صناعة المعاجم والجدول الهجائي الكامل
للأستاذ نجيب إسكندر
في وسعنا أن نكتب في العربية أي لفظ بمجرد سماعه، فالإملاء العربي سويّ، لكنه ما هكذا هو الأمر في بعض اللغات الأوروبية، حيث الإملاء اصطلاحي؛ فلو أردنا مثلاً أن نكتب في الإنجليزية اللفظ "تو" لمثلت أمامنا ثلاث طرق تتوقف على المعنى المقصود: too، two، to، واللفظ "رايت" يمكن أن يكتب بأي من هذه الصور: write، right،rite. وفي صناعة المعجم نرى العكس: ففي حين يكون لكل مفردة مكانها الصحيح في المعاجم الأوروبية، فيه يضعها المؤلف، وفيه يجدها المراجع بلا أدنى صعوبة في الحالين، نلمس في المعجم العربي حيرة المؤلف في تعيين موضع كثير من المفردات، وحيرة المراجع في الاهتداء إليها. ويرجع الفضل في سهولة المعجمية الغربية إلى كون الجدول الهجائي عندهم كاملاً.
الترتيب المعجمي
كان المعجم العربي يرتب حسب الأصول، فيثبت كل مزيد ومشتق تحت أثلة المجرد. ولم يُثر هذا الترتيب، على تعدد الطرق في تطبيقه، الاشتباه في صلوح الجدول الهجائي المعتمد.
أما الآن، وقد بدأ الاتجاه إلى الترتيب اللفظي الذي تُدرَج فيه المفردات حسب حروفها، كما هي الحال في دليل الهاتف، فيصبح إكمال الجدول وضبطه ضرورة بالغة في كل عمل معجمي.
صيغ معجمية
يُدرَج الفعل في المعجم العربي في صيغة الماضي باعتبارها الأصل الذي يصرَّف منه المضارع والأمر. ويُفترض في الفعل عند إثباته في المعجم أن يكون مطلقاً؛ لكنّ جميع الصيغ الفعلية العربية مسنَدَة، بما في ذلك صيغة فَعَلَ، وهي أبسط تصاريف الماضي؛ وعند الوقف تَطرح هذه الصيغة الفتح لتُلْفَظ ساكنة. ومن الصواب أن تُؤخذ الصيغة الوقفية الساكنة هذه لتكون الصيغة المعجمية للفعل، بسبب افتراض الصرفيين أن صيغة فَعَلَ، المفتوحة الآخر، هي الأصل، قاعدة لما أسموه تبدُّل حركة الماضي في التصريف. لكنْ إنْ نحن افترضنا أن الأصل هو الصيغة الساكنة فَعَلْ، أدركنا أن ثمة لا فتحة تُبْدل، بل سكون يلازم الفعل المطلق، وما الفتحة في الحقيقة سوى نوع من ضمير بارز متّصل تدخل على الفعل المطلق لتُخَصِّصَه للغائب المفرد، كما تدخل عليه الفتحة الطويلة (الألف) لتُخَصِّصَه للغائب المثنى إلى آخر هذه التصاريف.
وتُدْرَج معظم الأسماء مضمومة الآخر ومعرَّفة بالأداة. والذي أراه أن وجود الأداة لا يَتَّفق مع الترتيب المعجمي الذي يقتضي إدراج المفردة حسب الحرف الأول فيها. والأفضل، إذا ما أُهملت أداة التعريف، الاكتفاء بالضمة غير منوَنَة، فما التنوين في الواقع سوى أداة تنكير.
وكذلك هي الحال في المنقوص، فليس ثمّة من موجب لحذف الياء من آخره عند تجريده من أداة التعريف. وقد درج نفر من الثقات على الاحتفاظ بباء المنقوص في كل حال.
ونظراً لإهمال علامات الحركة والتنوين في الكتابة اليدوية وفي الطباعة اليومية، جَرَت العادة بزيادة الألف بعد تنوين الفتح فلا تهمل، لأن الجمهور يعدّها جزءاً من أحرف الكلمة.
لكن هذا الحرف الذي لا قيمة إملائية له، وما كان القصد منه سوى التعويض عن علامة التنوين، من شأنه الإخلال بالترتيب المعجمي. أكتفي بمثال واحد: أبدٌ، أبدً (أبداً)؛ ففي الترتيب الهجائي الصحيح تجيء أبدً قبل أبدٌ، لأن الفتحة تسبق الضمة، لكن زيادة الألف تقضي بعكس هذا الترتيب.
على هذا يُسْتَحْسَن الاستغناء عن الألف في طبع المعاجم الكاملة التشكيل، اكتفاءً بعلامة تنوين الفتح، كما هو الحال في الأسماء المقصورة والممدودة والمنتهية بتاء التأنيث، فهذه كلُّها لا تزاد عليها الألف في أي حال.
وهكذا يمكن أن يتوفّر للمعجم صيغ ملائمة: الفعل الماضي ساكن الآخر، والاسم نكرةً غير منوّن، والمنقوص كاملاً، والمنصوب مجتزءاً بعلامة التنوين دون ألف.
الحـروف
إذا حلّلنا النطق البشري، لاحظنا أنه يتألف من أصوات متتابعة يختلف بعضها عن بعض اختلافاً أساسياً؛ كما نلاحظ أن الصوت الواحد يقف أحياناً بمجرد نطقه، لكنه في أحيان أخرى يظلّ يتردد بعض الوقت، متخذاً في تردده اتجاهات متباينة. وتسمى مدة التردد واتجاهه بالحركة.
وقد اقتصرت الأشكال الأولى التي وضعها الإنسان للرمز إلى الأصوات على إظهار الاختلافات الأساسية في وقع الأصوات على الأذن، مثل الاختلاف الذي نحسُّ به بين صوت اللام وصوت السين.
لكنَّ الإنسان يتعذَّر عليه أن ينطق كلاماً مؤلَّفاً كلّه من أصوات ينتهي كل منها عند نطقه، فبدأت المحاولة لابتداع أشكال ترمز إلى تردد الأصوات، واتجاهات هذا التردد.
ويمكن أن تشبه الأصوات بالجوهر، والتردد الذي يصحبها أحياناً بالعَرَض.
وفي حيت تُعْرف الأشكال التي ترمز إلى الأصوات بالحروف الصامتة، فقد اصطلح على تسمية الأشكال التي ترمز إلى الحركات بالحروف المصوَّتة.
وقد عَمَدت بعض الشعوب إلى إظهار كلّ حرف صامت بأشكال مختلفة ترمز إلى أنواع الترددات التي يتخذها هذا الحرف في الكلام.
وتمثل هذه الطريقة القصور – قصور الأقدمين- عن إدراك الحركة عنصراً إضافيا يمكن، رغم لطافته، الرمز إليه بشكل خاص به. ويظهر أثر هذه الطريقة في اللغات الأوروبية، إذ صوّروا الهمزة بعدة أشكال، ليدلوا على مختلف الحركات في نطقها a e i o. لكنهم عندما جاء دور الحروف الصامتة الأخرى، تركوا الحرف على حاله وأتبعوه، إظهاراً لحركته، بالأشكال التي رمزوا بها إلى الهمزة متحركة.
وهكذا صار لأشكال الهمزة وظيفة مزدوجة، فهي تُلْفَظ همزة متحركة إذا جاءت بداية مقطع، وتكون مجرَّد حركة عندما توضع بعد أي حرف صامت آخر.
وتحتفظ العربية بظاهرة من هذا النوع؛ فما الحالات التي تُكْتَب فيها الهمزة فوق الألف أو الواو أو الياء إلاّ أثراً من هذه المحاولة للرمز إلى الصامت متحركاً بتبديل شكله.
لكنْ، حين فقدت الهمزة في اللغات الأوروبية اسمها ورسمها الخاصين، ولم يبق منها سوى اللفظ، فإنها في العربية تحتفظ، بالإضافة إلى لفظها، باسمها، وتتوِّج جميع الأشكال التي تتَّخذها بعلامتها المميّزة، بل إنها في بعض الحالات تظهر مجردة من أي شكل إضافي.
الحروف المصوتة
ومن جهة أخرى، فعندما أرادوا في العربية إثبات الحركات، استعانوا، كما رأينا في اللغات الأوروبية، بأحرف صامتة هي، فضلاً عن الهمزة، الواو والياء. ولم يكن اختيار هذه الأحرف الثلاثة بدون مبرر من قواعد التصريف.
ويسمى الحرف الأول في العربية واللغات الأخرى بالألف، ومن هنا عُرِفَت حروف الهجاء بالألف باء، لكنه في العربية يسمى أيضاً، بوصفه صامتاً، بالهمزة. وعندما صار هذا الحرف يَرْمُز إلى الفتح سُمّي الفتح بالألف. وخطر للبعض بعد مدة أن يزحزحوا الفتح عن موضع الصدارة منعاً للالتباس، ولقصورهم عن تصوّر الحركة في شكل مستقل، عمدوا إلى حرف صامت آخر هو اللام، فكانت اللام ألفاً.
وفي اللغات الأوروبية تظهر الحركات بجميع أنواعها وأقدارها في شكل حروف تتلو الصامت. ولم يدوَّن في العربية سوى حركات ثلاث. ولما كانت الأحرف التي اختيرت لإظهار هذه الحركات لا تبيّن قدر الحركة، جعلوا يشيرون إلى الحركة القصيرة بالنّص عليها: (فتح فسكون فضم). وأخيراً فطنوا إلى إظهار الحركات القصيرة شكلات فوق الحروف الصامتة أو تحتها.
وقد ترك التأخر في إظهار الحركة القصيرة ما نراه في ضبط الفعل الناقص وبعض حروف المعنى، مثل متى، إذا؛ فالحركة هنا قصيرة، ولمّا لم تكن قد وُجِدَت بعد طريقةٌ لإظهار الحركة قصيرة، ضُبِطت هذه الفئة من الكلمات بالفتح الطويل.
إن وضع الحركات القصيرة بصورة شكلات تختلف عن الحروف شاهد على إحساس واضعيها بأن الحركة من عنصر آخر غير عنصر الصوت في حدّ ذاته. ونحن نرى مثل هذا في تدوين الموسيقى، فبينما يُرْمَز إلى أنواع النغمات بموضعها من المدرج، يُرْمَز إلى الأزمنة التي تستغرقها بعلامات خاصة.
على أن هذه الطريقة البارعة في إظهار الحركة القصيرة لم تَضْمَن لهذه الحركة من الحرمة ما للحركات الطويلة التي تظهر في شكل أحرف. ففي الكتابة والطباعة غالباً ما تُهْمَل الحركة القصيرة، فتجيء الكتابة سهلة، لكنها عديمة الضبط.
وفي الصرف العربي يختلف دور الحركات القصيرة عن دور الطويلة. لكنْ في علم الأصوات فالنوعان يجتمعان في مفهوم مشترك، هو ما يسمى في اللغات الأوروبية بالفاولز. ولسنا نجد في العربية لفظة مقابلة؛ ففي حين تُعْرَف الحركة الطويلة بحروف العلة، أو حروف المد، تعرف القصيرة بالحركات أو بالشكلات. ويمكن وصف الفرق بين الحركات الطويلة والقصيرة بأنه كمّيّ لا كيفي: فالفتحة والضمة والكسرة لا تختلف عن الألف والواو والياء إلاّ بأنها أقصر تردداً: نام لم ينم، يقول لم يقل، يبيع لم يبع.
ولما كانت الحركات جميعها، من طويلة وقصيرة، جزءاً أساسياً من بنية الكلمات متمماً للحروف الصامته، فإن الجدول الهجائي لا يكون كاملاً ومعتمداً إذا لم يشمل الحركات.
وعلى الرغم من الاختلاف في الشكل بين الحركات الطويلة والقصيرة، وعدم توافر اسم مشترك، فقد فطن الأقدمون إلى الصلة بين كل حركة قصيرة والحركة الطويلة المماثلة لها في الاتجاه، وأسموا هذه الصلة بالموافقة.
وقد حاول الفيومي، كما يقول في مقدمة "المصباح"، ترتيب هذا المعجم بتتبع الحركات القصيرة على الحرف الواحد قبل الانتقال إلى الحرف التالي، لكنَّه عَدَلَ عن هذا الترتيب لما بدا له من وعورته. ويمكن أن نعرّف هذا الترتيب، الذي حاوله هذا اللغوي الثبت، بنظام الشوط الواحد؛ وهو المتبع في المعاجم الأوروبية. لقد جاءت الفكرة قبل أوانها. ولا ريب في أن تكون هي المتبعة لو أُعطِيَت الحركات القصيرة شكل حروف سوية.
وفي الوضع الحالي ليس أمامنا سوى مواصلة نظام الشوطين: تتناول المفردة، وتَتَبّع الحركات على حروفها واحداً واحداً قبل الانتقال إلى المفردة التالية.
الكتابة المنفصلة:
من المرجح أن رموز الأصوات الكلامية، التي نسميها الحروف الهجائية، وُضِعَت أول ما وُضِعَت منفصلة. وكان هذا النظام ملائماً لوسائط الكتابة المستعملة آنذاك، كالنقش في الحجر، أو الخط على الفخّار. وما تزال لغاتٌ كثيرة تُكْتَب بحروف منفصلة ولا تعرف الوصل أبداً. وفي العربية نفسها، الفصل غير شامل، فثمة مفردات لا تتّصل حروفها في حال: إداري، إرادات.
وتطوَّرت وسائط الكتابة، فظهر الورق والقلم، الأمر الذي اقتضى وصل الحروف، وقد بدأت الآراميّة هذا الاتجاه، وتبعتها العربيّة. بل إن الأوروبيين أوجدوا نمطاً متصلاً من الحروف للكتابة بالورق والقلم.
لقد استلزم وصلُ الحروف العربية تعديلَ أطرافها، مما شوّه أحجامها، وقلّل من الفروق بين أشكالها؛ الأمر الذي اضطر معه إلى الاستعانة بالنقط للتمييز بينها، وحال دون ابتداع حروف جديدة ترمز إلى الحركات القصيرة، فَرُسمت هذه الحركات بصورة شكلات.
ورغم تقبّل المطبعة للحروف المنفصلة، فقد تمسَّك الطابعون بالحرف المتصل، وأخذوا يكيّفونه للتنضيد الطباعي، متجاهلين الدعوات القوية التي ظهرت بُعيد دخول المطبعة لاستعمال حروف منفصلة في الطباعة.
وفي سنة 1947 دعا مجمع القاهرة، وكان اسمه إذ ذاك مجمع فؤاد الأول، إلى مسابقة لتيسير الكتابة العربية، فكان اقتراحي فصل الحروف في الطباعة، وإعطاء الحركات القصيرة أشكال حروف عادية، على غرار الحركات الطويلة وتسوية مشكلة الهمزة؛ لكن المجمع قرّر في نهاية الأمر حفظ جميع المقترحات التي وردت إليه.
وبعد مدة من مسابقة المجمع، عاد إلى لبنان المغترب نصري خطّار، وعرض آلة تنضيد تَسْبك الحروف منفصلة. لكن هذا الحدث لم يَلْقَ في حينه ما يستحق من الإقبال لدى أوساط الطبع والنشر. وحين شَرَع صانعو الحسابات (الكومبيوتر) يُدخلون الحروف العربية، فضّلوا الحرف المنفصل، وبذلك بدأت الحروف المنفصلة تغذّ مسيرتها الحالية.
ميزات فصل الحروف
إن فصل الحروف في الطباعة، فضلاً عن فائدته في تبسيط عملية التنضيد الطباعي وتسهيل تعلم القراءة، سيكون من شأنه التمكينُ من تحويل الحركات القصيرة من علامات ثانوية إلى حروف عادية، وإيجادُ ما يعرف بالحرف الكبير (كابيتال) للعناوين وبدايات الجمل وأسماء الأعلام، ووضع جدول عربي مقابل لجدول IPA يرمز إلى الأصوات غير المعروفة في العربية، بقصد ضبط المفردات الأجنبية.
وفي صناعة المعجم خاصة يمكن، عند فصل الحروف، إيجادُ مخرج عملي لمشكلة تَقَبُّل الحرف الواحد لأكثر من حركة: ففي العربية أفعال وأسماء يصحّ أن يُلْفَظ الواحد منها على عدّة وجوه، من حيث السكون والحركة الطويلة أو القصيرة، والتخفيف والتثقيل بدون أي تبديل في المعنى؛ أكتفي منها بمثال واحد هو: أصبع؛ فإن كلّاً من الهمزة والباء تقبل أياً من الحركات الثلاث. ويتمّ إثبات هذه الحالة في المعاجم عادة إما بتكرار إدراج المفردة بمختلف الحركات، أو بإظهار الحركات جميعاً دفعة واحدة على الحرف، أو بالنص أنّ الحرف ثلاثي الحركة. ولو فُصِلَت الحروف لتَيَسَّر وضع رموز خاصة في شكل حروف (حركات) لهذه الحالات.
ثم إن الحروف المنفصلة تفوق بقوتها التدوينية الحروف المتصلة، وهذا يجعلها أشد ملاءمة للمعاجم. ونلاحظ في "مختار الصحاح" للرازي، الذي طبع قبل سنوات في القاهرة بتحقيق محمد محيي الدين عبدالحميد ومحمد عبداللطيف السبكي، أن المفردات كُتبت منفصلة، فكان هذا من أستاذين جليلين من المدرسة التقليدية تعبيراً عن إدراكها تَطَلُّب المعجم للحروف المنفصلة.
النمــط
لدينا الآن نمطان من الحروف المنفصلة: نمط خطّار الذي سار على أساسه الكومبيوتر، والآخر هو الحروف المطبعية كما تظهر منفصلة في الحالات التي لا تَقْبَل الوصل.
لكن يبدو عند التأمل أن هذين النمطين كليهما غير صالحين للطباعة؛ فقد اكتفى خطّار بالفصل الجسماني بين الحروف المتصلة، ولم يحاول إيجاد نمط خاص من الحروف المنفصلة، ولهذا جاءت حروفه مستهجنة؛ أما الحروف المنفصلة أساساً في الطريقة المتصلة فإنها لو صُفّت لتؤلف كلمات وسطوراً لبدت متنافرة عاطلة من الجمال.
لقد اكتسبت الحروف المتصلة جمالها من توفر أجيال بعد أجيال من الخطاطين على تطويعها وتحسينها، ولا شك أن في وسع الخطاطين اليوم أن يبتدعوا أطرزة مختلفة من حروف منفصلة تَتّسم بالبساطة والوضوح، والتمايز فيما بينها، والجمال الأخاذ.
الجدول الهجائي
يمكن تشبيه الأسلوب الصحيح في الترتيب المعجمي بطريقة ترتيب الأعداد: فالذي يحفظ جدول الآحاد، ويعرف كيف تُكْتَب بهذه الأرقام العشرة مختلف الكميات، يستطيع، حتى دون إلمام بالعمليات الحسابية، أن يرتّب أي مجموعة من الأعداد حسب قيمها الكمية.
وفي الجدول الهجائي، الموضوع هو الأشكال التي تُستعمل في تدوين الأصوات على اختلافها. ويعرف هذا الباب من قواعد اللغة الذي يعالج الجدول بـ"الرسم"، وهو مستقل بطبيعته عن الصرف. وإدخال أي اعتبار صرفي من شأنه الإخلال بقواعده.
لقد مرّ الجدول الهجائي العربي بأنواع من الترتيب، منها الأبجدي، ومنها الترتيب الصوتي الذي يتمثل في تقاليب "كتاب العين". أما الترتيب الحاليّ فيقوم على أساس أشكال الحروف؛ ويبدو مع ذلك ترتيباً عملياً. على أنه لكي يصحّ اعتماد هذا الجدول بصورة مضبوطة في أي عمل معجمي، وفقاً لإملاء المفردات، ينبغي أن يشتمل على جميع الأشكال المستعملة في الكتابة من حروف وحركات؛ ذلك أن المفروض أن يجد المُراجع جميع هذه الأشكال في الجدول، ويتبيّن موضع كل واحد منها، ليستطيع أن يجد المفردة في المعجم في سهولة.
الهمـزة
تُعْرَف الهمزة أحياناً باسم الألف، وتظهر في بداية الكلمات مركّبة على الألف، بل إنها كثيراً ما تُكْتَب بصورة ألف خالية من سمتها الخاصة. وعندما تَرِد في كلمة متبوعةً بالألف، يبدل شكلها وتوضع فوق الألف، وتسمى مدّة. وفي حالات أخرى تظهر الهمزة مركّبة على الواو أو الياء. وفي التصريف، فإنها تشارك الحركات فيما يسمى بالإعلال. كل هذا أسبغ على هذا الحرف الصامت السويّ شيئاً من الإبهام، واقتضى وضع قواعد لكتابته.
لقد أدى وصل الحروف في الكتابة إلى شيء من التعديل في شكل كل حرف، حسب موضعه من الكلمة؛ وهذا التعديل أمرُه يسير ولا يتعارض مع الترتيب المعجمي. لكنَّ الهمزة يتبدّل شكلها، لا وفقاً لموضعها من الكلمة، بل وفقاً لحركتها أو حركة ما قبلها؛ وهذا خارج عن أصول الرسم، ويعود إلى اعتبارات صرفية، ولا يتفق مع الترتيب المعجمي الصحيح والطباعة المتطورة. ولما كان هذا الشذوذ ليس من طبيعة الهمزة، يمكن تسويته وكتابة الهمزة على غرار بقية الحروف.
وفي فئات معينة من الكلمات المبدوءة بالهمزة يُهْمَل نُطْق الهمزة في الدَرْج. وللتنبيه على هذا رُسِمَت هذه الهمزة بشكل خاص يعرف بهمزة الوصل، لكنها لم تدخل في الجدول الذي جعلوه مقتصراً على شكل واحد لكل حرف صامت، واستكمال الجدول يقتضي إدخال هذا الشكل.
لا شك أن إظهار الهمزة المتبوعة بالألف بالشكل المعروف بالمدة ترتيب عملي في الكتابة اليدوية، لكن ليس لهذا الشكل موضع في الجدول الذي يقتصر على رموز الأصوات البسيطة غير المركّبة. وكل محاولة لاستعمال هذا الشكل في المعجم من شأنها الإخلال بالترتيب الصحيح المستند إلى الجدول. وينبغي إدراج كلّ همزة متبوعة بالألف على حالهما، كما هو الأمر مع الهمزة والواو والهمزة والياء.
التاء المربوطة
تُلفَظ تاء التأنيث عند الوقف شبيهة بالهاء، ولهذا وضعوا لها شكلاً خاصاً كما فعلوا في همزة الوصل؛ وينبغي إكمال الجدول بإضافة هذا الشكل الآخر للتاء إلى جانب الشكل العادي.
الألَـف
ليست الألف سوى حركة فتح طويلة، ولهذا لم يكن لها موضع في الجدول الذي لم يتصوَّر واضعوه أن يكون للحركة شكل خاص، وعمدوا إلى إظهارها متطفّلة على الهمزة، ثم جعلوها متطفلة على اللام.
لكننا ندرك الآن أن الرمز إلى الحركة بشكل مستقلّ أمر ممكن؛ وعلى هذا تضاف الألف إلى الجدول، ومكانها إلى جانب الواو والياء، كما فطن الذين اختاروا لها اللام، وكما يفهم من إدراج المعاجم التقليدية للأجوف الواوي في هذا الموضع.
وعندما تجيء الألف آخر الكلمة تُكْتَب أحياناً بشكل ياء مهملة. وقد ابتدع الرسم والاسم لاعتبارات صرفية لا موجب لها من أصول الرسم. على أنه ما دمنا نستعمل هذا الشكل ينبغي إثباته في الجدول إلى جانب الألف العادية.
الواو والياء
يكون هذان الشكلان حرفين صامتين، كما يكونان حركتين طويلتين. والتفريق بين الوظيفتين غير صعب في الكتابة الكاملة التشكيل.
تكون الواو أو الياء حرفاً صامتاً إذا جاءت متحركة بحركة طويلة أو قصيرة، أو جاءت ساكنة وما قَبْلَها متحركاً.
تكون الواو أو الياء حركة إذا جاءت غير متحركة بعد حرف ينتظر التحريك.
وينبغي أن تَرِد في الجدول إشارة إلى ازدواج وظيفة هذين الحرفين.
وفي الترتيب المعجمي، فإن المفردة التي تكون فيها الواو أو الياء حرفاً صامتاً تجيء قبل مثيلتها التي يعمل فيها هذا الحرف حركة.
كما ينبغي أن تحتفظ الياء الصامتة بالتنقيط عند ورودها في نهاية الكلمة، لتلافي الالتباس مع الياء المهملة التي هي شكل آخر للألف.
الحركات القصيرة
لما كانت الحركات القصيرة جزءاً أساسياً من الكلمة، ينبغي إدراجها في الجدول، وضبط ترتيبها وفقاً لترتيب الحركات الطويلة.
الشَـدّة
عندما يتتابع الحرف الواحد ساكناً فمتحركاً، فإنه يُكْتَب شكلاً واحداً تعلوه علامة تعرف بالشَدّة. إن الفكرة في الرموز هي ابتداع شيء صغير يرمز إلى شيء أكبر، لكن الشدة وقد أُوجِدَت لاعتبارات صرفية لا تؤدي هذا الغرض، فهي عبارة عن شكل بليد يوضع فوق الحرف فيشوّه الكتابة، ولا ينوب إلا عن شكل واحد هو الحرف المحذوف رسمه.
لكن ما دمنا نستعمل الشدة، فإن الترتيب المعجمي الصحيح هو إدراج المفردة ذات الحرف المشدد وفقاً لحركة الحرف الثاني؛ لكنْ في حالة وجود كلمة مماثلة غير مشدّدة فإن هذه الكلمة المماثلة غير المشدّدة تُدْرَج أولاً.
ويقتضي ترتيب المعجم اللفظي إدراج اللفظ الثلاثي المدغم بموجب الحرفين الظاهرين رسماً؛ وهذا هو المتبع الآن، في حين تراعي المعاجم المرتبة حسب الأصول الحرف الثالث الذي حُجِب رسمه بالشدة، فتدرج سِرّ بعد سَرْد.
السكون والحركة
في الترتيب الصحيح يُدرَج الساكن أولاً، والسكون لا يحتاج إلى علامة، فكل حرف غير متحرك يكون ساكناً، ويتجلى ذلك على أتمّه في المعاجم حيث التحريك كامل.
وعندما يكون الحرف الصامت متبوعاً بحركة طويلة لا يبقى لزوم للاستعانة بالحركة القصيرة.
أداة التعريف
هذه الأداة المؤلفة من همزة وصل ولام لا تُلفَظ دائماً هكذا؛ فإذا دخلت على كلمة مبدوءة بحرف شمسي انقلبت اللام إلى حرف مماثل، وأُدغِم الحرفان؛ وإذا جاءت في الدَرْج سقط لفظ الهمزة، أما إذا زاد على ذلك دخولها على شمسي بَطلَ لفظُها كلية، وبقي الشمسي مشدداً. وعلى هذا يكون لها أربع طرق في اللفظ، همز ولام. همز وحرف شمسي. لام، حرف شمسي.
ولو صنع شكل خاص لأداة التعريف يُلفَظ حسب الحالة، كما فعلوا في همزة الوصل والتاء المربوطة، لكان ذلك أفضل من الهمزة واللام في الرمز إلى هذه الظاهرة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق