2014/11/28

اصالة اللغة

أصــالة اللغـة
إبراهيم راشد
قال تعالى: (( وعلّم آدم الأسماءَ كلّها )) "[1][1]".
لقد أخبرنا الله تعالى أن آدم عليه السلام تعلم الأسماء كلها ,أسماء جميع الأشياء على الأرض قبل أن ينزل من الجنة إلى الأرض, بعد أن أمره الله سبحانه وتعالى أن يهبط من الجنة بعد أن أزله الشيطان منها , وعلماء الإسلام القدامى قالوا إن آدم كان يتكلم العربية
, وظلت تتطور إلى أن كان أول من تكلم العربية الفصحى إسماعيل عليه السلام.
وقد كانت الناس على زمن الرسول -صلى الله عليه وسلم- تتكلم العربية الفصحى ,ومع تقادم الزمان و اختلاط غير العرب من العجم الذين دخلوا الإسلام بالعرب, استحدثت لغة ولهجة عامية لا تمت للعربية بصلة,فتغلب استخدامها على استخدام المصطلحات العربية ,وبدت تأخذ حجم يتجاوز حجم اللغة العربية الفصحى ,وفشت هذه الظاهرة  بأغلب العرب, ولكن بقيت جهات لاحظ فيهم المتخصصون القدامى والمثقفون المعاصرون تناولهم الألفاظ العربية بنفس معانيها ودلالاتها عند العرب في القرون الأولى من الإسلام,و بشكل كبير مقارنة بغيرهم,واحتفظت بحجم كبير من مصطلحات العربية الفصحى,كما تستخدم بلا تكلف ,وتأتي على السليقة العربية من أفواههم ,ومن هذه الجهات منطقة  تهامة وسرات الأزد بمنطقة عسير, ولا غرابة فقد كانت لغة الأزد من اللغات المعتمدة عند علماء العربية ,وقد اهتموا بتدوينها وبالاستشهاد بها في عصر الاحتجاج اللغوي,وقد شهدوا لهم بالفصاحة,فقد حدد اللغويين الأمكنة والقبائل التي يحتج بلغتها في جمعهم اللغوي ومنه ما ذكره الفارابي[2][2] في كتاب الحروف حيث قال:"فتعلموا لغتهم والفصيح منها من سكان البراري منهم دون أهل الحضر ثم من سكان البراري من كان في أوسط بلادهم ومن أشدهم توحشاً وجفاء وأبعدهم إذعاناً وانقياداً وهم قيس وتميم وأسد(الأزد) وطئ ثم هذيل فإن هؤلاء هم من نقل عنه لسان العرب والباقون فلم يؤخذ عنهم شئ لأنهم كانوا في أطراف بلادهم مخالطين لغيرهم من الأمم مطبوعين على سرعة انقياد ألسنتهم لألفاظ سائر الأمم المحيطة بهم من الحبشة والهند والفرس والسريانيين وأهل الشام وأهل مصر ".

وقد ساهمت أسباب عدة في منع تأثرهم بلغات العجم وغير العرب وبالتالي بقاءهم على استخدام الكلمات العربية الفصحى وبحجم كبير يضاهي غيرهم في أرجاء الجزيرة العربية ,والذين كان لاختلاط العجم بهم أثر على ضعف حجم العربية الفصحى في حديثهم وكلامهم.ومن تلك الأسباب: وعورة التضاريس في منطقة أزد السراة وتهامة والتي تفرض عدم مرور التجار والحجاج إلا من طرق محددة - وحتى طرق الحج والتجارة التي تمر بديارهم لم تكن لتؤثر عليهم لتقاليدهم الصارمة في جانب النسب والتمسك بعاداتهم وتقاليدهم - ,ولمنعتهم وبأسهم الذي ساهم في تصديهم للعديد من الغزاة ,ولبعدهم عن المناطق التجارية الكبيرة والأماكن المقدسة التي تفرض وجود الأجانب والعجم ,ولعاداتهم القبلية المتشددة إزاء الحفاظ على النسب من الاختلاط أو الزواج من غير العرب,ولأن موقعهم موقع داخلي غير ساحلي ,فالمناطق الساحلية مناطق اختلاط وتجارة وبالتالي كانت عرضة لذلك التأثير على العربية الفصحى,ولعدم مجاورتهم للعجم وبعدهم عن المناطق المجاورة للعجم.

وقد أكد هذا المعنى الدكتور عبد الله آل فائع القحطاني في معرض حديثه عن القبائل التي اشتهرت بالفصاحة, فذكر الأزد وأهل تهامة فقال:  كذلك ينطبق على سكان كنانة وأزد الجنوب ومذحج, فسكان هؤلاء المناطق يعيشون بعيداً عن الأمم الأعجمية أو غير العربية ,ولم تتعرض بلادهم لأية هجرات أعجمية، لذا فإن لغتهم ولهجتهم هي أساس اللغة العربية ولا زال سكان هذه المنطقة يتحدثون باللغة واللهجة العربية الفصحى ,مثل: قبائل ربيعة ورفيدة وسكان تهامة..[3][3].

وقد امتدح فؤاد حمزة في كتابه (قلب جزيرة العرب) حيث كتب يقول:  أفصح اللهجات وأقربها إلى الفصحى – فيما نعتقد- هي اللهجات اليمانية الواقعة بين جنوبي الحجاز وشمالي اليمن، وكثيراً ما سمعنا أهل هذه البلاد يلفظون الكلمات من مخارجها الصحيحة، ويتكلمون بما هو أقرب إلى الفصيح من سواه، وبعض البداة من أهل المنطقة يُخرجون جملاً يظن منها الإنسان أنهم تمرنوا في المدارس على إخراجها على ذلك النحو، بينما الحقيقة هي بخلاف ذلك، لأنهم يتكلمون بالسليقة وعلى البديهة فيجيء كلامهم فصيحاً معرباً لا غبار عليه,ويستعملون ألفاظاً نظنها في الأقطار العربية المتمدنة مهملة ومتروكة ولكنهم هم يستعملونها على البداهة[4][4].



ومن قبائل الأزد سكان جبل ضِرْم بتهامة بَلْلَّسْمَر ,وقد لمست في حديثهم وتخاطبهم كثيراً من الكلمات العربية الفصحى التي نجد لها أصلاً في الكتاب والسنة وكتب فقه اللغة,ولعلنا  نأتي على ذكر بعض هذه الكلمات العربية الفصحى التي لا تزال متداولة بين أهالي جبل ضِرْم إلى يومنا هذا. مستعيناً في هذا الصدد ببحث منشور للأستاذ محمد آل سهيل بعنوان "اللهجات المحلية للمنطقة الجنوبية" [5][5].منتقياً منه الكلمات المستعملة عند أهالي جبل ضِرْم ,حرصاً مني على التوثيق والتوعية..   فمنها قولهم:-

1- سورة البقرة,آية : 31
2- هو أبونصر محمد بن محمد بن طرخان الفارابي التركي الحكيم توفي سنة330هـ(وفيات الأعيان 5/153-156)نقلاً عن كتاب لهجة الأزد في عصر الاحتجاج اللغوي لـ جمعان بن عبدالكريم الغامدي,ص341.
[3][3]- القحطاني، عبد الله بن سالم آل فائع، معجم العادات والتقاليد واللهجات المحلية في منطقة عسير ( مقدمة الكتاب).
[4][4]- حمزة, فؤاد، قلب جزيرة العرب، ص99, دار اليقين .

5-آل سهيل,محمد بن سهيل بن صالح,كتاب اللهجات المحلية للمنطقة الجنوبية. مطابع الجزيرة. الطبعة الأولى1426

ليست هناك تعليقات: