المعرب
أولاً: تعريفه:
أ - المعرب لغة:
اسم مفعول من الفعل عَرَّب، يعرِّب، والمصدر تعريباً.
والمُعَرَّب: هو
الذي جُعِل عربياً.
ب - المعرب في الاصطلاح:
عرفه السيوطي - رحمه الله - بقوله: "هو ما استعملته العرب من الألفاظ الموضوعة
لمعانٍ في غير لغته".وقال الجوهري - رحمه الله - في الصحاح: "تعريب الاسم
الأعجمي أن تتفوه به العرب على منهاجه".
ثانياً: أسماؤه:
يُعرف بعدة أسماء تدل عليه، منها:
1-المُعَرَّب
2-التعريب
3-الدخيل
4- المولَّد
يقول د. علي عبدالوحد
وافي في معرض حديث له عن الدخيل في اللغة العربية: "الدخيل الأجنبي، المعرب والمولد:
يراد بالدخيل الأجنبي
ما دخل العربية من مفردات أجنبية سواء في ذلك ما استعمله العرب الفصحاء في جاهليتهم
وإسلامهم، وما استعمله من جاء بعدهم من المولدين.
وقد اصطلح المحدثون
من الباحثين على أن العرب الفصحاء هم عرب البدو من جزيرة العرب إلى أواسط القرن الرابع
الهجري وعرب الأمصار إلى نهاية القرن الثاني الهجري - ويسمون هذه العصور بعصور الاحتجاج...
وأن المولدين هم
من عدا هؤلاء ولو كانوا من أصول عربية.
ويطلق على القسم
الأول من الدخيل الأجنبي وهو ما استعمله فصحاء العرب اسم (المعرب) وعلى القسم الثاني
منه وهو ما استعمله المولدون من ألفاظ أعجمية لم يعربْها فصحاء العرب اسم (الأعجمي
المولد)".
ثالثاً: الخلاف في
المعرب: اختلف العلماء في وقوع المعرب في القرآن، على ثلاثة أقوال:
القول الأول: قول
القائلين بالمنع:
وهذا قول الإمام
الشافعي، وأبي عبيدة، وابن فارس وغيرهم - رحمهم الله - وقد استدلوا على المنع بقوله
- تعالى -: [قُرْآناً عَرَبِيّاً] وقوله: [وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآناً أَعْجَمِيّاً
لَقَالُوا لَوْلا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ].
"وقد شدد الشافعي
- رحمه الله - النكير على القائل بذلك".
وقال أبو عبيدة
- رحمه الله -: "إنما أنزل القرآن بلسان عربي مبين؛ فمن زعم أن فيه غير العربية
فقد أعظم القول، ومن زعم أن كذا بالنبطية فقد أكبر القول".
وقال ابن فارس -
رحمه الله - معلقاً على قول أبي عبيدة: "فإن قال قائل فما تأويل قول أبي عبيدة
فقد أعظم وأكبر؟ .
قيل له: تأويله أنه
أتى بأمر عظيم وكبير؛ وذلك أن القرآن لو كان فيه من غير لغة العرب شيء لتوهم متوهم
أن العرب إنما عجزت عن الإتيان بمثله؛ لأنه أتى بلغات لا يعرفونها، وفي ذلك ما فيه".
وقال آخرون:
"كل هذه الألفاظ عربية صرفة ولكن لغة العرب متسعة جداً، ولا يبعد أن تخفى على
الأكابر الجلة، وقد خفي على ابن عباس معنى (فاطر) و(فاتح)".
القول الثاني: قول
القائلين بوقوعه: وقد استدلوا على ذلك - كما قال أبو عبيد القاسم بن سلام - بما
"روي عن ابن عباس، ومجاهد، وابن جبير، وعكرمة، وعطاء وغيرهم من أهل العلم أنهم
قالوا في أحرف كثيرة: إنها بلغات العجم، ومنها قولهم: طه، واليم، والطور، والربانيون
فيقال: إنها بالسريانية.
والصراط، والقسطاس،
والفردوس يقال: إنها بالرومية.
ومشكاة، وكِفْلَينِ
يقال: إنها بالحبشية.
وهيت لك إنها بالحورانية؛
فهذا قول أهل العلم من الفقهاء".
وأجاب المجيزون لوقوع
المعرب عن قوله - تعالى -: [قُرْآناً عَرَبِيّاً] بأن الكلمات اليسيرة بغير العربية
لا تخرجه عن كونه عربياً، وأن القصيدة بالفارسية لا تخرج عنها بلفظة عربية تكون فيها.
وأجابوا عن قوله
- تعالى -: [أعجمي وعربي] بأن المعنى من السياق "أكلام أعجمي ومخاطب عربي".
القول الثالث: التوفيق
بين الرأيين والجمع بين القولين: قال أبو عبيد القاسم بن سلام بعد أن حكى القولين السابقين:
"والصواب عندي
مذهبٌ فيه تصديق القولين جميعاً؛ وذلك أن هذه الأحرف أصولها أعجمية كما قال الفقهاء،
لكنها وقعت للعرب؛ فعرَّبتها بألسنتها، وحوَّلتها عن ألفاظ العجم إلى ألفاظها؛ فصارت
عربية، ثم نزل القرآن، وقد اختلطت هذه الحروف بكلام العرب؛ فمن قال: إنها عربية فهو
صادق، ومن قال: أعجمية فصادق".
ومال إلى هذا القول
الجواليقي، وابن الجوزي وغيرها.
قال الجواليقيي:
"وذلك أن هذه الحروف بغير لسان العرب في الأصل، فقال أولئك على الأصل، ثم لفظت
به العرب بألسنتها، فعرَّبته، فصار عربياً بتعريبها؛ فهي عربية في هذه الحال؛ أعجمية
الأصل؛ فهذا القول يصدِّق الفريقين جميع".
ولعل هذا الرأي هو
الأقرب للصواب؛ فمن قال في كلمة سرادق -على سبيل المثال-: إنها فارسية؛ بمعنى أنها
انحدرت إلى العرب من الفرس فهو مصيب، ومن قال: إنها عربية؛ بمعنى أن العرب كانت تعرفها،
وتستعملها قبل نزول القرآنِ الكريمِ، والقرآنُ نزل بلغة تفهمها العرب - فهو مصيب كذلك.
رابعاً: المؤلفات
في المعرب:
من العلماء من أفرد
هذا الموضوع بمؤلف خاص، ومن الكتب المؤلفة في هذا ما يلي:
1- المُعَرَّب: لأبي
منصور الجواليقي ت450هـ فهذا الكتاب أقدم وأشهر مؤلف في هذا الباب.
وكان الغرض من تأليفه
جمع الألفاظ المعربة؛ حيث ساق فيه مؤلفه جملة من الألفاظ التي يرى أنها معربة، وتحدث
في المقدمة عن الخلاف في المعرب، وعن مذاهب العرب فيه، وعن العلامات التي يعرف بها
الأعجمي من الألفاظ.
وقد قال عنه السيوطي
- رحمه الله -: "وقد ألف في هذا النوع الإمام أبو منصور الجواليقي كتابه (المعرب)
في مجلد واحد، وهو حسن مفيد، وقد رأيت عليه تعقباً في عدة كراريس".
والكتاب مطبوع، ولعل
من طبعاته طبعة دار الكتب العلمية بيروت تعليق: خليل عمران المنصور، ويقع في 176 صفحة،
وهو مرتب على حروف المعجم.
2- في التعريب والمعرب:
وهو المعروف بـ(حاشية ابن برِّي على كتاب (المعرب) لابن الجواليقي.
وهذا الكتاب مصنف
صغير عَرَض فيه ابن بري لكتاب (المعرب) للجواليقي، فتعقب أقواله، فأورد حواشيه عليه
منسوقة على حروف المعجم؛ حيث درج فيها على إيراد قول الجواليقي، ثم يعقبها مصححاً تارة،
ومضيفاً تارة أخرى.
وقد قدم لهذه الحواشي
بنبذة يسيرة في طرائق التعريب عند العرب، وكيف تصرفوا في الأعجمي.
والمؤلف من أهل القرن
الخامس حيث توفي سنة 499هـ.
والكتاب خرج بعناية
وتعليق د. إبراهيم السامرائي.
3- المهذب فيما وقع
في القرآن من المعرب: للسيوطي - رحمه الله -.
وقد لخص فوائده في
كتابه (الإتقان في علوم القرآن).
هذه أشهر الكتب في
المعرب، وأما الكتب التي تكلمت عليه ضمن موضوعات أخرى فكثيرة، ككتاب الصاحبي لابن فارس؛
حيث تكلم على المعرب في عدة أبواب خصوصاً في (باب القول في اللغة التي نزل بها القرآن).
وكذلك السيوطي في
كتابيه المزهر، والإتقان؛ فقد أفرد النوع التاسع عشر من المزهر في (معرفة المعرب).
وعقد باباً من كتابه
(الإتقان في علوم القرآن): وهو (الباب الثامن والثلاثون: فيما وقع بغير لغة العرب).
خامساً: علامات العجمة
أو المعرب:
قال أئمة العربية
تعرف عجمة الاسم بوجود علامات منها:
1- النقل: وذلك بأن
ينقل عن أحد أئمة العربية كالأصمعي أو غيره بأن هذه الكلمة ليست عربية.
2- مخالفة الكلمة
للأوزان العربية: وذلك بأن يخرج الاسم عن أوزان الأسماء العربية، نحو إبْرِيسم؛ فإن
مثل هذا الوزن مفقود في أبنية الأسماء في اللسان العربي.
3- أن يكون أوله
نون ثم راء: نحو: نرجس؛ فإن ذلك لا يكون في كلمة عربية، وكذلك (نرس) و (نورج) و (نرسيان)
و (نَرْجه).
4- أن يكون آخره
زاياً بعد دال: نحو: مهندز؛ فإن ذلك لا يكون في كلمة عربية.
5- أن يجتمع في الكلمة
الصاد والجيم: نحو: الصولجان، والجص، والصنجق.
6- أن يجتمع في الكلمة
الجيم والقاف: نحو: المنجنيق.
7- خلو الكلمة الرباعية
أو الخماسية من أحرف الذلاقة: وسميت بذلك - كما مر في الحديث عن صفات الحروف ومخارجها
- لخروج بعضها من ذلق اللسان - أي طرفه - وخروج بعضها من ذلق الشفة.
وهي مجموعة في قولك:
(مُرَّ بنفل) ؛ فإنه متى كان عربياً فلا بد أن يكون شيء منها نحو: سفرجل، وقُذعمل،
وقِرْطَعْب، وجَحْمَرش؛ فإذا جاءك مثال خماسي، أو رباعي بغير حرف أو حرفين من أحرف
الذلاقة فاعلم أنه ليس من كلامهم مثل: (عفجش) و (خظائج).
8- اجتماع الباء،
والتاء، والسين: مثل: بستان.
9- اجتماع الجيم
والطاء: نحو: الطاجن، والطيجن.
10- يندر اجتماع
الراء مع اللام إلا في ألفاظ محصورة: مثل: ورل.
11- لا يوجد في كلام
العرب دال بعدها ذال إلا قليل: ولذلك أبى البصريون أن يقال بغداذ.
12- وقال ابن سيدة
في المحكم: ليس في كلام العرب شين بعد لام في كلمة عربية محضة؛ الشينات كلها في كلام
العرب قبل اللامات.
13- الدراسات التاريخية
والبحوث العلمية: فبذلك يمكن القول: إن هذا الحيوان، أو النبات، أو الدواء ليس موجوداً
في جزيرة العرب، وبذلك نعرف أن الكلمة ليست بعربية.
هذا وقد وجد الباحثون
بعد الاستقصاء أن أكثر ما دخل العربية من أسماء المعبودات والمصطلحات فهو من الهيروغليفية،
والحبشية، والعبرانية، وذلك كألفاظ الحج، والكاهن، وعاشوراء من العبرانية.
وأما أسماء العقاقير
والأطياب فأكثرها هندي كالمسك؛ فإنه في اللغة السنسكيرتية (مشكا) والزنجبيل فهو فيها
(زنجابير).
وأكثر ما يكون من
أسماء الأطعمة والثياب والفرش، والأسلحة، والأدوات، والملابس، والأواني فهو من الفارسية.
سادساً: دوافع التعريب:
أشار بعض العلماء
إلى ذلك دون ذكر مباشر له، وذلك كصنيع السيوطي في المزهر.
ومن خلال ذلك يمكن
أن تُتلمس الأسباب التي دفعت العرب إلى التعريب، والتي منها:
1- الحاجة أو الضرورة:
وذلك كالأسماء التي تفرَّد بها غير العرب كالفرس عن دون العرب؛ فاضطرت العرب إلى تعريبها
أو تركها كما هي.
وذلك كثير ومن أمثلته
ما يلي:
أ - من الأواني:
الكوز، الجرة، الإبريق، الطشت، الخوان، الطبق، القصعة، السُّكْرجَّة.
ب - من الملابس:
السَّمُّور، السنجاب، القاتم، الفنك، الدَّلق، الخز، الديباج، السندس.
ج - من الجواهر:
الياقوت، الفيروزج، البلَّور.
د - من ألوان الخبز:
الكعك، الجردق، السميذ، أوالسميد.
هـ - من الرياحين
وما يناسبها: النرجس، البنفسج، النِّسرين، الياسمين.
و - من الطيب: المسك،
العنبر، الكافور، الصندل، القرنقل.
2- الإلغاز والإعراب:
قال السيوطي: "قال ابن دريد في الجمهرة: باب ما تكلمت به العرب من كلام العجم
حتى صار كاللغز، وفي نسخة حتى صار كاللغة".
ثم ساق لذلك أمثلة،
منها: الدَّشت: وهي الصحراء، والبُوصي: السفينة، والأرندَح: الجلود التي تدبغ بالعفْص،
والقيروانُ: الجماعة، وأصلها كاروان.
3- الإعجاب وخفة
اللفظ الأعجمي: وذلك بأن يعجب العرب بلفظة أعجمية ثم يعمدون إلى تعريبها.
وربما كان اللفظ
الأعجمي خفيفاً؛ فلهذا يستعمله العرب، وربما تناسوا اللفظة العربية أو أهملوها.
مثل: الباذنجان كان
يسمى الحدج، ومع ذلك غلب؛ للإعجاب بما هو غريب.
وكذلك اللوبيا شاعت
وأهمل: الدّجَر.
وكذلك الإبريق في
لغة العرب يسمى التأمورة.
والتوت يسمى: الفُرصاد،
والأترج يسمى: المُتْك، والياسمين كان يسمى بالعربية: السَّمسق.
سابعاً: الألفاظ
المعربة في القرآن:
ذكر السيوطي - رحمه
الله - في كتابه (الإتقان في علوم القرآن) ألفاظاً عديدة، وذكر من قال بأنها معربة
من العلماء، وقال في نهاية الحديث عنها بعد أن رتبها ترتيباً ألفبائياً: "فهذا
ما وقفت عليه من الألفاظ المعربة في القرآن بعد الفحص الشديد سنين، ولم تجتمع قبل في
كتاب قبل هذ".
ثم قال: "وقد
نظم القاضي تاج الدين بن السبكي منها سبعة وعشرين لفظاً في أبيات، وذيل عليها الحافظ
أبو الفضل بن حجر بأبيات فيها أربعة وعشرين لفظاً وذيلت عليها بالباقي، وهو بضع وستون،
فتمت أكثر من مائة لفظة، فقال ابن السبكي:
السلسبيل وطه كُوِّرت
iiبِيَعٌ * رومٌ وطوبى وسجِّيل iiوكافورُ
والزنجبيل ومشكاةُ
سرادقُ مَعْ * إستبرقٍ صلوات سندس iiطور
كذا قراطيسُ ربانيهم
وغساق * ودينارُ والقسطاسُ iiمشهور
كذاك قَسْورةٌ واليمُّ
iiناشئة * ويؤت كفلينِ مذكور ومسطور
له مقاليدُ فردوسٌ
يُعَدُّ كذا * فيما حكى ابن دريد منه iiتَنَّور
وقال ابن حجر:
وزدت حِرْمٌ ومُهل
والسِّجلُّ iiكذا * السريُّ والأبُّ ثم الجبت iiمذكور
وقِطنا وإناهُ ثم
iiمتَّكِئاً * دارست يصهر منه فهو iiمصهور
وهيت والسَّكر الأواهُ
مع iiحَصَبٍ * وأوبي معْه والطاغوت مسطور
صُرْهُنَّ إصْري
وغِيْضَ الماءُ مع وزرٍ * ثم الرقيمُ مناصٌ والسنا iiالنورُ
وقلت - أيضاً -:
وزدت يس والرحمن
مع ملكو * ت ثم سينين شطر البيت iiمشهور
ثم الصراط ودرّي
يحور iiومَرْ * جانٌ ويمٌّ مع القنطار مذكور
وراعنا طفقَا هدنا
ابلعي iiوورا * ءٌ والأرائك والأكواب مأثور
هود وقسطٌّ كَفِّره
رَمْزَهُ iiسَقَرٌ * هَوْنٌ يَصِدِّون والمِنْسَاةُ iiمسطور
شهر مجوس وإقفال
يهود حَوا * ريُّون كَنْزٌ وسِجينٌ وتتبير
بعيرٌ آزرُ حُوْبٌ
وَرْدَةٌ iiعَرِمٌ * إلٌّ ومن تحتها عُبَّدت iiوالصُّور
ولِينَةٌ فُومُها
رَهْوٌ وأَخْلَدَ iiمن * جاةٌ وسيِّدَها القيومُ iiموقورُ
وقُمَّلٌ ثم أسفار
عنى iiكتباً * وسجَّداً ثم رِبيُّون iiتكثير
وحِطَّةٌ وطُوَىً
والرَّسُّ نونُ iiكذا * عدنٌ ومنفطرُ الأسباطِ iiمذكور
مسكٌ أباريقُ ياقوتٌ
رووا iiفهنا * ما فات من عدد الألفاظ محصور
وبعضهم عد الآوْلى
مع iiبطائنها * والآخرهْ لمعاني الضد مقصور
تاسعاً: طريقة العرب
في التعامل مع الألفاظ الأعجمية:
للعرب طريقة في التعامل
مع الألفاظ الأعجمية، وقد بين ذلك العلماء الذين تكلموا على المعرب، ويأتي على رأس
أولئك أبو منصور الجواليقي - رحمه الله -، حيث عقد في كتابه باباً تحت عنوان: (باب
معرفة مذاهب العرب في استعمال الأعجمي).
وتحت هذا العنوان
بين هذه المذاهب بقوله: "اعلم أنهم كثيراً ما يجترئون على تغيير الأسماء الأعجمية
إذا استعملوها.
فيبدلون الحروف التي
ليست من حروفهم إلى أقربها مخرجاً.
وربما أبدلوا ما
بعد مخرجه - أيضاً -.
والإبدال لازم؛ لئلا
يدخل في كلامهم ما ليس من حروفهم.
وربما غيروا البناء
من الكلام الفارسي إلى أبنية العرب.
وهذا التغيير يكون
بإبدال حرف من حرف، أو زيادة حرف، أو نقصان حرف، أو لإبدال حركة بحركة، أو إسكان متحرك،
أو تحريك ساكن.
وربما تركوا الحرف
على حاله لم يغيروه.
فمما غيروه من الحرف
ما كان بين الجيم والكاف، وربما جعلوه جيماً وربما جعلوه كافاً، وربما جعلوه قافاً،
لقرب القاف من الكاف، قالوا: (كُرْبَجٌ) وبعضهم يقول: (قربق).
قال أبو عمرو: سمعت
الأصمعي يقول: هو موضع يقال له: (كُرْبَكٌ) قال: يريدون (كربج).
قال سالم بن قحفان
في (قربق):
ما شربت بعد طوى
iiالقربق * من شربة غير النجاء الأدفق
وكذلك يقولون: (كيلَجَة)
و (كِيلَقَة) و (وقِيلقة) و (جُرْبُز) للكُرْبُز و(جورب) وأصله: (كورب) و (مُوزج) وأصله
(مُوزة).
وأبدلوا الحرف الذي
بين الباء والفاء فاءً.
وربما أبدلوه باءً،
قالوا: (فالوذٌ) و (فِرِنْد) وقد قال بعضهم (بِرند).
وأبدلوا السين من
الشين، فقالوا للصحراء: (دَسْت) وهي بالفارسية: (دشت).
وقالوا: (سراويل)
و (إسماعيل) وأصلها (شروال) و (إشماعيل) وذلك لقرب السين من الشين في الهمس.
وأبدلوا اللام من
الزاي في (قَفْشَليل) وهي المَغْرَفَة، وأصلها (كَفْجَلاز) وجعلوا الكاف منها قافاً،
والجيم شيناً، والفتحة كسرة، والألف ياء.
ومما أبدلوا حركته
(زور) و (آشوب).
ومما ألحقوه بأبنيتهم:
(درهم) ألحقوه بـ (هجْرَعِ) و (بَهْرَج) ألحقوه بـ(سَلْهَب) و (دينار) ألحقوه بـ (ديماس)
و (إسحاق) بـ (إبهام)، و (يعقوب) بـ(يربوع)، و (جورب) بـ (كوكب)، و (شُبارِق) بـ (عُذَافر)،
و (رُزْداق) بـ(قُرْطاس).
ومما زادوا فيه من
الأعجمية ونقصوا (إبْرَيْسَم) و (إسرافيل) و (فيروزو) و(قهرمان) وأصله (قِرْمان).
ومما تركوه على حاله
فلم يغيروه (خُراسان) و (خُرَّم) و (كُرْكم).
قال أبو عمر الجَرْمي:
وربما خلطت العرب في الأعجمي إذا نقلته إلى لغتها.
وأنشد عن أبي المهدي:
يقولون لي شَنْبِذْ
ولستُ iiمشنبذاً * طُوال الليالي أو يزولَ ثَبِيرُ
ولا قائلاً زُوذاً
ليعجَلَ iiصاحبي * وبِسْتَانُ في صدري عليَّ iiكبيرُ
ولا تاركاً لحْني
لأَحْسَنِ iiلَحْنِهمْ * ولو دار صرف الدهر حين يدورُ
(شَنْبَذْ) يريدون
(شون بوذي)
(زوذ) (اعجل) و
(بستان) (خذ).
قال: وإذا كان حُكي
لك في الأعجمية خلاف ما العلامة عليه فلا ترينه تخليطاً.
فإن العرب تُخَلِّطُ
فيه، وتتكلم به مُخلطاً؛ لأنه ليس من كلامهم، فلما اعْتنقوه وتكلموا به خلَّطوا.
وكان الفراء يقول:
يُبنى الاسم الفارسي أيَّ بناءٍ كان، إذا لم يخرج عن أبنية العرب.
وذكر أبو حاتم: أن
رؤبة بن العجَّاج والفصحاء، كالأعشى وغيره ربما استعاروا الكلمة من كلام العجم للقافية،
لتُستطرف، ولكن لا يستعملون المستطرف، وربما يُصرِّفونه، ولا يشتقون منه الأفعال، ولا
يرمون بالأصلي، ويستعملون المستطرف، وربما أضحكوا منه، كقول العَدَوي:
أنا العربيُّ الباكْ
أي: النقي من العيوب.
وقال العجاج:
كما رأيتَ في المُلاءِ
البَرْدَجاَ
وهم السبي، ويقال
لهم بالفرسية (بَرْدَه) فأراد القافية".
عاشراً: التعريب
عند المُحْدَثين: بحث المحدثون موضوع التعريب، وكانوا في ذلك على فريقين:
الأول: منعوا فتح
باب التعريب؛ بحجة المحافظة على العربية.
والفريق الآخر: أجازوا
ذلك، وقالوا: إنه لا بد من مواجهة الحديث، وبهذا تكون المحافظة الحقة على العربية؛
إذ ترك التعريب فيه حجر على اللغة، ومن ثم يصدق عليها قول من يَصِمُها بأنها ميتة.
وقالوا -أيضا-: إن
التعريب من أساليب تنمية اللغة، ودلالة سعتها، واستيعابها.
وبعد دراسات طويلة
توصل مجمع اللغة العربية في مصر إلى جواز التعريب، وأجمعوا على أن العربيَّ أولى وأفضل
من المعرب، ووضعوا للتعريب شروطاً منها:
1- أن يكون اللفظ
المعرب مما نحتاج إليه تمام الاحتياج.
2- أن يكون على مقاييس
العرب، فلا بد من إخضاعه على العربية من الناحية الصوتية والصرفية.
وإليك نص قرار المجمع
بهذا الصدد: "يجيز المجمع أن يُستعمل بعض الألفاظ الأعجمية عند الضرورة على طريقة
العرب في تعريبهم".
حادي عشر: معوقات
التعريب: لا ريب أن للتعريب حسنات، ولكن يقف دونها عقبات، منها:
1- تشتت الجهود:
وذلك كتعدد المجامع؛ فقد تختلف بعض المصطلحات من مجمع إلى مجمع ومن باحث إلى آخر.
2- فقدان التطبيق:
فقد تتفق المجامع على شيء، ثم لا يُلتزم به، ولا يستعمل في الكتابة، والتأليف.
3- التأخر في تعريب
المصطلحات: وذلك عندما يفكرون في تعريب مصطلح شاع منذ عشرات السنين، مثل: كمبيوتر،
وليموزين، ونحوها؛ فالمتعين أن يفكر في المصطلح قبل شيوعه، أو في بداية استعماله، فيوجد
له اسم مناسب، قبل أن يسبق عليه الاسم الجديد.
4- نقل المصطلحات
الجديدة دون تحري الدقة: فقد تُعرَّب بعض الألفاظ من قبل بعض الكتاب دون أن ينظر إلى
معناها الحقيقي؛ فتشيع في الناس، ويكون له أثر فكري.
وذلك مثل (العلمانية)
فمعناها الحقيقي (اللادينية) لأن أوربا إبان إطلاق هذا المصطلح كانت تفرق بين العلم
والدين؛ فالدين - في نظرهم - يقف أمام العلم.
وهذا يصدق على دين
الكنيسة المنحرف.
أما بالنسبة للإسلام
فإنه دين العلم حقاً؛ فلما نقل هذا المصطلح اكتسب مدحاً بصفته يدعو إلى العلم.
وكذلك كلمة (إرهاب)
حيث شاعت في الناس، ولم يحدد معناها المراد؛ فصار يُلبس على من يشاؤه القوي، وينزع
عمن يشاؤه؛ بغض النظر عن مصداقية ذلك
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق