هل سمعت بحرفي القيف والجيف؟.. دعوة جادة لوضع قواعد لغوية للهجات المحكية في السعودية
يخوض اللغويون في السعودية في نقاش واسع عن اللهجات المحكية في مناطق المملكة الشاسعة وما حولها، بشكل لافت في الفترة الماضية، وسط دعوة جادة لتنظيم تلك النقاشات وما ينتج عنها من اتفاقات لغوية غير رسمية، لا يوجد إجماع بين اللغويين أنفسهم عليها.
القيف والجيف
ففي أحدث تلك النقاشات للدكتور عبدالرزاق الصاعدي، وهو باحث لغوي متخصص، ومؤسس أحد مجامع اللغة في المملكة، يشرح كيفية لفظ حرفين من حروف ”القفقفة“ على حد تسميته.
ويقول الصاعدي في شرحه للحرفين، اللذين لا ينتميان لحروف اللغة العربية الفصحى الـ28 المعروفة: ”من حروف القفقفة: حرف القَيْف وحرف الجَيْف، وهما للباحثين اللهجيين: (چمل): والأصل: (جمل). هذه الجيم اليمنية أو العمانية أو القاهرية، وسماها بعض الباحثين الجاف، و(ݠمل): هذه القيف وهي القاف التميمية، والأصل: (قمل)، قمل الرأس، ومثال آخر: (رچع) بالجيف= (رجع) بالفصحى، و(رݠع) بالقيف= (رقع) بالفصحى“.
ويمثل ذلك النقاش جانبًا محدودًا من نقاشات أوسع، يخوضها المختصون والباحثون اللغويون، ويشاركهم ويتفاعل معهم كثير من المهتمين باللغات واللهجات المحكية عن العربية الفصحى، دون أن يعني ذلك أن هناك اتفاقًا كاملًا في تلك النقاشات على ترسيخ تلك الحروف أو الاعتراف بها أو الاتفاق على طريقة لفظها.
مرجع موحد
وسليمان ناصر الدرسوني، وهو باحث ومؤلف معروف في اللهجات المحكية في السعودية، وقد ألف معجمًا عن تلك اللهجات، يدعو إلى وضع مرجع نهائي وموحد لعلم اللهجات الحديثة؛ لضبط عمل الباحثين اللغويين وإبقائه ضمن المنهج العلمي في البحث والدراسة“.
وجاء كلام الدرسوني، خلال لقاء مع ”إرم نيوز“، تحدث فيه عن آخر ما وصلت إليه أبحاث اللغويين في بلاده، التي يصف لهجات سكانها بأنها الأصفى والأنقى والجديرة بالبحث والدراسة..، وأن السعودية هي أرض المنبع للعربية وهي الأولى برعايتها وصونها وتطويرها لتواكب العصر“.
ويقول الدرسوني، وهو عضو الجمعية السعودية للهجات والتراث: ”من الأهمية أن تتولى جهات أكاديمية متخصصة، تضم نخبة من العلماء والباحثين في علم اللهجات، والأخذ بها من جميع جوانبها الصرفية والنحوية والدلالية والمعجمية وأماكنها وحدودها، وأيًّا منها القريب والبعيد والراقي والمتدني عن الفصاحة، واستخلاص ما فيها من ألفاظ فائتة على المعاجم الكبرى واستدراكها لتجتمع في النهاية جملة من القرارات والقواعد الموصى والمتفق عليها؛ لتكون المرجع النهائي لعلم اللهجات الحديثة“.
ويمهد الدرسوني لدعوته في وضع مرجع موحد للهجات، بالقول: ”اللهجات العربية لم تعد كما كانت، فمن عصر التدوين إلى عصرنا هذا، طرأ عليها الكثير من التطور والتحديث، في عصر انتشرت فيه العلوم والتقنية، فاختلطت اللهجات ببعضها، ودخل فيها الكثير من الحديث والغريب بلا استئذان وبقوة، باستثناء التي داخل حدود الجزيرة العربية إذ مازال أكثرها على أصولها فهي أرض المنبع لها“.
جهود فردية
ويوضح الباحث السعودي سبب دعوته بالقول إن ”دراسة اللهجات، الحديث منها والقديم، قامت على جهود فردية، فتعددت الدراسات والبحوث، إذ تجد بعضها محشوة بالنقل والأخذ والاستشهاد وتعدد طرق وأساليب صياغة البحث والطرح، ولكثرتها لا تعرف بأي منها تأخذ، ومازال الحال مستمرًا على هذا النهج، ولضعف أغلب تلك الدراسات لا تراها ظاهرة على الساحة العلمية“.
ويرى الدرسوني أن هناك لهجات لم تصلها يد الباحث، أو لم تأخذ نصيبها من الدراسة والبحث، ولهجات ظلمها الباحثون الأوائل ولم يأخذوا بها لمجرد الشك في صفائها وهي كثر، مشيرًا إلى وجود تأثير للعصبية القبلية التي تدخلت في اللهجات، ”والكل يقول أن لهجته هي الفصحى ومادونها غير فصيح وهذا خروج عن المعهود“.
قرارات مجمدة
ويشير صاحب معجم ”اللهجات المحكية“ إلى أن ”المؤتمرات والجمعيات والندوات التي تعقد باسم اللهجات وعلومها، يقدم فيها المجتمعون أوراقهم متضمنة طرقًا وأساليب للنهوض باللهجات العربية، والأخذ بها من جميع جوانبها، وتنتهي ببعض القرارات والتوصيات التي لا يرى بعضها النور، ويتكرر هذا الحال، ولكن تختلف الوجوه والعناوين والقاعات، فتكون النتائج غير مرضية والجهود ضائعة“.
ويرى الدرسوني أن مركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمي لخدمة اللغة العربية، هو الأولى والأقدر على ذلك، كون لديه الإمكانات جميعها ليقوم بمثل هكذا عمل، ويصبح هو المرجع الرئيس لجميع التوصيات والنظريات والبحوث والدراسات التي تمس قلب اللغة العربية ولهجاتها.
وأنشأت السعودية مركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمي لخدمة اللغة العربية قبل نحو 10 سنوات، بهدف المحافظة على سلامة اللغة العربية وإيجاد البيئة الملائمة لتطويرها وترسيخها ونشرها والإسهام في دعمها وتعلمها.
ومن بين أهداف المركز الذي ينظم ويدير عدة فعاليات للنشر والتعليم والتعريف باللغة، العناية بتحقيق ونشر الدراسات والأبحاث والمراجع اللغوية، ووضع المصطلحات العلمية واللغوية والأدبية والعمل على توحيدها ونشرها، وتكريم العلماء والباحثين والمختصين في اللغة العربية، وتقديم الخدمات ذات العلاقة باللغة العربية للأفراد والمؤسسات والهيئات الحكومية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق