المعجم الجامع أو جامع المعاجم
نشر غير مرة في مجلة الفيصل السعودية والدستور الأردنية وكتابي نحو دراسات
وأبعاد لغوية جديدة
المعجم الجامع (جامع المعاجم)
أ.د. يحيى جبر
رئيس قسم اللغة العربية(سابقا)
جامعة النجاح الوطنية
برزت هذه الفكرة بادئ الأمر عام 1983 في مقالةٍ نشرتها بهذا العنوان في
جريدة الدستور الأردنية، ثم أعيد نشرها في مجلة الفيصل السعودية، ونشرت مرّةً أخرى
في كتابي "نحو دراسات وأبعاد لغوية جديدة"، الذي صدر في مدينة نابلس عام
1986، وكان الإصرار على نشرها في غير وعاء بعينه رغبة في التأكيد على أهمية الموضوع،
وضرورة الإقدام على تنفيذه، لما في ذلك من نفع للعرب والعربية
ولقد أتيح لهذه الفكرة أن تبعث من جديد عام 98 من القرن المنصرم، عندما
أقر قسم اللغة العربية وآدابها بجامعة النجاح الوطنية إدراجها في الموضوعات التي يتناولها
طلبة الدراسات العليا في أطروحاتهم لنيل درجة الماجستير استناداً إلى التفصيلات التي
عرضتها على مجلس القسم أن يناط الإشراف على تنفيذه بأساتذة اللغة العربية والنحو في
القسم.
ويندرج هذا الموضوع ضمن إطار علم صناعة المعاجم من فروع علم اللغة التطبيقي،
وهو مبحث على قدر كبير من الأهمية، لا سيما إذا أدركنا ما للمعاجم من دور في استجابة
اللغة لمقتضيات العصر ومعطياته: ثورة علمية وتقنية، وتفجّر المعرفة، وفوضى العولمة،
وفشل المشروع الحضاري العربي في توطين العلم وإنتاجه.
يضاف إلى ما تقدم أنه يفترض في هذا المعجم أن يتبرأ من عيوب المعاجم القديمة،
ويجمع أشتاتها في معجم واحد، وبرؤيةٍ موحدة، ومنهج معاصر ليلبي مستلزمات البحث العلمي،
ويوافق حاجة العصر.
أهمية هذا المعجم
تنبع أهمية هذا المعجم من مصادر عدّة منها ما يتصل بالمعاجم المختلفة،
ومنها ما يتصل بهذه الفكرة من حيث أصالتها وإفادتها من المعاجم السابقة لتجيء سليمة
معافاة.
فالمعاجم القديمة مختلفة في مناهجها وطرق عرض المادة فيها، كما أنها تتفاوت
في حجم تغطية هذه المواد، ناهيك عن تفاوتها في عدد المواد التي تتضمنها، والمفردات
المشتقة منها، والشواهد التي تأتي بها، إضافةً إلى ما فاتها جميعاً من قديم لم يقف
عليه رواة اللغة الأوائل، مما نجد بعضه في محققات عبد السَّلام هارون كالأصمعيات والمفضليات،
أو متأخر استدركه لاحقهم على سابقهم على نحو ما نجده في ما استدركه الزبيدي على صاحب
القاموس، أو حديث اقتضته حركة التطور في الحقبة الحالية وما صحبها من حركة الترجمة
والتعريب، وما أفرزته من اصطلاحات جديدة في مجالات المعرفة المختلفة.
ويضاف إلى ما تقدم، أن المكتبة العربية، تزدحم بعدد ضخم من المعاجم التي
يزداد عددها يوماً بعد يوم، ونأمل – بهذا المعجم – أن نقلل من أثر هذه المشكلة التي
تتمثل في مساحة الحيّز المشغول بها، إلى جانب تشتيت جهد الباحث إذا كان بحثه يرتكز
على المعاجم.
آلية العمل:
لتنفيذ هذا المشروع كان لابد من الوقوف على المساحة التي تشغلها الأصول
اللغوية التي تبدأ بحروف الهجاء العربية، لتقسم على أعضاء لجنة الإعداد بالتساوي، بقدر
الإمكان، وعلى ضوءِ ذلك، فقد أنيط ببعض الطلبة حرفُ بعينه، وببعضهم حرفان أو أكثر تبعاً
لنسبة الأصول التي تبدأ بهذا الحرف أو ذاك إلى المادة الكلية للمعجم العربي.
وقد استُعين في تحديد هذه النسب، على وجه التقريب، بمعجم الصحاح وأساس
البلاغة ولسان العرب والمعجم الوسيط .
مراحل التنفيذ:
بعد الانتهاء من تقسيم حروف المعجم على أعضاء لجنة الإعداد بدأت عملية
التنفيذ على النحو التالي:
- تقصّي المعاجم قديمها وحديثها،
وعلى اختلاف أنواعها بين مجنسة ومبوبة، بغض النظر عن موضوعاتها، إذ يستوي في ذلك معاجم
الأعلام والبلدان والاصطلاحات ونحوها من ناحية، ومعاجم الألفاظ والمعاني المعروفة.
- إدراجها في ثَبَت وإحالته
إلى مكتبة جامعة النجاح لتأمين هذه المعاجم، ووضعها تحت تصرف لجنة الإعداد.
- تفريغ مادة المعاجم
المتوفرة.
وتختلف المعاجم فيما بينها اختلافاً كبيراً، ولتحقيق الهدف الرئيس من
وراء هذا المشروع كان لابد من اعتماد منهج يراعي الفروق بينها سواء أكانت في الأسلوب
أم كانت في المادة اللغوية المتصلة بهذا الأصل أو ذاك. كما ينبغي لهذا المنهج أن يراعي
متطلبات العصر من ترتيب وشمول وتصنيف ونحو ذلك.
ويقف المطالع في المعجمات العربية على حقيقة كبيرة تتمثل في مدرسة معجم
مقاييس اللغة لابن فارس، والعباب للصاغاني، وما أسمياه من دلالة الأصل (التركيب): هذه
الحقيقة التي من شأنها أن تقفز بالدرس اللغوي إلى آفاق أبعد وأرحب إن نحن أوليناها
مزيداً من الاهتمام والدرس، ذلك بأنها تناولت المعنى الكلي على نحو يمكّن الباحث من
الغوص إلى أعماق اللغة، وسبر بحورها، واستجلاء الفلسفة التي توجهها. ولذلك فإن مخطط
المادة اللغوية في المعجم الجامع سيبدأ بدلالة الأصل والتركيب مستخرجة من معجمي المقاييس
والعباب (أنظر بحثنا في العدد 67،68 من مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة)،
ثم يأتي بعد ذلك صلب المادة مستخرجة من المعاجم المختلفة.
واتُّفق على أن ترتب هذه المادة استناداً إلى رؤية موضوعية تقوم على تفريغ
ما ورد في لسان العرب أولاً، ذلك بما ضمنه إياه ابن منظور عدداً من المعجمات التي سبقته،
ونظراً لشموله واتساع مادته. ولكن لما كان اللسان – أصلاً – ليس مرتباً وفقاً لمقتضى
العصر الحاضر، وكان معجمنا سيراعي الترتيب الأبتثي، فإننا سنعيد ترتيب مادته مستأنسين
بطبعة بيروت المرتبة وفقاً لمدرسة الأساس، وسنتخذ من مادته قاسماً مشتركاً نضيف إليه
ما اختلفت فيه المعاجم.
وتقوم لجنة الإعداد بتفريغ مادة اللسان على مساحات كبيرة من الورق، بحيث
تترك فراغات مناسبة بين السطر والسطر الذي يليه باستخدام قلم الرصاص لتسهيل عملية الحذف
والزيادة أثناء عرض سائر المعجمات على مادة اللسان.
وفي المرحلة النهائية من ترتيب المادة المدرجة تحت الأصل الواحد تأتي
المساحة المخصصة للمعاجم الحديثة المتخصصة، ولذلك يجمع العجم قديماً إلى حديث، بشكل
منظم، مؤبتث، يراعي الفروق بين المعاجم ومتطلبات العصر، ويفصل المادي عن المعنوي، ويورد
الأصول المهملة عسى أن ينتفع بها في دراسة الأصوات، وتزويد أهل العلم بمادة يمكن استخدامها
رموزاً واصطلاحات.
ونعرض فيما يلي هيكلاً تخطيطياً لمادة من مواد المعجم (س د ف).
س د ف
من معجم المقاييس والعباب
السين والدال والفاء أصل (تركيب) يدل على كذا…..
المادة اللغوية (سدف) × × ×
المعاني المادية مؤبتثة
بتفريغ مادة لسان العرب على أنها القاسم المشترك بين جميع المعاجم التراثية
بما فيها المقاييس والعباب ثم تضاف إليها مادة المعاجم دون تكرار.
المعاني المجردة مؤبتثة
أعلام العباد
أعلام البلاد
اصطلاحات العلوم مؤبتثة أيضاً من المعاجم المتخصصة قديمها وحديثها.
ترتيب مشتقات الأصل اللغوي:
ترتب الألفاظ المعالَجة من مشتقات
وأفعال ونحوها ترتيباً أبتثياً يراعي أحرف الكلمة بغض النظر عن حظها من الأصالة والزيادة،
وسواء أكان الحرف الأول صدراً للكلمة أم أنه تصدرها لعارض كعين المثال الواوي في المصدر
مثل عظة وصلة، على أن يشار إلى أصله عند معالجته.
وستدرج المصادر جميعاً في المعاني المجردة، ومفردات المعاجم كما وردت،
دون تدخل إلا في الترتيب والتبويب.
كيف نعرض المعاجم على اللسان:
ذكرنا سابقاً أن مادة اللسان تمثل القاسم المشترك بين المعاجم، ويراعى
عند تفريغها أن تكون:
1- مقسمة إلى قسمين، ألفاظ مادية
الدلالة، وأخرى معنوية الدلالة.
2- مؤبتثة بحسب أحرف الكلمة بغض النظر عن الصيغة والزمان، دون الزيادات
التي تمثل مفردات بعينها كسين التسويف وباء الجر، وكافه ولامه و"الـ" التعريف،
وتاء التأنيث في آخر الكلمة، وحركات الإعراب الفرعية ونحو ذلك مما لا يعد في بنية الكلمة،
ويؤدي إلى إضافة معنى ما إلى الأصل.
ويراعى في تفريغ المادة أن يكون هناك مسافة مناسبة بين المفردة المفسرة
والتي تليها، تقدر بسطرين إلى ثلاثة، تخصص لإضافة الفروق والزيادات والاختلافات التي
نجدها في هذا المعجم أو ذاك خلافاً لما في اللسان، ويمكن أن ترصد هذه المسائل باستخدام
الأقواس أو الخط المائل.
رموز المعاجم
اتفق على أن يرمز إلى المعاجم
بالرموز المدرجة إزاء كل منها، انطلاقاً من المقولة التاريخية "لا مشاحّة في الاصطلاح"
وذلك لتسهيل العمل، على النحو الآتي:
1. مقاييس اللغة م
2. الذيل والتكملة والصلة ذ
3. تاج العروس ت
4. جمهرة اللغة جم
5. تاج اللغة وصحاح العربية ص
6. العباب عب
7. القاموس المحيط ق
8. المحكم والمحيط الأعظم ح
9. البارع ب
10. الجيم ج
11. أساس البلاغة س
12. العين ع
13. الوسيط و
14. تهذيب اللغة ته
15. المعجم الكبير ك
وقد بادر كثير من الطلبة إلى
إعداد الخطط اللازمة لتسجيل رسائل تحت هذا العنوان، وخصصت لهم أبواب بعينها تحمل بعض
حروف المعجم، واعتمدت كلية الدراسات العليا المشروع، وأُسند الإشراف إلى أساتذة اللغويات،
وأُنجز نحو من عشر رسائل باسم المعجم الجامع، غير أن النتيجة كانت أن توقف العمل بهذا
المشروع، لأسباب مختلفة، .... فلم نتمكن من الحصول على المعاجم المطلوبة، ولم ينجز
الطلبة المهمة على الوجه المطلوب لنقص في المصادر، ولضخامة العبء، مما أدى إلى تذمر
بعض الزملاء، فكان أن أوصى القسم بالتوقف عن المتابعة.
وقد تبين، بعد التجربة، أن هذا المشروع يحتاج إلى جهود مضاعفة، وإلى مؤسسة
متخصصة تتولاه، وإلى مال كثير للإنفاق عليه، وحبذا لو نهضت بالمهمة بعض بلاد العرب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق