2015/02/12

فـي الجغــرافيــــة اللغويـــة

إنَّ علم الجُغرافية اللغوية (Linguistic geography) يُعَدُّ نوعاً حديثاً من فروعِ الدراساتِ اللغويةِ الحديثة الذي ظهر مع بداية القرن التاسع عشر، على يد (مارتين سارمينتو) في كتابهِ المعجم (القاموس) الجغرافي للغاتِ الرومانسيةِ بيدَ أنَّهُ لمْ يُتابع البحث في هذا الموضوعِ([1])، وسرعانَ ما تطورَ هذا العلمُ نتيجة التحول الحاسمِ في تصحيحِ ما اضطرب في أيدي علماءِ اللسانِ – في فترةِ السبعيناتِ مِنَ القرنِ التاسعِ عَشَر– وعجزهم في أحيانٍ كثيرةٍ عن وضعِ قوانين التغير الصوتي لصيغٍ منضبطةٍ تمثلت عندهم باللسانِ الفصيح فكانَ لجوؤهمُ إلى اللهجاتِ
المحليةِ لاثبات اطراد القوانين الصوتية وبراءتها مِنَ الشذوذِ، وهكذا اقتنع علماء اللسان بأنَّ استقصاء صورَ التنوعِ اللهجي و المقاربة بينهما ضَرورةٌ لا مناصَ مِنها، لذلكَ انطلق الباحثون يجمعون مادتهم اللغوية من محيطها الجغرافي([2])، إذ بَرَزَتْ عندهم موضوعة الجغرافية اللغوية التي تَمَثَّلَتْ فيما بعد بالأطلس اللغوي الذي يُعدُّ من أحدثِ وسائل البحث في علم اللغات وفقهها.


وللأطلس اللغوي وظيفةٌ ذات أثرٍ بالغٍ في الدراساتِ اللغويةِ في العصرِ الحديثِ لأنَّهُ يُعطي صورةً شاملةً لتوزيع اللهجات المختلفة التي نُفذتْ على أسس بحوثٍ ميدانيةٍ دقيقةٍ لا على أساسِ عمومياتٍ غامضةٍ([3]). ويعدُّ الأطلسُ اللغوي نوعاً من العرضِ الجغرافي للغة ممثلةً في لهجاتها المختلفةِ ، وتوزيعِ تنوعاتها اللغويةِ المجموعة حسب انتماءاتها البيئية و الاجتماعية على مجموع الخرائط الخاصةِ بالميدان اللغوي([4]) ، إذ تختصُّ كلّ خريطةٍ بكلمةٍ أو ظاهرةٍ صَوتيةٍ مُعَيَّنَةٍ خاصةٍ بأصواتِ اللفظِ و حَركاتهِ ونبرهِ و طريقة النُّطقِ به، أو صرفية تتناول صيغة اللفظ و بنيته، فضلاً عن مجموعات الكلماتِ التي تخدم الغرض النحوي([5]) وتُطلِعُنا هذهِ الخرائطُ أيضاً على الاختلافاتِ الصوتيةِ بينَ المَنَاطقِ المُختلفةِ، كما يبرز في هذهِ الخرائط الدّرس الواسع للمفرداتِ من حيث البنية و المترادفات المختلفةِ للمعنى الواحدِ، و اختلاف الألفاظ باختلاف المناطقِ اللغويةِ وغير ذلك، مما يُتيحُ للباحثِ معرفةِ الواقعِ اللغوي للغةٍ من اللغاتِ، سواءً كانت لغاتٍ فصحى أو مُشْتَرَكَةً أو خاصةً([6]).

ليست هناك تعليقات: