سأحكي لكم أيها القرّاء الأعزّاء قصتي حين انحدرت تاركاً باحتي وقريتي بكل ما فيها من جمال وخضرة وهواء نقي من الصعب الانفصال عنها، فكل من عاش فوق تراب الباحة الطاهر، أو أي قرية في مناطق مملكتنا الحبيبة، ومَنْ يفعل ذلك فهو الموت البطيء أَشْبَه بالسمكة التي تخرج من موطنها البحري! الآن أبدأ سيرة الرحيل بالتفصيل غير المُمِلّ:
«غادرت باحتي وأنا كلي جراحٌ، ووفاء لقريتي خَيْرَة ببلاد زهران، ولا أخفيكم سِرّا بيني وبينكم طبعا هُسْ لا أحد يسمعنا؟! حسناً سأحكي ذاك الجرح وهو أن بعض الأصدقاء وزملاء الحرف إعلاماً، تنكّروا لمسيرتي القصيرة، وكل لقاءاتنا معهم، تريدون الصراحة معهم كل الحق فَمَنْ أنا حتى يجهزوا حفلة لوداع الجنّي السعلي وبضاعتي الكلام والحرف فقط؟!
المهم وجهتي الآن عروسة البحر جدة، بكل ما في هذه المدينة من مفاتن، بَحْرُها ، ناسها الطيبون ازدحامها حديدا وأناسا... كل ما في هذه المحافظة مختلف وإن كنت سمعت مقولة:
«جدة غير» ، أول ما سألت عنه حين استقرّت أموري هو مكان نادي جدة الأدبي، لأني من دون الثقافة والأدب وممارسة هوايتي المحببة ليّ كثيراً الصحافة حتماً هو الموت الآخر بعد رحيلي عن باحتي، كان من عرّفني على ذلك زميلي في المدرسة الجميل وليد موريا، والذي بعد أول فعالية في النادي نحضرها سوياً كُنّا فرحين، لكن العجيب في تلك الليلة ونحن عائدان في الطريق صدمتنا سيارة أحد التجّار الوجهاء جداً جداً، وبالقوة أقنعتُ صديقي وليد بالفارق الكبير سِعْرَاً بين سيارتهم الفارهة و»قرنبعنا» مضت تلك الليلة على خير، ولكن كلما نتذكرها الآن نمارس القهقهات كثيرا خصوصا حين ترجّل الحارس الشخصي لصاحب السيارة الفارهة، وعرضه وطوله وعضلاته كالمصارع «آندر تيكر» ونحن أمامه... المهم التحدي الحقيقي هو لهجتي الباحوية نشأت وتربيت عليها، وغدا لساني سُكّرها، وقفتُ أمام طلابي وأنا بين لغتي العربية، ومادة الأدب، وبين لهجتي بألحانها الجنوبية.. فما الحل إذاً؟!
هنا صنعت الأعجوبة وإن أردتم المستحيل!
جعلت طلابي بالثانوية بعد نصف عام، ينافسوني في لهجتي والتي هي على كل حال، قريبة جداً من مفرداتها من اللغة العربية، هذا الإصرار مني هو إيماني بأن الإنسان ابن بيئته، وتمسّكه بذلك هو قِمّة النجاح الراحل الروائي عبدالعزيز مشري يرحمه الله نموذجاً ولعل أعماله «الوسمية» و»المغزول»... وشهرتها خارج المملكة خير دليل.
سطر وفاصلة
حين أكتب أعشقُ حرفي أتسامر معه، تغار جملتي يقف سطري كالثعبان في وجهي، هنا أعزف بالحب أهيم بالعشق ،فيسكنني حرفي أكثر ، ويحمرّ وجه جملتي ويطاوعني سطري لأكتب عن رواية الكتابة عند #علي_السعلي في #ملامح_وممالح.
** **
- علي الزهراني (السعلي)
الجزيرة الثقافية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق