير من الأمثال تلتقي حتى في اللفظ، إذا نحتت من لغةٍ واحدةٍ، وإن تباعد القطران اللذان ينتميان إلى لغةٍ واحدةٍ بعد المشرق والمغرب.
فكيف يمكن - إذن - أن نتصور للقديح - مثلاً - كقريةٍ على ضيق رقعةٍ أن تكون لها أمثالها الخاصة، دون بقية الرقعة القطيفية وهي ذات اتساعٍ ؟ اللهم إلا أن تكون هذه الفوارق مما تتصل باللهجة المحلية في النطق ببعض الحروف كتعطيش الجيم، أو قلبها إلى ياءٍ كما هو في بعض القرى والمدن، أو قلب القاف، وما إلى ذلك.
وهذه الفوارق قد تكون ذات سمةٍ ذاتيةٍ لأنها محسوسةٌ في كل قطرٍ على المستوى العام، وباختلاف اللهجات، حيث تتميز بعض القرى والأرياف عن المدن والعواصم.
وقد تكون مثل هذه الفوارق الخفية بين محلةٍ وأخرى في المدينة، أو القرية الواحدة، ولاسيما قبل تواصل واتصال المدن والقرى، واندماجها سكنًا ومعاملةٌ، وما يمت لضرورة الاتصال، وتيسير أسبابه الآن.
وهي - مع كل ذلك - فوارق بسيطةٌ، لا تكاد تقع تحت الإحساس إلى حد أن التمييز يعسر على البعيد عن القطر فلا يفرق إلا من هو من أبناء البلد ذاته.
* * * *
وإذا ما تخطينا هذا الجانب فإن القارئ يلمس فيه جهد مؤلفه حيث أنه – كما قال في مقدمته: (زود هذه الأمثال بما يحاكيها في المثل العربي الفصيح من مماثلٍ إذا وجد، ومن شعرٍ يستشهد به حسب اطلاعي عليه). وهو – في ذلك – لم ينس نفسه بل أعطى ذاته النصيب الأوفر إن لم يكن حصة الأسد – كما يقولون – فقد ساق – ضمن هذه الشواهد – بعض نظمه ذي الصلة بالمثل الذي يتم عرضه. وليس أدل على ذلك أن يطالعنا شعره في أول مثلٍ يسوقه حيث ساق - بعد ذكره: "أحبك - يا نافعي! " - هذين البيتين من نظمه:
أكرمتني، ونفعتني!
فلذا أحبك ما حييت!
وأود ذكرك دائمًا
حتى كأني ما نسيت!
فهما إن أخذناهما على ظاهرهما فهما يمثلان - كالمثل - الجانب النفعي المادي الخاص.
و يبدو أنه يريد أن يحشر نظمه بمناسبةٍ وسواها حيث يبدو لي أن بيتيه الذين ساقهما بعد مثل: "إذا طاح الجمل كثرت سكاكينه" لا يلتقيان معه حيث أنهما يمثلان ضعف الحب أمام دلال المحبوب:
أشكو لك الضعف، ولا ترحم!
قلبك كالجلمود، أو أعظم!
أهكذا من يشتكي ضعفه؟
يضرب؟ أو ينهب؟ أو يشتم؟
وقد تعرض لبعض قصص هذه الأمثال (لما فيها من الطرافة والحكمة)، وهو – بذلك – يحاول أن يشد القارئ ويسمر عينيه بين سطور كتابه وثنايا صفحاته دون أن يصاب بالملل أو يعاني من الإرهاق إذا انتقل من مثلٍ لآخر دون أن يمر بمحطاتٍ يريح فيها رحله، ويقيل فيها عند الهاجرة.
وقبل أن يدلف لموضوعه استوقف القارئ ليعرض له "المثل: تعريفه، وأنواعه". وهو لا يتحمل مسؤولية التعريف مادام قد نقله بحرفه عن مصدره الذي أخذه منه إلا أن تكون مسؤولية الإختيار:
قد عرفناك باختيارك مذ
كان دليلاً على اللبيب اختياره
وكذلك تنويعه له، حيث يبدو أخذه حين أرجع قارئه - في نهاية النوع الخامس - لمصدرٍ عن مصدرٍ آخر.
وقد أحسن صنعًا حين رتب ما ساقه من أمثالٍ: مرتبةً على الحروف الأبجدية تسهيلاً للمراجع حين يريد أن يرجع لمثلٍ منها دون أن يرهقه بمزيدٍ تعبٍ وعناءٍ. ثم إننا إذا أردنا أن نقف على بعض جوانب الظل – دون الضوء – فإننا نلحظ في الكتاب بعض ذلك ففي الكتاب بعض الأخطاء الإملائية والنحوية، وهذه يقوى على التنصل منها باعتبارها أخطاءً مطبعيةً وإن كانت موجودةً بعد إلقاء نظرته الأخيرة عليها. كما يقوى على التنصل التام بتصحيحها قبل انفلاتها من بين أنامله، ولاسيما أننا أشرنا لبعضها مما وقعت عليه العين في نظرتها العجلى حتى أنه ليمكنه نكرانها لو شاء. وفيه بعض الأخطاء اللغوية ككلمة "التماني".
وقد يخونه التوفيق في سوق بعض الشواهد الشعرية التي تجسد المثل وتحكيه. وكمثالٍ على ذلك سوقه هذا البيت:
جاء شقيقٌ عارضًا رمحه
إن بني عمك فيهم رماح
ففي هذا تعريضٌ وتهديدٌ على خفاءٍ مبطنٍ.
والمثل بمعناه الفصيح: "ارفع القطن من أذنك" يحمل التحذير الذي هو هنا - في المثل – أوسع مدارًا حيث يمكن أن يساق نصحًا، أو تحذيرًا، أو توجيهًا.
وتعريفه للزرنيخ - بعد سوقه مثل: "الاسم للنورة والقص للزرنيخ" أشار إلى "أن المفعول الأكبر للزرنيخ". والواقع: أن أثر الفعل له وحده دون النورة، واستعمال النورة معه للتقليل من شدة حرارته.
فالمثل يعني: أن الشيء الجانبي هو الذي يحتل مكان الصدارة، ويزيح عنها أهلها، فكأن الطفيلي، هو صاحب المقام دون صاحبه الأصيل.
وسوقه لبيتي الشاعر:
ليس إغلاقي لبابي أن لي
فيه ما أخشى عليه السرقا
إنما أغلقه كي لا يرى
سوء حالي من يمر الطرقا
سوقه هذين البيتين بعد مثال: "بابٌ مردودٌ، عن شيطانٍ مهدودٍ"، لا يلتقيان مع مفاد المثل، وبيتا صاحبنا يحكيان ذلك.
ردك الباب فيه حفظك للمنـ
ـزل: عن سارقٍ، وعن شيطان
ـزل: عن سارقٍ، وعن شيطان
إلخ. وقد أكثر -كما أشرنا- الاستشهاد بالشعر، بعد ذكره المثل.
وهو -فيه- قد أرخى لتطوافه العنان، فساق الشواهد: قديمها، وحديثها، إلا أن بلده القطيف -ولا أقول: "القديح"- لم يكن لها نصيبٌ، إلا "مصة الوشل".
فما وجدنا غير بيتين - عدا نظمه الآني عند ذكره المثل – لغيره من شعراء القطيف:
فالبيت الأول ذكره بعد ذكره المثل: "ضرب الحبيب مثل أكل الزبيب"، حيث قال: "وقال محمد سعيد الخنيزي:
ضربت قلبي فاغتدى ساحرًا
يصوغ منك المثل السائرا"
والبيت الثاني: عند ذكره المثل: "ما بعد العود قعودٌ"، حيث قال: "قال الشيخ فرج العمران:
(وبعد آنٍ فاح ريح العود
وليس بعد العود من قعود)
* * *
ولا بد من القول: إن صاحبنا بذل الجهد الكبير، حيث يبدو ذلك على جلاءٍ، ووضوحٍ في تتبعه المصادر، واختياره الشواهد، ذات الصلة بالمثل – كما أشرنا، عند وقفتنا في جانب الضوء.
وما أشرنا إليه من نقاط الظل لا يقلل من شأن الكتاب، وما بذله صاحبه من وقتٍ وجهدٍ.
ولابد من هذه الملاحظات التي إليها أشرنا، لأني لست من فئة التشجيع المغرر؛ بل لا بد من وقفاتٍ في جانب الضوء، وأخرى في جانب الظل حتى تتساوى الكفتان.
وإذا ظن صاحبنا -وهو له حق رعاية التلمذ- أن جانب الظل كان فيه شيءٌ من القسوة فهي الضربة المقوية لا المميتة، ولابد من ذلك حتى نبعد عن دائرة التغرير.
وهذا هو السبيل الألحب، كي يحاسب كل كاتبٍ نفسه ويعد خطاه مادام ينتظره من يحاسبه، ويحسب عليه الخطى.
ونأمل منه أن يتحفنا بنتاجٍ يكون أكثر نضجًا، وأصلب متانةً، لا تناله مطرقة النقد حيث يمحي منه كل أثرٍ للظل، فينبهر الرائي بالضوء.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق